مصباح الحق
melhaq1@gmail.com
قد يشعر المرء بعذاب ووخز الضمير عندما يستفسر عن مغزى ملكات اليمين وكيف يمكن لما يسمى بالله أن يذكرها كملكية صرفة في سننه المفروضة على البشر. ومن هؤلاء المستفسرين الحائرين الكاتب خضر طاهر، والذي نستشف من مقالاته بأنه مندمج اجتماعياً مع الطرف الآخر من ناحية العرق والدين والمذهب، على أقل تقدير، ونحن لسنا في صدد الحكم على مصداقية توجهه إنما نسعى لانتشاله من عجزه عن "إيجاد الإجابة المقنعة لسؤال" طرأ في باله وسبب له "معاناة قاسية" كما جاء في مقاله على الرابط التالي (
http://www.elaph.com/Web/AsdaElaph/2008/11/381131.htm).
وقبل البدء بالإجابة، أذكر الكاتب والقراء الأعزاء بنهاية مقاله حيث يقول: (وختاما.. ارجو من الاخوة اصحاب الديانات الاخرى عدم استغلال هذا الموضوع للتهجم على معتقدات الاخرين، فجميع الديانات فيها مشاكل بحاجة الى البحث والنقد.) أنتهى. وأؤكد بأن مناشدته لا تنطبق عليَ حيث لا أعترف بالله ولا أتبع أي من الديانات بمطلق اختياري، وبالتالي ليس لدي ما يمنعني من نقد معتقدات الآخرين عموماً.
ذكرني الكاتب بالشيخ خالد الجندي الذي يصف المغنية "شاكيرا" بالعاهرة (
http://www.aafaq.org/vedio.aspx?id_ved=294&title=رجل%20الدين%20المصري%20خالد%20الجندي%20يهاجم%20المطربة%20الكولومبية%20شاكيرا%20ويصفها%20بالـ"العاهرة".) هذا المهرج يعتبر نموذجاً مثالياً من مخلفات الإسلام ، ويناصر بقوة ملكات اليمين (
http://www.youtube.com/watch?v=xDWSB27Pf6A)، فالمرأة التي تستطيع أن تشتريها لا تدعى "عاهرة" في قاموسه. ونحن نستطيع أن نفرق بين أن تكون المغنية بصحبة صديقها (Boyfriend) بإرادتها ورغبتها كإنسانة حرة وبين ملكات اليمين السبايا والمقهورات والمسلوبات من حقوقهن حتى ولو تزوجن من مغتصبيهن، وربما لهذا السبب زوغ الشيخ جمال القطب من الهجوم الكاسح والهادف للحصول على إجابة شافية من مرجعيته الأرشيفية حول ملكات اليمين (
http://www.youtube.com/watch?v=mvQQSqmY_Fk). ونحن لا نفرق بين مسميات الزواج المألوفة لدى الفقهاء والتي تندرج تحت ظل ملكات اليمين وبين ما يسمونه دعارة؛ فالهدف هو المتعة والمعاشرة الجنسية، مهما تناطح المفسرون.
يستشهد السيد خضير طاهر من القرآن بالآية التالية: (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )) ويعرف الكاتب ملكات اليمين بـ "المرأة السبية في الحروب أو التي تشترى من سوق بيع البشر ما يسمى سوق العبيد." انتهى. وهذا لعمري تعريف يستحق الثناء لأنه يركز على مصدر السبايا وهي الحروب، إلا أنه يخلو من الدقة، فالسبية تكون كذلك إن لم تكن مسلمة، لأن الإسلام (دين الرحمة للعالمين) لا يسمح بسبي أو استرقاق المسلمة، والوحيد الذي خالف هذه القاعدة السمحاء هو خالد بن الوليد الذي سبى المسلمات في حروب الردة وظللن في السبي إلى مات أبو بكر فحررهن عمر بن الخطاب. والمسلم يمكنه أن يشتري أمة مسلمة من سوق النخاسة. إنما يسمح الإسلام للمالك أن يعاشر المرأة التي ملكها ويكون ذلك سبيل إلى عتقها ومنحها حريتها في المستقبل. فشرط الحرية في الإسلام بالنسبة للسبايا والجواري هو استباحة الفرج. وللتشجيع على ذلك، قد جاء الحديث الشريف مغرياً النكاحين (اغزوا تغنموا بنات بنى الاصفر)، ومؤكداً بأن (كل فرج مكتوب عليه اسم ناكحه حتى لو فرج زانية)! فالموضوع لا يخلو من الشبق الجنسي لدى الرجل الصحراوي النكاح.
يذكر عن الجاحظ وصفه للجواري بنفيس المتاع الذي يتهاداه الناس، لدرجة أن عدد "الجواري" زاد عن عدد "الحرائر" لدى السلاطين والملوك والأثرياء وأعيان القوم. والتاريخ حافل بقصص الأنبياء وتعدد حريمهم- المتزوجات والمسبيات- وهذا الفائض من السبايا هو المكسب والغنيمة من الحروب التي سهلت للمنتصر استرقاق وسبي الطرف الخاسر، وهذه القاعدة بشرية محضة، وأدركها محمد بذكائه وشبقه الجنسي فثبتها في كتابه.
والكل يعرف الأحكام الفقهية حول الأمة والحرة والتسري بالجواري، فالسلف الصالح لم يترك شيئاً إلا ونقب فيه، وبرر كل ما يعصى على فهمه في الآيات التي لا توحي بتعالي الله على الغنائم من الحروب. ومما تواتر من التاريخ المدون أن موسى بن نصير (الغازي-الفاتح للمغرب) كان من الجود بحيث أرسل إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك رقماً فلكياً من الجواري يقدر بثلاثين ألف من الحوريات! هل طرق موسى بن نصير أبواب الشعوب المنكوبة باسم الإسلام واستأذن أهلها للتخلي عن بناتها ليتسرى بها الخليفة؟ أم أن الغزو هو شعار المسلم وبإيعاز إلهي للظفر بملكات اليمين؟.
وقد يقول قائل بأن الإسلام نص على أن السبايا لا تطأ إلى بعد الاستبراء (وضع الحمل)، ونذكر أن محمداً لم ينتظر أن يبرد دم كنانة ابن الربيع ابن أبي الحقيق النصري وسارع بسبي الثكلى صفية بنت حيي والتي اختارت مكروهة الزواج منه فيما بعد لحفظ ماء الوجه، ووزع باقي السبايا على الغازين تكريماً لهم في يوم خيبر. وكذلك فعل سيف الله المسلول بعد قتله مالك بن نويره. وفي كلا الحالتين، لم تطبق "جميع" أركان وشروط الزواج الإسلامي الشرعي وهي الإيجاب والقبول والشهود العدول والإشهار والإعلان والولي والمهر بحكم الظروف، ولا داعي لتجميل قبح الأعمال بكلمات جوفاء. وحتى لو أنجبت السبية مولوداً حياً، فسوف يكون من متاع المالك لها! فلا مجال للتغني بمقولة عمر (متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
من سخرية الأقدار أن هارون الرشيد مات تاركاً وراءه 2000 جارية، وهو نفسه ابن جارية اسمها الخيزران التي اشتراها الخليفة العباسي المنصور وأهداها لأبنه المهدي الذي اعتقها وتزوجها. وأغلب خلفاء بني العباس كانت أمهاتم جواري مسلمات، ويتضح لنا أن الأسلاف عاشوا على السبايا والجواري. وسيل السبايا والجواري غزير في الصفحات الصفراء من التاريخ العربي، وهذه الحقيقة لا ينكرها غير المكابر وهي شاهد على تكريس الإسلام للرق والسبي نتيجة غزواته وتعاليمه الهمجية.
نتابع مع الكاتب: (وسؤال إلى كافة المسلمين هو:
- كيف يجوز وفق مبدأ عدالة الله تعالى ان يتم أسر أمرأة ليس لها علاقة بالحرب حتى لو شارك بها زوجها أو والدها او شقيقها ويتم تحميلها مسؤولية فعل هي غير مسؤولة عنه؟
- وكيف تقبل عدالة الله سبحانة وتعالى ان يتم اغتصاب المرأة رغما عن ارادتها وموافقتها واجبارها على انجاب الاطفال من رجل استعبدها وصادر كرامتها وانسانيتها؟
- وكيف يصح ان يمارس الرجل الجنس مع المرأة من دون عقد زواج شرعي تتوفر فيه شروط الايجاب والقبول الا ينطبق على هذا وصف الزنا؟
طبعا انا قرأت الاجابات التقليدية في كتب التفاسير وغيرها، ووجدتها بالنسبة لي غير مقنعة لأنها تتعارض مع مبدأ عدالة الله تعالى، فمن لديه اجابة جديدة تنسجم مع مبدأ عدالة الله الذي خلق الناس احرارا اتمنى الاطلاع عليها من اجل نشر المعرفة والفهم الصحيح للدين.) انتهى
أسئلة في منتهى الرجاحة والتمدن، إلا أنه ما دام كتب التفاسير (بصيغة الجمع) لم تقنع الكاتب وهي التي رسمت الخطوط العريضة لتاريخنا العربي المشرق، فلماذا المغالطة بالقول أنها لم تفِ بشرح عدالة الله التي جاءت في (كتاب مبين لا ريب فيه)؟ وما الحكمة من الحصول على إجابة جديدة بعد 1400 سنة من الممارسة الواقعية لهذا الإعوجاج الذي يبرهن على عدم صلاحية القرآن لزماننا ومفاهيمنا وقيمنا وتحضرنا؟ بل ما الجدوى من نسب الغلط إلى المفسرين من البشر ما لم نقر بأن الكتب المقدسة لا تتكلم عن إله عجز عن التوضيح والبيان؟ وإن سمحنا للتفاؤل أن يسري بنا، فهل يعني ذلك أنه يجب علينا حذف تلك الآيات المخلة بآدابنا وقيمنا العصرية ونتوجه لإزالة آيات السيف أيضاً، في محاولة لأنسنة وترويض تعاليم كتاب خطه البشر في حقبة زمنية أكل الدهر عليها وشرب؟ أرجو ذلك من باب (لا يكن أحدكم إمعة).