التحليل النفسي لمقالة : ( رسالة إلى صدام حسين )
تعلن الزميلة منى كريم بفرح بادٍ في مقالتها المعنونة رسالة إلى السيد الرئيس صدام حسين: , ان صدام حسين , و ليس قدرتها الإستيعابية البتة هو ما دعاها للإبتعاد عن علميّ الفيزياء و الخيمياء , و لست افهم كيف . بل و هو ايضاً ما دعاها للتوجه إلى ما تحسبه شعرٍ و ادب , و ايضا لا نفهم كيف ! ثم تسترسل في شتائم لا تمت بصلة لا إلى الشعر و الادب و لا إلى الفيزياء و الكيمياء بل هي اقرب ما تكون إلى سباب الحواري المقذع , مع ملاحظة فارق الإبداع و الإبتكار في سباب الحواري , فتدبج هجائية بذيئة تحسبها ادبا ,ً بل شعرا منثورا ربما , تبعث إلى ذاكرتنا واقعة شتم عليّ على المنابر ايام الامويين , _ او ربما العباسيين , فقد جعلني صدام حسين اهرب من مادة التاريخ _ قبل و بعد كل دعاء لأمير المؤمنين آنذاك والذي استبدلته شيعة آل البيت الأبيض بجورج بوش وليّ هذا الزمان . , و هنا اقصد بالتأكيد شيعة آل البيت الأبيض من سنةٍ و شيعة .
ما علينا , فأننا إذا ما تجاوزنا السباب البذيء الذي خربشته _ او ربما الاصحّ اخرجته _ الزميلة منى , يتبقى لدينا بضعة جملٍ باهتةٍ ممجوجة توحي اكثر ما توحي بأن المقالة تتحدث بلسان شخصيةٍ عصابيةٍ مأزومة هي احوج إلى طبيبٍ نفسيٍ ماهر , أكثر من حاجتها ألى قارئٍ او ناقد , و لا نزعم هنا بأن صاحبة تلك الشخصية هي كاتبه المقالة نفسها بالضرورة و إنما نلقي نظرةً نقدية إلى نصٍ منشور .
و نبدأ في قراءة المقالة لنلاحظ أننا أمام حالةٍ نموذجية من حالات إنتقال مشاعر الذنب و الأحباط من الموضوع الأصلي ألى ما يمكن أن يرمز إليه , و هو ما اصطلح على تسميته في علم النفس بالإزاحة , فتختلط فيها المفاهيم و يتماهي الوطن بالقائد بالأب الغائب القاسي ليصبح واحدهما هو الآخر و يتماهى معه و يستتبع بالتالي نفس القدر من الكراهية و التشفّي .
أولى خطايا الأب القائد , او الأب الغائب , في النص موضوع القراءة , هو الإتيان بصاحبته الى الوجود , فهي تكره حياتها و ترى انها في أتت إلى هذه الدنيا في الزمان و المكان الخاطئين , فتقول أتعرف سيدي الرئيس ، يوم 15/12 عيد ميلادي و هو يوم سيء بالطبع ، حيث كل موظف لا يستلم راتبه إلا بعد هذا التاريخ بأسبوع .. وهذا بيت القصيد . فمن هي صاحبتنا هذه التي قررت ان يوم ميلادها هو يوم شؤم و ان أدهى خطايا صدام حسين هي وسامته ؟؟
اولى سمات صاحبتنا هي الكآبة , و المستعصية منها تحديدا عشت فترة الحرب الأخيرة في حالة كآبة مستعصية و هنا هروبها الثاني بعد هروبها من الفيزياء و الكيمياء الى الشعر و الأدب كما تدّعي , حتى اسلمت نفسها للتدين الذي عادةً ما يكون حجر الإرتكاز الأخير للمرء في مجتمعاتنا , فما الذي إقتاد _ حقيقةً _ صاحتبنا من العلوم الى الشعر إلى التصوف ثم إلى العصاب و ما الذي تهرب منه ؟
إنه الكبت !ّ والذي هو ابو الأمراض النفسية و التجليّات العصابية أو كما جاء على لسان صاحبتنا _ و نسمح لأنفسنا بتسميتها بمريضتنا _ , : كم من أحلام الشباب ماتت بسببك ؟ كم من العشاق قمت بإغلاق النوافذ عليهم و كتمت أنفاسهم ؟ . و هو اعتراف واضح , يشبه تصريحات المرضى الخاضعين للتنويم المغناطيسي اثناء جلسات معالجتهم , و المعلوم ان تحميل مسؤولية المعاناة لشخصية مركزية في حياة المريض هو من اكثر الحالات شيوعاً في التجليّات العصابية . و التي تنتج غالباً عن الكف و الحصر ,و لكي نعرف الاسباب الحقيقية لهذا العصاب , علينا ان نبحث في اسبابه الحقيقية المتسربة عن المريض و ليس البحث في إدعاءاته المرضية .
تقول شخصيتنا , _ او مريضتنا _ بعظمة لسانها _ انها عانت فترة مراهقةٍ تبعث على الأسى ., فقد حكم عليها بإرتداء النظارات طوال حياتها , و في الفترة الزمنية التي كان يفترض أن تبدو بها في اجمل حالاتها , و هي الفترة التي تمضيها في المدرسة : أخبرني دكتور العيون أنني لا أحتاج للنظارات إلا في حالة القراءة ، لذا أستخدمها فقط في المدرسة , و قد تبدو مسألة النظارات و الخجل من استخدامها باعثةً على الضحك , و لكن علينا كي ندرك اهميتها ان ننظر إليها من وجهة نظرٍ مراهقةٍ غضةٍ عانت يوميا من سخرية زميلاتها و زملائها منها و من نظاراتها تلك في اشد المراحل حساسيةً من مراحل عمرها . فمن هو صاحب التأثير الأهم من زملائها في تلك الحقبة ؟
انه بإختصار , حبيبها الذي آنفت من محبته , _ ربما بسبب سخريته منها _ فهو رغم تبدّيه كملجأٍ إلا أن العصافير _ التي هي مريضتنا _ تأنف من سكناه : فبالرغم من أنك تملك لحية تشبه عشاً ، لكن لا يوجد عصفور يقبل أن ينام فوقها .!
إذن تطرح مقالتها تساؤلاًًً مشروعاً : من هو ذلك الذي لمستها خطيئته ثم تركها للذئاب ؟
* الاحمر من مقالة الزميلة منى كريم .
|