قرأت لك
معجزات الرسول هي ما وردت في القرآن!
إعداد ـ د. حسن علي دبا
في أوائل أيام العام الهجري يتجدد التساؤل دوما حول المعجزات التي امتلأ بها الوجدان الشعبي ونزلت حينا إلي كتب منتشرة في الثقافة المعاصرة:ما حقيقة تلك المعجزات؟ وهل صحت عن الرسول صلي الله عليه وسلم أم أن المعجزة الخالدة الثابتة عنه هي القرآن الكريم دون غيره؟ حول هذه الأسئلة تدور إجابات د. يوسف القرضاوي هذا الأسبوع قال:
انقسم الناس حول المعجزات الحسية في السنة النبوية إلي أصناف ثلاثة:
من يبالغ في الإثبات, وسنده في ذلك ما حوته الكتب, أيا كانت هذه الكتب: سواء كانت للمتقدمين أم المتأخرين, وسواء كانت تعني بتمحيص الروايات أم لا تعني, وسواء وافق ذلك الأصول أم خالفها, وسواء قبله المحققون من العلماء أم رفضوه.
المهم أن يروي ذلك في كتاب وإن لم يعرف صاحبه, أو يذكر في قصيدة من قصائد المدائح النبوية, أو في قصة' مولد' التي يتلي بعضها في شهر ربيع الأول من كل عام, أو نحو ذلك. وهذه عقلية عامية لا تستحق أن تناقش, فالكتب فيها الغث والسمين, والمقبول والمردود, والصحيح والمختلق الموضوع.وقد ابتليت ثقافتنا الدينية بهؤلاء المؤلفين الذين يتتبعون' الغرائب' ويحشون' بها بطون الكتب, وإن خالفت صحيح المنقول, وصريح المعقول.
وبعض المؤلفين, لا يعني بصحة ما يروي من هذه الأمور, علي أساس أنها لا يترتب عليها حكم شرعي, من تحليل أو تحريم أو غير ذلك. ولهذا إذا رووا في الحلال والحرام تشددوا في الأسانيد, ونقدوا الرواة, ومحصوا المرويات. فأما إذا رووا في الفضائل والترغيب والترهيب. ومثلها المعجزات ونحوها, تساهلوا وتسامحوا.
ومؤلفون آخرون, كانوا يذكرون الروايات بأسانيدها, فلان عن فلان عن فلان- ولكنهم لا يذكرون قيمة هذه الأسانيد: أهي صحيحة أم غير صحيحة ؟ وما قيمة رواتها: أهم ثقات مقبولون أم ضعاف مجروحون, أم كذابون مردودون ؟ معتمدين علي أنهم إذا ذكروا السند فقد أبرأوا أنفسهم من التبعة, وخلوا من العهدة. غير أن هذا كان صالحا وكافيا بالنسبة للعلماء في العصور الأولي, أما في العصور المتأخرة- وفي عصرنا خاصة- فلم يعد يعني ذكر السند شيئا. وأصبح الناس يعتمدون علي النقل من الكتب, دون أي نظر إلي السند.
* من أين يستقي هؤلاء تلك القصص والأسانيد في إنكار الآيات الحسية؟
ينقلون من تاريخ الطبري, أو طبقات ابن سعد أو غيرها.هذا هو موقف جمهرة الكتاب والمؤلفين في عصرنا, حين يبالغ في النفي والإنكار للمعجزات والآيات الحسية الكونية, وعمدته في ذلك: أن معجزة محمد- صلي الله عليه وسلم- هي القرآن الكريم وهو الذي وقع به التحدي: أن يأتوا بمثله, أو بعشر سور مثله, أو بسورة من مثله.
* في رؤيتكم: لم لم تجب مطالب المشركين في توالي الآيات الحسية؟
لما طلب المشركون من الرسول بعض الآيات الكونية تصديقا له, نزلت آيات القرآن تحمل الرفض القاطع لإجابة طلباتهم. كما في قوله تعالي:وقالوا: لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في السماء. ولن نؤمن لرقيك حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه, قل: سبحان ربي, هل كنت إلا بشرا رسولا
سورة الإسراء93-90 وفي موضع آخر, ذكر المانع من إرسال الآيات الكونية التي يقترحونها فقال:وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون, وآتينا ثمود الناقة مبصرة, فظلموا بها, وما نرسل بالآيات إلا تخويفا. سورة الإسراء59 وفي سورة أخري, رد علي طلب الآيات بأن القرآن وحده كاف كل الكفاية ليكون آية لمحمد- صلي الله عليه وسلم- قال تعالي:أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلي عليهم ؟ إن في ذلك لرحمة وذكري لقوم يؤمنون.سورة العنكبوت.51
* لم اقتصرت معجزة الرسول صلي الله عليه وسلم علي العقل في رأيكم الشرعي؟
اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون معجزة محمد- صلي الله عليه وسلم- معجزة عقلية أدبية, لا حسية مادية, وذلك لتكون أليق بالبشرية بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها, ولتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة. فالمعجزات الحسية تنتهي بمجرد وقوعها. أما العقلية فتبقي. وقد أيد ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال:' ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي, فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة'.
* لماذا انقسم الناس إذن في شأن المعجزات المحمدية؟
يبدو أن هذا الأمر سببه أمران:أولا: افتتان الناس في عصرنا بالعلوم الكونية, القائمة علي ثبات الأسباب, ولزوم تأثيرها في مسبباتها, حتي ظن بعض الناس أنه لزوم عقلي لا يتخلف في حال, فالنار لابد أن تحرق, والسكين لابد أن تقطع, والجماد لا يمكن أن ينقلب إلي حيوان, والميت لا يمكن أن يرجع إلي الحياة الثاني: غلو الصنف الأول في إثبات الخوارق, بالحق والباطل, إلي حد يكاد يلغي قانون الأسباب والسنن, التي أقام الله عليها هذا العالم. وكثيرا ما يقاوم الغلو بغلو مثله.
* أين يقف الفقه الوسطي هنا وكيف ترون هذه المعجزات؟
بين المبالغين في الإثبات, والمغالين في الإنكار وهو الرأي الذي أرجحه وأتبناه.وخلاصته: أن القرآن الكريم هو الآية الكبري, والمعجزة الأولي, لرسولنا محمد- صلي الله عليه وسلم- وهو الذي تحدي به العرب خاصة, والخلق عامة وبه تميزت نبوة محمد علي غيرها من النبوات السابقة, فالدليل علي صدق نبوته هو نفس موضوع رسالته; وهو كتابه المعجز بهدايته وبعلومه, وبإعجازه اللفظي والمعنوي, وبإتيانه بالغيب: ماضيه وحاضره ومستقبله. إن الله تعالي أكرم خاتم رسله بآيات كونية جمة, وخوارق حسية عديدة, ولكن لم يقصد بها التحدي, أعني إقامة الحجة بها علي صدق نبوته ورسالته. بل كانت تكريما من الله له, أو رحمة منه تعالي به, وتأييدا له, وعناية به وبمن آمن معه في الشدائد; فلم تحدث هذه الخوارق استجابة لطلب الكافرين, بل رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين, وذلك مثل' الإسراء' الذي ثبت بصريح القرآن, والمعراج الذي أشار إليه القرآن, وجاءت به الأحاديث الصحيحة, ونزول الملائكة تثبيتا ونصرة للذين آمنوا في غزوة بدر, وإنزال الأمطار لإسقائهم فيها وتطهيرهم, وتثبيت أقدامهم, علي حين لم يصب المشركون من ذلك شيئا وهم بالقرب منهم وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم الهجرة, رغم وصول المشركين إليه, حتي لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما, وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.ومثل ذلك إشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة الأحزاب, وفي غزوة تبوك. إننا لا نثبت من هذا النوع من الخوارق إلا ما نطق به القرآن, أو جاءت به السنة الصحيحة الثابتة. وما عدا ذلك مما انتفخت به بطون الكتب, فلا نقبله, ولا نعبأ به.
* كيف نتعامل مع ماورد من نصوص حول هذه المعجزات إذن؟
من الصحيح الثابت: ما رواه جماعة من الصحابة من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه- صلي الله عليه وسلم- أول الأمر, فلما صنع له المنبر, وقام عليه للخطبة, سمع للجذع صوتا كحنين الناقة إلي ولدها. فأتاه النبي- صلي الله عليه وسلم- فوضع يده عليه فسكت. قال العلامة تاج الدين السبكي: حنين الجذع متواتر, لأنه ورد عن جماعة من الصحابة, إلي نحو العشرين, من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه. وكذلك قال القاضي عياض في الشفاء: إنه متواتر و ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد عن جماعة من الصحابة, من إفاضة الماء بغير الطرق المعتادة, وذلك في غزواته وأسفاره- صلي الله عليه وسلم- مثل غزوة الحديبية, وغزوة تبوك وغيرهما. روي الشيخان عن أنس: أن النبي- صلي الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا بالزوراء فدعا بقدح فيه ماء, فوضع كفه فيه, فجعل الماء ينبع من بين أصابعه, وأطراف أصابعه, فتوضأ أصحابه به جميعا وروي البخاري عن البراء بن عازب أنهم كانوا مع النبي- صلي الله عليه وسلم- يوم الحديبية أربع عشرة مائة أي1400, وأنهم نزحوا بئر الحديبية فلم يتركوا فيها قطرة, فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وسالم فأتاها, فجلس علي شفيرها, ثم دعا بإناء من ماء, فتوضأ, ثم تمضمض ودعا, ثم صبه فيها. قال: فتركناها غير بعيد, ثم إنها أصدرتنا سقتنا وروتنا ماشيتنا نحن وركابنا. والأحاديث في إجراء الماء له- صلي الله عليه وسلم- كثيرة مستفيضة, ومروية بأصح الطرق.
* كبف تعلل ماورد من معجزات حول أدعية النبي صلي الله عليه وسلم وأستجيب له؟
ما حفلت به كتب السنة من استجابة الله تعالي لدعاء النبي- صلي الله عليه وسلم- في مواضع يصعب حصرها, مثل دعائه بإنزال المطر ودعائه يوم بدر بالنصر, ودعائه لابن عباس بالفقه في الدين, ودعائه لأنس بكثرة الولد, وطول العمر, ودعائه علي بعض من آذاه.. إلخ.
* كيف نتعامل مع المعجزات الأشهر المتصلة بالهجرة النبوية الشريفة؟
اشتهر أن النبي- صلي الله عليه وسلم- حين اختفي في الغار عند الهجرة من المدينة, جاءت حمامتان فباضتا علي فم الغار كما أن شجرة نبتت ونمت فغطت مدخل الغار. فهذا ما لم يجئ به حديث صحيح, ولا حسن, ولا ضعيف. أما نسج العنكبوت علي الغار فقد جاءت به رواية حسنها بعض العلماء, وضعفها آخرون. وظاهر القرآن يدل علي أن الله تعالي أيد رسوله يوم الهجرة بجنود غير مرئية كما قال تعالي:فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروهاوالعنكبوت والحمام جنود مرئية ولا شك والنصر بجنود غير مشاهدة ولا محسة أدل علي القهر الإلهي والعجز البشري. وإنما اشتهرت هذه الخوارق بين جمهور المسلمين بسبب المدائح النبوية, للمتأخرين وبخاصة مثل' البردة' للبوصيري.
|