"ليس من السهل أن تحيي في أمان و أنت جار لروسيا" قالها لي احد قدامى المحاربين البولنديين عندما كان يريني نياشينه و صلبانه الحديدية والتي حصل عليها لتفانيه دفاعا عن بلاده في الحرب ضد النازي. وتعجبت من الرجل العجوز وهو يبدي رغبته بالإصطفاف الكامل مع الغرب خوفا من روسيا.
لا نستطيع ان نكذبه تماما فالتاريخ القريب والبعيد قد يؤكد كلامه فما لا شك فيه أن الأمة الروسية هي أحد الأمم التي تمتلك مقومات الإمبراطورية. فمنذ بطرس الأكبر وروسيا تتأرجح بين الرغبة في تشكيل إمبراطورية وبين كونها إمبراطورية....
تختلف الدوافع وتختلف الأيد المحركة لمسيرة الشعب الروسي ولكن روسيا لم تصبح مهادنة ومطيعة سوى في مراحل ضعفها...
والأن تشير المؤشرات إلى أوكرانيا كساحة قادمة للمواجهة....مثلما كانت الأولى هي كوسوفو والثانية جورجيا.

الموقف إزداد إشتعالا عندما أعلن الرئيس الأوكراني فرض قيود على الأسطول الروسي الرابط في ميناء سيباسوتوبل على البحر الأسود. بل و أعلن أنه لن يسمح للسفن التي غادرت بالرجوع..هذا الميناء هو جزء من شبه جزيرة القرم الأوكرانية وتستأجره روسيا من كييف. مما يزيد الأمر تعقيدا أن أغلبية سكان هذا الإقليم الأوكراني هم من الروس.
يبقى أن نذكر أن 74% من الاوكراينيين يتوقعون نشوب نزاع مسلح بين بلادهم وروسيا بسبب جمهورية القرم التي تتمتع بحكم ذاتي واسع طبقا لاستطلاع قامت به صحيفة "دزركالو تيجنيا" بمناسبة عيد الإستقلال.
ولكن قبل أن تحدث عن القرم والتعقيدات التاريخية والديموغرافية يجب أن تقرأ هذه الحالة في سياقها كجزء من مسلسل المواجهات بين الولايات المتحدة و روسيا.
من ناحية فروسيا يلتسن المتخبطة في المشاكل الإقتصادية والصراعات الإجتماعية والداخلية. ليست هي روسيا بوتين-ميدفيديف. روسيا تتعافى. وبشكل ما خدمتها ظروف إرتفاع سعر الغاز والبترول ودخول الولايات المتحدة في صراعات متعددة في مناطق مختلفة من العالم. لتقف موقفا لم يكن باستطاعتها أن تقفه منذ سنين معدودة على أصابع اليد.
كل شيء في روسيا يوحي بتنامي الإحساس القومي الذي كان مريضا لمرحلة طويلة. بوتين ضابط الكي جي بي السابق قد نجح في أن يوقظ الدب الروسي النائم منذ عقدين من الزمن.لا يختلف أحد في ذلك بغض النطر عن الرأي في التجربة.
ومن ناحية أخرى فالولايات المتحدة التي تحاول منذ فترة تقاسم ميراث الإتحاد السوفيتي مع روسيا لن تتوقف الأن. يقظة الدب الروسي يجب أن تواجه سريعا ولذلك حفل العقد الماضي بثورات ملونة في جورجيا في أوكرانيا، وكانت دوما الثورات الملونة مساندة من الولايات المتحدة و الاوروبيون لتخسر روسيا من نفوذها لصالح الولايات المتحدة الامريكية و حلف شمال الأطلنطي..



بالطبع المقارنة ظالمة لروسيا إذا ما قارناها "بالغرب" إقتصاديا وعسكريا بل وطبعا في مجال الحريات المدنية والعدالة الإجتماعية. ولكن روسيا قد تعدت في ,غفلة من الزمن و من الولايات المتحدة, الكتلة الحرجة التي لا يصبح بعدها الضغط عليها سهلا، متبنيتاً لخطاب يبشر بعالم ذو الأقطاب المتعددة وبعدم دقة نبؤة فوكوياما بنهاية التاريخ.

بعد الإعتراف بكوسوفو من قبل دول قوى مؤثرة عدة، وعجز روسيا عن منع حدوثه، كان رد روسيا على مغامرة ساكاشفيلي حاسما و قاطعا. لم تصل أهداف روسيا في تلك الحرب الإطاحة بساكشفيلي وذلك أيضا يعني ان روسيا الجديدة عرفت متى تتوقف.
ثم الإعتراف باستقلال أبخازيا و أوسيتيا الجنوبية كدول مستقلة لم يكن سوى إعلان العصيان على ما اسمته "إزدواجية المعايير الدولية"

لم يكن رد الفعل الروسي على هجوم الجيش الجورجي على أوسيتيا الجنوبية مستبعدا قد يكون قد فاق التوقعات ولكن أبدا لم يكن مستبعدا. كانت رسالة روسية صريحة..لماذا تساعدون كوسوفو ولا تساعدون الأوسيتيون.إنه عصر خلع الأقنعة إذا. إنه العصر الذي دخلت فيه الولايات المتحدة دولة أخرى بلا سند قانوني. فلم يبدو مقنعا الرئيس الأمريكي وهو ينتقد روسيا على دخول الجيش الروسي إلى أراض دولة ذات سياة. روسيا قالتها بصراحة على لسان رئيسها الشاب "إن روسيا ستظل ضامنة للوضع في القوقاز كما كانت تفعل على مدار مئات السنين".

إنتهى العصر الذي كانت توافق فيه روسيا على نشر القواعد في أسيا الوسطى بحجة محاربة القاعدة و أمثالها والتي أعلن عنها عدواً مشتركاً منذ أن كان بوتين هو أول رئيس يهاتف بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر و يعلن تضامنه الغير مشروط مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب. هدأت الشيشان وبوش راحل بعد سلسلة من الإخفاقات أهلته ليكون أقل رؤساء الجمهورية الأمريكيين شعبية بين شعبه. دخلنا مرحلة يا عزيزي كلنا لصوص.

وكم كان مؤذنا بدخول مرحلة جديدة عندما أطلق المرشحان الرئاسيان الأمريكيان التهديدات بفرض عقوبات على روسيا وتحجيم إستثماراتها ومنعها من إقانة ألأول لاولمبيات الشتوية في عام 2014 في مدينة سوتشي الروسية لا سيما حرمانها من عضوية منظمة التجارة العالمية لا يستطيع أحد الجزم بأن ما هدد به المرشحان قابل للتنفيذ ولكنه على أي حال تهديد بتصعيد المواجهة من الجانب الأمريكي. مما يدعم نظرية أن المواجهة هي النتاج الطبيعي للظروف في المنطقة.

تتخوف أوكرانيا من دعم شبة جزيرة القرم على الإستقلال عن أوكرانيا. القرم التي كانت مسرحا لحروب عديدة. حتى ضمت إلى روسيا في القرن الثامن عشر. طبعا القرم -وهي شبة الجزيرة في البحر الأسود- مكان قد شهد تغيرات ديموغرافية كبيرة في الخمسون عاما التي مضت. فبعد أن كانت الغالبية تترية مسلمة.نظرا لتعاون التتر مع النازي إبان الحرب العالمية .أدين التتر من قبل ستالين بتهمة الخيانة -الشعب كله- وجرى عمليات ترانسفير ممنهجة للتتر إلى خارج القرم و لروس إلى الداخل.
خروتشوف أعلن براءة الشعب التتري من الخيانة و ألحق القرم بكييف على أساس إنه لم يتوقع أبدا إنهيار الإتحاد السوفيتي.
التتار الأن يشكلون 12 في المائة في حين الروس يشكلون أكثر من النصف و الأوكرانيون أربعة و عشرون في المائة.
يتزمر الروس في أوكرانيا مما يسمونه تمييزا ضدهم وضد ثقافتهم ولغتهم . كتزمرهم أنهم منعوا من تأييد روسيا كما أرادوا في حربها الأخيرة ضد جورجيا.
عدد كبير من هؤلاء الروس هم بحارة في الاسطول الروسي و عائلتهم. الإسطول الذي يثير وجودة خوف كييف من مساندة روسيا لاستقلال القرميين كما فعلت مع أوسيتيا الجنوبية. من الجدير بالذكر أيضا ما تدعيه أوكرانيا من أن موسكو تستخرج جوازات سفر روسية لروس القرم في خطوة مشابهة لما حدث في أوسيتيا الجنوبية. في حين يمنع الدستور الأوكراني من إزدواج الجنسية.

مما لا يستبعد إحتمال أن روسيا تلك االتي خاصت حرباً في القوقاز - قد تثير الوضع في القرم ايضا من اجل عرقلة انضمام اوكرانيا وجورجيا للناتو، أو كما تطلق موسكو عليه خطاٌ احمر بالنسبة لامنها القومي ..

طارق

سمعت ان الاقتصاد الروسي باغلبه معتمد علي ريع النفظ مثله مثل دول الخليج ، واذا استطاعت امريكا باختراعاتها في الطاقة البديلة ان تقلل من استخدام النفط فستحجم روسيا كثيرا.
اظن ان السباق بمجال الطاقة البديلة هو الفيصل في السنين القادمة .

ماحدث مع روسيا بعد تفكك الإتحاد السوفيتى يشبه إلى حد ما ماحدث مع ألمانيا بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى من حيث محاولة إخضاعها وإذلالها مما أدى إلى ردة فعل عنيفة داخل ألمانيا أدت فى النهاية لظهور هتلر.

رغم إن الإتحاد السوفيتى سقط بدون إحداث ضجة كبرى أوlast stand ومنذ رحيله لم تنخرط روسيا فى أى صراعات دولية أو ترسل قوات خارج حدودها ورغم إنتهاء الخلاف الأيديولوجى إلا أن أمريكا لم تستطع التعايش مع فكرة أن هناك قوة أخرى فى العالم إذا لم تكن فى حجمها إقتصاديا فأنها مازالت تمتلك أسلحة قادرة على أن تجعل منها خرم فى الخريطة وبالتالى وبرغم إنسحاب روسيا من الساحة الدولية فلم تتوقف أمريكا عن محاولة توسيع الناتو شرقا وزرع أنظمة موالية لها داخل أحشاء روسيا وتسارعت وتيرة هذه السياسة منذ وصول بوش للسلطة ورغم كل المواقف الإيجابية وإظهار حسن النوايا من جانب روسيا كان الرد الأمريكى سلبيا إن لم يكن عدوانيا إلى أن أرتكب سكاشفيلى حماقته وهوت المطرقة الروسية فوق رأسه معلنة للعالم أن روسيا مستعدة لإستخدام قوتها العسكرية لحماية أمنها القومى ومرسلة رسالة إلى كل الفواتير حولها أن التحالف مع أمريكا ليس بوليصة تأمين مضمونة وأنه عندما تحين ساعة الحساب لن تقدم لهم أمريكا شيئا غير بيانات الشجب والإدانة.
إذا كانت عبارة"ليس من السهل أن تحيي في أمان و أنت جار لروسيا" صحيحة فلماذا إستفزاز دولة كتلك والتحالف مع دولة تعتبرها روسيا غريما لها? هل من الحكمة إستفزاز دولة قوية ومجاورة?
روسيا لم تمنع أحد من تلك الدول فى إقامة علاقات إقتصادية مع أمريكا وروسيا نفسها أحد كبار المستثمرين بأمريكا فما الداعى للدخول فى حلف عسكرى ونشر أسلحة على أراضيهم تعتبرها روسيا تهديدا لأمنها القومى?