أخونة الدين دين الإخوان



رغم اصرار وعناد الفقهاء و الأوصياء على ديننا بصك من الله ذاته، بأن الحجاب والنقاب فرض رباني أو سنة محمدية ، أو بنسبهما لتعليمات السلف دائم الصلاحية , على أنهما دليل عفة والتزام ديني ، إلا أني لم استطع ان استوعب هذا التفسير العقيم , ولم يستطع عقلي قبوله رغم كل حججهم الواهية والمضحكة معا ، ولا أن فكرة التأمين الصحي هي من الفكر المستورد المحرم والملعون ، لمجرد قول رجل ملتحي يكسب رزقه بالكثير من النفاق و بعض الزندقة المملة ليقتل الناس بالسأم , ارتضي بأن يكون في سلك الكهنوت ( فقيها مميزا ) وهو يعلم أنه لا كهنوت في الاسلام . ولا أن ما تستثمره من مدخراتك بمصرف يشاركك ربحه ان يعدّ رباُ وسحتا، وغير ذلك مما تتحفنا به فصاحة شيخ الجامع الذي نعلم أنه يغلف كل موضع راس ابرة من جثة حريمه بكفن اسود ، بينما وجد شخصيا في وضع مزري على الطريق العام أكثر من مرة ، إن الطامة في ثقافتنا المشوهة التي تكمن وراء إساءة التفسير لمعظم النصوص الدينية , و هي وراء التحريف الغير متعمد أو المتعمد حسب رغبة السلطة أحيانا ، إن محترفي التدين المتخلفين لم يدركوا أن " الكلمة " شيء, و مفهوم الكلمة شيء مختلف تماما . ولأضرب لقارئي مثلا :إن كلمة " السماء" التي وردت في الكتب المقدسة ، لا تعني الفضاء الذي اختار له الخالق اللون الأزرق و جعله من سبع طبقات تعج بالملائكة والشياطين فوق رؤوسنا , لكن ذلك المعنى استنبط من مفهومنا الثقافي السائد في مرحلة متخلفة علميا, و استمر معنا بدعم فقاء العصور المظلمة الذين يعيشون بيننا ويصرون على تفسيراتهم المباركة والخالدة، فإذا تطور اجتهادنا الفكري بعقول تعيش عصر الفضاء , وأدركنا أن غطاء العالم الازرق ، مجرد غلاف جوي يقع على ارتفاع اشبار من الكرة الأرضية التي لم تعد مكعبة الشكل على أي حال، فإن مفهوم هذه الكلمة يتغير تلقائيا . إن الكلمة الواحدة لا تعني شيئا واحدا في جميع العصور ، بل يتغير معناها طبقا لزيادة المعرفة الانسانية و تطور هرولة الفكر البشري نحو المزيد من التقدم .

(( قيل : إنهم ياتون بمقاييسهم الكهفية و يريدون مني أن أناسبها ، بينما يكفـِّرون التوافق مع مقاييس العصر ))

...........
انطلاقا من هذه البديهية بالغة الأهمية اريد أن أقول أن ذلك الملتحي الذي يستعرض أمامنا عروق رقبته بتباه سخيف من فوق منبر متعال كل خطبة ، لم تستوعب مداركه أن مكبر الصوت الذي امام أنفه يمكنه أن ينقل كلماته همسا لتلف العالم ، فنراه يصرخ في مكبرات الصوت الضخمة، متجاهلا انزعاج المرضى في المستشفى المجاور, أوالعاملين ليلا وهم في حاجة للهدوء , جاهلا أو متجاهلا أن الصوت المرتفع ليس دليل صدق و ثقة في القول ، بل عجز و برهان على عكس ذلك. مستغلا حيل الخطابة الصبيانية ليثبت صدقه, فغير الصراخ في مكبرات الصوت ، يحاول قهر المنطق بالكثير من السجع وبعض الاشعار أيضا, مستعملا خاصية التفاخر بنسب كلماته لأناس شبعوا موتا عدة مرات ، مدعيا أنهم سلفا صالحا تعمل وصاياهم على صيانة مقدسات ابائنا و جدودنا و أمجادهم , و لعقمه الفكري فهو لا يمتلك من وسائل الاقناع إلا دكتاتورية فقي الحارة بارهاب الناس بعذاب القبر وعمق بئر جهنم ، ثم يغريهم ببعض القصور المذهبة والحور العين و فساحة سهول الجنة و أنهارها, حيث يأمر المصلين بتوحيد الله عز و جل بين الفقرة والأخرى, كما يستعين بالصلاة على الرسل وآلهم و من صاحبهم إلى يوم الدين بدون ملل ، ليتمتع بهمهمات المصلين خلفه , تقع في أذنيه كالتصفيق الحاد والمبارك فيطمئن بأن خزعبلاته قد سرت في شرايينهم مدموغة بتوحيد الله والصلاة على نبيه.

(( قيل : الملتحون نفاقا يكذبون بكل صدق ، و يخادعون بكل أمانة و ينافقون بكل براءة و يخونون بكل إخلاص ))
.........

لا يهم أحدا أن يستفسر عن ديانتي ولا يهمني أن يعرف . إن همي العام الذي كنت احمله فوق راسي رغم ثقله كان ( ثقافتنا المشوهة ) التي تنتج احداثا تعمل ضد وحدة اقطارنا بما فيها من اثنيات يجب أن لا تضام,أما بعد استيلاء محترفي التجارة بالدين على مصر و محاولة استيلائهم على تونس و اليمن و ليبيا ، و اتفاقهم ضد الشعب السوري , فإن همي عاد للخلف يدفعني لفضح الفاشية الفكرية والسياسة لكل تجار الدين. فإن سيطرتهم التامة ستأخذنا لعصر كهفي التخلف على أي مقياس . بينما تزداد المدنية و العصرنة تقدما بعيدا عنا بآلاف السنين الضوئية ، و نحتاج لكل جهد للحاق بركب الحضارة لنستطيع التعايش في عالم اصبح أقل قليلا من قرية صغيرة ، سيأكلنا سكانها أحياء, إذا لم تتلاءم رؤيتنا معهم و تتلاءم قدراتنا الفكرية مع سرعة التقدم الانساني. الامر الذي يحتاج جرأة في القول وقدرة على تحمل النقد الغير منهجي من انصار التخلف والاستعداد للتضحية بالكثير من الوقت والجهد في اخلاص و اصرار.

(فرق شاسع بين أمم تتغنى بوهم مجد أجدادها و أخرى منشغلة بصناعة المجد لأحفادها )


نحن نحرق اعلامهم و سفاراتهم لأنهم يمنعون النساء من ارتياد الحجاب والنقاب في اماكن معينة ، قبل أن نتفهم دوافعهم . فنسرع باتهامهم أنهم يعادون ديننا و يخشون ثقافتنا التي نقلتنا إلى القمر ، والواقع أنهم يحمون ثقافتهم وهو حقهم ماداموا لا يفرضونها على غيرهم كما نفعل نحن بثقافتنا المشوهة والإقطاعية فجعة القبح .

هم يدركون قبلنا :

أن المرء عندنا لا يلف ( حرمه ) في عباءة و يحرمها من الهواء والشمس محافظة على الخصال الحميدة ، بل لأنه يعتقد ان كل مواطن آخر ينتظر فرصة ليضع قرنين مناسبين فوق رأسه ... و فقهائنا لا يدركون .

والإنسان المتأسلم لا يبني فكره على التفاخر بالسلف الصالح ( والذي هو غير صالح تماما ) و السجع المتقن والشعر العنتري ، والحج سبع مرات لأنه و جد ذلك في كتابه المقدس , بل لأنه لم يجد في ذلك الكتاب شيئا خاصا به يستطيع أن يظهره لكي يفاخر به الآخرين ...وفقهائنا لا يدركون .

والعربي المسلم لا يعتمد على الأشعار في إظهار فوائد التجمد في التقاليد الأصيلة والعادات الكريمة لأنه شاعر بالسليقة و لا يهرب من مواجهة واقعه المتخلف بإغراق نفسه في قيء صغار الخطباء لأنه يعتقد حقا أنه " خير امة اخرجت للناس " بل لأنه يعرف في داخله أن واقعه قبيح إلى حد لا يطاق, ولأنه لم يجد في ثقافته المشوهة حجة واحدة تقف إلى جانبه ضد المنطق المتعقل سوى شيطان الشعر المبجل ...و فقهائنا لا يدركون .

والمرء في حينا يشمئز من الازياء الحديثة والثقافة المتطورة بحجة أنها " فكر مستورد " بينما تنتفخ اوداجه فخرا إذا رأي كلمة اجنبية اصلها عربي أو شخصا آمن بدين الاسلام ، ناكرا ان كل الثقافات تتبادل المعرفة وفي كل ثقافة جينات من غيرها ، و ما تفاخره إلا لإحساسه بقهر التخلف الفكري ... وفقهائنا لا يدكرون.

.........

المشكلة بأسرها مجرد محاولة لتعويض مركبات النقص و التخلف الفكري بمفردات ومقولات, تواترت حتى اصبحت اعرافا ثم صبغت بالدين فشوهت الثقافة التى استغلها محترفي التجارة بالدين ليتمكنوا من السيطرة على البسطاء, ثم امتطاء ظهورهم إلى سدة الحكم مباشرة.

والموضوع يدعوا للاستطراد غير أنه قد قيل (راس الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها الصمت و العاشر قلة الكلام )

وقد يكون للحديث استطرادا .

تحياتي

فخري الليبي