"
انكم ايها الفرنسيون جديرون بالحرية , لانكم تحملون الحرية في قلوبكم . و انكم لتختلفون بذلك عن ابائكم المساكين الذين هبوا ذات مرة (1789 )
بعد عبودية قرون عديدة , فحققوا البطولات ثم استرسلوا في اعمال العنف الجنونية التى يشيح عنها جوهر الانسانية بوجهه .اما في هذه المرة (1830 )
فلم تتخضب ايدي الشعب بالدماء الا في خضم معركة عادلة للدفاع المشروع , ثم لم تتخضب بالدماء بعد النضال . و ضمد الشعب بنفسه جراح اعدائه , فلما تم له ما اراد , عاد هادئا الي عمله اليومي دون ان يطلب بقشيشا على العمل العظيم الذي ادّاه "
الالماني (هاينرش هاينه , عن ثورة 1830 الفرنسية )
لماذا قمنا بالثورة ؟
لو صدق ( العسكري ) في اجابة هذا السؤال , لعرف كم هو حقير باتخاذه الموقف الذي يتخذه .
لو استحضرنا من مشاهد 2011 مشهدين فقط اولهما (الميدان ) بعد خطاب مبارك الذي تلاعب بالحس الانساني لدى المصري , و كيف بدأت الجماهير في العودة الي منازلها بالفعل , قبل ان تأتي (الجِمال ) لتعيدهم من منازلهم قسرا , لان المصري الذي ترك الميدان , احس بكرامته المجروحة قبل ان يشعر بصديقه المجروح, جرح القذر لطيب القلب الذي صدّق مرة ان مبارك ...نادم , و كأن القدر كتب لمبارك السقوط تحت اقدام (الجمال) ... يا لها من نهاية !
اما المشهد الثاني , فهو (الميدان ) الذي بدأ يزار امام (العسكري ) من اجل محاكمة مبارك , و هذه المرة لم يسلّم الميدان ذقنه للعسكري , فقد ادمى مبارك قلبه , و ما عاد في القلب مكان للندبات .
بين هذا و ذاك , كانت بعض الشواهد تشير الي امكانيّة التغيير , بحيث ان (مايكل منير ) لم ينل التأييد الشعبي الذي ناله ( علاء عبد الفتاح ) و كليهما ناضل في نفس القضيّة .... ضد العسكر .
فماذا تغيّر ؟
الذي تغيّر هو جلد (ابناء مبارك ) و الذين طالما دافعوا عنه , و انه افضل من غيره , فلمّا ذهب مبارك , ذهبوا يبحثون عن اب حتى وجدوا ( طنطاوي ) . ان اعداء الثورة لم يكونوا يوما مع الانسان حتى يكونوا اليوم معه , و ان التسجيل الذي تم تسريبه عن كواليس ماسبيرو يشير بالفعل الي حالة ايمان حقيقي و صادق ب(مبارك ) من سيدة اخذت تبكي بعد سماعها نهاية حكم مبارك
http://www.youtube.com/watch?v=PhBTCXhojvE
فهل يمكن اعتبار ان هذه السيدة قد نالها اي اذى شخصي برحيل غير المأسوف عليه ؟
الامر مشابه جدا لحالة المحامي ( مرتضى منصور ) او الممثل ( طلعت زكريا ) فكلاهما قد قام (مبارك ) بتقديم احد اعمال البر تجاههما , فاصابت الرشوة قلوب جميعهم بالعمى حتى انهم باتوا ينظرون الي الثورة كخسارتهم الشخصية , و الي الثوّار كاعداء شخصيين , و لكن هل يستحقون القتل مثلما يتمنون و غيرهم للثوار ؟
قبل الثورة باسابيع قليلة كان قائد الحزب الوطني رجل الاعمال المصري (احمد عز ) , كان يفخر بالنمو الاقتصادي المصري مستشهدا على ذلك بعدد اجهزة الموبايل و التكييف , و (عز ) نفسه احتكر تجارة الحديد في مصر لنفسه , و كان لا يسمح لشركة حديد جديدة بالدخول الي السوق المصري , مثلما قام (ساويرس ) بتاخير شبكة المحمول الثالثة من العمل بمصر لمدة تزيد على (سنة ) كان يقدم دقيقة الموبايل ب175 قرش مصري , قبل ان تدخل الثالثة و تصبح الدقيقة ب10 قروش او ما شابه , الا ان حسن الحظ وحده هو الذي ابقى بساويرس بعيدا عن الحزب الوطني , او ربما مازال الاقتصاد المصري لا يقوى على مواجهة انهيار نظام ساويرس , ساويرس نفسه الذي بكى يوما و بكى معه المصريون على افراد فريق (موبينيل ) المختطفين بالعراق , قبل ان يدفع الفدية و يعيدهم بسلام , بطريقة كادت ان تجعل منه بطلا مصريا حقيقيا , فكيف نعي هذا التناقض ؟
هذا التناقض لا يمكن تفكيكه الا اذا عدنا الي ما ادركته ثورة 1830 الفرنسية , و ان هذا (الاخر ) الذي يعاديني سياسيا , بل و حتى الذي تخضبت يديه بدمائي , هو انسان , له حقوق , و من حقوقه ان اسامحه !
و لكن مسامحتي اياه لا تعني بان اتخلى عن ( الثورة ) , ان الثائر يسأل خصمه دائما : لماذا قمنا بالثورة ؟
و لكنه لا يجيب , بل يخوض في دم ( الثائر ) و عرض ( الثائرة ) , و يشيح بوجهه بعيدا عن النور الصادر من هيئة ( عماد عفّت ) , بينما تتنازل الثائرات عن طيب خاطر و رضى و قناعة عن لقب (ست البنات) هدية يستروا بها جسد فتاة , كل ذنبها انها تعاطفت مع فقراء (مجلس الوزراء ) و لم تتعاطف مع المجلس نفسه .
هل يمكن ل(ساويرس) ان يتخلّى عن 2 مليار جنية , فيعاد بناء عشوائيات مصر بشكل راقي ؟
هل يجب على (عز ) ان يتخلى عن الحديد اللازم لهذا المشروع ؟
كل الشعب مستعد لهذه المقايضة مقابل حرية هؤلاء , ما لم يثبت تورّطهم مباشرة في قضايا القتل , لان الشعب لم يصل بعد الي المرحلة التى مرت بها ثورة فرنسية تعلمت من سابقتها , و ان القصاص لا يفيد .
اننا لا نريد القصاص , نريد فقط اجابة سؤال واحد .....
لماذا قمنا بالثورة ؟
و الي ان نتفق على الاجابة , فمازال العسكري و ابناؤه يتمنون ابادة الثوّار , و مازال الثوار يتمنون المصالحة .... و الثورة .