لستُ أدري إن كنت قادرا على أن أكتب عن الحب كما الأيام الخوالي، "أيام المراهقة" مثلما اعتدتُ القول، أو الإدعاء ربما ...
على العموم، في خضم انغماس المرء في مشاغل الحياة، نوائبها تارة، وأفراحها وملذاتها تارة أخرى ... تبقى لذة واحدة، مزيج من النغصات والزفرات الحارة، دموع ورعشات، أرقٌ ونعاس، همسات ولمسات، ونظرات ... هي لذة الحب، تلك التي لا يختبرها إلا كل ذو حظ عظيم ...
قد أدّعي، أن الحب جعلني أذود بما لم أعلم بوجوده في داخلي يوما، وهو على بساطته، مما أعتبره خارجا عن عادتي ومألوفي، لأن القلم الآن جف، والصحف ابيضّت، وما عدتُ أجد في داخلي تلك اللذة والمتعة في خطّ "خربشاتي" هنا وهناك، أو كما يُقال في العامية "على الفاضي والمليان" ... تلك المتعة اختفت، أو ربما اضمحلّت ... كالجمر الخامد ينتظر دفقة من نسيم تشعل لهيب نار استعرت فيما مضى ...
هي ليلة أخرى من تلك الليالي "الموحشة" التي أعيشها بين الفينة والأخرى لأرتشف من كأس العشق رشفة، أستنشق من عبيره زفرة، وأذوب في أتون الوله لوهلة قبل أن أنام ... ويحضرني هنا أبيات لجميل بن معمر، مجنون بثينة، ذلك العاشق الوله المعذب، أذكرها لأنني عشقت بثينة في شعره، وتمنيتها تكون خليلتي ولو لهنيهة ...
لا مزيد من الخربشات، بل أترككم مع باقة من أشعاره التي ربما عاف البعض تكرارها الدائم، فاعذروني
ألا قاتل الله الهوى كيف قادني * * * كما قيد مغلول اليدين أسير
***
وكان التفرّق عند الصباح * * * عن مثل رائحة العنبر
خليـلان لم يقربا ريبـة * * * ولم يستخفا إلى المنكر
***
يقولـون: مسحـور يجنّ بذكرها * * * فأقسم ما بي من جنون ولا سحر
* * *
تجـود علينـا بالحديـث وتـارة * * * تجود علينا بالرضاب من الثّغـر
فلو سألـت مني حيـاتي بذلتهـا * * * وجدت بها إن كان ذلك من أمري
هي البـدر حسنا والنساء كواكب * * * وشتّان ما بين الكواكـب والبـدر
بقد فُضِّلتْ حُسْنا على الناس مثلما * * * على ألف شهرٍ فُضِّلتْ ليلة القدر
عليها سلام الله من ذي صبابـة * * * وصبّ معنّى بالوسـاوس والفكـر
مضى لي زمـان لو أخيّر بينـه * * * ويبن حياتي خـالدا آخـر الدهـر
لقلـت: ذروني سـاعـة وبثينـة * * * على غفلة الواشين ثم اقطعوا أمري
مفلّجـة الأنيـاب لـو أن ريقهـا * * * يُداوى به الموتى لقاموا من القبـر
إذا ما نَظَمْتُ الشّعْرَ في غير ذكرها * * * أبى وأبيها أن يطـاوعني شعـري
***
أتوهـا بقـولٍ لم أكـن لأقولـه * * * وكلّهـم حـرف عليّ ظلـوم
بقولٍ جزيت النـار إن كنت قلته * * * وكلّ جـزاء الظالميـن أليـم
لكِ الخير هلاّ عجت حتى تفهمي * * * وذو اللّب في كل الأمور فهيم
فتستيقني أن لم يكن من خلائقي * * * وذلك أمـر يا بثيـن عظيـم
***
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة * * * وقد عشت دهرا لا أعدّ اللياليا
ألم تعلمي يا عذبـة المـاء أنني * * * أظلّ إذا لم أُسقَ مـاءك صاديا
وودت على حبّي الحيـاة لو أنّها * * * يزاد لها في عمرها من حياتيا
فما زادني الواشـون إلا صبابـة * * * ولا زادني النّاهون إلا تماديـا
وقالـوا بـه داء عيـاء أصابـه * * * وقد علمت نفسي مكان دوائيا
هي السّحـر إلا أنّ للسّحـر رقية * * * وإنّي لا ألفي لها الدّهـر راقيا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها * * * وأشبهه أو كان منـه مدانيـا