يوم التحدى..يوم العاشر من رمضان..عن ما حدث بالاسكندريه
يوم التحدي - كتبها: محمد عبدالسلام
التحدى كان لكل من شكك فى قدرة الشباب على الاستمرار. الشباب أثبتوا ان نفسهم طويل. كان تحدى للأمن أيضا.. ليس بمعنى اننا نمسك لهم عصا أو نضربهم بهراوة (!!) ولكنه بمعنى أننا لا نخشاهم وليس لدينا ما يعرف بـ" الحسابات الأمنية" . التحدى أيضا كان لكل من يرفعون شعارات ويلتفون حول الكاميرات ولا صوت لهم ولا تأثير فى الشارع. ببساطة كان يوما غير تقليدى، مثير، ناجح جدا.
هذا اليوم بدأ النقاش حوله بعد الجلسة الأولى لمحاكمة قتلة خالد. كان الرأى السائد أن زخم القضية والتفاف الشباب حولها وتماسكهم قد ضاع والسبب " ان رمضان داخل خلاص". وكانت فكرة الافطار الشعبى والتى تطورت وتم دمجها مع الوقفة. ثم أخيرا فكرة " المحاكمة" والتى أضافت لليوم كثير من الحماس وألهبت مشاعر الشباب.
كنت محبطا كعادتى، وواضعا أسوأ الاحتمالات أمام عينى - ومش شايف غيرها-. الشباب لم يكونوا تدربوا جيدا على أدوراهم، توقعت عزوف الشباب عن المشاركة فى الوقفة، توقعت منع دخولنا لشارع الشهيد خالد سعيد. وتوقعات أخرى سلبية.
تحركنا فى تمام السادسة لنصطف على الكورنيش. المكان ملىء بأفراد الشرطة. جلسنا على الكورنيش. الشباب يتوافدون. أسر، أمهات، بنات. صور خالد سعيد تنتشر. الجميع ينظر للطريق ويحمل صورة خالد. بدا الأصدقاء فى أمن الدولة متوترين شوية. الجميع يتلو القرآن، مجموعات من الشباب توزع تمر للافطار، وأخرى توزع ورقة "أعرف حقك" والتى أعدها مجموعة من المحامين وصاغها واحد ربنا يسامحه بالعامية. بدا المشهد مثيرا لوسائل الاعلام. اهتمام بتتنيح. كله بيصور فى صمت
قرار العبور جاء قبل آذان المغرب بدقيقة. فجأة.. 2000 شاب وفتاة يقفون أمام منزل خالد سعيد ويفطرون معا. الأكل والشرب متوفر. صورة أخرى للجماعية. روح جميلة. أقسم بالله العظيم لا تقل عن روح أكتوبر. وهؤلاء الشباب أبطال كأبطال أكتوبر. بل معركتهم أصعب لأن العدو يعتقده البعض صديق فى أيامنا هذه.
الأمن أغلق المصلى والمقهى. هكذا. صلوا فى الشارع، تيمموا فلا مياه تكفى لكل هؤلاء. البنات اخترن مكانا بجوار المصلى وأقمن الصلاة. الدعاء لخالد سعيد والدعاء على الظالمين تهتز له القلوب.
ورق الجرائد والمصليات جلس عليه الشباب. الشارع تحول لمسرح. هناك ستارة بالفعل. قاضى. منصة. مشنقة. وبدأت المحاكمة
لم نكن نعرف أنها ستكون بهذا التأثير. مينفعش احكيها. ابقوا شوفوها بقى. مدير الأمن كان مستفز جدا، خاصة وهو يسمع الحكم باقالته مع تصفيق حاد من الجمهور. انتهت المحاكمة بهتاف "يحيا العدل". فأمر الرجل بجلب السيارات من شارع بورسعيد لتسير فى شارع خالد ليجبرنا على الانصراف. وكان الرد على ذلك أن بدأ الشباب يتحركون باتجاه ش بورسعيد. تم عمل اللازم. كردون من أمامنا وآخر من خلفنا. وقرر الشباب الاعتصام حتى يسمحوا لنا بالانصراف معا. وهتفوا "كلنا واحد" . كانت مشاهد رائعة.. جلسنا على الأرض، غنينا " اهو ده اللى صار" " بهية" " شيد قصورك" . الشباب نفسهم طويل قوى. كنت حريص أسأل الناس: تعبتم. لأ.
حسن مصطفى -ده اللى عمل دور القاضى واصدر الأحكام- يحاول اقناع بعض اللواءات بأن يتركونا نذهب وهم يرفضون ذلك. جاءه مدير الأمن
مدير الأمن: انا اللوا محمد ابراهيم مدير الامن
حسن مصطفى: حضرتك، احنا أقالناك من شوية فى محاكمة شعبية. انت ملكش حق تتكلم معانا لانك مبقتش مدير الأمن
انسحب مدير الأمن وهو لا يجد ردا. لم يكن استفزازا أو محاولة لاغضابه. ولكنه تعبير تلقائى بصوت الضمير. الضمير لا يعرف المجاملات. نعم، لا سلطة لك على هؤلاء الأحرار. لست أنت المسئول عن أمنهم.
استمر التضييق والتعسف. صلينا العشاء بالتيمم أيضا. الشيخ اللي صلّى بينا دعا على الظالمين. فكيف تعاملوا معه؟
سحل وضرب أثناء خروجه من الكردون لمسافة تزيد على 15 مترا ومنع أى مصور من تصوير الاعتداء عليه. ثم أقتادوه إلى مكان ما. ولا نعرف هل عاد إلى منزله أم لا؟
إن القضايا التى يقودها الضمير من الصعب أن تخفت أو يفقد المشاركون فيها حماستهم. تحية لشباب اسكندرية اللى هيكونوا مفاجأة مصر فى الأيام القادمة. انتظروا هؤلاء الشباب فى معارك أخرى. أنا مؤمن جدا بعبقريتهم واخلاصهم