هل هم فاشيون إسلاميون ؟
قال الرئيس الاميركي جورج بوش الأسبوع الماضي بعد أن أعلنت بريطانيا انها أحبطت خطة لتفجير طائرات فوق الأطلسي، إن «هذه البلاد في حرب مع الفاشيين الاسلاميين الذين سيستخدمون أية وسيلة لتدميرنا نحن محبي الحرية».
وبقيت أتأمل من حين سمعت خطاب بوش وصفه العدو. فمن هم «الفاشيون الاسلاميون» وهل لهذه العبارة معنى في وصف خصوم أميركا ؟
الجواب الحكيم لكاتب العمود هو بالطبع نعم وكلا. فنظرة الى تاريخ الفاشية تقدم بعض المقارنات المذهلة للحركات الثورية التي اجتاحت ايران ودول العالم الاسلامي الأخرى خلال العقود العديدة الماضية. ولكن العبارة مضللة، سواء في اشارتها الواسعة للاسلام أو في استحضارها لقرن آخر أو حرب أخرى.
ومن بين الكتب الدراسية التي علاها الغبار في سرداب بيتي كتاب ارنست نوتل الموسوم «ثلاثة وجوه للفاشية» وهو دراسة كلاسيكية للقوى الاجتماعية التي خلقت الحركات الفاشية في فرنسا وايطاليا وألمانيا خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. انه كتاب كثيف ولكنه يتوصل الى نتيجة عميقة لا تنسى. وقال نوتل ان الفاشية هي «مقاومة التجاوز». وكان يعني بذلك ان الفاشية كانت تمردا ضد التحولات التحريرية ولكن المزعزعة للمجتمع الحديث.
وفي البلدان التي مدت جذورها فيها بدأت الفاشية هجوما من الطبقة الوسطى على النخب الليبرالية التي كانت تخلق نسخة ذلك العصر من العولمة. وكان اليهود هدفا خاصا، ولكنهم كانوا أيضا رموزا لحركة دولية أوسع. وفي احدى الفقرات وصف نوتل تركيز الاحتجاج الفاشي في اللغة الذي يمكن ان ينطبق على عالم اليوم المعولم: «الطبقة القائدة تؤدي مهمتها في اقامة الوحدة التقنية والاقتصادية للعالم، وتحرير كل الناس للمساهمة في هذا الانجاز في تسويات فكرية وسياسية جديدة مع القوى الحاكمة حتى ذلك الحين. انه مجتمع الكل المترابط».
وكان التمرد الفاشي ضد «التجاوز» مدفوعا، جزئيا، من جانب السخط على الفساد المكشوف للنخب الأوروبية التي كان يعتقد انها باتت غنية خلال فترة الازدهار الاقتصادي في سنوات عشرينات القرن الماضي على حساب الطبقة الوسطى.
وكان الدافع المؤذي الآخر في المانيا هو الشعور بالعار والغضب جراء هزيمة البلاد في الحرب العالمية الأولى. ومنحت الفاشية الناس العاديين تفسيرا للاخفاقات في حياتهم ومصدرا لتوجيه اللوم اليه.
اشاهد الكثير من هذه العوامل وراء الشعبية المتزايدة للاسلام المتطرف في الشرق الاوسط. ولا يزال منطلق هذه الحركة الثورة الايرانية التي انفجرت عام 1979 في اكثر دول المنطقة حداثة، وربما اكثر تفوقا، في ذك الوقت. كانت ايران الشاه آنذاك مسرعة لتبني اقتصاد السوق، كما كانت النخبة ليبرالية وعلمانية ودولية التوجه ـ وأيضا فاسدة. شعر المسلمون العاديون انهم تركوا خارج دائرة رغد العيش في ايران الجديدة تلك، كما كانوا يشعرون ايضا ان عرق عملهم الشاق كان يستخدم في شراء القصور في الريفييرا. هذه النزعة المتطرفة ظلت موجودة لدى الرئيس محمود احمدي نجاد.
اتذكر كيف اجتاحت تلك النقمة الثورية منطقة الشرق الاوسط مطلع عقد الثمانينات عندما بدأت العمل في التغطية الصحافية للأحداث هناك. كان ابرز الوعاظ في مصر عام 1981 الشيخ عبد الحميد كشك الذي كان يسخر من فساد الرئيس المصري الراحل انور السادات وأسرته وميولهم للنمط الغربي، وفي نفس العام قتل السادات بواسطة ارهابيين مسلمين.
المتطرفون الاسلاميون اليوم، كما كان الحال في ألمانيا النازية، حصلوا على التأييد من خلال التعهد والوعود بالحفاظ على كرامة الناس الذين يشعرون بخزي الهزيمة في الحرب. فقد ركز نداء زعيم «حزب الله» حسن نصر الله على ان العرب يشعرون بأنهم يحملون معاناة 40 عاما من الذل العسكري من جانب اسرائيل. كان نصر الله بمثابة صوت التحدي وقدم نوعا من الانتصار، حتى الآن على الأقل. كل هذا جعل منه بطلا، رغم انه جلب الدمار للبنان.
نعود الى الرئيس بوش والى تعبير «الفاشيين الاسلاميين» الذي استخدمه في حديثه. هذه العبارة لا تعكس الغضب الذي يؤجج مشاعر أعداء اميركا. الجانب السيئ في هذه الحركة، كما هو الحال بالنسبة للفاشية الاوروبية، انها جعلت من اليهود رمزا لقوة اكبر اربكت المسلمين الغاضبين.
النخب الفاسدة التي تقف في طريق العرب اليوم ليس اليهود الاسرائيليين وإنما الطبقة السياسية وجموع الانتهازيين. مع ذلك، لا اتفق مع العبارة. ففكرة اننا نواجه «فاشيين اسلاميين» يضفى غشاوة على النزاع ويوسع العدو ليشمل الكثير من المسلمين، إن لم يكن كلهم. ففي هذه الحالة كأننا نطلق على هتلر وموسوليني «فاشيين مسيحيين»، ما يعني ضمنا ان دينهم هو سبب المشكلة. الثورة التي بدأت في ايران عام 1979 يجب احتواؤها حتى لا تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة اكثر مما فعلت. ولكن لا يمكن كسرها إلا من الداخل بواسطة الذين من هم على استعداد للدفع باتجاه مستقبل افضل.
*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الاوسط»
http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?se...752&issue=10127
تلك وجهة نظر أخرىو طبعا الفاشية الإيرانية غير خلاقة ومنتجة كمثيلاتها الأوروبية