لماذا يدعم السوريون حكومتهم ؟
بول لارودي - "ديسيدنت فويس"، 10 حزيران/يونيو
2014
Why Do Syrians Overwhelmingly Support Their Government?
من المفارقة أن أحد العوامل التي ساهمت في إنجاح الانتخابات الرئاسية السورية تمثلَ في الملايين السوريين الست المهجرين الذين اختاروا اللجوء داخل سوريا بدلاً من الهرب إلى البلدان المجاورة. هؤلاء أشخاص هربوا من المناطق التي يسيطر عليها "المتمردون" إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، مما أفرغ المناطق الأولى من السكان وأغرقها في المناطق الثانية. وكانت النتيجة أن الغالبية العظمى من السوريين تمكنت من المشاركة في الانتخابات.
هذه هي الصورة المفاجئة التي أظهرتها إحصائيات الأصوات في الانتخابات السورية. إذ يبين الإقبال الشديد على الانتخابات أن معظم الذين لم يصوتوا هم أشخاص مقيمون خارج البلاد، إما بصفته مواطنين مغتربين أو لاجئين، مما يترك جزأ صغيراً جداً من السكان المدننين السابقين بين مقاتلي المعارضة. وفي الحقيقة، بنسبة أكثر من اثنين إلى واحد، يفضل السوريون المهجرون البقاء في بلادهم – في المناطق الحكومية – بدلاً من الهرب إلى الخارج.
على الرغم من الازدحام الشديد والبدائي أحياناً، يبدو أن المنظمات السورية غير الحكومية والوكالات الحكومية تواجه تحدي تأمين الملجأ والغذاء والعناية الصحية والتعليم وحتى الأمن لهؤلاء الملايين. كما تفتح المناطق المحررة مؤخراً في منطقة القلمون/حمص إمكانية عودة بعض هؤلاء إلى بيوتهم، أو ما تبقى منها.
لا يتناسب هذا مع الصورة التي تروج لها الصحافة الغربية للجزار المجرم الذي يُرهب شعبَه ويقتل أعداداً كبيرة منهم بشكل عشوائي. فمن بين القتلى الذين تجاوز عددهم 100,000 حتى الآن، فإن عدد الضحايا في صفوف الجيش الحكومي، والمدنيين، والمقاتلين ضد الأسد متساو (1:1:1). فكيف يشير ذلك إلى القتل العشوائي؟
وهناك أيضاً موضوع اللجوء إلى التجويع كأداة حربية و "البراميل المتفجرة". سرعان ما أدرك المحللون العسكريون أن معظم السوريين يفضلون الهرب على البقاء تحت سيطرة المجرمين الإسلامويين. ولذلك، عبر السماح للمتطرفين بتهجير معظم السكان من المنطقة، يمكنهم بعد ذلك محاصرتها. ومن ثم يغادر المدنيون الباقون، إلا غذا تم احتجازهم ضد رغبتهم من قبل المسلحين. وعندها يجد الجيش نفسه في موقع التفاوض أو تدمير المسلحين بواسطة أسلحة تعرض أقل عدد من القوات الحكومية للخطر ("البراميل المتفجرة").
هذا ما أكسب النظام السمعة المزيفة بصفته مجرماً وقاتلاً في المبالغات الغربية. فإن لم يكن الجيش يأبه لحياة المدنيين، لماذا لا يفتت المسلحين المعارضين للأسد إلى قطع صغيرة دون التفكير بالمدنيين؟ ولماذا يمنع المسلحون المدنيين من المغادرة، إلا لكي يستخدموهم بمثابة "دروع بشرية"؟ حقيقة أن الجيش لا يهاجم المناطق إلا بعد إخلائها من المدنيين تدحض كافة هذه المزاعم.
الحقيقة هي أنه ماكان بمقدور الحكومة الاستمرار لثلاث سنوات من الحرب دون دعم الشعب. فهي بحاجة إلى شعب مؤيد لها للحفاظ على النظام والدفاع عن الوطن. ولهذا السبب، وعلى النقيض من المعارضة، عملت الحكومة بجد لكسب عقول وقلوب شعبها وتأمين حاجاته ومتطلباته. خلال السنة الماضية، قامت بإصدار عفو عام عن مقاتلي المعارضة السوريين المنهكين (ولكن ليس لحلفائهم الأجانب) كوسيلة لإراحتهم من القتال. إن العفو العام الذي أصدره الأسد مؤخراً هو جزء من هذه الاستراتيجية، كما أنه تأكيد على الثقة بنجاحه.
ما يتبقى هو عبارة عن مئات العصابات من المتطرفين الإسلامويين، بما في ذلك آلاف الجهاديين والمرتزقة الممولين من قبل الولايات المتحدة والسعودية. تحتل العديد من هذه العصابات وادي الفرات السوري الذي تم تدميره الآن بسبب الجفاف وقطع تركيا للمياه. ولذلك فإن هذه العصابات تعيش على المساعدات الأجنبية وتفكيك وبيع البنى الصناعية التحتية في المناطق التي يسيطرون عليها. لكنهم لا يتلقون أي مساعدات تذكر الآن من الشعب السوري. فقط الأسلحة والموارد المقدمة من الجهات الأجنبية هي التي تجعل منهم الآن قوة معقولة، بالإضافة إلى الأسلحة المضادة للطائرات التي يتلقونها من تركيا والأردن على طول الحدود.
لا يمكن لأحد أن ينكرَ أن الحكومة السورية هي أوتوقراطية أبوية لا تتقبلُ أية تحديات جدية. ومع ذلك، يبدو أن هذا ما تريده غالبية السوريين لحمايتهم من عمليات القتل الجارية على يد القوى الأجنبية التي تسعى لتدميرهم. سوريا ليست ديمقراطية بعد، على الرغم من الخطوات الخجولة التي تم إقرارها في دستور 2012 وإجراء الانتخابات الرئاسية التنافسية إلى درجة ما. ومع ذلك، فإن الحماس الذي ميز الانتخابات – وخاصة إذا قارناها بالانتخابات المصرية الفاترة – هو دليل إيجابي على أن حكومة الأسد تعكس إرادة الشعب السوري.
http://dissidentvoice.org/2014/06/why-do...overnment/
الترجمة: د. مالك سلمان - الجمل