متاجر الثياب الفاخرة ترسخ التفاوت الطبقي في
سورية
متاجر الثياب الفاخرة ترسخ التفاوت الطبقي في سورية
طباعة أرسل لصديق
خلود شحادة - دي برس
11/ 07/ 2010
في منتصف سوق مدحت باشا يبدو المشهد مختلفاً عن توليفة السوق القائمة على محلات متراصة متواضعة يقصدها عامة الناس، هناك ستجد رجلان يرتديان بدلة سوداء فاخرة ويقفان أمام باب خشبي تعلوه لوحة كتب عليها "فيلا مودا" فيما سيارات فارهة تصطف لتترجل منها سيدات تبدو عليهن مظاهر النعمة،
يبدي لهن "البودي كارد" مظاهر الترحيب ومن ثم يلجن المحل بحثاً عن ثياب يتجاوز سعر القطعة منها مئة ألف ليرة سورية، وبالتالي فأن بدل كامل مع إكسسواراته قد يكلف الزبونة ما يقارب نصف مليون ليرة سورية،
وفقاً لإحدى العاملات في المحل.
وبمكان ليس ببعيد تصر أم محمد الأم لخمسة أطفال على مفاصلة أحد الباعة في سوق الحميدية بغية شراء كنزة لإبنها البكر بـ 500 ل.س وهو مبلغ اقتطعته من المصروف الشهري، ولا تعتقد أن الشهر سينقضي بدون ديون بعد فعلتها تلك فتقول: "
بين الفينة والأخرى أخصص مبلغ مشابه لشراء قطعة ملابس لواحد من أولادي فقط، فنحن نعيش على راتبي زوجي الذي لا يتجاوز 12000 ليرة سورية".
وبين المشهدين تختلف التفاصيل كثيراً لتبين،
ووفقاً للباحث الاقتصادي عابد فضلية: "فإن المجتمع السوري يعاني تفاوتاً طبقياً وعدم عدالة في توزيع الدخل، وينقسم الى شريحتين ثرية وفقيرة لا مكان للطبقة الوسطى بينهما وهذا مؤشر خطير هذه الظاهرة غريبة بالنسبة للدخل السوري الذي يبلغ حوالي 6073 ليرة سورية للموظف، وبحسبة بسيطة فإن سعر القطعة الواحدة يكفي لإعالة عشرة أشخاص على مدار شهر كامل".
وزيرات وزوجات مسؤولين
يبلغ عدد متاجر الألبسة الفاخرة في دمشق حوالي الثمانية تقريباً، تنتشر جغرافيا في كلا من المالكي و أبو رمانة والتجهيز وتلك الأحياء بحسب أحد الباحثين الاجتماعيين خصصت لذوي الثروات من المسؤولين والتجار المترفين: "من غير الطبيعي أن تكون تلك المحلات في الدويلعة أو عش الورور أو كشكول كونها أحياء تكتظ بالفقراء، ولكل مستواه الاجتماعي الذي يخلف وراءه نمط حياة مختلف كلياً، بالمحصلة الإجابة على كل التساؤلات تكمن في رؤية زبائن المتاجر الفاخرة".
وزيرات وزوجات مسؤولين وسيدات أعمال وفنانات يتقاطرن إلى تلك المتاجر
وفقاً لمسؤولة الموارد البشرية لماركة "لوريل" الألمانية "وإسكادا"، وخصوصاً في بداية الموسم أثناء عرض المجموعة الجديدة "لا يسألن عن السعر مطلقاً، يهمهن شراء ثياب تميزهن عن مثيلاتهن، ولذلك تحرص المتاجر على عدم تكرار القطع والألوان".
الفنانة ميادة الحناوي تعبر وبصراحة عن الإختلاف الجذري في طبيعة الشراء والذي تفرضه المكانة الاجتماعية لهذه السيدة أو تلك فتقول لـ"دي برس": "لا يناسبي كفنانة أن ارتدي ثياب موجودة لدى الأخريات، مكانتي تقتضي أن أكون متميزة دائماً حتى من ناحية المظهر، وبصراحة هذه المحلات بما فيها المتجر التابع للفورسيزون تحقق لي متعة الشراء والتفرد بثياب أنيقة".
وتتقاطع الأراء ما بين الفنانة السورية
وزوجة أحد المسؤولين التي لا تتذكر عدد الملايين التي تنفقها سنوياً ثمناً للملابس فتقول لـ"دي برس": "بحكم منصب زوجي أرافقه في سهرات كثيرة، وأكون شديدة الحرص على الظهور الأنيق، وافتتاح هذه المحلات في الآونة الأخيرة وفر علينا السفر للخارج بغية إحضار الملابس".
زبائن عالمسطرة
تسوق برجوزاي يختلف كليا عن نظيره البوليتاري، حيث تغيب عن الأول مفردات المفاصلة والتنزيلات وتأفف البائع، لتجد في تلك المحلات الفاخرة موظفين بأناقة مفرطة تماماً كإفراطهم في عبارات الترحيب والتهذيب، يقول عمر المحاسب في "مودا بار": "مكانة الزبون وقدرته الشرائية تفرض نمطاً مختلفاً من التعامل معه، هنا توجيب الزبون وصية من رب العمل والإخلال بها يؤدي للطرد لا محالة، بالعموم الزبائن معروفين ومحدودين وفي حال دخل أحد العامة إلى المحل نعرفه من مظهره ومن علامات الإندهاش التي ترتسم على وجهه عند معرفة السعر".
ومن الممكن أن يمر اليوم بأكمله ولم يدخل المحل سوى زبون واحد لكنه يغني عن ألف بحسب ذات الموظف: "التركيز يكون على نوعية الزبون وليس على العدد، فزبون واحد ينفق ما يقارب الخمسمائة ألف لشراء ما يريد، وهذا النوع من الزبائن هو هدفنا".
الأمر الذي يجده فضلية منطقياً فوجود طبقة من ذوي الدخول العالية والأرباح الكبيرة تتطلب وجود سلع غالية الثمن، منطقياً غير موجهه للشريحة العريضة في المجتمع وأغلبها من الفقراء.
تحرير أسعار
يبلغ عمر بعض تلك المحلات التسع سنوات تقريباً، الأمر الذي يرجعه الباحث الاقتصادي حيان سليمان إلى الإنسياب الكبير للسلع من مصادر متعددة الى السوق السورية وكان هذا على حد قوله بسبب توقيع الاتفاقيات الكثيرة بخصوص التبادل السلعي و تحرير الأسعار من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة السورية.
الامر الذي يؤكده أحد ملاك تلك المتاجر بالقول: "تحرير الأسعار شجعنا على فتح المزيد من تلك المحال، كونه مكننا من تحقيق الربح، فغلاء أسعارنا عائد لارتفاع تكاليف الاستثمار العقاري في الأحياء الراقية، فضلاً عن مسببات أخرى تتعلق بالضرائب وأجور العمال".
وكلمة تحرير كانت بمثابة مفتاح سري لهؤلاء بحسب حيان، لذلك تجد تفاوت كبير بالسعر بين محل وآخر وبين قطع الثياب نفسها دون معرفة الأسس التي يتم وفقها التسعير، وما يشجع على ذلك عدم اكتراث الزبون للسعر الباهظ.
إعفاء
التحرير ذاته يعفي تلك المحلات بحسب محمود المبيض مدير التجارة الداخلية بدمشق من الرقابة على الأسعار لتنحصر بمواصفات السلعة: "نراقب ما هو موجود في بطاقة البيان، ويجب أن تحوي البطاقة على مواصفات المادة وهنا يكمن دورنا في حماية المستهلك".
كذلك تسير وزارة المالية لجان ضريبية سنوية إليها مهمتها كشف حالات التهرب الضريبي والاطلاع على فواتير البيع _ على حد قول رياض عياش مدير المالية في الوزارة _ وفي حال وجود مخالفة يتم تغريم المستثمر بمبلغ مالي يتحدد تبعا لها، غير أنه يؤكد أن مخالفات هذه المحال نادرة.
عودة إلى البداية
تخرج السيدة الثرية من المحل الكائن في سوق مدحت باشا وأحد الموظفين يحمل لها أكياس ورقية فاخرة تحوي ثياباً بثلاثمائة ألف ليرة سورية و"الباديكارد" يسارع لفتح باب سيارتها الأودي الحديثة، فيما تتابع أم محمد جولتها في سوق الحميدية والعمليات الحسابية من جمع وصرح تفصفص ما تبقى من راتب زوجها الضئيل، المهم أنها وكما تقول: "لن تخصص أي مبلغ في الشهر القادم لشراء الثياب التي غالباً ما توقعها تحت وطأة الديون و حاجة الناس رغم سعرها البخس".