طلّ الملوحي أحجيةُ الأمنِ والسّياسة!/ جميل حامد
الكاتب جميل حامد
الخميس, 30 سبتمبر 2010 08:18
http://alwasattoday.com/alwasatalk/10351...0-08-23-24
لا ترتقي فكرة الدفن السريع على الخط الساخن بين هنا وهناك، مع الشعار الذي أصبح بعد أقل من نصف قرن بقليل بحجم السجدة على جباه المؤمنين، فأي شعار ذاك الذي ينتزع الأمن من أرواح البشر تحت ذريعة الأمن، وأي أمن ذاك الذي يدفن البراءة في زنازين براعة الاختراع؟
إن مشاريع التحرر التي اختزلت كرامة العرب في شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية، حررت نفسها من الخجل، عندما زجت بفتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة في غياهب السجون، بسبب مدونة على الإنترنت، زينتها بصور الشهداء وأسماء القرى ورموز الحرية كأردوغان وتشافيز وغيرهم!
لم تحمل طل الملوحي حزاما ناسفا، ولم تشكل خلايا سرية، إنما حذرت في مدونتها من تشكيل الاتحاد المتوسطي الذي سيضم إسرائيل، لكن اغتصاب الحريات يأبى إلا أن يبقى لسان حال الحزام الآمن على شقي الهضبة المحتلة، ويصرّ على أن تبقى مفاتيح مجدل شمس في ثكنة المقايضة!
القصة تبدأ من مدونة على الشبكة العنكبوتية، أطاحت بابنة الثامنة عشرة منذ عشرة أشهر في سجن منطقة دوما السورية، لتجد نفسها في مرمى اتهامات تتراوح بين الاتصال بمنظمات معادية وممنوعة من جهة، وبين التجسس من جهة ثانية! لماذا؟ وكيف؟
لماذا هذه السهولة في إلصاق تهمة الخيانة والتجسس، للخروج من ظلام الممارسات والسلوكيات السلطوية؟
قد يكون لتدخل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس، ولـ مراسلون بلا حدود، دورًا في اتجاه سلطاتنا العربية، لإلصاق أية تهمة أمنية بالمواطن، لتبرير اعتقاله أو اختطافه أو قتله!
ألم يستشهد جندي الأمن المركزي المصري سليمان خاطر في السجن الحربي؟
ألم ينعتوه بالمختل عقلياعندما ثأر لشهداء مذبحة بحر البقر، بإطلاقه النار على سبعة إسرائيليين أرداهم قتلى، أثناء تأديته نوبة حراسته في رأس برقة جنوب سيناء، في الخامس من أكتوبر عام 1985؟
ألم تتعدد روايات استشهاده بين ملاءة السرير ومشمع الفراش والشنق من ارتفاع ثلاثة أمتار، لينتهي الأمر بتقرير الطب الشرعي، على أن خاطر انتحر بقطعة قماش؟
ألم تحوله السلطات إلى محكمة عسكرية، وتحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لأنه انتفض في وجه المحتل؟
طل الملوحي التي استبدلوا غرفة امتحاناتها بزنزانة في سجن دوما، تمرّ بنفس المصير الغامض الذي سبقها إليه الكثير من المواطنين العرب، فهي اختطِفت من غرفة نومها في حلكة الظلام، لتقبع في ظروف غامضة لا يعرفها أحد، ولا يعرف طريقها أحد.
قد لا يكون هناك أي وجه شبه بين الشهيد سليمان محمد عبد الحميد خاطر، الذي يندرج من أسرة بسيطة في محافظة الشرقية بمصر، وبين "طل" حفيدة محمد ضياء الملوحي الرجل البعثي، الذي كان مقربا من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، إلاّ بالانتماء إلى قضية عربية واحدة، فالفتاة التي تعلمت الفرنسية في مدرستها وجدت طريقها إلى تفتح ذهني قادها إلى خبر تشكيل اتحاد المتوسط، ووجه الشبه الآخر، أنّ إسرائيل نفسها شكّلت القاسم المشترك، بين سليمان الذي استلّ سلاحه وأطلق النار على مجموعة من السياح ثأرًا لشهداء مذبحة بحر البقر التي زار مكانها، وبين طلّ التي وَجدت إسرائيل على خارطة الوطن العربي، فاستلت قلمها ببراءة لتحذر من الاتحاد القادم!
أين الجريمة التي ارتكبها سليمان خاطر، وما هو شكل التجسس الذي مارسته "طل" عندما حذرت من تشكيل اتحاد المتوسط؟
لماذا تقف إسرائيل في حنجرة المواطن، وتقبض على قصبته في متنفسه العربي؟
هل فعلا يدفع المواطن العربي ثمن انتمائه لعروبته؟؟
في إسرائيل الانتقادات تدور في كافة المحافل، لِما يرِد من مذكرات رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت، واتهامه لوزير دفاعه إيهود براك بالامتناع عن احتلال غزة، وإسقاط حكومة حماس في هجمة الرصاص المصبوب التي وقعت عام 2008، وانتقاده لأداء وزير دفاعه فيما يتعلق بقصف المفاعل السوري في دير الزور. لكن هذه الانتقادات لم تخرج عن إطار النقد، رغم إدلاء عدد من قيادات إسرائيل بتصريحات، تتهم أولمرت بأنه خرج عن المعقول والمنطق الإسرائيلي العام بفضح الأسرار العسكرية، فلماذا لم يصل الحال بالإسرائيليين لاتهام رئيس وزرائهم السابق بالخيانة، رغم فضحه لأسرار عسكرية ولجلسات تداول حكومية عقدت برئاسته؟
لماذا لم تتهمه الأوساط الحكومية والحزبية والدينية، بأنه جاسوس للعرب أو لأي نظام عالمي مثلا؟
لماذا فقط يلتصق الخطاب الخياني بالعرب؟
وهل فعلا يمثل الخطاب الخياني مخرجا للأجهزة الأمنية، للخروج من مآزقها الداخلية مع المواطنين العرب؟
إذا كان النظام التحرري في سوريا قد طوى ملف قصف المفاعل النووي في دير الزور، كما طوى ملف الجولان المحتل منذ 43 سنة، فلماذا لا يطوي صفحة الانغلاق مع المواطن، ويحرر المواطن من قيود التبعية للأجهزة التي تنتهك حقه حتى في امتلاك الانترنت؟ وهل سلْبُ المواطن هذا الحق يعزز مكانة الأمن الداخلي، أم يتسبب باحتقان قد لا تحمد عقباه؟
إن اتهام المواطن العربي البسيط شأن طل الملوحي بالتجسس جريمة يعاقب عليها القانون، مثلما استشهاد قائد الجناح العسكري لحزب الله على الأراضي السورية جريمة، تعبّر عن الاختراق الأمني لدولة القانون، فهل ستلقى طل الملوحي مصير سليمان خاطر، ويقولون أنها انتحرت بخرقة أو منشفة أو حبل غسيل، أم أن دولة القانون الأمني ستترفع ولو مرة واحدة عن كبريائها المصطنع، وتعتذر للبراءة بصوت الحق والضمير، بإطلاق سراح طل الملوحي وإعادة الاعتبار لها محليا وعربيا ودوليا؟
عن الرؤية