صدر عن دار الهدى بالجزائر كتاب الدكتور العربي عقــــون وهو أستاذي في مرحلة التدرّج ، وعنوانه :
الاقتصاد والمجتمع في الشمال الأفريقي القديم




الكتاب غني بمادّته وبمراجعه ومصادره وكذا الوثائق والخرائط التي تدعّم الموضوع وتثريه، أتمنّى للمهتمّين أن يطّلعوا عليه خاصّة وأنّ هذا الموضوع ظلّ حكرا على ذوي التكوين الفرانكوفوني، وممّا جاء فيه :

واكب ظهور التاريخ الاقتصادي ظهور صِنْوه التاريخ الاجتماعي في بدايات القرن العشرين، والاثنان يسيران دائما جنبا إلى جنب ويعملان على تقديم مقاربات في هذا المجال الهامّ ، وكأيّ علم في بداياته كان التاريخ الاقتصادي والاجتماعي عبارة عن رؤى وأفكار باحثين لا تتّفق في جميع الأحوال، ولكن ظلّ موضوعه يثير الحماس، وأخذت ملامحه في التشكّل والظهور تدريجيا في إطار نظريات ومبادئ قارّة،وكانت مجالاته ومفاهيمه الإبيستيمولوجية ميدانا لنقاش واسع بين الروّاد المتخصّصين ، وكانت العلوم التاريخية أكبر مستفيد منه بحيث امتدّت الأبحاث الاجتماعية الاقتصادية إلى تاريخ الشعوب،وقد كانت قبل ذلك منحصرة في يوميات الطبقة الحاكمة ، وبهذا المجال المعرفي الجديد يمكن رصد حركة القوى المجتمعية والدور الفعّال للعوامل الاقتصادية في حركة التاريخ عموما وهو الجانب الذي أهملته الدراسات التقليدية رغم أهمّيته .
يتمّ الحراك الاقتصادي والمجتمعي في مجال جغرافي محدّد ويقيم بالتدريج مجاله القائم على الانسجام والتكامل ، ويكون تكيّف المجتمع مع بيئته الطبيعية راسخا بقدر ما يحسن الانتفاع منها ، لأنّه يتعرّف تدريجيا على ما تختزنه من مصادر ثروة فيجتهد ليتعدّى حدود الاكتفاء إلى الرخاء ، والبيئة الطبيعية في موضوعنا هذا هو هذا المجال الجغرافي الممتدّ من غربي حوض النيل إلى المحيط الأطلنطي وجزر الكناري ومن ضفاف البحر المتوسّط إلى هضبة الصحراء الكبرى ، هذه المنطقة التي توزّعتها ثلاثية التلّ والسهوب والصحراء على الصعيد الجغرافي ، وثلاثية الحضر والريفيين والجبليين على الصعيد الاجتماعي أو ثنائية البدو الرحّل والمزارعين المستقرّين ، هذه الأطراف تمثّل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في المنطقة عبر تاريخها .