دعونا نختلف بدون شتائم وإهانات وتخوين وتكفير
المحامي ميشال شماس – كلنا شركاء
كم هو جميل أن نتحاور جميعاً دون إكراه أو تهميش أو إلغاء..!؟ وكم هو أجمل أن نتبادل المعرفة والرأي فيما بيننا دون ضغط أو ترهيب، و أن يستطيع كل منّا التعبير عن رأيه بحرية وإن اختلفت الآراء دون تسفيه .!؟
والأجمل أن نتعلم كيف نختلف دون شتائم ودون توجيه إهانات.. ودون تكفير أو تخوين.. فأن تكون موالياً للنظام فهذا خيارك، وأن تكون معارضاً فهذا خيارك أيضاً (فمن شاء فليؤمن.. ومن شاء فليكفر) أن تكون كما تريد وكما يريد هو. والأهم أن نمارس حريتنا في الاعتقاد والتفكير والتعبير دون أن نعتدي على بعض.
إن تعابير الشتائم والسباب والإهانات التي أصبحنا اليوم نسمعها على الطالعة والنازلة بكل أسف باتت تهدد جدياً مجتمعنا الساعي نحو الحرية والديمقراطية، فالشتائم هي منطق اللامنطق كما الصوت العالي حجة الضعفاء في التمويه عن عجزهم بالتخفي والاختباء وراء عبارات من الشتائم والاهانات والتخوين والتكفير لتُخفي إلى حين إفلاسهم الأخلاقي والفكري والسياسي…
إن ما نسمعه اليوم من تعابير تصدر عن بعض الموالين للنظام ، وبعض المعارضين له تخدش وتجرح ليس فقط من تُوجه إليه وحسب، بل وحتى من يسمعها أيضاً .. وأقل ما يُقال فيها أنها بعيدة كل البعد عن القيم والأخلاقية وقيم الحرية، وبعيدة عن قيمة الإنسان كقيمة حضارية.
دعونا نتحاور.. دعونا نختلف .. ولكن بعيداً عن الشتائم والسباب والتخوين والتكفير،
فالحوار لا يتم دون اختلاف، بل إن الاختلاف هو من أرقى مظاهر الحوار.. ليس بالضرورة أن نكون متفقين متماثلين .. فالاختلاف والتنوع في الآراء غنى ومصدر ثراء لأي مجتمع.. أما سيادة الرأي الواحد هو قتل لروح الإبداع .. وتدمير لذات الإنسان..
ما نصبو إليه في سورية اليوم هو ضمان انتقالها من حالة الدولة الشمولية إلى حالة الدولة المدنية الديمقراطية دولة تنتفي فيها ما نسمعه اليوم من توجيه إهانات وسباب وشتائم وتخوين وتكفير، دولة تسلّم بحق الاختلاف والتنوع ، دولة ترسخ أدبيات الحوار لدى الحكام والمحكومين على السواء، دولة تنبذ العنف وتتخلي عن ثقافة التهميش والتغييب والإقصاء والاستئصال..
إن سوريا التي نصبوا إلى بنائها هي سورية الحضارة والكرامة والحرية والعزة، ولا يمكن أن تكون كذلك بالتخوين والسباب والشتائم وتوجيه الاهانات، بل من خلال إيجاد أرضية للتعددية والتعايش، والاتفاق بيننا نحن السوريات والسوريين على صياغة مجموعة متناسقة من القيم الروحية والأخلاقية التي تأخذ في الاعتبار التنوع الإنساني الخلاق في المجتمع السوري ،والتفاعل الحر بكل مكوناته السياسة والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وفتح أبواب الحوار والاجتهاد الحر على مصراعيه دون تسفيه أو تكفير، والسعي جدياً لاستبدال ثقافة الإتباع بثقافة الإبداع، وممارسة التجريب الذي لا يتوقف في كلِّ مجال. وضرورة الانفتاح على كلِّ العوالم والثقافات التي يمكن لها أن تؤدي إلى ازدهار المعرفة والتفاعل معها، بما يؤدي إلى الإفادة منها، والإضافة إليها– وترسيخ ثقافة تقبُّل الآخر المختلف أو المغاير عنّا في كلِّ مجال، وعلى كلِّ مستوى، بصفته الوضع الطبيعي للحياة الحرّة الكريمة، والشرط الضروري للثراء الناتج من التنوع. وتحرير العقل من كلِّ قيوده، ليمضي في أفقه الواعد، متحررًا إلا من التزامه مبدأ المُساءلة الذي يُخضِعُ له كلَّ شيء، بما في ذلك العقل الذي لا يكفُّ عن مُساءلة نفسه قبل مُساءلة غيره، أو حتى في فعل مُساءلة غيره.
إن الحوار الذي ندعو إليه اليوم،
هو ذلك الحوار المبني على التسامح والمحبة والانفتاح على الآخر المختلف واحترام وجهة نظره، وتفهمه وعدم رفضه، وقبوله كما هو وكما يحب أن يعيش وكما يرغب أن يكون، لا أن نجعله صورة عنّا أو ندمجه فينا، وأن نبتعد نهائياً عن التلفظ بالسباب والشتائم وتجريح الآخرين أو تكفيرهم وتخوينهم ، وأن نكفُّ عن التمترس وراء آراء ومواقف واجتهادات مسبقة، وكأنها مقدسات ثابتة غير قابلة لإعادة النظر فيها أو النقاش حولها.
فإذا لم يكن هناك حوار بيننا، فسوف ينطوي كلُّ واحد منّا على ذاته ويعيش في حالة من الشك والحذر، وتقع القطيعة والعداء والتصادم والتقاتل.
لن نستطيع الارتقاء بسورية إلى دولة مدنية ديمقراطية بالشتائم والسباب وتوجيه الاهانات والتكفير والتخوين،بل بالحوار والتلاقي.. والتسامح والمحبة…