لطالما تكونت وجهة نظر لدينا ان فلسطينيي الخارج من غير الاغنياء فقط هم من يرغبون في العودة الي فلسطين لكن تلك القصة والتي هي عبارة عن فيلم تسجيلي عرض علي قناة العربية تظهر وجهة نظر فئة من هؤلاء الفلسطينيين الأثرياء بانهم أكثر رغبة في العودة لوطنهم فلسطين وكان أسم الفيلم ((ذكريات من يافا)) وهاهي قصتة:- ابنة داماريس: مونتي كارلو عائلتي أبي وأمي غادروا جميعاً ديارهم للعيش في مونتي كارلو ربما بحثاًَ عن الشمس وحلاوة العيش, البحر يرمز إلى فلسطين أيضاً وربما يستطيعون بشكل ما أن يشعروا بما يجري في الجهة الأخرى من البحر, عادةً في مثل هذا الوقت يمكن أن نرى أنوار الليل وبيروت مضيئة إنه منظر رائع, ويمكن أن نرى المرفأ من هذه الجهة, إنه أمرٌ مختلف, تنزل أمي إلى بيروت صيفاً وتأتي إلى مونتي كارلو شتاءً, ينتقل أهلي بين المدينتين.
داماريس: هنا نجد دائماً من نتكلم معه، أما هناك فنشعر بالوحدة الرهيبة, يافا.. اسم يافا يعني يافا الجميلة، وكان يطلق عليها اسم الجميلة لأن فصل الربيع فيها جميل جداً, وتزهر بساتين البرتقال الكثيرة وتفوح منها أيضاً رائحة الأزهار الزكية, كان والداي يعيشان ببساطة, كنا عائلةً جميلةً والحياة كانت بسيطةً جداً لا سيما عندما كنت صغيرةً وأرتاد مدرسة راهبات القديس يوسف.
[ذكـريـات مـن يـافـا]
داماريس: الفرق شاسع بين العيش هنا والعيش هناك لا سيما بالنسبة إلى الشابات لم يكن الوضع مماثلاً لما هو عليه اليوم، لم نكن نتمتع بكثير من الحرية, كنا نتقابل على الشاطئ وكان هناك صالة سينما قرب منزلي كنا نقصدها مقابل بضعة قروش, كنت أيضاً أذهب إلى أحد الأندية حيث يمكن أن نقضي النهار ونستمع إلى الموسيقى، كنت أمارس رياضة التنس أيضاً على مسافة غير بعيدة من منزلي هناك تعرفت إلى زوجي, كان جاري, كبرنا معاً إلى أن تزوجته أخيراً رزقت منه بابنتي الأولى, وبعد سنتين ولدت ابنتنا الثانية, والثالثة بعد سنتين أخريين أما الرابعة فولدت في بيروت, لنبدأ بأقرباء زوجي, ألومبي هو الأصغر بين الشبان ويعيش حالياً في لبنان.
ألومبي زوج داماريس: ولدت عام 1918 وقد أطلق عليّ والديَ اسم ألومبي لأن الجنرال ألومبي كان قد دخل القدس آتياً من مصر وكان والدي آنذاك مسؤولاً عن الجمعيات الألمانية ويعمل في قنصلية سويسرا، قال له صديقه: إن الطريقة الفضلى للتخلص من البريطانيين هي أن تسمي ابنك ألومبي فيظنون أنك مع الإنجليز, حظيت باسم مختلف عن باقي الأسماء وهو ليس اسماً مسيحياً إنما اسم عائلة إنجليزية.
التعليق الصوتي: النفط تاريخ الشرق الأوسط كله مستند إلى النفط, والحق يُقال إن النفط ولّد كل أطماع العالم, فكل دولة كبيرة ترغب في الحصول على احتياطي النفط لأنه ما من طاقة أخرى يمكن أن تحل مكان النفط بالكمية نفسها, فكل أنواع الطاقة الأخرى لا تشكل أكثر من 5% من نسبة النفط, وسيظل هذا الأخير وأعني النفط خلال القرن المقبل على الأقل مصدر الطاقة المعتمدة.
خبير بشؤون فلسطين: طبعاً كل شيء مرتبط بالنفط، هذه سياسة وعد بلفور، وعد بلفور بإنشاء وحدة وطنية يهودية في فلسطين, كان العرب واليهود يعيشون معاً من دون أي مشاكل إذ لم يكن في فلسطين سوى 75 ألف يهودي، حتى أن العرب كانوا يحمون اليهود آنذاك, كان الجميع يعيش بسلام قبل مجيء الانتداب البريطاني, كان هناك 15 ألف يهودي يعيشون في مقاطعة تل أبيب التابعة لبلدية يافا حيث يعيش 100 ألف عربي.
ألومبي زوج داماريس: كانت يافا أكبر مدن فلسطين من حيث السكان, أما اليوم فلا يتعدى السكان العرب 10 آلاف نسمة, وأصبحت يافا جزءاً من تل أبيب, اليهود الأوائل كانوا من الروس فقد أتوا إلى فلسطين بعد أن تمت مطاردتهم في روسيا والأكثر ثراء في فلسطين اليوم هم من أصل روسي وقد أتوا عام 1880 تقريباً, وأنشؤوا مستعمرات واشتروا الكثير من الأراضي، كان اليهود يأتون على دفعات إذ كانت البلاد ثريةً قبل الحرب, لقد عشت مع الكثير من اليهود الذين عرفتهم, كنت في المدرسة في يافا مع العديد من الطلاب اليهود الذين ما كانوا يتكلمون أي لغة ولا حتى العبرية، تابعنا أنا وإخوتي دروسنا في مدرسة الفرار في يافا كانت فترة شبابنا رائعة كنا نخرج مع الفتيات ونرقص، خلال الحرب أمضينا فترة مهمةً في فلسطين ففلسطين لم تكن في حالة حرب ولكن الجيش البريطاني كان يستعملها إلى جانب مصر كقاعدة للشرق الأوسط, كان والدي يملك بساتين برتقال كبيرة فتعلم الأولاد الزراعة, وتصدير المنتوجات, كانت عائلات يافا التي تملك بساتين برتقال شاسعة تعمل بشكل مكثف 4 أشهر في السنة في تصدير البرتقال, وترتاح تقريباً 8 أشهر, لقد ازدهرت يافا بفضل مرفئها الكبير إذ كانت التجارة كلها تمر بيافا، كان مرفئاً مفتوحاً يذخر بالمؤن والمراكب، كانت البضائع تفرغ من السفن وتنقل إلى حيفا والقدس وغزة ونابلس التي كانت فلسطين آنذاك.
ابنة داماريس: على خلفية هذا كله كانت تحصل إضرابات، حصلت إضرابات عامة عام 1936 وحتى قبل ذلك وكان هناك حركات مقاومة, وراء كل تلك الحياة الاجتماعية قصة وتاريخ بين السطور، أمي تخبرني دائماً أننا كنا نسكن معها نحن الفتيات الثلاث في منزل يحمل اسم مرتفعات الشرق, وكانوا يأتون ويقرعون باب منزلنا مراراً وذلك طلباً للأسلحة لمقاومة الصهاينة.
ألومبي (زوج داماريس): لقد بدأنا العمل مع شركة مرسيدس، فنحن أقدم الوكلاء لشركة مرسيدس فقد بدأنا عام 1933 لم يكن بالإمكان صرف المارك الألماني حينذاك فكنا نرسل البرتقال إلى ألمانيا في مقابل سيارات المرسيدس وكنا نقدر ثمن السيارة بعدد صناديق البرتقال فكان ثمن المرسيدس من طراز 170 – 500 صندوق برتقال, والطراز 280 كان ثمنه 300 صندوق, أما المرسيدس 500، إسكا التي كانت الأجمل فكان ثمنها 400 صندوق برتقال, لديّ أخ في عمان حيث كان وكيل مرسيدس وما زال لدينا شركة شحن في العقبة.
تاجر في يافا: في الحقيقة كنا تجاراً كنا نتعامل بالفولاذ والسكر والأقمشة وبكل شيء كان لدينا سوق كبيرة, في أواخر العام 1947 كانت زوجتي حاملاً بطفلنا الأول كانت فتاة فبقينا في الفندق هنا في عمان, كان عدد سكان عمان سابقاً 30 ألف نسمة, أما اليوم فيبلغ مليوني شخص, كانت عمان قريةً صغيرة فعلاً كانت قريةً صغيرة, الأردن قابلةٌ لتستوعب الأشخاص الذين من المفترض أن يأتوا من فلسطين, كان ذلك مشروعاً يهودياً, لا يمكننا أن نقول غير ذلك, ولكن التقنية بريطانية.
ليلى: إنهم أشخاص عانوا بسبب اليهود وماتوا في فندقي سميرة ميس والملك داود, وكل ذلك حصل خلال شهر واحد, كان ذلك نهار الجمعة في 13 سبتمبر أيلول كنت برفقة صديقة لي وكنا ذاهبتين لشراء بعض الهدايا, كنا في منحدر وكان خلفنا مباشرةً حافلةٌ صغيرةٌ تحمل برميلاً, رمى رجل البرميل في المنحدر واندلعت النيران في لحظة ليبلغ ارتفاعها عدة أمتار, أردنا أن نهرب كانت الحروق تغطينا ولو قررنا الهروب من الجهة الأخرى لبلغت الحروق وجهنا, كنت أصرخ وأنادي: أمي وأبي, كانت صديقتي ألكساندرا جلاد تقول لي: ليلى أمسكي بيدي واركضي ركضنا والنيران خلفنا, بدأ الناس يقفلون محالهم ولم أجد نفسي إلا في المستشفى الفرنسي في يافا, كانت راهبات القديس يوسف يأتين ويصلين حول سريري, وأنا كنت أصلي معهن من دون أن أعرف لم كنّ يصلين؟ صباح اليوم التالي جاءت الأخت ماريل ويز وقالت لي: ليلى اشكري الرب, اشكري الرب أنت مصابة بالتيفويد, قلت لها: ماذا أشكر الرب؟ علام أشكره؟ ألا يكفي أنني مصابةٌ بالحروق؟ أنا مصابة بالتيفويد أيضاً، فقالت لي: اشكريه لأنهم كانوا سيبترون ساقك بسبب الغرغرينا لكننا وجدنا أنك مصابةٌ بالتيفويد وعندما كنت مصابةٌ بالحروق أتت ابنة مختار تل أبيب وقالت لي: أرجوك غادري فلسطين ارحلي من هنا نحن سنذهب إلى كندا, ثم أضافت لن نبقى هنا مع الأشخاص الذين سيأتون لا يمكننا أن نعيش معهم, كانوا يهود فلسطينيين, وكنا على علاقة جيدة بهم, كل ثيابنا كنا نشتريها من هناك, وكل حقائبنا أيضاً, كنا جميعاً نتسوق من تل أبيب لأنه لم يكن بيننا وبين اليهود أي مشكلة, ولكن هذا كان من صنع البريطانيين والأميركيين طبعاً الذين أرادوا جعل فلسطين لليهود, وأن نكون نحن اللاجئين بدلاً منهم.
ألومبي (زوج داماريس): قبل الاعتداء على يافا بأربعة أيام جاء مديري ليقول لي كنت حينذاك وكيلاً للأغذية وهو كذلك, قال لي: خذ عائلتك لمدة أسبوع سنذهب إلى الإسكندرية لمدة أسبوع لأنني كنت حينذاك مسؤولاً عن البصل في الإسكندرية، لم أكن أعرف بذلك الاعتداء الموجه ضد يافا, بينما هو كان يعرف كان يعرف أن البريطانيين سيرحلون وأن حاكم يافا قبض 50 ألف جنيه إسترليني في مقابل صمته وإرشاد الشرطة إلى الأشخاص المهتمين بالسياسة البريطانية.
داماريس: كان زوجي يملك سفناً هو وأشقاؤه وهكذا عندما حصل ترحيل الفلسطينيين وما إلى هنالك فكّر زوجي بالمساعدة, بعد فترة طويلة بدأ يتساءل إن كان قد أحسن فعلاً بإخراج هؤلاء القوم من بلادهم أم لا؟ كان مضطراً فالبعض كان يرمي نفسه في البحر.
ألومبي (زوج داماريس): أخذ حبيب ما استطاع من بضائع من يافا على متن سفينة كان اللاجئون يصعدون على متن السفينة فتركناهم, نقلنا ألفي شخص إلى بيروت بحراً، عائلات كنا نعرفها وعائلات صعدت عنوة على متن السفينة, لم نشأ اختلاق المشاكل هذه قصة عائلة غرغور التي بدأت العمل في بيروت عام 1948.
داماريس: غادرت يافا في آخر طائرةٍ متوجهة إلى لبنان، حزمت حقيبتين فقط ورحلت مع بناتي الثلاث، كنا في التعتيم التام والحصر أيضاً, لم آخذ سوى حقيبتين تركت كل شيء خلفي مثل الجميع, الجميع يعلم قصة هذا المكان وأنا لست الوحيدة التي رأت النور بعد سنة, لقد فوجئ الجميع عندما رأوا النور, فقد انقطعت الكهرباء سنة كاملة, لم يكن هناك تيار كهربائي ولا حتى خطوط هاتف, لا شيء لا شيء على الإطلاق لم يكن هناك سوى شمعة, لا شيء سوى ذلك.
ألومبي (زوج داماريس): عندما جئنا إلى بيروت لم نكن نملك الكثير من المال ولكننا كنا وكلاء ثلاث أو أربع شركات كبيرة, فعندما أتينا إلى بيروت قالوا لنا: سوف نرسل لكم البضائع فأنتم أشخاص نزهاء وكنتم كذلك معنا طوال 20 عاماً, سنرسل لكم البضائع وبعد أن تبيعوها وتحسموا منها أرباحكم ترسلون لنا ثمنها وهكذا بدأنا, انطلقنا بمساعدة أصدقائنا من يافا أعطونا وكالاتهم في بيروت وبدأنا العمل.
داماريس: قال لي زوجي حينذاك: نسيت كل شيء هناك سأبدأ العمل من جديد وهكذا عمل بجهد وازدهرت أعماله.
داماريس: غادرنا بيروت على حين غرة، أنا رحلت في غضون نصف ساعة كان القصف في أوجه, والخوف كان يمتلكنا أنا وبناتي, قلن لي: توجهي فوراً إلى المطار, وكنا قد حجزن لي بطاقة سفر, ذهبت مع سائقي الخاص واجتزنا المسافة كلها تحت القصف وكنا نشعر بالخوف, عندما وصلت إلى المطار كنت ضائعةً تماماً ثم وصلت إلى فرنسا وتوجهت إلى باريس حيث استأجرت منزلاً ومن باريس انتقلنا لاحقاً إلى الساحل إلى مونتي كارلو، انتقلنا إلى الساحل بعد 10 سنوات ونصف تقريباً, كنا نشعر بهدوء تام لأن زوجي كان يريد السكن قريباً من البحر, فنحن متوسطيون.
ألومبي (زوج داماريس): نعم لطالما كان حبيب يحب البحر, كان يحب السباحة والصيد, كان يحب البحر بالنسبة إليه كان البحر رمز الجمال, الجمال المطلق.
داماريس: نعم كان يحب الأشياء الجميلة، هذه اللوحة التي في الوسط اسمها بناتنا الثلاث، إذ كان لدينا ثلاث بنات حينذاك مع أنهن لا يشبهن بناتي ربما ماريس قليلاً, ماريس تعيش الآن في باريس، وجويس البكر تعيش هنا حالياً في مونتي كارلو.
جويس غرغور (ابنة داماريس البكر): أذكر فقط أضواء فلسطين فكوني رسامة أتأثر بطبيعتي بالأضواء أضواء فلسطين ورائحة بساتين فلسطين, الفلسطيني أشبه بالحلزونة أو السلحفاة, بيته على ظهره وفلسطين في قلبه, لقد حرمنا من لغتنا حرمنا من لهجتنا من تفكيرنا ومن ثقافتنا, نحن مشتتون في العالم ولا نجد في كل مكان أشخاص يتكلمون لغتنا أو يعبرون مثلنا, إذا كنت أنا في مولاكو فلأن أولادي هنا وبالنسبة إلي أولادي هم وطني, لقد عرفت النفي مرات عدة في حياتي وليس مرةً واحد فقط, ودائماً كنت أجد نفسي وحيدة مع حقائبي وعلي البد من الصفر والبحث عن أقرباء وأصدقاء, وقد عبرت عن النفي في لوحاتي.
جوانا (ابنة جويس): إنه الهروب، هذا كل ما أعرفه، في السهرات يسألني الناس: ما هي جنسيتك؟ فأقول: لبنانية، ولكن في أعماقي أرغب في القول فلسطينية, ولكنني من جهة أخجل ومن جهة أخرى أخشى رد فعلهم لأنه لطالما أظهرت شاشات التلفزة الفلسطينيين كإرهابيين أو أشرار لسوء الحظ وهذا ليس صحيحاً, أحياناً أرغب فعلاً في أن أقول: إنني فلسطينية، لكنني لا أفعل لا أجرؤ، يقول لي أهلي: نحن فلسطينيون ونحن من يافا، وكلما أعطوني برتقالة لآكلها يقولون لي: إن هذه الثمرة من فلسطين من يافا، وبالنسبة إلي أول صورةٌ ترمز إلى فلسطين هي البرتقال، عندما كنت في الخامسة من عمري كنت أظن أن هناك أملاً بالعودة فأرضنا قريبة جداً ولا تبعد كثيراً عن لبنان, ولكن لسوء الحظ اندلعت الحرب في لبنان وكنت في الخامسة من عمري فاقتلعوا جذوري الصغيرة من التراب من جديد وغادرنا البلاد, وضعوا جذوري مؤقتاً في كوب من الماء قالوا إنهم يضعونها هنا مؤقتاً ليزرعوها في مكان آخر لاحقاً, ولكن للأسف لا تزال جذوري في كوب الماء منذ عام 1975 وقد سافر هذا الكوب كثيراً ولم يبقَ في المكان نفسه مدةً طويلة، وما زلنا نبحث حتى الآن عن مكان نستقر فيه ولكنني أظن أن الأوان قد فات، لم أستقر يوماً في مكان مدةً كافية لتعتاد جذوري التراب, هذا مؤسف لأنني لا أعرف معنى الانتماء والتشابه مع أشخاص آخرين, أظن أني أشبه بزنبقة في حقل ورود.
[داماريس تغني ليافا]
رايح فين يا مسليني
يا بدء حبك كاويني
ابن المدام يا جميل اوصيني عيني
يا كتر شوقي عليك يا سلام
داماريس: هذه الأغنية تنشد الحب:
رايح فين وجاية منين
يلي شبكتني برمش العين
يا قلبي ما يهواش تنين
إلا وحدة شلبية
لقد تعلمتها من أبي، إنها أغان قديمة جداً وهي تعني لي الكثير, كنت أغني في كورس وكنت أحد أعضاء الكورس وكنت عشية الميلاد أؤدي ترتيلة ليلة الميلاد بمفردي, كان صوتي قوياً وجميلاً أيضاً, كان يجب أن أستحصل من رعية يافا على شهادة عماد وعندما حصلت عليها رحت أقرأها وأعيد قراءتها كما لو أن حياتها كلها في هذه الورقة التي أحفظها برعاية فائقة، صحيح أننا في المنفى أنا في المنفى وقد لا أرى يافا من جديد.
ابنة داماريس: الشعب الفلسطيني متنوع فهناك طبقة برجوازية، وهناك الفلاحون، هناك الطيبون والسيئون المثقفون والعلماء, هناك كل ما يشكل شعباً, كل ما يشكل أمة, لكن هذه الطريقة في جمع القطع المبعثرة تجعلني أعيد ترتيب قصتي أنا، فنحن الفلسطينيين لكل منا قصة يخبرها ولكن لكل فلسطيني قصته الخاصة.
ابنة داماريس [تدل إحدى زائراتها من نافذة منزلها]: إنه هنا ماريز المنزل هنا الطابق الثاني, انتبهي إلى السيارات، إنني أحاول ترتيب قصتي الخاصة من خلال جمع القطع الواحدة جنب الأخرى.
ابنة داماريس: نعم إذا سئلت فسأقول: إنني من هناك، ففي الواقع أنا مهتمة بالأرض وبالموقع أكثر منه بالهوية الفلسطينية وبالثقافة ربما فالأرض لا تزال موجودة لو قدرت لي العودة إلى هناك لرغبت في التعرف إلى شجرة العائلة وأصلنا, سواء كنا من الصليبيين أو كنا قد أتينا من تركيا أو أننا فلسطينيون في الأساس لست أدري.
داماريس: أبي يدعى أمين عرقطنجي وأمي أجوينار قطنجي، جدتي هي ماريان عرقطنجي، كانت ابنة أسعد الخياط، لقد كان آنذاك قنصل إنجلترا في القدس ويافا أيضاً.
ابنة داماريس: كنت مهتمة جداً بالتعرف إلى موطني وربما بترك علامة فيه، وعندما وصلنا إلى يافا لم نعرف من أين نبدأ فتابعنا بحثنا وقصدنا منزل سمعان الدباغ, سأل زوجي الرجل هناك إن كان يعرف عائلتي؟ فقال له: نعم أعرفها وشرح لي أين كانوا يسكنون قائلاً: أن منزل العائلة كان فوق صيدلية قرب جبل عرقطنجي، وعندما ذكر لي هذا الاسم تأكدت من الأمر فهذه شجرة جدتي, وقد فوجئت جداً بوجود جبل يدعى جبل عرقطنجي, فتملكني الفضول لرؤية المنزل الذي عاش فيه جداي فرحت أجول في يافا وألتقط صور كل الصيدليات.
أجد صعوبة في الاعتراف للفلسطينيين بأنني فلسطينية يبدو ذلك غريباً ولكنني أشعر بالذنب لأنني تخليت عن شيء لا يزال موجوداً وأنا خارجة.
فلسطينية الأصل تعيش في البلاد الأجنبية [باكية]: انظروا إلى هذا، لقد دمروا كل شيء, يريدون محو كل شيء, كل شيء.
دليلة سياحية: برج الساعة هاهو لقد شيّد في الذكرى الثلاثين لعيد ميلاد السلطان التركي عبد الحليم الثاني في بداية هذا القرن, إذا كنتم لا تفهمون ما يقوله الناس في الشارع فهذا لأنهم يتكلمون العبرية.
فلسطينية الأصل تعيش في البلاد الأجنبية: كان في الأسفل مقهىً يدعى مقهى جلاد لأنه يعود لعائلة جلاد وكان المكتب فوقه لا أتعرف عليه لذا لا يمكنني تحديد موقعه.
داماريس: كان مكتب غرغور يقع في الساحة الرئيسية هناك الساعة الكبيرة والأسلاك الكهربائية نفسها, لقد رأيتها في صورة أخرى إنها الأسلاك نفسها، الساحة نفسها، لم يتغير شيء عدا الخراب الذي طال هذا المكان.
دليلة سياحية: حسناً إذا كنتم جاهزين فلنتوقف هنا، يمكنكم رؤية فرن هنا قبل الزاوية هو فرن أبو العافية الذي يقدم خبزاً عربياً وهو ذائع الصيت بين اليهود, في حال شعرتم بالجوع بعد الجولة تعرفون الآن أين تذهبون، هيا بنا.
مدرسة الفرار, كانت هذه مدرسة الفرار أجل.
داماريس: إذا ما خرجنا من منزلنا منزل حماي أو منزلنا يقع المستشفى الفرنسي عند الجهة اليسرى في نهاية الشارع الكبير, من هذه الجهة عند اليمين تقع مدرسة راهبات القديس يوسف, حيث تعلمت، الصيدلية ليست تماماً في مقابل منزل حماي إنما إلى اليسار من هذه الجهة, أذكر جيداً إنها صيدلية جدي، أذكر أنه كان هناك صيدلية لكنها لم تكن تحت منزل حماي إنما في الجهة الأخرى.
غرغور غرغور (صيدلاني): جئت إلى هنا، كان والداي مريضين وبقيت, بقيت هنا مع أمي وأبي وأختي توفيت أختي الآن, وهانحن هنا, كان منزلاً واحداً, ولكن خلال فترة الاحتلال قسم إلى جزأين, وهذا كله الآن هو منزل عرقطنجي وقد كان الجد عرقطنجي يُدعى سيزار أو قيصر عرقطنجي وقد كان نائب مختار يافا, وعرقطنجي هو من وقع العقد مع شركة روتنبيرغ لكي تدخل الكهرباء إلى يافا عام 1929.
فلسطينية الأصل تعيش في البلاد الأجنبية: انظروا لقد وجدت الشجرة التي حفر عليها أبي قلباً لأمي, إنها شجرة أكيدنيا.
داماريس: نعم كان هناك شجرة، لقد كانت في الحديقة التي تفصل منزلي عن منزل زوجي, كانت مزروعة في حديقة زوجي في منزل أبيه وكان قد حفر عليها أول حرف من اسمي وما زال حتى الآن.
فلسطينية الأصل تعيش في البلاد الأجنبية: هذا مذهل..
داماريس: كنت صغيرةً في الـ 14 من عمري، كنت أذهب إلى المدرسة آنذاك كل ما كان يقوله لي: أتريدين الشوكلاته بالنوجا؟ فكنت أجيبه: لا، لا أريد.
فلسطينية الأصل تعيش في البلاد الأجنبية: هذه الأرض اشتراها يهودي فرنسي وهو يرممها الآن ليسكن فيها.
غرغور غرغور (صيدلاني): هم يتاجرون بممتلكات غيرهم, ويكسبون منها أرباحاً طائلة, أنا أدلهم على منازلهم حيث يبقون نهاراً كاملاً وبعد ذلك يعودون بقلب مثقل.
سليم تاماري (عالم اجتماع - رام الله): غير أنه بالنسبة إلينا نحن الذين رحلنا عن المدينة خلال الحرب لا نكن الكثير من المشاعر إزاء العرب الذين بقوا هناك وكأن الوضع الطبيعي للفلسطينيين هو الرحيل, وكأن الكارثة ملتصقة باسمهم, إننا أحياناً نقصد المدينة فلا نرى فيها سوى ذكريات, لا نرى فيها معالم شعب حي بقي هناك وقاوم وتمكن من بناء حياته من جديد بشيء من الطبيعية, كل هذا مجرد خلفية بالنسبة إلينا, نذهب إلى هناك بحثاً عن ذكريات آبائنا وأجدادنا ومن ثم نرحل لنكتب عما شاهدناه ولكن طبعاً يافا اليوم مدينةً حيوية, تناضل من أجل حقوق شعبها الأصلي وأوضاع سكنهم وتناضل ضد التمييز وإلى ما هنالك, ولكن هذه قصة أخرى يجب إخبارها وتكرارها إلى جانب قصة الناس الذين رحلوا.
أندريه مزاوي (أستاذ من عرب 48 في جامعة تل أبيب): نحن هنا غربي مدينة يافا على مشروع ضخم أخذته السلطات المحلية منذ أكثر من 20 عاماً من الاحتدام في هذه المنطقة, وكانت النتيجة التي نراها اليوم أرضاً شاسعة واصطناعية تشكل فصلاً جغرافياً بين يافا والحي العربي في يافا الذي نراه هناك والبحر, لو كنا هنا قبل عام 1948 لكنا الآن واقفين على الماء فالبحر كان هنا، نحن على مسافة 200 أو 300م من المدينة في البحر وهذه الأرض ستستخدم لمشروع بناء كبير كجزء من مشروع لتهويد المدينة, كان البحر في الأساس يصل إلى أقدام واجهة المنازل تلك، ولكنهم قضوا على شاطئ يافا التقليدي فرفعوا مستوى الأرض من 20 إلى 30م, لكن هذا المشروع أوقف أخيراً عام 1987 إثر عريضة رفعتها رابطة عرب يافا إلى المحكمة العليا التي أصدرت قراراً بعدم قانونية هذا المشروع, إذن خلال أكثر من ربع قرن كانت البلدية تقوم بسلسلة أعمال غير قانونية تهدف إلى تغيير شكل الساحل المحلي وقد أعلنت هذا المكان مكباً للنفايات, وخلال أكثر من 25 عاماً عانى فلسطينيو يافا من روائح مئات الكميونات التي كانت تأتي كل شهر لكي ترمي نفاياتها على مساحة هائلة تتعدى 10 كم مربعة وكانت النتيجة كما ترون تفكك شعب يافا العربي بالكامل.
الدليلة السياحية: انظروا إلى المنطقة الخضراء هنا، نحن ندخل الآن القسم المرمم من يافا القديمة، كان هذا الجزء من يافا مدمراً كان ملجئاً للمجرمين ولم يكن مكاناً جميلاً يستقطب الناس, ولكن بمبادرة إيجابية قرر مختار تل أبيب ترميم يافا, إذن عليّ القول إن شجرة البرتقال الوحيدة في يافا معلقة.(العربية نت)
http://www.alarabiya.net/programs/2005/04/24/12467.html