الغالي ثندر (f)
اقتباس:لا أحد في الأنظمة الحاكمة و لا القوى الاستعمارية و الصهيونية في المنطقة يريد نموذج ديموقراطي حقيقي.
اتفهم تماما وجهة النظر هذه،وهي التحالف غير المقدس بين الاستعمار العالمي والاستبداد الداخلي،ولكن كل مرة أطرح هذا السؤال:
ما الحل...؟؟
بالمشرمحي :
وبعديـــــــن...؟؟
أعرض عليك هالمقال المنشور بجريدة الحياة اليوم:
«العامل الخارجي» لاعباً رئيساً في «التحول الديموقراطي» العربي
منى مكرم عبيد الحياة - 16/08/05//
ليس مبالغة القول إن قضية «التحول الديموقراطي» هي واحدة من أهم القضايا، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، لأي نظام سياسي في المنطقة العربية، خصوصاً مصر. ومن ثم، فإن التحول الديموقراطي يمثل «ملفاً» مفتوحا دائماً ومطروحا للنقاش والحوار على المفكرين والمثقفين والأكاديميين منذ عقود، انطلاقاً من أهمية الدور الذي تلعبه النخبة السياسية في النظم السياسية العربية في التأثير على ديناميات العملية السياسية. وينبغي التمييز في هذا الصدد بين النخب السياسية (الرسمية وغير الرسمية - الحكومية والمعارضة).
أولا: الوضع الحالي للنخب العربية الحاكمة:
لا تزال النخب العربية تتمتع بقدر كبير من السلطات والاختصاصات التي تمكنها من إجهاض أي حركة ناشئة للمطالبة بالتغيير، وذلك باستخدام إجراءات غير شرعية من قبل القمع والعنف تحت غطاء قانوني ممثل في التشريعات المقيدة للحريات مثل قانون الطوارئ وإجراءات تقييد الحقوق السياسية كالتظاهر والإضراب والعصيان المدني وأي فعل جماعي قد يشكل تهديداً لهذه النخب. هذا الإصرار السلطوي للنخب الحاكمة على التمادي في مقاومة أصوات التغيير أسهم في اتساع الفجوة بين القمة والقاعدة، وعزل هذه النخب عن الجماهير، ونضوج مطالب القوى المعارضة في الجهة الأخرى. ويرتكز إصرار النخب الحاكمة على التصدي لأي حركة معارضة أو قوة مخالفة تطالب بالتغيير على ما يلي:
- اعتبار قوى المعارضة خارجة عن الشرعية السياسية واتهامها بالعمالة والتواطؤ مع الخارج، وهو نفس النهج القديم الذي اتبعه أسلاف هذه النخب في الحقب الأربع الأخيرة من القرن الماضي، فالنظام السياسي المصري يعتبر الإصلاحيين والنشطاء السياسيين تابعين لأميركا، على رغم أنه وقع اتفاق «كامب ديفيد» ومعاهدة السلام مع إسرائيل في 1979 برعاية أميركية، وشارك في حرب تحرير الكويت في 1991 تحت مظلة القوات الأميركية، ووقع بروتوكول الكويز مع إسرائيل في 2004 بدعم من الولايات المتحدة. وكل هذه الشواهد تؤكد حرص الجانب المصري الرسمي على تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة، فلماذا يحرم على الآخرين ما يرتضيه لنفسه.
- اعتبار مطالب الإصلاح والتغيير من قبيل محاولات النيل من امتيازات النخب وليست تعبيراً عن ضيق مجتمعي من تدهور الأوضاع ورغبة حقيقية في الإصلاح الشامل.
- رفض التحاور مع قوى المعارضة، حتى وإن تم ذلك فيكون وفقاً لشروط النخب ومحدداتها التي تفرض أجندة هامشية للحوار لا ترقى إلى طموحات قوى المعارضة.
- الحيلولة دون انفراد المعارضة بالجماهير والتحامها بهم، ومحاولة محاصرة قادتها إما بالترهيب أو الاعتقال أو التضييق على أنشطتهم.
- التفنن في ابتكار وإجراء إصلاحات شكلية توهم بأن تغييراً ما يحدث وأن عجلة الإصلاح تسير ولكن بخطوات تدريجية ومحسوبة.
أدت هذه الحال إلى انكشاف النخب، بدرجة غير مسبوقة، فيما تدب فيها عوامل الهشاشة والضعف البنيوي، بحيث تصبح أي محاولة ولو بسيطة للامتعاض ذات أثر مسموع وإيجابي خارج حدود الوطن الأم. وعليه يصبح صمود هذه النخب في وجه التغيرات الإقليمية أمراً مشكوكاً فيه، إلا إذا أقدمت بالفعل على تبني إصلاحات، إن لم تكن واقعية فعلى الأقل لدرء الضغوط الخارجية عنها.
ثانياً: اتجاهات النخب المعارضة وقوى المجتمع المدني في العالم العربي:
ربما لم تشعر قوى المعارضة في العالم العربي في ما مضى، بما تشعر به الآن من حرية حركة وارتفاع في سقف المطالب عما كان عليه الوضع في السابق وتحديداً قبل غزو العراق، إذ ارتفعت أصوات المطالبين بالتغيير وطي جراح الماضي القريب المتمثلة في الجمود والركود وضعف القدرة على المطالبة بالتغيير، أو الجهر به.
واكتسبت حركات المعارضة بطول العالم العربي وعرضه زخماً، افتقدته لعقود طويلة، أسهمت فيه وطأة الضغوط الأميركية على النخب من جهة، وعدم قدرة هذه الأخيرة على قراءة المتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة من جهة أخرى. وبتنا نسمع عن حركات وتحركات لم تكن موجودة من قبل تطالب في مجملها بالقفز فوق حواجز الخوف والقهر، وتراهن على ارتفاع درجات السخط المجتمعي، وزيادة حالات التذمر والرفض الشعبي لبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
بيد أنه لا بد من التفرقة هنا بين نوعين من قوى المعارضة التي توالدت أخيراً في العالم العربي: يتمثل الأول بالقوى التي تقود بالفعل حركات إصلاح حقيقي، غير مدفوعة بأجندة خارجية، وترغب في القفز فوق الأوضاع المترهلة في المجتمعات العربية، وهي في ذلك لا تبغي السلطة أو المساهمة فيها بقدر ما تأمل في تحقيق مستويات معيشية تليق بالآدمية المجتمعية. والنوع الثاني هو تلك القوى التي ترى في الضغط الخارجي فرصة ذهبية لإحراج النظم القائمة ومحاولة لتكسير عظامها، انتقاماً من إرثها السلطوي، وهي تتأهب لتحل محل هذه النظم في أي لحظة، أملاً في تحقيق مطالب الإصلاح بشقيها الداخلي والخارجي. ومن حسن الحظ أن عدد هذه الحركات ما زال صغيراً مقارنة بالنوع الأول. وبغض النظر عن اعتقاد البعض بارتباط هذه القوى بتيارات خارجية، تظل هناك انطباعات وشكوك شعبية في مدى قدرة هؤلاء على تحقيق التغيير المنشود.
ثالثاً: قوة الدفع والضغط الخارجي:
بقصد أو من دون قصد، أسهم الضغط الخارجي على النظم العربية في خلخلة ردود أفعال هذه النظم وتباينها في ما يخص مسألة الإصلاح والتغيير. ووضح أن هناك اتجاهين تسلكهما النظم في التعاطي مع مطالبات التغيير، مع تأكيد أن كليهما يسير في خط التكيف مع هذا الضغط الخارجي:
الأول: الاستجابة المشروطة لمطالب التغيير المدفوعة بضغط خارجي واضح، بحيث لا تتعدى سقفاً بعينه، خصوصاً فيما يتعلق بامتيازات وسلطات النخب الحاكمة، كما هي الحال في مصر وليبيا.
الثاني: الاستجابة الطيعة لمطالب التغيير، بل والمبادرة بها من باب إظهار التعاون وحسن النية ودرءاً لمخاطر أكبر تتخطى حاجز القبول الخارجي، إلى بناء شرعية خارجية تضمن بقاء هذه النظم أطول فترة ممكنة في الحكم، ومن ذلك ما يحدث في بعض بلدان الخليج والمغرب العربي.
من جهة أخرى، يظل موقف الولايات المتحدة من مسألة الإصلاح غامضاً وغير محدد، فهي من جهة دعمت، ولا تزال تدعم، بقاء النظم السلطوية العربية، ومن جهة أخرى تضغط لأجل إجراء إصلاحات سياسية في بنية الحكم لا تصل إلى حد الإطاحة بهذه النظم.
رابعاً: خبرات ذاتية:
وبحكم مشاركتي في منتديات فكرية وندوات أكاديمية ولقاءات سياسية وأنشطة حزبية، تتلخص أبرز نقاط حوار النخب السياسية غير الحكومية مع الأطراف الخارجية في الآتي:
- إن ما يطرح من أفكار ورؤى خاصة بالتحول الديموقراطي لدول المنطقة لا يعبر عن إرادة أو رغبة أميركية، بقدر ما يعبر عن إرادة أو رغبة دولية.
- إن الإصلاح لا يمكن فرضه من الخارج، وينبغي أن ينبع من الداخل، وأن تراعي عمليات التغيير «خصوصية» المجتمعات، بل واختلاف درجة نضجها وتقبلها للتغيير، فالنظم السياسية «سلعة» غير قابلة للتصدير، والحاجة للإصلاح تأتي استجابة لضرورات وحاجات داخلية لم يعد من الممكن تجاهلها، وليس بأيدي أي قوة خارجية.
- إن مفهوم الإصلاح مفهوم شامل، سواء من حيث مكوناته، أو القوى المبادرة به، أو الداعمة له. فالإصلاح - وإن احتل الشق السياسي موقع الصدارة فيه - يجب أن يكون إصلاحا اقتصاديا واجتماعيا، تعليميا وثقافيا. والقوى المدعومة للمبادرة بالقيام بالإصلاحات تضم الحكومات، مثلما تضم قوى المجتمع المدني والقطاع الخاص.
- انه لا يمكن وضع دول المنطقة كلها في «سلة» واحدة. فمصر، على سبيل المثال، عرفت أول مجلس نيابي في المنطقة عام 1866 وأول دستور في عام 1923 وأول ثورة تحررية في عام 1952، يتعذر مقارنتها بدولة لا تتجاوز في نشأتها عقوداً قليلة، ولم تعرف الحياة البرلمانية والحركة الحزبية إلا أخيراً.
- إن مطلب التحول الديموقراطي والإصلاح السياسي والنهوض بالمرأة وتطوير التعليم وتجديد الخطاب الديني هو مطلب أصيل وليس مستحدثاً في المجتمعات العربية، يرجع إلى عقدين من الزمان.
- إن المرجعية الأساسية للإصلاح في المنطقة العربية «وثيقة الإسكندرية» (آذار /مارس 2004) و»تقرير التنمية الإنسانية العربية» الذي يصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حددا ثلاث ركائز للإصلاح العربي: زيادة مساحة الحريات العامة والديموقراطية، وتمكين المرأة، وتطوير الإنتاج المعرفي والتكنولوجي.
- لا يوجد نموذج أو شكل واحد للتطبيق الديموقراطي صالح للتطبيق في كل المجتمعات العربية، حيث تعددت أشكال تطبيق الديموقراطية عبر الزمن وتتعدد عبر المكان، فضلا عن أن الديموقراطية عملية مستمرة وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة نسبياً حتى تستقر وترسخ، ما يتطلب أن تكون الديموقراطية ضمن أولويات السياسة الأميركية في المنطقة بشكل حقيقي، وليس كنوع من العلاقات العامة الرامية إلى تحسين صورتها. وفي هذا السياق، يؤكد البعض على أن واشنطن في حاجة إلى نهج جديد في التعامل مع قضية الإصلاح السياسي والتحول الديموقراطي في المنطقة، تتمثل أبرز عناصره في التخلي عن التفكير بمنطق اللعبة الصفرية zero-Sum game، بمعنى عدم النظر إلى الأمر وكأنه ليس هناك بديل للنظم القائمة سوى الحركات الإسلامية الراديكالية التي تعادي واشنطن، وهو ما يتطلب البحث عن مساحة وسط يتم في إطارها دفع النظم إلى اتخاذ خطوات تدريجية وفعالة عن طريق التحول الديموقراطي، وتعزيز دور القوى السياسية الليبرالية، وتدعيم دور مؤسسات المجتمع المدني، والتسليم كذلك بأهمية انخراط التيارات الإسلامية المعتدلة في العملية السياسية في هذه الدول، فاستمرار إقصاء هذه التيارات ليس في صالح التحول الديموقراطي، بل يفرز أثاراً مضادة ومعرقلة له، وهو ما يتطلب بلورة استراتيجية «الإدماج» وليس «الاستبعاد».
وبالفعل، طرأ تغيير على الفكر السياسي الغربي تجاه التيارات الإسلامية في المنطقة، فالولايات المتحدة أرسلت في الشهور الأخيرة إشارات مختلفة إلى إمكان التعامل مع التيار الإسلامي المعتدل، بعدما فشلت في تحقيق إنجازات ملموسة مع الأنظمة القائمة. وتعطي تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية كونداليز رايس انطباعاً بأن الولايات المتحدة لا تمانع في التعامل مع القوى السياسية المختلفة في الشرق الأوسط - من دون استثناء - إذا كان ذلك طريقا للإصلاح أو سبيلاً للحد من موجات الإرهاب، فالتيار الإسلامي لم يعد «فزاعة» كما هي الحال من قبل. وفي السياق نفسه، عبرت دول الاتحاد الأوروبي عن قبولها التعامل مع التنظيمات الإسلامية القائمة في الشرق الأوسط، أي أننا للمرة الأولى أمام موقف جديد يرحب بالتنظيمات الدينية والتيارات الإسلامية شرط نبذها للعنف وجنوحها للاعتدال واستعدادها لقبول الآخر.
- إن بناء الديموقراطية يرتبط في المقام الأول بالعوامل الداخلية، ففي معظم تجارب التحول الديموقراطي التي جرت منذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين، والتي أطلق عليها صمويل هنتنغتون «الموجة الثالثة من التحول الديموقراطي»، كان دور العوامل الخارجية ثانوياً أو مساعداً، وخصوصًا أن سجل الولايات المتحدة القائم على التدخل «عسكرياً» لبناء نظم ديموقراطية في مناطق عدة من العالم منذ بدايات القرن الماضي هو بصفة عامة سجل فقير. كل ذلك يؤكد أن التوجه الجديد للسياسة الأميركية بشأن قضية الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب أحداث أيلول (سبتمبر) إنما يواجه بمعضلة «عدم الصدقية»، لأنه يأتي بصورة هامشية وظرفية ولاعتبارات براغماتية، وأبرز مثال على ذلك الاحتجاج على «تقرير التنمية الإنسانية العربية» الأخير بسبب ما أشار إليه أن السياسة الأميركية في العراق والسياسة الإسرائيلية في فلسطين أدت إلى الإضرار بنهج الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط. رغم أنها لعبت دوراً ملحوظاً في دعم التحول الديموقراطي في دول عدة مثل دول أميركا اللاتينية وآسيا وشرق أوروبا ووسطها، خصوصاً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة.