منذ جمعة الزحف الى دمشق ، باشرت بعض كتائب الثوار السوريين بتصعيد تحركاتها وعملياتها في دمشق ومناطق ريف دمشق وخاصة الغوطة الشرقية ، حيث تتجه الأمور إلى مايسميه البعض "المعركة الحاسمة" فما الذي ينتظر الثوار في دمشق؟ وكيف ستكون معركة دمشق؟ !! وهل من الصواب التوجه مباشرة إلى عاصمة البلاد ،والثورة لم تكمل تحرير الشمال وخصوصاً حلب...أو عاصمة الثورة السورية حمص...أو حتى مهد الثورة درعا ...أم أن الصواب هو التوجه الى رأس الطاغية وتدمير وكره .
إن المعارك الحالية تجري على مسافة كيلومترات قليلة من قصر الطاغية وهي تحيط بدمشق من كل الجهات...وقد استطاع الثوار الاستيلاء على كثير من الثكنات والمقرات العسكرية في محيط دمشق
واستطاعوا التحصن في عدد من المدن والبلدات ومنع قوات الأسد وشبيحته من العودة إليها بل إستطاعوا محاصرة وتهديد المطار الدولي وجميع الطرق المؤدية الى العاصمة دمشق .
ولكن المعطيات الحالية وفي ظل الأوضاع الدولية التي مازالت تتيح لحلفاء بشار الإستمرار بمده بالمال والعتاد وحتى بالرجال دون حدود...وهي تعني أن زبانية الأسد المتحصنين في دمشق لن يتركوها بسهولة ، وقد قاموا بتدشيمها وتقطيع أوصالها ونشر مئات الحواجز العسكرية والأمنية والشبيحة المدعمة بكافة أنواع العتاد والآليات العسكرية ،حتى أنه تم القيام بتلغيم معظم الشوارع والمحاور الرئيسية بالمدنية إضافة إلى تعزيز وتقوية الوحدات العسكرية المحيطة بدمشق على جبل قاسيون وجبال المزة وخصوصاً بالمدفعية وراجمات الصواريخ ...فالطاغية مع زبانيته استعد لمعركة دمشق التي توقعها ويرى بأنها ستكون فاصلة بالنسبة له...وإن كان الجميع يعلم بأنها ستكون مقبرة له، ولكنه مازال يظن بأنه سيستطيع الخروج منها سالماً -لاقدر الله -..
وبذلك فإن هؤلاء القتلة سيعملون على تدمير مدينة دمشق قدر إمكانهم...فهم مرتاحون إلى جاهزيتهم كونهم على مقربة مباشرة من حلفائهم في لبنان ومن حاميهم العنصري دولة الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة...وهم في ذات الوقت يحتفظون بعمق إستراتيجي في جبال اللاذقية وطرطوس والذي يدعوه البعض "الجيب العلوي".
لقد عمل الأسد الأب ومن بعده إبنه على ترسيخ وضع خاص بمدينة دمشق تمثل بتطويقها بمواقع حصينه للغاية على جبل قاسيون وجبال المزة والمعضمية وحتى جبال القلمون والكسوة وقطنا مع مستوطنات بشرية لسكن أعوانهم وعائلاتهم تماماً كما فعل الصهاينة في فلسطين المحتلة ,بحيث يكون هدف هذه المواقع العسكرية والأمنية بما فيها المستوطنات الإيقاع بالسكان المحليين الوطنيين في حال القيام بأي ثورة ، إيقاع الثوار بين مطرقة المستوطنات الطائفية وسندان الثكنات العسكرية ومراكز القمع المنتشرة كالأفخاخ...
سبق وأن تعثرت الثورة السورية المسلحة في تحدي حلب ،ولأن حققت الكثير من الانجازات هناك ،ولكنها تحولت في فترات كثيرة الى حرب خنادق وشوارع ..ذلك لأن الثوار إجتاحوا المدينة دون أن يكون لديهم قيادة عسكرية موحدة قادرة على ضمان أمن وسلامة من يستسلم من جنود الأسد ،بمايشجع هؤلاء على الانقلاب على قادتهم من الطائفة العلوية وغيرهم من باقي الطوائف الذين ما زالوا مصرين على إستمرارية عبوديتهم للطاغية ونظامه الطائفي ..والنتيجة كانت بقاء ظهور هؤلاء المساكيين خصوصاً المجندين منهم إلى الحائط..فلا هم قادرين على الإنشقاق ولا على الاستسلام وليس أمامهم سوى الذود عن حياتهم وليس دفاعاً عن نظام الأسد...
وبشار مع زبانيته فهموا جيداً هذه المعادلة فوظفوا تناقضات الثوار وخلافاتهم لصالحهم ، وهكذا رأينا أغلب الأسرى في البوكمال ومن الفوج 46 في الأتارب من أبناء المحافظات الثائرة ومن طبقات يفترض أن مصالحها تتناقض مع نظام بشار الأسد.
وهذا يعني أننا لن نرى انشقاقات واسعة في غياب حظر جوي ، وتأمين مناطق آمنه عصية على قوات الأسد ، وهو أمر لن يحصل سوى عند تشكيل قيادة موحدة للقوات العسكرية الثائرة..وقيادة سياسية ومحلية قادرتان على توفير الأمن والادارة السليمة للمناطق المحررة وتحفظ حياة المنشقين عن قوات الأسد ، بما يرمي الفرقة بين حثالة جنود الأسد ممن تلوثت أيديهم بدماء السوريين ..وبين العسكريين منفذي الأوامر الذين شاء حظهم العاثر أن يؤدوا خدمتهم الإلزامية في المواقع التي يستهدفها الثوار.
في حالة دمشق ستكون المعارك شديدة الدموية ، وتشهد على ذلك مجازر جنود الطاغية في دوما وحرستا وداريا ودير العصافير وتفجيراته المتكررةفي جرمانا ...فزبانية النظام وأزلامه وشبيحته ومن كل الطوائف...سيدافعون عن حياتهم ..وبشكل خاص أبناء الطائفة العلوية .. وهم سيدافعون عن حياتهم قبل أن يدافعوا عن الأسد مما سيجعل طعم النصر في دمشق مراً كالعلقم...
ولكن هل هذا يعني أن معركة دمشق بعيدة عن الحصول؟!! لا فالحقيقة أن معركة دمشق سوف تقع.. وهي فعلاً قد بدأت ..ولكنها ما زالت في بداياتها...
و لدخولها مرحلة الحسم لا بد من القيام بإستعدادات أكثر وأكبر .. حيث سيكون الثوار بعيدين عن خطوط إمدادهم في الشمال والشرق أو حتى الجنوب ..والأسد قريب من أصدفائه في لبنان والجولان ..
وإن الحكمة وواقع الإمكانيات المتوفرة حالياً للثورة تقرران أن الأفضل حالياً للثوار في دمشق الإستمرار بمناوشة قوات الأسد واستخدام الأساليب الفابية المنسوبة للقائد الروماني فابيوس الذي كان معاصرا" لهانيبعل الفينيقي والمتمثلة بالإعتماد على الإغارة على قوات العدو ومناوشتها دون الإلتحام معها بمعارك رئيسية أو كبيرة من أجل إنهاكها وبذلك يبقى جنود الأسد منهكين ومذعورين ..دون أن يتم تمكينهم من محاصرة الثوار في مناطق وأحياء محررة لأنه عندها ستتحول هذه الى مقبرة للثورة والثوار وهو الكمين الذي يسعى الأسد وزبانيته ومستشاريه من إيرانيين وروس إلى نصبه للثوار وخصوصاً في حالة تفوقه بسلاح الجو.
ولكن بإمكان الثوار الإستفادة من نقاط ضعف نظام العصابة الأسدية وبناء إستراتيجية سياسية وعسكرية شاملة تعمل على ضرب جنود الأسد ونظامه تدريجياً وتفكيكه من الداخل وخلق تناقضات داخلية ضمن النظام بما يؤدي إلى إنهياره دون إعطاء فرص مجانية لحلفاء النظام كي يتدخلوا مباشرة لصالحه...
يقول احد القادة العسكريين ً لكي ننتصر علينا تجميع قواتنا وضرب العدو في القلب ضربة قاصمة لا تقوم له قائمة بعدها ً
فأين يوجد قلب نظام العصابة الأسدية؟....
نحن نعرف أن دمشق هي رأس النظام وأن حلب هي عصبه الاقتصادي ..ولكن القلب هناك في جبال الساحل وفي تصورنا فإن الهدف الإستراتيجي الأفضل للثوار قد يكون بمهاجمة القرادحة وليس دمشق والتقدم من جبلي التركمان والأكراد في الشمال الغربي ومن إدلب باتجاه جبال العلويين وقراها ومناطقها ،حيث ستكون المعارك هنال هي الحاسمة من خلال تهديد القلب وحماية مجنبة الثوار في حماة وحمص وإخوانهم الذين سيتقدمون من حلب وإدلب بعد السيطرة على حلب وتحريرها من جنود الأسد .
وربما ستكون المعارك التي ستدور حول القرادحة هي الحاسمة ,فإنه في تلك المناطق وبسبب تداخل خطوط الاشتباك سوف يتم نسبياً تحييد أسلحة المليشيات الأسدية الأكثر فتكاً وهي أسلحة الطيران والمدفعية بعيدة المدى لتداخل المناطق وقربها من بعضها وستكون خطوط الإمداد وقواعد الثوار قريبة من الشمال ،بينما سيكون زبانية الأسد بعيدين عن أصدقائهم في الغرب والجنوب وسوف يشعر زبانيةالأسد وشبيحته في دمشق ،والذين أرسلوا عائلاتهم او تركوا نساءهم وأطفالهم ليكونوا بأمان في الضيعة ..والتحقوا بالطاغية في دمشق ..بأن الأمان الذي ظنوه حقيقة قد أصبح سراباً وسينتشر الذعر بينهم ومن المؤكد نشوء تناقضات داخل نظام العصابة الأسدية بين من ربطوا مصيرهم نهائياً بآل الأسد وإنفكوا عن قراهم وبلداتهم ..ولسوف "يغني كل على ليلاه وسيتجه حينها زبانية الأسد من الطائفة العلوية المتواجدين معه في دمشق زرافات ووحدانا إما الى قراهم لحمايتها أو للإختباء فيها وربما اتجه بعضهم الى لبنان أو العدو الصهيوني..إضافة الى ذلك ستنشأ ايضاً تناقضات جديدة وانقسامات بين الطوائف في معسكر الأسد بين من هم ممسكون بالحكم من الطائفة العلوية وبين حلفائهم من الطوائف الأخرى والذين يتمتعون بالحماية من قبل أجهزة أمن وشبيحة الأسد..
سيكون من نتائج سقوط جبال العلويين بيد الثوار أو حتى حصارها بعيداً عن حصول تصفيات او مجازر انتقام هناك..أنه سيؤدي إلى الإنهيار السريع لنظام العصابة في دمشق وهو نفس الشيء الذي تحدث عنه وتوقعه أحد جنرالات الجيش الصهيوني الكبار قبل عدة أشهر حيث تحدث عن تطبيق هذا السيناريو أي الاتجاه أولاً صوب الجيب العلوي "لنقل المعركة الى أرض العدو"حسب تعبيره لو كان هو من يقود الثوار السوريين ..وهو رأي صائب سيوفر على الثورة والثوار الكثير من الدمار وزهق الأرواح في دمشق ،ويقطع في الوقت نفسه على النظام الدموي إقامة دولته الطائفية البديلة ..