"أي طفل في مدرسة يمكن أن يحب ببراءة بالغة .
و لكن الكراهية يابني .. فن و حرفة ." فريدريك أوجدن ناش ( شاعر أمريكي ) ..

Array
...............................
غير انه في الاحداث المشار اليها في الموضوع، اي بعد ان عبرنا مرحلة الصراع الاعمى من اجل البقاء، يبدو بوضوح ان هذا الميكانيزم الطبيعي اصبح يقدم نتائج تتعاكس مع مصلحة الانسان الحضاري، ليبقى يصب في مصلحة الانسان " الاعمى" الذي لازال يتفاعل على اساس ردود فعل الميكانيزم الطبيعي : الانسان الايديولوجي.

.................
ولربما هذا الميكانيزم من جديد سيحفظ النوع البشري على البقاء امام الطاعون الاصولي، بالرغم من انه ، وكما كان الامر دائما، سيقدم ضحايا ابرياء في المنطقة الرمادية
[/quote]
العزيز سردست .:redrose:
في كتابه صورة المعادي للسامية ، يقول جان بول سارتر ، أن " اليهودي إنسان ، ينظر إليه الآخرون باعتباره يهوديا ، .. إن المعادي للسامية هو الذي يصنع اليهودي " ، بشكل ما يمكن أن نقول أن الظروف الدولية و الجور و الظلم و الإستبعاد هي ما يصنع المسلم ، و أن الصهيونية و الإستعلاء المريكي هي ما يصنع الأصولي المسلم ، لا ألوم العالم و أمضي ، لأننا بالفعل من يضع نفسه خلف قضبان الهوية الإحادية ، و لكن هناك في هذا العالم من يصر أن يوصد الأبواب ، إن التعصب كرقصة الفالس تحتاج إلى اثنين ، و هناك أسباب تدعونا للإعتقاد أن العرب قد وجدوا شريكا في رقصتهم العبثية ، هناك بالفعل جور تاريخي وقع على العرب و المسلمين ، كما وقع على شعوب أخرى عديدة ، و هناك ردود فعل متباينة على هذه المظالم الكوكبية ، البعض منها عقلاني يسعى إلى رفع الجور و البحث عن العدالة و المساواة ،و لكن للأسف هناك أيضا من يستثمر مشاعر الغضب و الإحباط من أجل الإنتقام ، و الأصولية الإسلامية هي رد فعل غير عقلاني على مظالم حقيقية ، و يمكننا أن نرصد بسهولة جهودا جبارة تبذل كي تحيل الإسلام من دين إلى هوية قتالية تسعى للإنتقام من الغرب بشكل عبثي ، و نجد أن كل التباينات السياسية و الإقتصادية يتم تهميشها كشيء ثانوي ،و تتحول لتغذية الهوية الإسلامية المفروضة فرضا على أتباع الإسلام ، حتى كاد أن يتحول الإسلام إلى سجن كبير للمسلمين ، و أن يصدر الحكم بالسجن المؤبد على المسلم مع شهادة الميلاد ، هناك عقلاء كثيرون في العالم يسعون لتحرير المسلمين من هويتهم الأحادية ،و في هذا الشريط و غيره نحاول ان ننضم إليهم ،و نسعى أن نحرر الإسلام من أن يصبح مجرد أيديولوجية حربية ، و أن نعيد طرح الأمور بشكل يجعلها قابلة للحل ، الحل الذي يمكن شعوبنا من أن تحظى بفرصة حقيقية في الإستمرار ، فالضياع و التحلل و الإندثار هي البدائل المتاحة للفاشلين ، أما مجرد التخلف فسيصبح حلما بعيد المنال .

تحية طيبة لاستاذنا بهجت الذى يقدم لنا كل مرة وجبة دسمة يبذل عليها مجهودا فالرجل رائد من رواد النادى وهو من وجهة نظرى معلم من معالم المفكريين التنوريين التاريخيين لكنه ككل اصحاب الفكر لايطمع فى شئ سوى ان تؤدى ثمرات فكره الى المساهمة فى واقع اكثر انسانية غير باحثا عن شهرة او مجد شخصى فتحية لبهجت الانسان النبيل.
بالواقع استاذنا الكريم اسوء مانعيشه فى بدايات الالفية الثالثة هو تراجع الفكر الانسانى التنويرى فى العالم كله لصالح الافكار الفاشية قومية كانت ام دينية,حتى القارة العجوز التى قاتل اهلها قرونا من اجل عالم اكثر انسانية,تأن تحت ضغط تقدم الافكار القومية العنصرية,العالم الاسلامى تم اجتياحه تماما من قبل الطائفيين المهوسيين دينيا,صورة مؤلمة لكن الحياة اختيارات,فأن اختار الشرق اوسطيين الطائفية والهوس الدينى مقابل علمنة وديمقراطية وحقوق انسان فهذا حقهم,وليحصدوا نتائج اختيارتهم,وان اختارت اوربا الهوس العرقى فلتحصد نتائج اختياراتها..
كان الرسول الايرانى الشهير بهاء الله يقف مقيدا بالسلاسل امام الحاكم ,وقد احنى ظهره ثقلها والام التعذيب فتسال بمرارة :ماهى جريمتنا ما اردنا الا اصلاح العالم وخير الأمم,بينما كان بن مريم يبكى منتحبا على ابواب اورشليم لانها رفضت خلاصها,فى رواية قراتها فى شبابى كانت مجموعة من العوام ترجم بالطوب شابا تقدميا بعد نقل لهم رجل الدين بايعاز من السلطة انه ملحدا كان يصرخ تحت الحجارة ايها المغفلون انى افعل كل شئ من اجلكم؟! واخر كلمات الشهيد فرج فودة التى كتبها بدمه مصر!أنه عالما يأكل كل من يتنمى له الحباة الرفاه الخير ويعبد قاتليه وسجانيه..
لكننا لانستطيع ان نخون انفسنا وكما قال ماركس ان القناعات العميقة لايستطيع الانسان ان يتخلى عنها دون ان ينفلق قلبه!فنمضى حياتنا كما كان يرنم امل دنقل محاولين ان نثقب ثقبا يدخل منه قبس من نور,ربما لهذا ولدنا ولهذا نموت ونقتل ونسجن ربما!

الحكيم العزيز .
أشكرك من كل قلبي على مشاعرك النبيلة تجاه بهجت ، و في الواقع لقد بدأت أغار من هذه الشخصية الإعتبارية ، فأنا الذي أتعب و أحيانا أتعذب وهو الذي يحصد التقدير !،و لكن أليست تلك قصة كل يوم ، فالخالق يصبح عبدا لمخلوقه و أسير نزواته .
كلما نظرت عميقا في العالم حولنا ، أصبحت أكثر يقينا أننا كعلمانيين كنا دائما على صواب ، وأن هذه الحقيقة و على عكس المتوقع تحزنني للغاية ، فكثيرا ما كنت أخدع نفسي و أتصور أننا نبالغ قليلا أو كثيرا ، و أن هناك أمل ولو ضئيل أن يكون الآخرون على شيء من الصواب ، فلم تبلغ أسوأ ظنونني أننا في المنطقة العربية نحتضر ثقافيا بالمعنى اللفظي ، فالدول العربية تتحول إلى ميليشيات ، و مصر التي أنجبت طه حسين و سعد زغلول لا تنجب سوى القرضاوي و أيمن الظواهري و خالد الجندي ، و لبنان التي أنجبت جبران و جورجي زيدان ، أصبحت لا تنجب سوى حسن نصرالله و سمير جعجع ، و تحولت أصوات الحضارة و الحرية إلى صيحات التكفير و التخوين ، إن أسوأ ما يمكن حدوثه يحدث بالفعل ، لقد سجنا أنفسنا في سجن الهوية الإسلامية ، فأحكم العالم علينا هذا السجن حتى لا نفر منه ، العرب و المصريون خاصة يذكرونني بالمسخرة التي تتحدث عن إنسان ساذج ذهب إلى السوق ،و طالب أقوى المشاهدين أن يكبلوه بالأغلال ، مدعيا أنه قادر على فكها بسهولة ،و عندما فعلوا ذلك لم يتمكن من تحرير نفسه ، بل اعتاد تلك الغلال زاعما أنها أساور و قلائد ، إنه في تلك الأغلال أصبح صيدا سهلا وجسدا منتهكا ، ففي وقت تتحرر الشعوب فيه ، يصر العرب على أن يكبلوا أنفسهم بكل أنواع الأوهام و الخرافات .
نعم يا عزيزي هو ذا وقت لمن أراد أن يساهم في إنقاذ شعبه و مواطنيه ، إن العروبة الحقيقية ليست أن نهدهد العرب كالأطفال ، و أن نبرر لهم الأخطاء و نعزو فشلهم للآخرين ، و لكنها أن نهتم بالعرب و بمستقبلهم و أن نبذل غاية جهدنا في التفكير لهم و أن نتحاور لصالحهم ، و أن نثق أنهم لو تحرروا من أسر الهوية الأحادية المفروضة عليهم ، سوف يثبون في مضمار الحضارة وثبا ، فنحن ورثة أعظم الحضارات القديمة ، في بلاد بين النهرين و مصر و الشام ، وهذا ليس شيئا هينا ، العربي المعاصر أكبر كثيرا أن يكون مجرد مسلم ، نحن أيضا بالرغم من كل السلبيات شعب حي و مفكر و نشط و مبتكر ، لن أضرب مثلا بالمصريين و الشوام الذين خرجوا للعالم و نجحوا و تفوقوا ، و لكن هناك غيرهم من كل الدول العربية يمتلكون الموهبة و ينجحون ، ليس آخرهم الأديب المغربي بن جلون أحد كبار أدباء الفرنسية !، هناك زميل عربي كان يدرس الصحافة في لندن ،و في حوار دار بينه و بين أستاذ انجليزي ، طلب منه الأستاذ أمثلة على حوار الشبكة بين العرب ، فأتى له بأمثلة من موقع آربيا ( القديم ) ، فما كان من الأستاذ إلا أن تعجب أن يكون العرب بكل هذا النضج .
مشكلتنا أن الحكام و الأثرياء العرب لا يمولون سوى الفكر التافه و الكتاب الأغبياء ، و أما الفكر الناضج النافع فيبقى حبيس الصدور ، إن أقوى قطبين ثقافيين في المنطقة هما السعودية و إيران ،و كلاهما مستودع للفكر الإرتدادي الأصولي المتحجر ، كلاهما يبعثر أموال النفط التي لا فضل له فيها ولا تعب على اصطناع ثقافة مدمرة لا تليق بالعقلاء ،و النتيجة بادية للعيان .

العزيز بهجت
مرارا اعدت قراءة موضوعك في محاولة للوصول الى حل مع المعضلة التي طالما واجهتني في التعبير .. والتي تشكل الوجه الاخر من المشكلة التي لم يتطرق اليها الموضوع والتي تشكل منبع استمرار المعضلة، وهي لغة الخطاب.

عندما تناقش امور دينية ويكون لك وجهة نظر لاتتطابق مع الاخر، فإنه يسارع الى وضعك في اطار خارج الدين من اجل سحب حقك في الخوض بالموضوع الديني، وفجأة تصبح لست مسلما.. في ذات الوقت الذي تقول هوية الاحوال المدنية انك مسلم وبالتالي "تخضع" لكافة الاجراءات المفروضة من قبل محكمة الاحوال الشخصية الاسلامية.

وعندما يقال لك " اترك الاسلام للمسلمين"، فهذا يعني انه جُردت منك الهوية الاسلامية في مجال الرفض وابقيت لك في مجال الخضوع... وعندها يشعر المرء بأن هويته قد جرى انتهاكها بالتنقيص وليس بالتنويع..

مثل هذا الانتهاك يحصل على تشجيع وتأييد من فئات واسعة، على الاقل بصورة غير واعية ولكنها "شرعية"، الامر الذي يجعل ردة الفعل هو محاولة للعثور على الهوية التي جرى قضم وجها منها..

وعندما نعتقد ان العروبة هو الهوية، يظهر الامر نفسه.. فالنقد الموجه للاصوليين القوميين يجعل المرء خاضعا للابتزاز انطلاقا من اسمه او انتماءه العنصري او الجغرافي، بحيث ان المرء يجد نفسه مؤطر في إطار لم يكن لديه اي فكرة عنه... ويفقد بعدها هويته القومية.

ان معايشتي الشخصية تجعلني ارفض الهوية الدينية والقومية واتمسك بالهوية الوطنية، بإعتبارها الهوية الوحيدة الممكنة، ولكن للاسف هذه الهوية ليست متجذرة حقوقيا ومعرفيا في العالم العربي ولازالت مؤودة الامر الذي يفسر الاحباطات في المنطقة... ويجعل موضوعك، وبالرغم اهميته النظرية والعملية ، جزء من حلم صيف

Array
العزيز بهجت
...............................................
ان معايشتي الشخصية تجعلني ارفض الهوية الدينية والقومية واتمسك بالهوية الوطنية، بإعتبارها الهوية الوحيدة الممكنة، ولكن للاسف هذه الهوية ليست متجذرة حقوقيا ومعرفيا في العالم العربي ولازالت مؤودة الامر الذي يفسر الاحباطات في المنطقة... ويجعل موضوعك، وبالرغم اهميته النظرية والعملية ، جزء من حلم صيف
[/quote]
الأخ طريف .
كل تقدير .:97:
................
ربما يكون هناك خلاف بيننا حول مفهوم الهوية ، فالهوية الشائعة في منطقتنا هي الهوية الأحادية ، و كلنا أو معظمنا أحاديين بالثقافة و طريقة التفكير ، الهوية كما نراها إما أن تكون إسلامية أو عروبية أو مصرية أو سورية مثلا ... الخ ، أي هوية واحدة في كل حالة ، و الهويات الإثنية الدينية على الأخص تستبعد أو ( تقصي ) أي هوية أخرى ، هذه الهوية الأحادية هي التي قادت المنطقة إلى محنتها الحالية ، و الحل يكمن في طفرة ثقافية ، يمكن أن تؤدي بنا إلى تبني مفهوم الهويات التعددية ، هناك هويات متجانسة أو متآلفة لا تسبب أي صراعات داخلية ، كأن تكون عربيا و سوريا و حلبيا في نفس الوقت ،و لكن هناك على العكس هويات متعارضة ، كأن يكون هناك إنسان ما يهوديا و علمانيا و ليبراليا و هيومانيا في نفس الوقت ، و في هذه الحالة سينشأ صراع أحيانا بين انتماءات متعددة ، و بالتالي سيكون عليه أن يعطي أسبقية محددة في كل حالة لإنتماء بعينه و ينحي الإنتماءات الأخرى ، فعند صياغة القوانين مثلا سيكون عليه تقديم الهوية العلمانية مثلا ، و عند ممارسة العبادات ستكون الأفضلية للهوية المذهبية و هكذا ، إن آخر ما ندعوا إليه هو التخلص من الهوية الثقافية كي نحقق السلام مع الآخريين ، و لكن أن ندرك جيدا مخاطر الهوية الأحادية ، التي تنحي كل ماعداها من إنتماءات و هويات ، إن الهوية كما ذكرت في مداخلة سابقة يمكن أن تكون مصدرا للقوة و الثروة و الأمان ، كما يمكن أن تكون مصدرا للعنف و الحروب و سفك الدماء ، فالهوية إذا ليست شرا مستطيرا على الدوام ،بل يمكن كبح الهوية العدوانية أيضا بالهويات المنافسة التي ينتمي إليها الإنسان في نفس الوقت .
يبقى أن أذكر أن هذا الموضوع ينتمي لما يمكن أن نطلق عليه ( النقد الثقافي ) ، أي نقد الممارسات الثقافية القائمة ،و تحليل عناصرها و البحث عميقا في مفاصلها المحورية ، و بالتالي نحن لا نقدم توصيات عملية لحل مشكلات سياسية أو فكرية ، في إطار الممكن و المتاح الآن ، إني بالفعل لا أقدم حلولا ممكنة في ظل الثقافة القائمة ، فتلك الثقافة ذاتها هي المحنة و المشكلة ولا يمكن أن تفرز حلا ، فإذا أصرت المجتمعات الإسلامية على الجمود و التقوقع داخل هوية إسلامية أحادية فلن يكتب لها البقاء ، وسوف تتحلل و تحتضر ببطء حتى تنتهي خارج التاريخ ، نعم إن الخروج من تلك الشرنقة يبدوا مستحيلا الآن ، و لكن لا يوجد حل آخر ، إن الطبيب لا يوصي بالعلاج الذي يناسب مزاج المريض و أفكاره ، بل العلاج الذي يقضي على المرض مهما كان صعبا و لا يروق للمريض ، أعلم أن التمرد على الهوية الإسلامية صعب للغاية في ضوء المستوى الثقافي و العلاقات الإقتصادية السائدة حاليا ، و أيضا في ضوء الموقف الدولي الغير مواتي ،و أساسا في ضوء إصرار الغرب على التمسك بفكرته عن الإسلام و المسلمين ، و التعامل مع المسلمين على ضوء هويتهم الإسلامية فقط ، و لكن عندما يكون الخيار بين الموت و الحياة ، فلا يمكننا سوى التشبث بالحياة .
أتمنى أن اكون قد أوضحت فكرتي ، فقد شعرت أن هناك شيء ما ملتبس .

الزملاء الأعزاء.
سأحاول في المداخلة القادمة التعرض لقضية هامة ، لأنها تشغل موقعا محوريا في الفكر الإسلامي ، و الذي يدور حول مفهوم الهوية الإسلامية المركزية ، أو ما نطلق عليه الأصولية الإسلامية ، هذه المداخلة أعددتها خصيصا ردا على زميل كان يعترض على ما كتبته حول رفض الهوية الإسلامية ، مكررا ما يردده زملاؤه دوما من أن لكل أمة هوية ،و الإسلام هو هوية المسلمين ، و فيه يدركون أنفسهم و موقعهم من العالم و من التاريخ ، و بدون تلك الهوية سيضيع المسلمون بين الأمم ، و أن رفض الهوية الإسلامية كهوية حصرية متفردة و متعالية للمسلمين ، هو رفض للإسلام نفسه كعقيدة ، و بذلك نرد عطايا الله و تكليفاته منكرين ألوهيته ، و من يفعل ذلك فليفعل ، و لكن عليه ألا يدعي بأنه مسلم بالمعنى الحقيقي ، و ان الإحتجاج بما تفرضه الهوية الإسلامية من التزامات و قيود و تكليفات ، فذلك حال كل الأديان و المبادئ الكونية التي يلتزم بها البشر ، فلا عقيدة بدون تكليف ، وهذه التكليفات هي تشريف و رفع من قيمة الإنسان كخليفة الله في الأرض ،و ليست تعليبا للبشر و طمس لشخصياتهم كما يدعي بهجت ، و الهوية الإسلامية ليست عدوانية بل هي وسيلة للهداية و عمار الكون ،و الإسلام هو دين السلام كما اعترف أعدائه أنفسهم ، و ان الدعوة إلى هويات متعددة للمسلمين ، هو تميع لهويتهم الحقيقية و لصالح أعدائهم مثل أمريكا و إسرائيل و اوروبا و الصين و الهندوس و الملحدين في كل مكان ، كما أن هذا سيضعنا في مأزق عندما تتعارض تلك الهويات ، فبأيها نلتزم ؟.
بالطبع لم تكن تلك العبارات هي نص ما اعترض به زميلي المؤمن الورع ، فمثل هذا الأسلوب عصي على المؤمنين ، و لكني في تلك العبارات أكثف ما يقوله الإسلاميون في دفوعاتهم .
من شاء أن يضيف شيئا من نقد فليفعل مشكورا ، و من شاء ان يرد على منطق الإسلاميين فله كل الشكر .
و إلى لقاء قريب .

الهوية الدينية في إطار عقلاني .

من أين يأتينا الألم ، من أين يأتينا . نازك الملائكة .

لا أشكك قط أن خلفيتنا الثقافية ( الدينية ) تؤثر بشكل عميق في تفكيرنا و سلوكنا و نوع الحياة التي نحياها ، و الأهم أنها تؤثر في إدراكنا لهويتنا و إدراكنا للعالم حولنا ، أيضا هي تؤثر في رؤيتنا لجماعات بشرية نرى أننا ننتمي إليها ، و بالرغم أن الهوية الدينية هي هوية إجتماعية مكتسبة ، إلا أنها تؤثر على الإنسان في مراحل نموه المبكرة ، و من السخافة أن يحاول الإسلاميون دفع طروحاتنا ، محتجين بعمق تأثير الثقافة الدينية في عقول الناس و تغلغلها في وجدانهم ، فتلك حقائق لا نشكك فيها بل نؤكدها ، مع إضافة هامة هي أن تلك المشاعر لا ينفرد بها المسلم دون غيره من شعوب العالم الثالث ، إن ما أنتقده و أشكك فيه ليس تأثير الدين في وعي الإنسان و سلوكه ، و لكن في الطريقة التي نرى بها الدين في المنطقة العربية و المجتمعات الإسلامية ، لقد درجنا و بشكل عفوي لا عقلاني غالبا أن ننظر إلى الدين باعتباره العامل الحاسم الوحيد في تشكيل إدراكنا وهويتنا ، و بهذا نتوسع في مجال تأثير الدين ليضع كل مناحي الحياة تحت مظلته ، و هكذا أيضا نعطي للدين – الإسلام خاصة - دورا يتجاوز طبيعته ووظائفه ، إن الهوية الدينية هي هوية من الدرجة الأولى لمتبعي الأديان ذات الحضارة الخاصة كالإسلام ، و لكنها يجب ألا تكون الهوية الوحيدة المستقلة عن غيرها من إنتماءات الإنسان ، لأن هذا الوضع الخاص هو المصدر الأكيد لأخطر المآزق الثقافية و الإجتماعية ، التي نعاني منها و تكاد تعصف بنا عصفا .
إن هويتنا الدينية يمكن أن تكون عظيمة الأهمية ، و أن تلعب دورا إيجابيا مؤثرا في تطورنا و مستقبلنا ، شريطة ألا تحتكر الوعي و الإنتماء ، و ألا تقف في عناد معزولة عن التفاعل مع غيرها من الإنتماءات الأخرى التي تؤثر على تفكيرنا و أسبقياتنا ، و لو أردنا ألا نجعل من الهوية الدينية عصا تعيق دولاب الحضارة ، علينا أن نعيد رؤية الدين ودوره في حياتنا بشكل عقلاني ، و أن نسلم منذ البداية بعدة حقائق .
1- ليس كل التراث الإسلامي - و الذي يشكل عصب الهوية الدينية - من أصول العقيدة ، بل أندره كذلك ،و أن جل ما يعرض على الناس باعتباره المكون الأساسي للهوية الإسلامية ، مجرد آراء سياسية و إجتماعية جزافية ، يطلقها بعض الفقهاء في صياغات و همهمات دينية ، رغم أن هؤلاء الفقهاء آخر من يصلح لتقديم النصيحة حول طبيعة العصر و تحدياته ، و علينا أن نفهم و نستوعب أن الهوية الإسلامية في طبيعتها هوية مدنية و ليست دينية ، وهي تنتسب إلى ممارسات المسلمين التاريخية و ليس للذات الإلهية كما يدعي الأصوليون ، و من يريد بعث تلك الهوية ، عليه أن ينظر إليها كمشروع بشري و ليس دينا مقدسا ، هذه هي نقطة الإفتراق الأساسية التي تفصل الفكر العقلاني عن الفكر الأصولي السلفي .
2- إن إقصاء الدين عن المجالات الحياتية ليس افتئات على العقيدة الدينية (الإسلام في حالتنا ) ، بل لأن تلك المجالات تخرج بداية عن النسق الوظيفي للدين ( مجال عمل العقيدة ) ، و هذه الحقيقة يمكن إدراكها بالعقل ، كذلك هي ظاهرة في كل التاريخ الإسلامي ، فالتاريخ الإسلامي لم يكن تعبيرا عن الإسلام سوى في القليل ، و لكنه في مجمله تاريخ بشري بالغ الثراء و التنوع ، وهذا يفسر التناقض الذاتي البادي في كثير من التاريح الإسلامي ، و محاولة إقحام تفسيرات متسامية لهذا التاريخ ، لا تهدف سوى إلى مد هيمنة الدين لتتجاوز مجالها الثابت المعترف به و المفهوم تاريخيا ، من أجل تحقيق مصالح أنانية لبعض الجماعات الأيديولوجية ، وهذا يفسر لماذا يرفض الإسلاميون تماما التسليم بهذه الحقيقة على بساطتها ، و ذلك لأنها تتعارض مع محاولاتهم الخطيرة لفرض أفكارهم على مختلف الأنساق الوظيفية للحياة ، تحت ستار الدعوة الإسلامية ، وهم يشرعون أسلحتهم الفقهية من أجل تمرير هذه المغالطة الشريرة ، فالعنف اللفظي و المادي ضد المخالف بما في ذلك القتل ، هي أسلحة مشروعة تماما في نهجهم ، و إطلاق شعارات ديماجوجية مثل الإسلام دين و دولة ، مصحف و سيف ،و أن الإسلام هو الحل ، هي أسلحة دعائية من أجل ترسيخ السطحية العقائدية .
3- إن العقيدة الدينية ليست ذات أهمية منفردة في تقرير حياتنا و هويتنا ، فهناك عوامل أخرى قد تكون أشد قوة و تأثيرا على الناس ، مثل الوطن و القومية العرقية و التعليم و التربية و اللغة و الوظيفة و الطبقة و السياسات و المصالح و ... ، تلك العوامل تتفاعل مع العقيدة الدينية و تؤثر فيها ، و كلها مجتمعة تشكل الهوية الفريدة لكل إنسان ، دون أن تنفرد هوية بينها لتحتكر انتمائه ، و محاولة تأثيم الإنتماءات غير الدينية أو تهميشها ، ليست فقط إنكارا لثراء الحياة البشرية و تنوعها ،و لكنها أيضا محاولة مربكة تضع الدين في مواجهة العصر كخصم معوق يجب التخلص منه .
4- الهوية الدينية ليست صفة متجانسة ، و يمكن أن تكون هناك تنوعات هائلة داخل الوسط الديني نفسه ، فالإسلام مثلا شديد التنوع بشكل يحيله إلى أديان مختلفة لا يجمعها سوى إله واحد ، و حتى داخل المذهب الواحد هناك اختلافات شديدة العمق ، ففي إيران وهي دولة شيعية مركزية يوجد تنوع كبير حتى بين رجال الدين الشيعة ، الذين ينقسمون إلى إصلاحيين و محافظين ، و هناك أيضا علمانيون يرفضون الصبغة الدينية للدولة ، و في أمريكا و هي مجتمع تختلط فيه العلمانية ببعض الأفكار الدينية الأصولية ، نجد أن هناك على الأقل 50 مليون أصولي بروتستانتي أمريكي نشط evangelical ( يؤمنون بحرفية التوراة ) ، ينتمي إليهم الكثير من القيادات الأمريكية و قدمت خلال السنوات ال 50 الأخيرة رئيسين لأمريكا كانا بالغي العداء للعرب و المسلمين هما رونالد ريجان و جورج بوش الابن ،و الأخير هو النموذج القياسي للأصولي البروتستانتي ذي الميول الصهيونية ، و أيضا هناك تيار قوي من الليبراليين و اللادينيين ، هذا الوضع التعددي موجود في كل المجتمعات الدينية بشكل او آخر ، و هكذا نجد أن الحتميين الثقافيين عادة ما يسيئون تقدير التنوعات داخل ما يعتبرونه ثقافة واحدة ، وهم ينسبون الأصوات المتمردة عادة إلى تأثيرات و مؤامرات خارجية ، بينما هي نتاج طبيعي للتنوعات البشرية داخل نفس المجتمع .
5- الثقافة السائدة بما في ذلك الأديان لا تقف ساكنة و لكنها تتحرك و تتغير و تتأثر بالعناصر الأخرى حولها ، و لدينا نموذجان واضحان في اليابان و كوريا و مدى تأثر الثقافات التاريخية التي نشأت فيهما بنوعية التعليم بشكل خاص ، أما افتراض الثبات في الهوية الأحادية سواء تصريحا أو تلميحا فهو نوع من الخداع ، و من يروج لمقولة الثبات و العصمة لثقافة ما دون غيرها ، هو مخادع يحاول التهرب من أن يدخل السباق بزورقه الممتلئ ثقوبا .
6- تتأثر الأديان كلها بالعولمة الثقافية وتتفاعل معها ، سواء تفاعلا إيجابيا خلال آليات الحرية الثقافية ، أو تأثرا سلبيا خلال المحافظة الثقافية العنيدة ، و هناك اتجاه ملحوظ لتضمين الحريات الثقافية في القيم الحضارية التي يقدرها الناس في الآخرين ،و بالتالي فلا يمكن لمجتمع الإحتفاظ بهوية واحدة متسامية ، دون أن تتعرض للغرق في تيارات من التدفقات الثقافية التي تنهمر على مدار الساعة ، و ستظل تلك القاعدة سارية ، مهما حاول الفقهاء إخافة الشعب بمعلوم الدين أو مجهول الشياطين .