بين مطرقة امريكا وسندان ايران
بين مطرقة امريكا وسندان ايران
طـاهـر الـعدوان
خلال عطلة الاعياد شاهدت اكثر من ندوة متلفزة تدور حول العلاقات العربية- الايرانية, وهذا الموضوع اصبح مركزيا على ضوء عملية اعدام الزعيم العربي صدام حسين, وكان واضحا ان هناك مواجهة بدأت تنشأ بين فريقين: الاول, يرى ان دعم ايران للمليشيات المذهبية في بغداد يكشف عن تواطؤ مع الاحتلال وعن عداء فارسي صفوي مستحكم ضد كل ما هو عربي, فيما يرى الفريق الاخر ان من مصلحة امريكا واسرائيل اثارة العداء والمواجهة بين العرب وايران ولهذا يجب التغاضي عن السياسة الايرانية في العراق والتركيز على الحلف الامريكي- الاسرائيلي في المنطقة.
الاختلاف في الاراء بين النخب السياسية والثقافية لم يكن اختلافا شائعا بين الجمهور العربي قبل اعدام صدام حسين. لكنه اصبح كذلك منذ فجر يوم عيد الاضحى, بمعنى اخر فان المشاعر في الشارع العربي كانت في غالبيتها العظمى مصدومة مما حدث, وبموازاة ذلك ظهرت علامات الاستياء ومشاعر التنديد بالموقف الايراني, بل ان قطاعا واسعا من الرأي العام بدأ اعادة النظر في الموقف من حلفاء ايران وفي مقدمتهم حركة حماس وحزب الله.
كان هناك استياء واضح من رد الفعل الباهت في الشارع الفلسطيني في قطاع غزة بشكل خاص, فلم تخرج مظاهرة ولم تظهر ردود فعل كما هو متوقع استنكارا لجريمة الاعدام, اعدام قائد عربي كان لا ينهي خطاباته دون عبارة »تعيش فلسطين حرة عربية« وكان يدفع, من قلب الحصار ومن جوع شعبه, مبلغ 25 الف دولار لعائلة كل فلسطيني يسقط شهيدا في زمن الانتفاضة.
اما تفسير هذا فالناس تعيده الى سيطرة حكومة حماس, وموقفها الذي يجاري مواقف معظم الحركات الاسلامية في العالم العربي, التي اصبحت ساحة نفوذ لايران ولشعاراتها التي لا علاقة لها بواقع النضال العربي ضد الاحتلالات في العراق وفلسطين, ومن الغريب, ان طهران تحصد المكاسب السياسية والعسكرية من حصاد المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان على جثث الشهداء العرب, بينما هي في واقع الامر, تحارب المقاومة في العراق الى جانب قوات الاحتلال عبر انصارها من المليشيات, كما انها وبفعل تدخلاتها حولت الساحة الفلسطينية لاول مرة الى ساحة اقتتال, وهي التي كانت دوما ساحة مقاومة بوحدة وطنية ظلت دائما السلاح الامضى في وجه الاحتلال.
الرأي العام العربي, في مناخه العام, لم يكن يوما ولن يكون في صف الولايات المتحدة واسرائيل, لان ذلك يتعارض مع الروح العربية الرافضة للذل والخضوع روح المقاومة التي تنتصر في العراق رغم انف ايران وكيدها وتعاونها المبطن في تسهيل مهمة الاحتلال بهدف تصفية العراق وسلب هويته العربية.
ليس الخيار المطروح, الذي تحاول بعض النخب السياسية حشر المواطن العربي فيه هو بين ان يكون في صف امريكا واسرائيل او في صف ايران وعملائها وانما ان نكون في صف انفسنا كعرب, وان نقف الى جانب المقاومة الباسلة في العراق وفلسطين, بعيدا عن المحاور التقسيمية التي تصنعها وتغذيها طهران مستغلة دماء الشهداء والمقاومين وتضحيات الناس وصمودهم.
بين مطرقة امريكا واسرائيل وسندان ايران, فان الملاذ الاخير في عروبتنا وهويتنا وكرامتنا واستقلالنا, ولم تعد تنطلي على احد شعارات استغلال الدين والعقيدة لتحقيق المكاسب السياسية, لقد سقط القناع عن حكومة طهران وعن حلفائها واحزابها ومليشياتها التي تحولت الى عامل تمزيق للشعوب العربية, ومنبع للفتنة, وجسر لمرور المحتلين والغزاة.
|