{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لمحة عن علم العمران
The Holy Man غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 918
الانضمام: May 2007
مشاركة: #1
لمحة عن علم العمران
لمحة عن علم العمران


مقدمة:
مما لا شك فيه أن أي باحث اجتماعي يبحث علم الاجتماع ويدرسه باتجاه عامودي من خلال تاريخ الأمم والدول ويمحص فيه ، لا بد له أن يمر على مؤلفات ابن خلدون وأن يتبع أو يستقي بشكل أو بآخر منهج ابن خلدون في علم العمران أو ما يسمى (العمران الخلدوني) لأن هذا العلم يوافق شروط أي علم وهي الموضوع - الأعراض الذاتية - المسائل - المبادئ والمقدمات ...
وقد اعتمد ابن خلدون المنهجين الاستقرائي التاريخي والاستنباطي لوضع منهج علم العمران ، والذي لا يخفى على أحد أن هذا المنهج قدم دراسة تجمع بين علمين علم التاريخ وعلم الاجتماع في نقطة تقاطعهما (المجتمع وتاريخه) (1)...
وبعد كل هذا ليس بغريب أن يصنف الدكتور طه حسين ابن خلدون (كأحد رجلين يمتاز كل منهما بابتكار خارق لم يتصف به أحد من المسلمين أساتذة كانوا أم تلامذة ) (2)
وبغض النظر عن ميل البعض لاعتبار ابن خلدون كمؤسس حقيقي وواضع النواة الحقيقية لعلم الاجتماع ،شئنا أم أبينا علينا أن نعترف أن هذا الرجل ترك بصمته الواضحة في هذا العلم من خلال مؤلفاته واعتماده المنهج العلمي الواضح في البحث في المواضيع ذات الصلة وتشكيلها قفزة حقيقية في العصر الإسلامي نحو (منطَقة ) (3) دراسة التاريخ والمجتمع .

الاجتماع و أسبابه الموجبة وتشكل الوازع عند ابن خلدون :
يعرف ابن خلدون العمران (4) : على أنه التساكن والتنازل في مصر أو محلة للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش .
تنقسم الأسباب الموجبة للاجتماع عند ابن خلدون إلى قسمين :
1- التعاون من أجل تحصيل الغذاء .
2- التعاون من أجل حفظ البقاء .

أولاً – التعاون من أجل تحصيل الغذاء :
شدد ابن خلدون على أن حاجة البشر إلى الغذاء تحتم عليهم الاجتماع وركز على أن قدرة الفرد قاصرة عن تلبية حاجته الأساسية ... وقد قال في مقدمته الشهيرة :
"تحصيله إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه و لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرصة و هو قوت يوم من الحنطة مثلاً فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن و العجن و الطبخ و كل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين و آلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد و نجار و فاخوري وهب أنه يأكله حباً من غير علاج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله أيضاً حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة و الحصاد و الدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل و يحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة و صنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير و يستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له و لهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية" (5) .

إن المثال السابق الذي اقتبسناه على سبيل الذكر لا الحصر من مقدمة ابن خلدون يدل وبشكل قاطع على حاجة الإنسان إلى الاجتماع من ناحية حاجاته الأساسية من غذاء وملبس وغيرها من الضروريات .

ثانياً – التعاون من أجل حفظ البقاء :
حفظ البقاء الإنساني يكون ضد نوعين من العدوان في رأي ابن خلدون النوع الأول عدوان الحيوانات والنوع الثاني عدوان البشر فيما بينهم لوجود هذه النزعة بشكل طبيعي فيهم وهنا للتدليل على طريقة ابن خلدون في التفكير سوف نقتبس مقطع من مقدمته يقول فيها :
" كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات كلها و قسم القدر بينها جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان فقدرة الفرس مثلاً أعظم بكثير من قدرة الإنسان و كذا قدرة الحمار و الثور و قدرة الأسد و الفيل أضعاف من قدرته. و لما كان العدوان طبيعياً في الحيوان جعل لكل واحد منها عضواً يختص بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره و جعل للإنسان عوضاً من ذلك كله الفكر و اليد فاليد مهيأة للصنائع بخدمة الفكر و الصنائع تحصل له الآلات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة و السيوف النائبة عن المخالب الجارحة و التراس النائبة عن البشرات الجاسية إلى غير ذلك و غيره مما ذكره جالينوس في كتاب منافع الأعضاء فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سيما المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة و لا تفي قدرته أيضاً باستعمال الآلات المعدة لها فلا بد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه و ما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت و لا غذاءاً و لا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته و لا يحصل له أيضاً دفاع عن نفسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات و يعاجله الهلاك "(6) .

ثم يعود ليقول :
"إذا حصل للبشر كما قررناه و تم عمران العالم بهم فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان و الظلم " (7) .

ومما لا يخفى على أحد أن حاجة الإنسان للدفاع عن نفسه ضد اعتداء الآخرين تحتم عليه إيجاد صيغة لقوة قاهرة وغالبة قادرة على ردع المعتدي وفرض هذا الردع وقد سمى ابن خلدون هذه الصيغة بالوازع ويتمثل هذا الوازع الاجتماعي في فكر ابن خلدون بالدولة أو الملك ، فيقول :
" فلا بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض. و لا يكون من غيرهم لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم و إلهاماتهم فيكون ذلك الوازع واحداً منهم يكون له عليهم الغلبة و السلطان و اليد القاهرة حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان و هذا هو معنى الملك" (8) .

نرى هنا أن الموجبات اللازمة للاجتماع والوازع الناتج عن بعض هذه الموجبات يؤدي بالضرورة إلى تشكل مجتمعات فيها نوع من أنواع السلطة في فكر ابن خلدون ولكن أكثر ما يلفت الانتباه هو تركيز ابن خلدون على الحاجات البيولوجية للإنسان الغذاء الملبس الأمان الجسدي الذي يشكل بالضرورة جزء من الأمان المعنوي ولكنه يهمل في نفس الوقت الحاجات المعنوية عند الإنسان للاجتماع فمن وجهة نظرنا أن الاجتماع عند الإنسان هو حاجة نفسية أيضاً لا تقل في ضرورتها عن الحاجات البيولوجية في بعض الأحيان .... وحتى الوازع إذا ما حللناه عند ابن خلدون وجدناه مبنياً على السلطة والقهر والغلبة ... علماً أن المجتمعات الحديثة في أرقى أشكالها الحضارية بدأت تطبق هذا الوازع لديها انطلاقاً من وازع داخلي غير مبني على القهر بل مبني على الالتزام والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والإدراك العقلي لضرورة العمل على تطبيق هذه الالتزامات بصرف النظر عن وجود قوة قاهرة تسهر على التطبيق أو عدمها .

العوامل البيئية والطبيعية التي تؤثر في تشكيل العمران البشري :
يُرجع ابن خلدون الاختلاف بين الأقاليم إلى نسبة الحرارة والبرودة في المناخ التي تؤثر على الكائن الحي الذي هو منشأ من الرطوبة كتكوين أساسي ... وقد اعتبر أن الأقاليم الشمالية منقطع فيها التكوين لشدة برودتها وكذلك الأقاليم الجنوبية لشدة حرارتها واستنتج أن أكمل الأقاليم عمراناً هو الإقليم الرابع لتمتعه بالمناخ المعتدل ... معتمداً في ذلك على ما كان سائداً في عصره من تقسيم الجغرافيين للأرض إلى سبعة أقاليم تتدرج من خط الاستواء إلى القطب الشمالي وتتدرج معها الكثافة السكانية نحو الأقاليم المعتدلة .

وقد ركز ابن خلدون أيضاً على الاختلاف الحاصل ضمن الإقليم الواحد نتيجة العوامل الطبيعية من حيث الخصب والجدب فقسم الجماعات البشرية إلى :
1- سكان البادية الذين يعيشون من الإبل الخاصة ويضطرون للتنقل معها طلباً للماء والكلأ وتتصف حياتهم بالقسوة .
2- سكان المناطق الخصبة من السهول والتلال والجبال الذين على نتاج الحيوانات مثل البقر ومن إنتاج الأرض كالحبوب والخضار والفاكهة ، وهؤلاء لا يعدون أكثر من صنف آخر من البدو بحسب رأيه مكنته الظروف من الحصول على مستوى معيشة أفضل ، وهم في شوق دائم للتمدن نتيجة قربهم من المدن وهذا غير متحقق لهم بسهولة ...
3- فاقدو الجاه من سكان المدن وهم أولئك الذين اتسعت أحوال معيشتهم بعض الشيء فاستقروا في المدن والقرى ، يعيشون من الزراعة في بساتينهم أو مما يشتغلون به من صناعات في المدن ورأى أن حالهم المادية ليست أحسن بكثير من الفئة الثانية واختلافهم عن الفئة الثانية راجع للجاه والنفوذ .
4- الحضارة المفسدة للعمران وهم في قمة التقسيم نتيجة رفاه العيش والترف الذي يعيشونه وينظر ابن خلدون لهم على أنهم فئة مفسدة للعمران ، حيث تشكل أساس حضارة الاستهلاك بغير حساب ودون إنتاج .

مما سبق نرى بشكل واضح تداخل الأسباب البيئية (أو التكوينية) والأسباب الطبيعية والأسباب التي تدخل فيها العوامل البشرية في تصنيفات ابن خلدون وخصوصاً التصنيفات ضمن الإقليم الواحد ، وهذا التداخل منطقي في الظاهر وقد ينسحب عل بعض المجتمعات في عصرنا الراهن لكن من المؤكد أنه يفتقد لعناصر مهمة في تقييم المجتمعات في تلك الفترة من مثل هل نستطيع أن نقول بوحدانية التشكل العمراني للمجتمعات المختلفة ... بالطبع لا فهناك مثال واضح وهو مجتمع الصحراء في الجزيرة العربية في تلك الفترة يفتقد إلى عناصر من مثل الزراعة مع أنه اكتسب صفة التجمعات الشبيهة بالمدن في مكة والمدينة وكانت هذه التجمعات تحوي الفئة الرابعة مثلاً وكان السبب الرئيسي في تبلور تشكله هو الدين وهنا نرى بما لا يصعب ملاحظته مرة أخرى أن ابن خلدون اهتم بالظروف الطبيعية والبيئية لتشكل الجماعات البشرية ونسي النازع النفسي عند الإنسان أو المجتمعات وأهمل أهمية الوعي الجمعي في تشكل المجتمعات بعيداً عن الحاجات الأساسية مثل الغذاء والأمن ...
طبعاً لا نستطيع اليوم أن نسقط نظرة ابن خلدون كما هي على مجتمعاتنا لتداخل ظروف كثيرة على المستوى المادي والمعنوي (كما ذكرنا سابقاً) فمثلاً سقوط الحواجز الجغرافية على المستوى العالمي أدى إلى عولمة الثقافة والمدنية والحضارة وتشكيل مجتمعات معولمة على أرض الواقع المعاش وفي الواقع الافتراضي (الانترنت) تظهر فيها تقسيمات ابن خلدون تارة وتختفي تارة أخرى فلو أخذنا طفرة البترول في دول الخليج كمثال مرة أخرى سنجد أن الإنسان البدوي في هذه المنطقة يمارس حياة الفئة الرابعة من تقسيمات ابن خلدون ويرفض التخلي عن العادات السلوكية المرتبطة بالفئة الأولى مثلاً .. ونستطيع القياس على ذلك في أمثلة أخرى كثيرة ..

الخاتمة:
تبقى الدراسات والمؤلفات التي تركها ابن خلدون - رغم قصورها في جوانب عديدة - مهمة كونها كانت بمقياس عصرها تطور فعلي باتجاه المنهجية وإن لم تطبق كاملة في هذه المؤلفات ونحن لسنا هنا في وارد تبيان قصور هذه الدراسات خصوصاً إذا ما أخضعناها للنقد العلمي تجاه مفاهيم الدين المقحمة في مؤلفاته مثلاً ...!!
وبعيداً عن حذر ابن خلدون الشديد في الكتابة كونه مارس السياسة من جهة وعن رؤية ابن خلدون للتاريخ كبحث اجتماعي (9) - وهذا غير صحيح من وجهة نظر أبحاث التاريخ الحديثة في نظرتها للتاريخ كسرد للأحداث - من جهة أخرى ، إلا أننا نستطيع أن نعتمد على منهجيته ودراساته في علم العمران لفهم طبيعة المرحلة التي كتب فيها كونه يشكل بشكل أو بآخر مرآة لعصره من منظور مختلف وكونه وضع حجر أساس في جزء منه لعلم أتى فيما بعد ليدرس الظواهر والحالات المجتمعية سمي لاحقاً بعلم الاجتماع .


الهوامش :
1- قال طه حسين : لقد استخرج ابن خلدون من دراسته لتاريخ الإسلام ومختلف النظريات الفلسفية التي عرفها المسلمون دراسة عميقة مستفيضة فلسفة جديدة موضوعها المجتمع وتاريخه .
2- فلسفة ابن خلدون الاجتماعية تحليل ونقد – الدكتور طه حسين .
3- كلمة منطقة أتت من المنطقية على غرار علمنة من العلمانية ...
4- مفهوم العمران عند ابن خلدون يعني الاجتماع يقول (إعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم) .
5- مقدمة ابن خلدون .
6- مقدمة ابن خلدون .
7- مقدمة ابن خلدون .
8- مقدمة ابن خلدون .
9- فلسفة ابن خلدون الاجتماعية تحليل ونقد – الدكتور طه حسين .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 11-02-2009, 03:55 AM بواسطة The Holy Man.)
11-02-2009, 03:41 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  آل سعود..(لمحة)..!! حسام راغب 38 7,306 07-22-2007, 08:06 PM
آخر رد: كرداس
  قوى التقدم و قوى الرجعية .. لمحة على مصر بعد الإنتخابات Beautiful Mind 9 1,187 12-15-2005, 04:48 AM
آخر رد: Beautiful Mind
  لمحة تاريخية سريعة .... ضرورية ... حول لبنان نزار عثمان 18 3,342 03-31-2005, 04:26 AM
آخر رد: نزار عثمان

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS