اقتباس:الفطرة هي مستودع وهبة تحمل كل خير ، وهي منبع الأخلاق ، والأخلاق إيمان ، والإيمان أخلاق .. ولو انطلق الإنسان مع الفطرة لكانت كافية بأن تصحح مسار حياته ، لكن المشكلة في المؤثرات التي تطغى على صوت الفطرة الخافت ، هذه المؤثرات يحضرها العقل ، والعقل يتعامل مع الخارج دائماً ، وأسوأ ما يقدمه العقل هو النقل عن الآخرين على شكل حقائق لم يكتشفها هو بذاته ، ولكن ثقة بمكانة قائليها عند الناس وشهرتهم ، سواء كانت محلية أو عالمية ، فالشكر مثلاً نابع من الفطرة ، ويقبله الشخص إلى حد ، ولكن عندما تريد الفطرة أن تشكر من أوجدها ، وتبحث عنه ، فيتدخّل هنا العقل الناقل مع أن هذا العقل سمح للإنسان في الشكر ما دون ذلك ، فيكون إذاً قد أوقف الفطرة ، ومنطقياً إما أن تتبع الفطرة إلى الآخر أو ترفضها بالكامل ، أي ترفض الشكر كله أو تقبله كله . والمنطق السليم كذلك مبني على الفطرة ، فهو يعرف أن لكل شيء سبب ويقر بذلك ، ولكن عندما يريد المنطق أن يكمل السلسلة في معرفة سبب الوجود ، يتدخل العقل الناقل ليوقف هذه السلسلة ويوقف معها الفطرة ، وهكذا يا سيدي .. إما أن ترفض منطق السببية بالكامل أو تقبله بالكامل .
زميلي الكريم
إما أن تقبل العدل كله أو ترفضه كله
وما هو غير عادل على الأرض هو غير عادل عند الله ايضا
فالعدل يقول أنه يجب أن يتكلم الله مع كل إنسان لكي تقام عليه الحجة وليس مع إنسان واحد فقط , وهل المحاكمة في الامور الغيبية من العدل في شيء , فما دامت هي غيب فأين العدل في محاكمة إنسان إذا لم يؤمن بها
وما ذكرت من أمثلة فأقول لك ما قاله القرآن لك
ليس كمثله شيء والذي ليس كمثله شيء لا يحتاج للشكر ( والشكر هو شيء , اليس كذلك )
وأما السببية فإن الزمانا بها كلها فهذا يؤدي بنا إلى القول بمن خلق الله .
اقتباس:ديالكتيك الأخلاق تقبله بموجب الفطرة ، وعندما يصل إلى إستكمال حلقاته يُوقَف هذا الديالكتيك مثلاً ، كل من يفعل معروف ،يلقى جزاؤه ، وكل من يعمل سوءاً يلقى جزائه ، وهذا مقبول لديك ، ولكنه يقف بموجب الفكر الإلحادي المادي عندما يموت الجاني والضحية دون أن يحصل أحد منهما على جزائه ، بدافع من العقل الناقل ، بعبارة أخرى : الفكر المادي الإلحادي يقبل بالفطرة ولا يقبل بها معاً ، وهذا قطع وتناقض ،فإما أن تقبل الفطرة إلى الآخر أو ترفضها من الأساس ، لهذا قلنا عن الفكر المادي أنه فكر نصفي وقاطع وسارق للفضيلة ، واضعا إياها بيد المصلحة ، فالفطرة والأخلاق لا شط أنها أرقى إنسانياً من المصلحة ، الفكر المادي سرق الفضائل وسلمها للمصلحة ، أي أنه جعل الشرف عبداً للأنانية ، والرفيع عبداً للوضيع ، والأصل تبعاً للفرع . هذا الفكر المادي هو عقلية قاطع الطريق ، الذي يترصد كل شيء ثمين ، ليقطع طريقه ويضعه في حقيبة الطمع والأنانية ، ولا شك أن هذا الفكر نابع من رؤوس مادية جشعة ، تريد أن تمتلك كل شيء لها ، بدون حقه .
يا أخي عماذا تتكلم
هل الأمر مجرد إنشاء وصف كلمات
فالاعمال الاجرامية لها عقوبتها في الدنيا ويحاسب عليها الكافر والمؤمن ( بالغيب )
والأخلاق ليست حكرا على أحد وحتى الفعل الأخلاقي هناك نسبية في فهمه وفعلك لشيء معين باعتبار أنه من الأوامر الإلهية لا يعني اخلاقيته ابدا , قد تكون هناك دوافع معينة ولكن الدوافع لا تعطي الشيء مشروعيته أو اخلاقيته
ففي الدين الجهاد مقدس وأخلاقي , ولكن الحرب في أصلها لا أخلاقية لأنه يدخل فيها عنصر القتل , وفي الحروب يتحول الطرفان إلى كائنين غير اخلاقيين , المهاجم يقتل والمدافع يقتل ويتم التورط قسرا في هذا الفعل من الطرف المدافع ولكن هل القتل يدخل ضمن الأفعال الاخلاقية , فالقتل شر ولو جر من بعده منفعة لأحد .
ومن ثم أليس السبي واسر الاماء والغلمان فعل اخلاقي في الإسلام ؟
ولكن حقيقة هل ذلك الفعل له علاقة بالأخلاق ؟
بالطبع لا , إنها عملية من عمليات الاحتلال والسرقة والنهب , واسر الاماء والغلمان أو حتى بيع وشراء العبيد افعال لا اخلاقية سواء كانت مباحة في الإسلام أو في غيره , ومجرد شرعيتها في دينك لا يعني أبدا اخلاقيتها .
فقبل الحديث عن معنى الفطرة الأخلاقية يجب أن نتفق على ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي والحديث في هذه المصطلحات لا يؤدي إلى نتيجة في العادة لاختلاف مفهوم الفعل الأخلاقي بين شخص وآخر .
قد يكون هناك أتفاق على أن اعطاء اليتيم هو فعل اخلاقي , ولكن هل سجن المرأة والباسها لباسا غصبا عنها بحجة أنه أمر إلهي وممارسة التسلط الذكري عليها بحجة أنها ضلع قاصر وغير قادرة على تدبر امورها لوحدها واعتبار كل ذلك من الافعال الداخلة ضمن اطار الأخلاق فهذا لا يمكن أن نتفق عليه , لسبب بسيط وهو أن هناك أشياء تدخل ضمن المفهوم الأخلاقي لها الأولوية على غيرها , فالإنسان قبل أن يكون ذكرا أو أنثى فإنه إنسان والإنسان خلق حرا , وقبل أن نسيطر على الإنثى بحجة أنها أنثى يجب أن نعلم مسبقا بأن الإنسان هي من البشر ويحق لها ما يحق لغيرها والحرية كما هي من حقوق الذكر فهي من حقوق المرأة , فهل رأيت يا زميلي كم يختلف البشر في تعريف الأشياء الأخلاقية من غيرها .
وما فهمته من حديثك السابق أنك تتحدث عن عبودية الإنسان للإله , وأردت أن تقول أن هذا داخل ضمن إطار الأخلاق والفطرة , قد تكون معرفة الإله من الفطرة ولكن الأخلاق هي مفاهيم إنسانية , وحتى الإله قد اختلفت مفاهيم الإنسان في وصفه فهل يا ترى سيتفقون على مفهوم موحد للأخلاق وهل أن الأخلاق من الفطرة أم لا .
اقتباس:وعلى العكس من هذا ، لا نرى الإسلام يقطع طريق الفطرة ، بل يحميها لتكمل مسيرتها إلى الآخر ، فهو لا يعترف بها ثم يعود لينكرها ، ولا يجعلها خادمة للمصلحة ، بل يجعل المصلحة خادمة للفطرة ، (ابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) ، بينما الفكر المادي يقول : ابتغ الدنيا وانس الآخرة . وأنت تعلم أن الفضائل متعلقة بالآخرة ، والآخرة لا تريد منا ماديات ، فهي لا تحتاج منا جمع ارصدة ومسابقة على شراء الاراضي في الجنة ، بل تحتاج إلى الفضائل ، والآية السابقة تعني فعل الخيرات مساعدة الناس ، والعطاء من الفطرة والفكر المادي يقطع الطريق عليها عندما يقول : مصلحتك!! مصلحتك !! بينما يقول الإسلام : ابغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس مصلحتك . فالنصيحة الأولى تسبب الجشع والأنانية ، والثانية تشجّع العطاء وإنكار الذات ، فأيهما الذي يفتح المجال للفطرة ولا يقطع الطريق عليها ؟ وهكذا الإسلام يفتح المجال لكل ما في مستودع الفطرة لتواصل طريقها في أمن من قاطعي الطرق .
ها أنا أمامك شخص لا ديني , سابقا والآن عندما كنت مسلما وعندما تركت الإسلام لم أفكر يوما في فعل الخير من أجل مصلحة لا دنيوية أو اخروية , ففعل الخير من طبيعتي وافعله لأني أريد أن أفعله وليس انتظارا لأي جزاء أو شكور , لا اريد منفعة لا ظاهرة ولا باطنة , هدفي من فعلي إنساني , والإنسان لا يحتاج لدوافع من أجل ان يظهر إنسانيته ومن يحتاج لدافع من مثل الجزاء والشكر فهذا إنسان قد تعطلت لديه الروح الإنسانية ولا يمكن تحريكها إلا عن طريق وعدها بالجنة والثواب .
ما يحركنا هو الرحمة التي في داخلنا وليس الثواب الذي في الخارج .
اقتباس:نعم ، الدين لم يخلق الأخلاق أو الفطرة ، ولكنه يتمم مكارم الأخلاق ويحميها من السارقين وقطاع الطرق .
وهذا لا يعني بأن مكارم الأخلاق حكر على اصحاب الدين فقط .