{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #11
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
غازي القصيبي ... وزير اللمسات الشخصية!
الوطن السعودية

GMT 11400 2010 السبت 21 أغسطس



عبدالله المغلوث



بدأت علاقتي بالدكتور غازي القصيبي منذ ولادة شقيقي الأصغر ماجد. فعندما كان الراحل وزيرا للصحة بادر بإهداء أهل المواليد الجدد بطاقة تحمل توقيعه مع صورة للطفل الطازج. كانا والديّ من الآباء المحظوظين الذين حصلوا على إهداء الوزير الممهور بتوقيعه. هذا الإهداء كان له أثر بالغ في نفوسهما حتى اليوم. كبرتُ وأنا محاصر باسمه. كان اسمه مرادفا لأي مبادرة ذكية وأي سلوك إنساني عظيم وأي منتج أدبي خلاق.
كبرتُ وأنا محاط بمؤلفاته المختلفة التي قرأتها تباعا بإعجاب وشغف شديد. أحببته كثيرا إثر أسلوبه الشيق غير المتكلف. وثقافته الواسعة، ومواهبة المتعددة. إعجابي المبكر بشخصيته الفريدة أثناء مراهقتي دفعتني لأن أحب كل ما تبقى منه. طريقة ارتدائه للغترة ومشيته وابتسامته. نشأت في مجتمع يندر فيه النجوم. فصار بالنسبة لي النجم المفضل والمثال والقدوة.
لم أحبه فحسب بل أحببت كل من أحبهم وأشار إلى أسمائهم تصريحا وتلميحا في مؤلفاته ومقالاته. أحببت والده الصارم عبدالرحمن وجدته الحنون الرؤوم سعاد. أحببت صديقه الصدوق عمران محمد العمران الذي شيد منزله بالتقسيط وكان وراء انتدابه الأول والمثير. أحببت المهندس يوسف الحماد الذي كان مساعدا له في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية قبل أن ينتقل معه وكيلا لوزارة الصناعة والكهرباء. أحببت مدير مكتبه في وزارة الصحة عبدالرحمن العبد الكريم الذي وصفه الدكتورعبدالعزيز الخويطر بأنه "أحسن مدير مكتب في العالم". أحببت صديقه الوزير البحريني يوسف الشيراوي الذي رثاه بقصيدة مؤثرة عام 2004 بعنوان (يا أعز الرجال).
رغم القرارات الكبيرة التي اتخذها غازي القصيبي وزيرا وسفيرا إلا أن لمساته الشخصية كانت هي الأقرب إلى نفسي. فقبل أن أقرأ كتابه (حياة في الإدارة) لم أكن أعلم أنه هو من كان خلف الشهادات التي يوقعها وزير الصحة لكل متبرع بالدم. وأنه هو الذي ساهم في إعطاء كل متبرع أكثر من عشر مرات ميدالية الاستحقاق. واكتشفت لاحقا أنه هو من وجه بوضع الآية الكريمة "وإذا مرضت فهو يشفين" في كل غرفة من كل مستشفى.
لكن أعظم لمساته الإنسانية الشخصية لم أكتشفها عبر كتبه بل من خلال حوار جمعني مع أحد محبيه قبل نحو سبع سنوات في الدمام. هذا الشخص فني متقاعد في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية. وقد روى لي موقفا نبيلا قام به الراحل معه. يقول الفني إن الفقيد استدعاه خلال إدارته للمؤسسة على انفراد بسبب انخفاض مستوى إنتاجيته. يتذكر الفني جيدا أن القصيبي استقبله بحفاوة بالغة وابتسامة هائلة. وافتتح الحوار معه بقوله: "أنا خادمك. ماذا تريد الآن؛ لتعود لنا فارسا لا يشق له غبار؟". حينها انهار الفني أمامه قائلا إن ظروف زوجته الصحية هي التي استنزفت ميزانيته وتركيزه. ووعده أن يعود كما كان فور أن يتجاوز هذه الظروف الطارئة. احتضنه حينها الراحل ثم انفض اللقاء. لم تمض سوى أيام قليلة على لقائهما في المكتب حتى زاره القصيبي في المنزل دون سابق إنذار. ترافقه باقة زهور ومبلغ عشرة آلاف ريال. تأثر الفني كثيرا بهذه الزيارة وما فيها. وعندما رزق بطفل بعد عامين من مرور هذه الحادثة لم يجد اسما أفضل من غازي لينادي به طفله ويوثق به موقفا إنسانيا نبيلا.
أنا على يقين تام أننا لو نقبنا في المؤسسات والأجهزة التي مر عليها غازي سنجد مئات القصص التي تجسد فروسية الفقيد ونبله. هذه الفروسية ليست ادعاءً أو زيفا بل منهجا وأسلوبا خطه لنفسه منذ البداية. فهو مؤمن بقول الشاعر الفرنسي جان دي لافونتين: "لن يبقى لك سوى صنيعك الحسن".
كلنا سنموت. لكن من منا سيترك أثرا جميلا كالذي تركه غازي. من؟
http://www.youtube.com/view_play_list?p=...2C7048BE7B
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 08-21-2010, 11:42 PM بواسطة بسام الخوري.)
08-21-2010, 11:34 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #12
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
بتوجيه من الأمير سلمان بن عبد العزيز
اطلاق اسم " غازي القصيبي" على أحد شوارع الرياض تخليداً لذكراه

الراحل غازي القصيبي

الراحل غازي القصيبي


الرياض- واس، العربية.نت

أطلقت أمانة العاصمة السعودية اسم الراحل الدكتور غازي القصيبي على أحد شوارعها، تخليدا لاسم الراحل في المدينة وتقديرا لإسهاماته في تنمية المملكة، وخدماته لها في السياسة والثقافة، الاثنين 23-8-2010.

ووجه الأمير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بإطلاق اسم الراحل الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي وزير العمل على الشارع الواقع بحي صلاح الدين وهو بعرض 30 متر وطول 650 متر حيث يبدأ من شارع رفحاء باتجاه الجنوب متقاطعاً مع شارع عبدالرحمن بن حسن القصيبي.


الشارع يقع بحي صلاح الدين شمال شرق الرياض



وقال أمين مدينة الرياض الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف أن هذه التسمية تأتي تقديراً لجهوده في خدمة هذا الوطن حيث تقلد رحمه الله العديد من المناصب اهمها محاضراً في كلية التجارة بجامعة الرياض -جامعة الملك سعود حالياً- ثم استاذاً مساعداً ورئيساً لقسم العلوم السياسية بالكلية، ثم عميداً للكلية ثم مديراً عاماً للسكك الحديد ثم وزيراً للصناعة والكهرباء ثم وزيراً للصحة بالنيابة ثم وزيراً للصحة ثم سفيراً للمملكة لدى البحرين ثم سفيراً للمملكة لدى بريطانيا ثم وزيراً للمياه واخيراً وزيراً للعمل .

وكان الراحل الدكتور غازي القصيبي قد وافته المنية عند الساعة العاشرة من صباح اليوم، الأحد 15-8-2010، في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض بعد معاناة طويلة مع المرض، بعد أن أمضى أكثر من نصف عمره في خدمة المملكة، وقدم للمكتبة العربية عددا من الإصدارات الأدبية والسياسية.

والقصيبي شاعر وأديب ألّف العديد من الروايات والقصص، مثل (شقة الحرية) و(دنسكو) و(أبو شلاخ البرمائي) و(العصفورية) و(سبعة) و(سعادة السفير) و(الجنيّة)، أما في الشعر فلديه دواوين (معركة بلا راية) و(أشعار من جزائر اللؤلؤ) و(للشهداء) و(حديقة الغروب).
08-23-2010, 10:04 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #13
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
رحم الله غازي بن عبد الرحمن القصيبي رحمة واسعة، فقد كان بجانب كل ما قيل فيه من أصدقائه ومحبيه، نموذجا حديثا ومبتكرا لعلاقة المثقف بالسلطة في مجتمع سريع التحول. تابعت في الأيام القليلة الماضية ما كتب عنه وحوله. ووجدت أنه في غمرة الشعور بالخسارة الفادحة، ثمة عبارات أفلتت من مؤبنيه مثل «لم تلوثه المناصب» أو «لم تفسده الوزارة» أو «لم يكن من المرتشين». ومثل هذه العبارات تنم عن موقف نفسي خفي، يظهر في العبارات العامة، تجاه أصحاب السلطة والعاملين معهم، رسخ في ذهن كثيرين، إلى درجة الوصول إلى محصلة، أن نفي الوقوع في ممارسات كهذه يكفي لأخذ صك البراءة. والمسكوت عنه في مثل هذه العبارات مع أنه معلوم بالضرورة، أن كل مثقف يقترب من السلطة لا بد من إمكان إفساده!

تجربة غازي في دول الخليج عامة وليس في السعودية خاصة، تجربة مثيرة للانتباه ومحط تأمل أعمق من كونه شاعرا مرهفا وكاتبا مبدعا وإنسانا محبا للحياة أو رجل دولة «لا تلوثه المناصب». تجربة غازي التي خاضها بشجاعة هي أعمق وأكثر ثراء وهي المواءمة، أو محاولة المواءمة، بين الوطنية والتحديث. وهي تجسير لهذه الفجوة العميقة التي كانت وما زالت هي أساس التحدي في مجتمعاتنا بين سلطة تقليدية ومطالب التحديث.

حتى تتضح الصورة فإن ما واجه العرب منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم قضيتان هما أساس كل ما تفرع منهما من قضايا ومعضلات، الأولى هي مواجهة العرب بأن يقوموا بحل معضلة عالمية عجز عنها الغرب، وهي المعروفة بـ«المسألة اليهودية»، والقضية الثانية فرضتها صدفة الأيكولوجيا، أي تغذية الغرب بالطاقة الكربوهيدراتية الكامنة تحت أرضنا. هاتان المسألتان على ضخامة نتائجهما السياسية والاجتماعية أثرتا على عرب المشرق حيث إنها مجتمعات بسيطة غير مهيأة لهذا التحدي الضخم، وهي المسألة الثالثة. في ضوء هذه الثلاثية (يهود، طاقة، تخلف) التي واجهها العرب باجتهادات مختلفة أخفقت، فمن قائل إن حكم العسكر يمكن أن يواجه التحدي، وفشلت كل التجارب في حكم العسكر، ومن قائل الحكم اللاهوتي قد يواجه التحدي، وفشلت التجارب أيضا. باختصار واجه القصيبي - كنموذج للمثقف - البحث عن مخرج معقول للبدء، ولا أقول السير، في النظر إلى طريقة لبدء مسيرة المواجهة الصعبة. فكان أن توصل إلى معادلة مفادها أن «تغيير السلطة أو الدعوة لتغييرها» لا يؤدي إلى أول طريق النهضة، بل ربما أول طريق الخراب. لذا فإن أفضل مفهوم ممكن لمواجهة التحدي على المدى المتوسط هو «الإصلاح من الداخل» مع الإبقاء، بل والحفاظ، على القائم من السلطة السياسية، أي القيام وتعضيد مشروع التحديث ومواءمته مع المعطى الاجتماعي والسياسي. فخاض القصيبي معركتين معا، الأولى مع المتشددين في الداخل، حتى لا أقول مصطلحا أكثر ملامسة لواقعهم، ومع الهجمة البربرية التي تقودها دولة ضد إخوة وأهل تقريبا ليس لهم من القوة غير الحجارة والحناجر في فلسطين. في هذه المعركة الثنائية يمكن العثور على مشروع غازي القصيبي تاريخيا. ولعل اختياره لعنوان أحد دواوينه «معركة بلا راية» هو الاستعارة المبطنة لتلك المعركة. رمي حل المعضلة اليهودية على كاهل أهل المنطقة، وفي نفس الوقت مطالبتهم بتزويد العالم الصناعي بالطاقة. على ما في هذين العبأين من أهوال ونتائج، ليس آخرها التدخلات المباشرة وغير المباشرة في سير الأوطان، ولا أولها تعطيل التنمية الحقيقية الشاملة، جعل من أهمية تجسير الفجوة بين المثقف والسلطان ضرورة تاريخية.

معيار غازي الذي سوف يرجح كفته تاريخيا أنه خاض معركة التحديث بكل ما تتطلب من شجاعة، وواجه عظائم الاتهامات، لأنه كان يوقن بأن حل المعضلة الأولى (مواجهة الظلم التاريخي في فلسطين) لن يتأتى من مجتمعات منقسمة لم تقبض بعد على وسائل وأدوات الحداثة. لذلك كانت عناوين معارك القصيبي هي إصلاح التعليم، تمكين المرأة، التنمية، أو بكلماته «أهمية مراجعة الموروث الحضاري والديني لمواكبة تقدم الحياة».

على المستوى الشخصي، دفع غازي أثمانا باهظة ليس أقلها أن ينشر ويحرم أهله من القراءة، حتى أواخر أيام حياته، ولكن أكثرها إيلاما تلك الهجمات التي استخدمت فيها أبشع الألفاظ وأحط التهم في شخصه وفيمن عمل معه. في النصف الثاني من الثمانينات وجدنا غازي القصيبي، اتساقا مع ما آمن به، يحذر وينذر من الهجمة العشوائية لمدعي التدين السياسي. قابل كثير منهم هذا الإنذار بهجمات لا هوادة فيها، اختلط فيها القليل من الحق بالكثير من الباطل، بتهم العمالة والردة وحتى الكفر، إلا أن نظرة غازي في النهاية كانت راجحة، فتحول أولئك ضد الوطن فيما بعد التسعينات حيث كشفوا عن أجندتهم، وما زالوا كذلك، تحت شعارات مختلفة همّها في الأساس وقف الإصلاح، وتهيئة البيئة لانفلات بغطاء الإرهاب لا يعرف نتائجه أحد، إن سار الناس على هواهم.

تفاصيل سجل غازي القصيبي طويل يستعصي على البحث في عجالة، إلا أن المهم تأكيد تلك المعادلة الصعبة (الإصلاح والتطوير من الداخل) تهيئة لمواجهة مخاطر الخارج ومن ثم البناء عليها لاستكمال نظرية الإصلاح. ثروة المجتمع وطريقة استثمارها الاستثمار الصحيح لمواكبة التقدم بالعلم والمعارف والتنظيم الحديث هي ما شغل القصيبي في كل مساره الطويل والمثمر والوطني، وإن ترك غازي تلك المعادلة التي فهمها عدد من المثقفين في الخليج فسوف يكفيه أن يتسنم لواءها متقدما بين الصفوف.

تلك لبنة من مسيرة غازي بن عبد الرحمن القصيبي الفكرية، الصديق الذي خسرناه، وسوف تحتاج إلى تعميق وسبر ودراسة من آخرين، إلا أنها حجر زاوية مهم في البحث عن طريق بين المثقف وأهل السلطة في خليجنا اليوم.

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=583535&issueno=11591
08-24-2010, 12:16 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #14
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
غافلني غازي القصيبي. سافر. رحل سريعا، من دون أن يترك لي فرصة المشاركة في الوداع، مع سائر الزملاء الذين رثوه في صحيفته المفضلة «الشرق الأوسط». وأنا عاتب على القصيبي المسافر. وعاتب عليهم. ربما لم يعرفوا أن علاقة القصيبي مع الناس امتدت إلى زميل لهم في باريس. فآثروا عدم إحراجه بمشاركتهم في رثائه.

عرفت غازي القصيبي منذ عقود طويلة. بدأت العلاقة بتفضله بإهدائي بعض كتبه. وأذكر أني أرسلت إليه رسالة رقيقة شاكرا. ومن عادتي أني أتمهل في قراء الكتب التي تهدى إليّ. أفضل الكتب التي أشتريها. لكن الصحافي الذي اكتشفته في غازي القصيبي أقنعني بالعودة إلى قراءة ما تبقى لدي من إنتاجه الذي سلم من مشقة الانتقال من بلد إلى بلد، أو من بيت إلى بيت.

أدهشني وفرة إنتاج القصيبي. بت أحسده أنا الذي، إلى الآن، لم أنتج كتابا واحدا. أخاف من «الرقابات» العربية أن تضيِّع علي وقتا أنفقه في كتاب لا يحمل «فيزا الدخول». كان القصيبي متفائلا. ظل يكتب. ويكتب. وهو يعرف أن بلده سيفتح عينيه يوما ليقرأه، قبل أن يغمض هو عينيه.

لن أسهب في الحديث عن القصيبي الشاعر. الأديب. المثقف. السفير. الوزير. فقد سبقني إليه زملاء. وأدباء. ونقاد. إنما أريد أن أتمهل عند الصحافي غازي القصيبي. إذا كانت الأزمات والأحداث محك الرجال. فهي أولا امتحان كبير للصحافيين والكتاب في الموقف. في الرأي. في الشجاعة. في أسلوب المعالجة. في تقنية الأداء.

في الأيام العصيبة التي سبقت حرب عام 1967، قاتل هيكل على صفحات «الأهرام» بأكفأ مما قاتل جيش على صفحات الرمال، قد تختلف مع هيكل في السياسة. لكن كم أتمنى أن تدرِّس كليات الصحافة طلبتها «تكنيك» الأداء المهني في صفحة «الأهرام» الأولى، فقط في الأيام القليلة السابقة للحرب. غطى الصحافي هيكل رئيسا. ونظاما. وجيشا. وهو لعله يعرف، سلفا، أن مصر ستخسر حربا لم تستعد لها. ولم تعرف قيادتها كيف تديرها.

غطى الصحافي القصيبي حربا كان مؤمنا بأن العرب سيكسبونها. والغادر سيخسرها. شجاعة القصيبي تجلت في حمل قلمه سيفا، وصدام في ذروة نصره، محتلا الكويت. مهددا السعودية، في وقت ظنت فيه دول وساسة أن ما أخذ بالقوة، لن يسترد بالقوة. أو بالسياسة.

لم ينتظر القصيبي هزيمة صدام ليكتب، كما فعل آخرون. هنا، في أعلى الصفحة، سجل غازي القصيبي، «في عين العاصفة»، موقفا قويا رائعا. تقدم مختارا. وليس مدفوعا. منتصرا بوفاء للسعودية بلده الكبير، في رفض العدوان على بلد شقيق صغير (الكويت). في تقييمه الوطني، دافع القصيبي عن خليجه، انتصارا لقوميته. لعروبته. في تقييمه السياسي، أدرك القصيبي أن العالم لن يرضى بصدّام المناور محتكرا للطاقة النفطية التي تقوم عليها الصناعة والحضارة الإنسانية.

في عتابه القومي لصدام يقول القصيبي الشاعر:

جيشَنا كنتَ. أجب يا جيشَنا

كيف ضيعتَ إلى القدس طريقا؟!

هل كان القصيبي مخطئا في كشف صدام باكرا؟ هل يستحق هجوم بعض القوميين والإسلاميين عليه؟ كتب القصيبي منبها، سلفا، إلى أن صدام سيضيع عروبة العراق. وأثبت التاريخ صحة رؤيته وموقفه. يكفي أن أقول إن صدام لو قبل بمشروع الاتحاد مع سورية (1979)، لضمن، حتى في المنطق الطائفي، أغلبية «سنية» حامية لوحدة العراق وعروبته، من تبجح أميركا بوش وأتباع إيران الذين يحكمونه اليوم، بأن غالبيته «الشيعية» تجيز لهم انتزاعه من حضن عروبته!

الهزائم والنكسات لم تكن كافية لإقناع الحركات القومية العربية بمراجعة التجربة، بما يكفي للتأكيد بأن لا عروبة بلا حرية. ولا وحدة بلا ديمقراطية. سبع سنوات مضت على احتلال العراق. لم يصدر، إلى الآن كتاب موضوعي، أو بحث علمي أو أكاديمي، يحلل تجربة صدام في حكمه. في حروبه. في تعريضه العراق لكارثة الغزو التي تركت الخليج والأمة العربية مهيضة الجناح، أمام الأعداء من كل جانب.

هذا عن عروبة غازي القصيبي. ماذا عن حرفيته الصحافية؟

«في عين العاصفة»، كان صحافيا في خندق أمامي. لم يسجل كلاما كثيرا. كانت كلماته رصاصات سريعة. دقيقة في إصابة الهدف. موجعة في صراحة منطقها. لم يوفر القصيبي أحدا. وبالأسماء. وفي واقعية شجاعة.

في تقنية الصحافة، الزاوية (التي أجاد القصيبي كتابتها) أصعب من المقالة. الزاوية تفضح الكاتب غير المتمكن. قالت العرب قديما: «البلاغة الإيجاز». و«خير الكلام ما قل ودل». كان بهاء ومصطفى وعلي أمين كتاب زاوية، فيما تجنبها التابعي وهيكل، لأن جملتهما طويلة.

في معركته مرشحا لإدارة «اليونيسكو»، واجه القصيبي عداء إسرائيليا ويهوديا عالميا متغلغلا في المنظمة الدولية. كما واجه منافسة عربية. عشرة منافسين بينهم ثلاثة من العرب. واحد من العرب كان مرشح بوركينا فاسو عن منظمة الوحدة الأفريقية. خاض القصيبي معركته تحت شعار «صداقة الحضارات». كان يراهن على أن «الحضارة العربية الإسلامية مستعدة للتعايش في سلام مع حضارات وثقافات العالم».

وكتبت، مع كثيرين من الزملاء، مؤيدا القصيبي. رد شاكرا. ثم أتيح لي حديث طويل معه، خلال حفل أقامه الصديق الشيخ فيصل الحجيلان سفير السعودية في باريس آنذاك (1999). تعرف فيه القصيبي على نخبة من المثقفين والساسة والدبلوماسيين الفرنسيين.

خسرت اليونيسكو مثقفا عربيا تمتع بأفق واسع وكفاءة إدارية. لم تزعج الخسارة القصيبي. اكتفى بالقول إنه حان الوقت لكي يكون مثقف عربي على رأس منظمة عالمية للثقافة والتربية والعلوم. كان القصيبي خصما شريفا. لكن لم ينحن. لم يتراجع. لم يقدم تنازلات لإسرائيل. أو اعتذارات لليهودية العالمية التي حاربته سفيرا ومرشحا. وكان القصيبي خصما نبيلا. كان ضد غزو أميركا للعراق. بل رفض مقارنة صدام بهتلر.

لم أعد أنتظر كتب الإهداء. كنت كلما عرفت أن القصيبي أصدر كتابا، بحثت عنه في مكتبات الغربة، أو أوصيت لاستيراده من مكتبات الوطن الكبير. لم تمنع المناصب التي تقلدها القصيبي من رصده لدبيب الحياة العربية على الأرض في مختلف توجهاتها، شاعرا يناجي رومانسية إبراهيم ناجي. فخورا بالمتنبي. معترفا بشاعرية نزار قباني.

يسافر القصيبي. يرحل. يترك في الذاكرة براءة الطفل في ابتسامة وجه صبوح. في كتبه، تذهلك صراحة الاعتراف. في «حياة الإدارة»، يقول إنه تعلم من أمير الرياض سلمان بن عبد العزيز كيف يقرأ التقارير بسرعة موفرة للوقت.

كان القصيبي أوسع من الحياة. تحرك بقدر ما تسمح الضوابط. إن اعترض عاد فاقتنع. إن تمرد عاد فرضي. إن دعاه الواجب لبى النداء. لم يغير القصيبي الدنيا. حاول. غادر باكرا. يكفيه نبلا ووفاء أنه نصح.
08-24-2010, 07:06 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #15
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
غازي القصيبي: مات الوزير.. عاش صوت التنوير!
العرب القطرية

GMT 1:50:00 2010 الأربعاء 25 أغسطس


سليمان الهتلان


تخيل لدقيقة لو أن الراحل غازي القصيبي مات وزيراً ولم يكن أديباً وكاتباً جدلياً، هل كان رحيله سيحظى بهذه الهالة من التكريم والحزن؟ في بلداننا العربية مات ويموت المئات من الوزراء وكبار المسؤولين، يذاع خبر موتهم ببيان مقتضب من الديوان الملكي أو من القصر الرئاسي، وبعد ثلاثة أيام من العزاء لا نعد نسمع عنهم شيئاً إلا ما ندر. أما غازي القصيبي وأمثاله القليلون في عالمنا العربي فهم قصة أخرى. موتهم هو حقاً فقد مؤلم. رحيلهم يعد فعلاً خسارة وطنية كبرى. غازي القصيبي لم يكن فقط وزيراً جريئاً، نتفق ونختلف مع كثير من قراراته، ولكنه أيضاً كان وزيراً استثنائياً لم يذكر عنه يوماً أنه تورط في قضية فساد أو احتكار أو مصالح خاصة. وغازي القصيبي لم يكن من أولئك الذين يعضون بالنواجذ على المنصب، يهادن ويجامل من أجل البقاء طويلاً على كرسي الوزارة، وإنما كان أصلاً صاحب رؤية وفكر وفلسفة وأهداف تنموية كبرى. كان بحق "الوزير المثقف" وقبل وبعد ذلك كان "الوزير الإنسان". ولذا ظل القصيبي الوزير السعودي الأبرز والأقرب إلى الناس على مدى عقود.
كثيرون هم أولئك الذين ربطتهم بغازي مواقف تنضح بالطيبة والإنسانية في وقت كان فيه "التعالي" و "الغرور" نقيصتين تلازمان بعض أصحاب المناصب العليا في المنطقة كلها.
غازي الوزير كان رمزاً في تواضعه مع الناس لأنه -في الأصل- كان الإنسان المثقف الذي أدرك مبكراً أن المناصب تأتي وتذهب، كما حدث معه، ولكن الثقافة هي التي تُبقي الإنسان حياً متّقداً شغوفاً بالمعرفة والعطاء. من منا، معشر الكتاب والمثقفين، خاصة في السعودية، لم يتأثر بشكل ما بغازي القصيبي كمُلهم للكتابة الجدلية أو كمحارب صلب ضد "جهابذة" الخطاب الصحوي في الثمانينيات وما بعدها؟ ومن منا لم تربطه بغازي حكاية؟
ما إن وضعت حرب تحرير الكويت أوزارها، عام1991، وقد حزمت أمري على السفر إلى أميركا للدراسة حتى خطرت ببالي فكرة! اتصلت بمكتب السفير غازي القصيبي في البحرين، وكان وقتها سفيرا للسعودية هناك، راغباً في لقائه، وجاء الموعد سريعاً. شرحت للدكتور غازي رغبتي في الدراسة في أميركا وكنت آمل منه في توصية لجامعة جنوب كاليفورنيا؛ حيث درس الدكتور غازي، لعلها تعجّل بحصولي على قبول للدراسة هناك. قرأت في نظرات الراحل تساؤلاً مؤدباً... فكيف له أن يكتب لي توصية وأنا لم أكن من طلابه في الجامعة ولم أعمل معه؟ وضعت أمامه ملفاً فيه عدد من مقالاتي وأعمالي الصحافية، بعضها من (رسالة الجامعة) أثناء الدراسة في جامعة الملك سعود، وأخرى من صحيفة "الرياض" حيث عملت بعد تخرجي من الجامعة. تصفح مواد الملف سريعاً وطلب مني أن أعود إليه ظهر اليوم التالي. وحينما عدت إليه سلمني نفس الملف وفيه توصية جاهزة بتوقيعه متمنياً لي التوفيق في مشروعي القادم. وحينما وصلت أميركا تغيرت الوجهة تماماً ولكنني ما زلت أحتفظ برسالة الدكتور غازي القصيبي بكل امتنان وتقدير.
وهنا الثانية: حينما استضفت الدكتور محمد القنيبط، عضو مجلس الشورى السعودي سابقاً، في برنامجي "حديث الخليج" على قناة الحرة، قبل ثلاث سنوات، انتقد القنيبط وزارة العمل بشدة مطالباً باستقالة الوزير غازي القصيبي بعد الفشل المتكرر لسياسات الوزارة. قامت القيامة في السعودية على إثر تلك المقابلة "النارية" فمن يجرؤ على نقد وزير، أي وزير، ناهيك عن المطالبة علناً باستقالة وزير بحجم غازي القصيبي. توالت ردود الفعل على جرأة القنيبط في نقد غازي القصيبي فخلط الناس بين غازي، أبي التنويريين في السعودية، وغازي الوزير، الذي يخطئ ويصيب في قراراته ومواقفه مثله مثل أي إنسان في الدنيا.
قال البعض إنني والقنيبط تحالفنا -من دون أن ندري- مع الأصوليين في نقد القصيبي والتقليل من شأنه. ووضع آخرون "قدسية" الوزارة على الوزير القصيبي في ظل ثقافة لم تعتد على نقد الوزراء والمطالبة بإقالتهم! وفي أجواء تلك "المعمعة"، يخبرني القنيبط بسلامه على الملك في مجلس الشورى بعد أيام قليلة من بث مقابلتنا وبمزاحه لاحقاً مع غازي القصيبي فيموت الكبار كبارا وتبقى سيرتهم وهجاً لأجيال مقبلة لعلها تسير على ذات الخطى أو أفضل!
كان غازي القصيبي مبهراً بقدرته الفائقة على الموازنة بين مسؤولية المثقف التنويري وبين التزامات العمل السياسي مثله في ذلك مثل الراحل قبله الدكتور أحمد الربعي في الكويت. القطيعة الحادة بين المثقف والسلطة لا تخدم الإصلاح أو التنمية المنشودة في بلداننا، خاصة هنا في دول الخليج. إنها مسؤولية مشتركة بين المثقف والسياسي في محيطنا أن تُبنى جسور التلاقي والثقة والعمل سوياً من أجل أهداف تنموية وطنية كبرى.
وفي تجربة القصيبي مثال ناصع لتلك العلاقة التي أساسها الاحترام المتبادل والعمل الدؤوب بين أهل الفكر وأهل السلطة. وفي تجربة القصيبي أيضاً نموذج رائع للمثقف الذي لا يحبس فكره ورؤاه في مساحة جغرافية ضيقة لا تتجاوز هموم محيطه القريب ولا تتعدى حدود بلاده. فغازي القصيبي، وقت احتلال الكويت، كان صوتاً خليجياً مدوياً ضد الظلم الذي وقع على الكويت وأهلها. وكتاباته الكثيرة عن البحرين وبلدان الخليج، ناهيك عن قضايا أمته الكبرى، خير شاهد على أنه ينتمي لجيل من المثقفين الكبار الذين يدركون جيداً أن "حدود الأمن الوطني" مرتبطة كثيراً بالأمن الإقليمي خاصة في ظل ظروف الخليج المتقاربة سياسياً وأمنياً.
وإلى آخر لحظة، ظل غازي القصيبي أحد منابع الإلهام المدهشة للإنتاج والعطاء. فموت غازي ربما كان عبرة بأهمية سباق الزمن من أجل نتاج فكري وأدبي يبقى رصيداً حياً لصاحبه حتى بعد موته.
حقاً، بموت الدكتور غازي القصيبي نخسر أحد أبرز رموز التنوير في
السعودية وفي الخليج في وقت تشتد فيه الحاجة لمزيد من أصوات التغيير وملهمي التجديد!
08-25-2010, 10:29 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #16
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
214152121415212141521

القصيبي يُقرئكم الدرس الأخير!
الوطن السعودية

GMT 0:26:00 2010 الأحد 22 أغسطس


محمد المسعـودي

ها هو يرحل بجسده بعد عمر حافل بعطاءات مئات المبدعين والمخلصين، بعد أن قدم لوطنه ما سيبقيه حيا في قلوبنا، لتذكر الأجيال والسنون إنسانيته، عقلانيته، إخلاصه، مواطنته الصالحة، مشاعره الجارفة التي تجاوزت جميع البروتوكولات الوزارية والدبلوماسية !. فما أبدعك أيها القصيبي!

رحل رجلٌ في زمنٍ عز فيه الرجال، وعندما يرحل المخلصون تخفق أفئدة الشرفاء وتدمع عيونهم. إنها كاريزما كل المقاعد الإنسانية وحضور الإخلاص والحب والمشاعر ... ولأن النسيان صفقة خاسرة لا تغري بالمحاولة حتى، فلم يبقِ غازي القصيبي لنا سوى كله وليس بعضه!
رحل صاحب السيرة المثيرة، والمحطات المتنوعة بخليطٍ سياسي فكري أكاديمي دبلوماسي ووزاري، أضاف وأضفى لكل منها بريقاً خاصاً، وهيبةً وهاجة.. إنها جمع السجايا والسمات الشخصية وسعة الأفق في شخص، فإن كان لكل دولة زمن ورجال فأجزم أنه هو (الرجال)!.
نجمه وحضوره سبقه في كل مكان يجوبه أو يقوده أو يخطه يراعه، فالبصمة القصيبية حاضرةً.. كان أديباً وشاعراً وروائياً مبدعاً، ومفكراً أثرى الحياة الفكرية وزادها توهجاً بـ(موسوعيته)، حتى أجزم أنه لم يكن في ساحة المثقفين العرب بأسرها من جمع تلك الهالة من السمات الاستثنائية كما ملكها (غازي)، حتى مع خصومه كان له طموح ونَفَس أرهق به مخالفيه دون جرحهم أو إهانتهم، ليسجل ظاهرة متفردة في عصرنا من الحوار الإبداعي الخلاَّق.
قدم من بيت ثراءٍ ونزاهة فعمل مع عدة ملوك دون نفاق أو رياء. متصالح مع ذاته أولاً بقول الحق بشجاعةٍ له أو عليه بوضوح وشفافية، فلم يجامل أحداً، بل كان مجاهراً بالرأي بقوة حجة وثبات، فكانت تزداد قناعة قادة بلادنا بأنه الرجل المناسب في كل مكان تبوأه حتى نعاه الديوان الملكي في بيان نادر كريم جاء فيه "الفقيد - رحمه الله - من رجالات الدولة الذين خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاص".
النزاهة والحزم بقول الحق كانا ديدناً يرافق أعماله المنثورة شعاعاً على جبين الوطن، ولأنه (حياة في الإدارة) فكم مسؤولية تسنمها وأتته طائعة، فبدأ وزاراته بمحاولة الوقوف في وجه أصحاب المصالح الضيقة، بدءاً من تطهير وزارة الصحة، وإيصال الكهرباء إلى كل أصقاع البلاد الواسعة، ونشر الفكر والمدن الصناعية، ومكافحة التبذير والمحافظة على منسوب المياه، انتهاءً بوزارة العمل. ولأنه صاحب مبدأ لا يتزحزح فقد أنهكته وكثرت الحراب عليه في آخر وزارة، ولكنه كعادته كان جسوراً محارباً للأنفس الطامعة وغيرةً على أبناء بلده في سبيل الحصول على مصادر الرزق حتى آخر أنفاسه الشريفة لمحاولة القضاء على البطالة، فتجده منتشيا جذلان وهو يقبِّل رأس شاب سعودي يعمل نادلاً بمطعم، ويعتز بارتداء زي النادل قائلاً عنه : "رداء لا يستحقه إلا من سعى لدراسته، وأنا أعتبره نوعاً من الدكتوراه الفخرية ".
وها هو يرحل بجسده بعد عمر حافل بعطاءات مئات المبدعين والمخلصين، بعد أن قدم لوطنه ما سيبقيه حيا في قلوبنا، لتذكر الأجيال والسنون إنسانيته، عقلانيته، إخلاصه، مواطنته الصالحة، مشاعره الجارفة التي تجاوزت جميع البروتوكولات الوزارية والدبلوماسية !. فما أبدعك أيها القصيبي!
ستبقى مالئا الدنيا وشاغلا الناس، حتى في موتك ولعلهم يفقهون، وأنت توزع صورا شتى لكل وزير وسفير ومسؤول. الصورة الأولى في المواطنة الصالحة الخالصة بخلفية أخاذة في العمل الإبداعي الخلاق ليعرفوا أجمل صور التفاني من أجل وطن، أما الصورة الأخيرة فهي أعظم درس قدمته لهم بلقطة خالدة سطرتها في مخيلة وطن وزمن، اختصرتها في وهج كمية الحب المتدفق ألماً وفراقاً تحسسه الجميع بدءا من قادتنا إلى شتى شرائح المجتمع وانتشاراً إلى دول العالم، فكم من وزير وسفير ومسؤول رحلوا عن كراسيهم وعن دنياهم ولا نذكر سوى بقايا من أسمائهم، وكم من شخص رحل ولم يترك لنا ولوطنه سوى بقايا من فتات ورق صحف فقط!
أيها المسؤولون اتعظوا من عطاءات هذا الرجل وماذا قدم. وكيف استقبل الناس رحيله، فالأوطان والتاريخ لا يحفظان إلا أسماء عظيمة فقط ليكتباها، وجزماً تحفظها الأجيال والأمم، والتقوقع ديدن الأرض البوار التي لا تاريخ لها، والضعيف بها لا يخلده سوى الضعفاء، أما مدن الخصوبة والحب فتبقى حية، والتاريخ بها لا يحفظ إلا العظماء.. فما أبلغك أيها الدرس الأخير، وما أجمل حضورك ووداعك – يرحمك الله - !
214152121415212141521

الكاريزما القصيبية.. ما الذي ميّز غازي؟
الوطن السعودية

GMT 1:36:00 2010 الجمعة 20 أغسطس


شتيوي الغيثي

غازي القصيبي كان يمتلك ثقة رسمية وشعبية منقطعة النظير حتى بعد توليه وزارة العمل رغم صعوبة النجاح في مثل هذه الوزارة. أن يتفق الجميع (تقريباً) على حبه واحترامه وتقديره حتى عند بعض خصومه السابقين فهذا نوع من الكاريزما التي لا تتحقق إلا لدى الندرة القليلة من الناس

المقالات التي كتبت عن غازي أكثر من أن تحصى خلال أسبوع فقط، وبعد وفاته بيوم مباشرة، بل إن الصحف الإلكترونية كانت أسرع في نشر الخبر والكتابة حول فكره وشخصيته مما جعل الحدث استثنائياً وإشكاليا كما هو غازي في كل حياته. غازي من النوع الإشكالي الذي أصبحت حتى وفاته حدثاً سعودياً عاماً وخليجيا؛ بل وحتى عربياً. والكتابة حول غازي، برأيي، لا بد أن تتجاوز مرحلة البكائيات القديمة والرثاء الحزين إلى استخلاص تجربة من التجارب الاستثنائية، والبحث عن سر ذلك التفرد الذي كان يتميز به عن غيره. غازي كان نموذجاً من النماذج العربية التي اتفق الناس عليها، وهذا الاتفاق يصعب العثور عليه فيما لو فتشنا في العديد من الأسماء العربية الأخرى التي كانت تنافسه داخلياً وخارجياً. أن يكون هذا الحب الشعبي بهذا المستوى فهو شيء ينم عن كاريزما خاصة يتمتع بها هذا القصيبي. إحدى الإشكاليات التي قيلت قبل سنة في بداية مرضه انتشار الشائعة بوفاته ونفيها في نفس اليوم. طبعاً هذا القلق من فقدان غازي كان ينم عن قلق شعبي من عدم تكرار نموذج آخر، لاستثنائه الذي لم يستطعه إلا هو!
الدكتور غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ كان يمتلك ثقة رسمية وشعبية منقطعة النظير حتى بعد توليه وزارة العمل رغم صعوبة النجاح في مثل هذه الوزارة. أن يتفق الجميع (تقريباً) على حبه واحترامه وتقديره حتى عند بعض خصومه السابقين فهذا نوع من الكاريزما التي لا تتحقق إلا لدى الندرة القليلة من الناس، فلماذا تحققت لدى غازي ولم تتحقق لدى غيره؟ بل لا نجد في الأفق حتى الآن رجلا بمواصفات هذا الرجل يحمل ما كان يحمله من سعة ثقافة ونجاح في الإدارة وتحقيق توازنات سياسية وثقافية نخبوية وجماهيرية لا تتوافق في الغالب لمدى اتساع الهوية بين ما هو رسمي وما هو شعبي، أو ما هو نخبوي وجماهيري. وقد جاء غازي ليرمي هذه الهوة ويجعل الأمور متداخلة تداخلا متوازنا بشكل عجيب يثير إعجاب العامة والخاصة على حد سواء، وهي المعادلة الأصعب، خاصة في مواقع إدارية من أعلى المستويات كالوزارات أو السفارات.
أن يخرج مثقف ليحاول أن يحقق الكثير من المبادئ التي يراها، فهذا شيء طبيعي؛ بل هي طبيعة المثقف في كل عصر وفي كل مكان، لكن ما إن يدخل هذا المثقف إلى مستوى اتخاذ القرار فإنه يعود فيتحول إلى موظف بيروقراطي، أو الفشل المباشر لكونه يبحث عن التغيير الجذري فيكون الصدام مع المجتمع، وهذا فيه خلل في مدى معرفة الحد الفاصل بين كونه مثقفاً وكونه مسؤولاً، في حين أدرك القصيبي مدى حجم المساحة بين مبادئ المثقف وبيروقراطية المسؤول واستطاع العمل على المساحة الفاصلة بين هذه وتلك.
أيضا كان غازي نزيهاً جداً في العمل الإداري، وهذه النزاهة يفسرها البعض على أنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وهذا التفسير ليس كاملاً كون الكثيرين مثله ولدوا وفي أفواههم آلاف الملاعق الذهبية؛ لكن هذا لم يجعلهم نموذجاً شبيهاً لغازي في نزاهته.
الموازنة بين المبادئ والمسؤولية هي ـ حسب ما أتصور ـ جعلت من غازي نموذجا لابد أن يحتذى للأجيال الطالعة أو الأجيال الحالية، والقراءة في مرحلة وعمر طويل من العمل الإداري والشغل الثقافي من خلال قراءة جيدة لتحولات المجتمع وتبدلات القيم والأفكار والصراعات والمناوشات وأحلام النهضة وانتكاسات النضال، والتي حاول غازي أن يبث جزءاً كبيراً منها حتى أثناء مرضه الذي توفي فيه.
الأحلام الكبرى التي كان يملكها غازي لم تكن خيالية إلى الدرجة التي جعلت من غيره حبيسي مرحلة محددة وصلت فيها الأحلام إلى أبعد مستوياتها حتى إذا انهارت انهار الحلم بكليته مما سبب صدمة عنيفة لم يستطع أن يصحو منه حالمو الأمس حتى الآن، أي لم يكن أيديولوجيا إلى الدرجة التي أعمت بصره عن رؤية الحقائق بعين المثقف والذي ترجم كل ذلك إلى برنامج حقيقي له امتداده على أرض الواقع.
لقد تخلص غازي من الوهم منذ فترة طويلة من خلال رؤية ناقدة جعلته عروبياً من خلال نموذج مثقف نفطي؛ أي أنه لم تكن لديه عقدة المثقف العروبي الذي يرى في الدول الخليجية أنها دول نفطية أكثر من كونها دولا حقيقية، فعمل غازي على إثبات ذلك، إذ لا تشكيك في عروبة الخليجي لكونه نفطياً. من جهة أخرى فقد تخلص من وهم آخر هو وهم الإسلاموية، فليس عنده عقدة الأسلمة كما عند الآخرين، فلا مزايدة على إسلام الرجل المسلم حتى لو اتهم بالعلمانية كما اتهم غازي، كما أنه لم يحاول الوقوع في صراع التيارات، لأن التجربة الثقافية كانت ذات وعي مبكر تبلورت من خلال أحلام العروبة وانتكاساتها مما بلور لديه حساً نقدياً مبكراً لكل الخطابات العربية والتي كان لها امتداد سعودي هنا أو هناك.
كما أن قربه من القرار السياسي منذ صغره جعله يطلع على الكثير من القرارات والأسرار التي قد تغيب عن كثير من المشتغلين في العمل الإداري في السعودية، وهذا أعطاه حس الموازنة بين أحلام العروبة ورجل الدولة حين رأى دولة شارك أبوه في يوم من الأيام في إنشائها حين كان من رجال المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود.
هذه الأشياء مجتمعة خلقت تلك الشخصية القصيبية الفريدة، لكن تبقى هذه القراءة مجرد محاولة للفهم، ذلك أن الكثير من الشخصيات الإدارية أو الثقافية حصلت لهم نفس الظروف، لكنهم لم يتحولوا إلى نموذج استثنائي كما حصل لغازي، مما يجعلنا بحاجة ماسة إلى قراءات عديدة يضيف بعضها إلى بعض، لا تقتصر على الجانب الإبداعي أو الإداري، بل تحاول الجمع بين الجانبين لكون غازي نفسه لم يرد أن ينفصل هذا عن هذا، ولذلك نراه يكتب روايات أو ينشد قصائد بسب مواقف إدارية مرت به، فالقراءة المتكاملة يمكن أن تكشف لنا بعضاً من أسرار الكاريزما القصيبية.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 08-25-2010, 11:03 PM بواسطة بسام الخوري.)
08-25-2010, 11:02 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #17
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
العطاء الضخم لغازي... لن تفي به المراثي وحدها!
الخميس, 26 أغسطس 2010
محمد جابر الأنصاري *

لعله قد حان الوقت للانتقال إلى دراسة غازي القصيبي وتقييم نتاجه، فالرثاء حالة آنية. أما التقييم المستند إلى الدراسة والبحث فهو لكل المواسم وكل الأجيال.

وعلى الصعيد الشخصي، كنت في الأيام الأخيرة على تواصل به، رحمه الله، بالزيارة وبالهاتف، وكان بإمكاني الحديث عن ذلك مطولاً، لكني رأيت أن ذلك لا يغير قليلاً أو كثيراً من قيمة عطاء غازي ومكانته. وعندما أقيم مجلس العزاء لوفاته في البحرين حرصت على التواجد فيه للأيام الثلاثة التي ظل فيها ذلك المجلس مفتوحاً، كما لم أفعل مع أي راحل عزيز عليّ.

لقد أحسست أن الرثاء في بلادنا نوع من المجاملة. وغازي بالذات تستحق ذكراه الطيبة كل إطراء، لكني تذكرت أيضاً راحلين كبيرين من فرسان الكلمة هما الطيب صالح ومحمد عابد الجابري، رحمهما الله، لم أرثهما ولي آراء نقدية بشأنهما أبديتها، بالمناسبة، للراحل الكبير غازي على الهاتف بعد عودته العلاجية من الولايات المتحدة فقال لي أكتب هذه الانتقادات. فقلت إني أنتظر مرور الوقت، كي لا يتخالط الرثاء بالتقييم.

إن دراسة غازي القصيبي وتقييم نتاجه لا بد من أن ينطلقا، في تقديري، من المسائل الآتية:

1- مدى تأثير المرحلة البحرينية في تكوينه ونتاجه. لقد جاء غازي إلى البحرين مع والده وأسرته بقيم السعودية وصلابة مبادئها – وذلك ما منحه الثبات والصلابة – لكنه تفاعل مع جديد البحرين التي كانت تنفتح على العصر والعالم. كان والده عبدالرحمن القصيبي ممثل الملك المؤسس والموحد عبدالعزيز آل سعود، الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في البحرين. وكان حكام البحرين من آل خليفة يعتبرون الخليج العربي سوقاً موحدة مفتوحة لجميع أبنائه. ونظراً لهذا الانفتاح غير المسبوق أصبح عبدالرحمن القصيبي رئيساً لأول تنظيم تجاري في البحرين، وكانت «الجالية النجدية» تمثل صمام الأمان ونقطة التوازن في مجتمع البحرين. فعلى رغم السيطرة البريطانية التي لم تكن ترتاح لتواجد السعوديين في البحرين، فإن حكامها لم ينظروا لأي سعودي باعتباره غريباً. وفي ظل هذه الأجواء الودية المنفتحة وجدت عائلة القصيبي – مع غيرها من العوائل السعودية في البحرين مجالاً مناسباً للعمل التجاري.

وعندما جاء غازي إلى البحرين من الإحساء التي ولد بها – وهو ابن الخامسة التحق بداية بالمدرسة «الشرقية» الإبتدائية وتفاعل مع طلبتها البحرينيين، ثم انتقل إلى المدرسة الثانوية، والتي كانت الثانوية الوحيدة في البحرين، وزامله فيها كاتب هذه السطور. وأذكر أنه كان يلقي خطبة الصباح في طابور الصباح لتفوقه في اللغة العربية والإلقاء الفصيح. ولم أكن أعلم – إلا بعد أن تصفحت دواوين شعره – أنه نظم الشعر وهو في السادسة عشر من العمر. ومنذ ذلك الوقت لم أكن في الواقع استسيغ الشعر «الرومانسي»!... لذلك فلم أنجذب إلى شعره كثيراً. وكان غازي، لأسباب عائلية وسياسية، لا يستطيع البوح في حينه بحقيقة مواقفه إلا من خلال ذلك الغزل الرومانسي.

وقد ظل غازي يتفاعل مع جديد البحرين ويتأثر به، وهو مرتبط بقيم السعودية، موطنه الأول، وصلابة أرضه. وكما أرى فالشخصية الجماعية لهذه المنطقة، أي الجانب العربي من الخليج، تمثل اللقاء بين صلابة الصحراء العربية وحركية التموج الخليجي. وكانت شخصية غازي القصيبي تمثل «توليفة» بين هذين العنصرين، وذلك ما حافظ عليه في كتاباته، وطوال حياته. وثمة شواهد كثيرة في كتبه تؤكد هذه الناحية يمكن للباحثين استخراجها. وأعتقد انه ليس من المبالغة وصفه بأنه «قطرة ندى» بين السعودية والبحرين، كما عنون الكاتب البحريني الراحل الدكتور مكي محمد سرحان، رحمه الله، كتابه عنه الذي أصدره عام 1997.

2- اكتشافه لموهبته الحقيقية في الكتابة نثراً: من حسن الحظ أن غازي القصيبي اتجه إلى كتابة الرواية (حوالى عام 1993/1994) عندما أصدر روايته الأولى «شقة الحرية». وكان غازي قد كتب قبل ذلك مقالات وألقى محاضرات منذ أواخر ثمانينات القرن المنصرم (أصدرتها «تهامة» في كتب) يتضح من خلالها أن أديبنا متمكن أيضاً من الكلمة السهلة «النثرية» المباشرة، بل أنه أكثر إبداعاً في كتابة النثر. ولدي رسالة بخط يده رحمه الله، في الفترة التي ألقى فيها محاضرته اللافتة «هل للشعر مكانة في القرن العشرين» ورددت عليه بمقالة «أي شعر يمكن أن تكون له مكانة في القرن العشرين؟». في تلك الرسالة يعترف غازي بتواضع أنه لا يعتبر نفسه شاعراً من الدرجة الأولى – وذلك اعتراف غير معهود في معشر الشعراء! – وأنه ربما كان شاعراً من الدرجة الثانية أو الثالثة!

وقد سبق أن تعرضت بالنقد لأول وأهم روايتين هما: «شقة الحرية» عام 1994 «والعصفورية» عام 1996.

وبالنسبة للرواية الأولى أنشغل البعض بالبحث عن الشخصيات «الحقيقية» فيها، على رغم أن كاتبها قد احتاط لهذا الاحتمال العقيم بالتنبيه إلى أن: «الكاتب في القاهرة في الفترة التي تتحدث عنها الرواية. ومع ذلك فجميع أبطال هذه الرواية وجميع أحداثها من نسج الخيال والوقائع المنسوبة إلى أشخاص حقيقيين هي، بدورها، من صنع الخيال، وأي محاولة للبحث عن الواقع في الخيال، ستكون مضيعة لوقت القارئ الكريم».

وحقيقة الأمر أن غازي القصيبي قد «تحرر» من شعره «الإيحائي» الرومانسي الغزلي، وإن لم يهجره!، ووجد في الأسلوب الروائي وسيلة أجدى للتعبير عن آرائه. يقول آرثر هيلبس Arthur Helps: «إن أردت فهم عصرك اقرأ الأعمال الروائية التي كُتبت فيه، فالناس يتكلمون بحرية من وراء الأقنعة». وهو بذلك قد مهد الطريق لظهور أعمال روائية أخرى في البيئة السعودية بإمكان مؤرخي الأدب أن يتابعوها.

أما الكتاب الثاني «العصفورية»، فقد لمحت إلى انه: «سيخطئ أي ناقد أو قارئ إذا اعتبره «رواية» أو «رواية فانتازية» بالأخص وذلك (لتبريرات) شكلية تتعلق بالتكتيكات السردية التي لجأ إليها هذا المبدع – والذي تمخض هنا عن مفكر كبير – من أجل «تمرير» ما أراد قوله بصدق جارح لذيذ (جارح في حقيقته العارية، ولذيذ في سخريته العميقة وفكاهته العفوية النادرة) عن مجمل الواقع العربي بتشابكه وتعقيده في الحقبة الحزيرانية بخاصة، والحقبة المعاصرة في شكل أعم. «هذا بالإضافة إلى نظرات في الشأن الإنساني والعالمي... وإن كنت أشك في قدرة أي مترجم على ترجمته لأن نكهة وخصوصية أسلوبه العربي تستعصي على أية ترجمة».

«إن العصفورية في عنوان كتاب القصيبي ليست مستشفى الأمراض العقلية الشهير بلبنان، وإنما هي (البيت العربي) بين محيط وخليج في عصر اللامعقول... الذي يعانيه العرب ويعصف بوعيهم الغائم» – محمد جابر الأنصاري، مساءلة الهزيمة، المؤسسة العربية، بيروت، 2001، ص 132.

في هذه الرواية تحرر غازي نهائياً من أسلوب الشعر، وأثبت انه ناثر كبير، وهي حاجة ملحة للعرب في عصرنا، حيث لم يعد الشعر: «ديوان العرب» لأن النثر أصبح منطق العصر!

3- نزعته الإصلاحية: منذ أشعاره الأولى إلى كتاباته الأخيرة – رحمه الله – وهو يدعو إلى الإصلاح في ظل الدولة الحديثة. وكان الاثنان: الدولة والإصلاح من ثوابت فكره. وقد ربط القول والفعل، واتصف ببراءة الذمة ونظافة اليد في كل ما تولاه من أعمال حكومية.

وفي سنواته الأخيرة، كان في سعادة غامرة لعمله وزيراً في ظل توجيه الملك المصلح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.

ولن يكتمل تاريخ نزعة الإصلاح في المملكة العربية السعودية إلا بتتبعها عبر روادها، وقوفاً عند آثار المغفور لهما، بإذن الله، الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري وغازي بن عبد الرحمن القصيبي اللذين فقدناهما اليوم معاً. وننتظر مواصلة رسالتهما في العهد الميمون.

* مفكر من البحرين.
08-26-2010, 06:28 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #18
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
أحد دعاة التحديث... حاول المتشددون والمحافظون مرارًا اعتراضه
صحيفة "غارديان" البريطانية تنعي غازي القصيبي
صلاح أحمد من لندن

GMT 142500 2010 الخميس 26 أغسطس


أصدرت صحيفة "غارديان" البريطانية مقالة رثاء في السياسي والكاتب السعودي غازي القصيبي، الذي توفي صباح 15 آب/أغسطس عن سبعين عاما إثر صراع طويل مع المرض، ويحظى القصيبي بتقدير كبير في السعودية لجرأته في تناول مشاكل المجتمع السعودي.

ورد في مقال لصحيفة "غارديان" البريطانية أن الدبلوماسي والشاعر السعودي غازي القصيبي الذي توفي متأثرا بسرطان المعدة عن 70 عاما، مثّل إنعكاسًا للمعضلات الشرسة التي تشكل تحديًا لمجتمع بلاده. وكان من دعاة التحديث فصار ممقوتًا لدى الإسلاميين المتشددين إضافة الى المحافظين داخل النخبة الذين حاولوا مرارًا سد هذه الطريق أمامه. ولأنه كان ملهمًا لدعاة الإصلاح والتصدي للتيارات الراديكالية المحافظة، فقد واجه عقبات كبيرة مع كل خطوة خطاها.

ولا شك في أن ثروته الهائلة ساعدته في وضعه كإصلاحي، بحيث إن البعض رأى فيه شخصا مؤهلا لأي منصب رفيع يسند اليه. وساعده أيضا تتويج صديقه ولي العرش عبد الله ملكا على البلاد في العام 2005 (وكان هو الحاكم الفعلي منذ 1996) لأنه أتى هو نفسه بالعديد من الإصلاحات. وكان القصيبي جزءا من مجموعة مختارة من التكنوقراط العامة الذين سعوا الى تحديث المملكة خلال السبعينات. وكانت أشعاره تستهدف الحكام العرب باحتراس مدروس:

كلماتنا ميتة
كضمير الطاغية
نحلم بعالم خال من الأغلال
ناهض من أقلامنا المشلولة

وعندما صار وزيرا للصحة في 1984، أصدر أوامره بتوخي الأمانة في ما يتعلق بعقود العطاءات للمستشفيات الإقليمية. لكن هذا التوجه اصطدم ببعض المصالح فوجد نفسه مجبرًا على التنحي. ثم عين سفيرا لدى البحرين ثمانية أعوام حيث يتخذ له بعض الجذور العائلية. وتسببت إحدى القصائد التي نشرها على صحيفة "الجزيرة" في إعفائه من منصبه من دون علمه مسبقًا. فقد قرأ على الصحيفة نفسها إنه قدم استقالته لأنه غير راض عن شروط عقد خدمته. وعندها كتب شاكيا الى الملك فهد:

بيني وبينك ألف واش ينعب
فعلام أسهب في الغناء وأطرب؟

وكان القصيبي، المتزوج من ألمانية، ذا شعبية كبيرة في الغرب وعمل سفيرا لبلاده في لندن في الفترة 1992 - 2002. وداخل السعودية نفسها، ناضل من أجل حقوق المرأة لكنه فشل في الحصول لها على حق قيادة السيارة، وهو أمر رمزي عالي الأهمية. وهاجم الإسلاميين الأصوليين في العديد من دواوينه الشعرية ورواياته وكتبه الفكرية.

وفي 2002 ألقى محاضرة في جامعة وبستمنستر طرح فيها آراءه عن أسامة بن لادن وقال: "أعطاني الانطباع، وأنا استمع الى هذيانه في بعض حواراته، بأنه مجنون يعتقد أنه هزم قوة عظمى وأنه على وشك هزيمة القوة العظمى الباقية. لست خبيرا بعلم النفس، لكن كلماته وأفعاله تكشف أنه رجل خطر موهوم بالعظمة. إنه لا يهتم حقا بالتصدي للظلم الواقع على الفلسطينيين أو إخراج
في إيلاف أيضًا:
في رحيل غازي القصيبي

الأميركيين من الخليج، رغم أنه يجد أن المناسب له تناول هاتين القضيتين. فما يسعى اليه هو تدمير أميركا نفسها. وأنا أرفض أن أشرّف أعماله بأي تبرير. إنه يقتل لأنه يستمتع بالقتل. وتشبيهه بياسر عرفات مسبّة لا تأتي الا من شخص مثل ارييل شارون". وفي العام 2006 شنّ بن لادن في رسالة مسجلة في مخبئه هجوما لاذعا على القصيبي، متهما إياه بسوء تفسير الأحاديث النبوية وبأنه ليبرالي عميل في الطابور الخامس.

تلقى القصيبي شهادة في القانون من جامعة القاهرة (1961) والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سوذرن كاليفورنيا (1964) ثم الدكتوراه من جامعة لندن (1970). وربما كان أكبر إنجار له يتمثل في إنشائه هيئة الصناعات الأساسية السعودية "سابك" عندما كان وزيرا للصناعة والكهرباء من 1975 حتى 1982.

وكوزير للعمل منذ العام 2004، كافح من أجل فتح سوق العمالة، التي كان الأجانب يسيطرون عليها، أمام السعوديين. وعلى طريقته المتميزة، اشتغل "جرسونا" لثلاث ساعات في مطعم للهامبيرغر ليثبت أن بوسع السعوديين العمل في الوظائف التي كانوا يعافونها.

والشعراء العرب يتمتعون عادة بمقام رفيع في مجتمعاتهم. ولكن في العام 2002 نشر القصيبي قصيدته "أنتم الشهداء" في مدح ورثاء الصبية الفلسطينية آية الأخرس التي قامت بعملية انتحارية في "سوبرماركت" في القدس فقتلت اثنين من الإسرائيليين وجرحت 28 آخرين، وتمدح القصيدة "عروس العوالي" التي "تقبّل الموت بابتسامة"، وتهاجم القصيدة أيضا "البيت الأبيض صاحب القلب المليء بالظلام". وكان طبيعيا أن تثير حفيظة الإسرائيليين وقطاع كبير من الرأي العام الغربي، فأعفي من منصبه. وقال البعض إنه تعمد نشر القصيدة لأنه كان يعلم أنها ستعيده الى بلاده حيث يستطيع مواصلة مشواره الإصلاحي.

وقد كتب القصيبي قصائده على الطراز العمودي مستلهما الكثير من أعمال امرئ القيس ولبيد وغيرهم من الشعراء الجاهليين. وحتى أثناء تأدية مهامه الرسمية وزيرا للعمل، حظرت وزارة الإعلام السعودية كتاباته، ولم يرفع هذا الحظر الا قبل شهر من وفاته.

وربما كان أفضل الكتب الستين التي ألفها القصيبي روايته "شقة الحرية" التي ترجمت الى الانكليزية في العام 1996. وتروي هذه الرواية تجربة مجموعة من الطلاب الجامعيين العرب في القاهرة خلال فترة الستينات المضطربة. ورغم أن الرواية كانت تستهدف في ظاهرها الآيديولوجية البعثية، فقد نظر اليها البعض على أنها هجوم مشفّر على غياب الحريات في بلاده.

ولد القصيبي في حفوف شرق السعودية لأسرة من التجار أصحاب الثراء والنفوذ، وتوفيت والدته بعد تسعة أشهر من ولادته فأمضى طفولته متقلبا بين صرامة أبيه وحنان جدته. وكانت لهاتين العلاقتين آثار عميقة في حياته لاحقا، ولذا فقد قال ذات مرة إن السلطة الخالية من الحزم تقود الى اللامسؤولية الخطرة، وإن الحزم المستطير يقود الى قمع أشد خطرا. وربما كانت آراؤه الفلسفية، مثل هذه، هي التي ضمنت له شعبية على نطاق العالم.

* ولد غازي القصيبي في 3 مارس / اذار 1940 وتوفي في 15 أغسطس / اب 2010 تاركا وراءه زوجته وأربعة أبناء وثمانية أحفاد.
08-26-2010, 11:33 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #19
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
لم أتصور أن محاضرة للشيخ محمد بن عثيمين التي تم بثها عبر الهاتف في إحدى قاعات المركز الإسلامي بلندن، وموضوعها عادي، ستكون سببا لقلق السفير غازي القصيبي، رحم الله الاثنين.. اتصل بي القصيبي للمفاهمة حول محاضرة الشيخ، وقال: «لو كنت مكانك ولست مكانك، لنظمت محاضرة ابن عثيمين خارج مقر المركز الإسلامي»، فاجأني عرض القصيبي حتى ولو لم يحمل صيغة الإلزام، وسألته عن السبب خاصة أن الموضوع علمي ووعظي، وابن عثيمين علاوة على علمه المكين يحمل في جسده الضئيل ميزانا إلكترونيا بالغ الدقة في وزن كلامه ومآلات عباراته، رد عليّ القصيبي بأن الاعتراض بطبيعة الحال ليس على ابن عثيمين بذاته، وإنما الخوف أن تنتقل دعوى الاستضافة الهاتفية إلى الطوائف الأخرى، فيطالب الشيعة اللندنيون مثلا باستضافة الخميني هاتفيا، وهذا سيسبب اضطرابا واحتكاكا بين أتباع الطائفتين.

شرحت للقصيبي أن المركز وإن اصطبغ بإسلاميته العالمية لكنه على أرض الواقع وفي عين الجالية الإسلامية محسوب على السنة، وأول من أدرك هذه الحقيقة قيادات الطائفة الشيعية أنفسهم في لندن ولهذا انتبه عقلاؤهم لحساسية الأمر ولم ينظموا حسب علمي منشطا شيعيا واحدا في المركز مع أن هذا من حقهم، طبعا عدا اللقاءات التحاورية التي تجري في ردهات المركز بين الفينة والأخرى، وهذا شأن آخر، قدرت للقصيبي وجهة نظره، لكن الاستضافة الهاتفية في المركز تواصلت مع ابن عثيمين وغيره.

ليست المشكلة كما أسلفت في نشاط سني يقوم في مركز ترتاده أغلبية سنية ساحقة، المشكل هو في العكس، ولعل الذي جرى لجنازة الأديب العراقي هاني الفكيكي في المركز الإسلامي هو الذي أقلق القصيبي خوفا من تكراره مع محاضرة ابن عثيمين الهاتفية، فقد أوصى الفكيكي، وهو شيعي بعثي، بأن يؤم المصلين في جنازته إمام شيعي في مسجد سني وبالتحديد في المركز الإسلامي، رغبة منه في إذابة أسباب الفرقة بين الطائفتين، تدخل عدد من المتوترين وحاولوا منع دخول الجنازة بالقوة وكاد الأمر أن يتحول إلى فتنة لولا تدخل رجال الأمن بالمركز.

أما عبارة القصيبي (لو كنت مكانك ولست مكانك) التي كررها معي في كذا موقف، فهي تمثل أسلوبا إداريا راقيا، مع أنه رحمه الله يملك أن يقول «افعل أو لا تفعل» لو أراد، فالمركز تدعمه دولته بالكامل وعصب الدين في المركز مختلط بلحم السياسة، واستقرار المركز وهدوؤه خط أحمر لا يجوز تجاوزه عند أي سفير للسعودية لدى لندن.

الشأن الإداري عند القصيبي حديث ذو شجون، لكن دعوني أحدثكم عن جانب لافت في تجربتي معه، وهو أسلوبه في تحرير خطاباته، فقد شكوت له ذات مرة أزمة مالية للمركز فاقترح علي أن أتواصل مع عشرة من المحسنين المعروفين في السعودية، فأعددت له صيغة الخطاب مع أني أعرف أنني أجلب الماء لحارة السقايين، أرسلتها إليه مطبوعة بصيغة واحدة إلى هؤلاء العشرة، فردها علي بعدها بيوم أو يومين، فلفت نظري أنه صاغ التوصية بأسلوبه الرشيق وخط كل خطاب من الخطابات العشرة بخط يده الأنيق ملأ به الصفحة كاملة، بل إنه كتب كل خطاب بأسلوب مختلف على حسب شخصية ومكانة المرسل إليه، وليس في رسائله العشر كشط واحد (لدي نسخة منها إن أراد ذوو القصيبي الحصول عليها). دخلت بخطاب القصيبي على ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، فكان المليون جنيه أول قطرة في غيث توصيات القصيبي وآخرها.

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=585520&issueno=11605



109109

طيلة مدة عملي مع غازي القصيبي التي امتدت لأكثر من سبع سنين لم أره متوترا مثل توتره عندما أثار معي موضوع بيان الشيخ ابن باز - عليهما جميعا شآبيب الرحمة - الذي كتبه سماحته حول مقابلة القصيبي مع الـ«نيوزويك» في السبعينات الميلادية، والتي نسب إليه فيها أنه قال: إن الجزيرة لم تر النور منذ 3000 سنة، ومع أني لم أسأله عنها لا تلميحا ولا تصريحا، إلا أن غازي حكى لي في التسعينات ما حدث في نهاية السبعينات وكأن البيان صدر صبيحة لقائي به. قال لي القصيبي إن الذي تولى كبر هذا الموضوع وإبلاغ الشيخ ابن باز بهذه العبارة أحد الإخوان المسلمين في مصر، كان موظفا في وزارته، وإن هذا الرجل كان له تجاوزات في وزارته، فقام غازي بفصله، فجعل بعدها (ومن منطلق ثأري حسب تعبير القصيبي) يبحث وينقب إلى أن عثر على ضالته في قصاصة الـ«نيوزويك»، فأقنع ابن باز فنشر بيانه المعروف، وهذا هو الذي أشار إليه القصيبي في رثائيته لابن باز، قال ما نصه: «كان البعض غفر الله لنا ولهم قد دقوا بين الشيخ وبيني (عطر منشم)، ونقلوا ما نقلوا إليه مشوها محرفا وخارجا عن سياقه». قلت: ويا ليت هذا البعض ما دق هذا العطر الكريه، هي عبارة ندت، أو كلمات فلتت، ربما أخطأ في التعبير، أو خانه اختيار الكلمات، بالتأكيد العبارة مزعجة، لكن من المؤكد، لمن سبر سيرة القصيبي وعاش معه عن قرب، استحالة أن يقصد ظلامية العهد النبوي والعهود التي بعده، وتتأكد هذه الاستحالة بسبب خاصية في غازي أجمع عليها المختلفون معه قبل المتفقين معه، وهي جرأته الشديدة في التعبير عن قناعاته السياسية والفكرية والأدبية وحتى الدينية.

قد يتصور من لا يعرف القصيبي أن هاجس الاختلاف الآيديولوجي مع هذا الموظف «الإخواني» هو سبب فصله، وأنا أشهد أن القصيبي ليس من النوع المسكون بتصنيف الناس في تعامله الوظيفي، أغلب الطاقم الذي عمل مع القصيبي في سفارة لندن من المحافظين، مع أن السفير في الغالب هو الذي ينتقي أو على الأقل يوافق على ترشيح العاملين معه في سفارته. غازي هو الذي رشح كويتب هذه السطور في التسعينات للعمل مديرا للمركز الإسلامي في لندن وأرهقته إجراءات الترشيح التي طالت وتعقدت حتى أن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية قال لي عندما قابلته ذات مرة في لندن: «أنت الذي أشغلنا غازي بسببك؟»، وغازي هو الذي بارك ترشيحي للمدير الحالي الصديق الدكتور أحمد الدبيان، وكلانا خريج جامعة الإمام.

عندما تولى غازي حقيبة الصحة كان سكرتير الوزير رجلا متدينا، بل من النوع الذي يهوى «النهي عن المنكر» هاتفيا عن طريق التواصل المؤدب مع مسؤولي القطاع الخاص والعام، فالنتيجة المنطقية التي قد يصل إليها بعض المختلفين معه هي أن «ليبراليا» مثل غازي لن يتحمل «محافظا» جدا مثل هذا الرجل ولو ليوم واحد، خاصة أنها وظيفة لصيقة به، ومظنة الدخول في أسرار حياته، الذي حدث أن مسؤولا شرعيا كبيرا بمرتبة وزير طلب من القصيبي الإذن بانتقال هذا الموظف إليه، فرفض غازي، وظل هذا الرجل «الناهي عن المنكر» بجانبه حتى ترك غازي وزارة الصحة، يقول لي سكرتيره «المحتسب»: كان غازي في أسفاره دوما يجمعنا في جناحه لصلاة الجماعة، وهو الذي يوقظنا لصلاة الفجر، وكنت حين أرقبه يتوضأ أشفق عليه من كثرة بلل الماء الذي يصيب غترته وثيابه.
09-06-2010, 05:59 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #20
RE: رحيل الكاتب السعودي غازي القصيبي
من كتب الدكتور غازي القصيبي الوداعية كتابه الجميل «الوزير المرافق»، وهو كتاب يستعصي على التأجيل، فإن لامست عيناك بعض سطوره فإنه سيصعب انصرافك عنه قبل بلوغ الصفحة الأخيرة، فهو في هذا الكتاب يرسم بالكلمات صورا وملامح مثيرة لعدد من زعماء العالم، تعرف عليهم خلال عمله الطويل كوزير، ومن هؤلاء الزعماء: عيدي أمين، معمر القذافي، الحبيب بورقيبة، نيكسون، جيمي كارتر، ميتران، هيلموت كول، أنديرا غاندي، وغيرهم.

يصف القصيبي عيدي أمين بأنه غريب الأطوار إلى درجة تقترب من الحمق، وقد كانت غرابة أطواره مصدر إزعاج لأصدقائه قبل أعدائه، ويقول: «الأساطير المقترنة بحياته وتصرفاته تمتزج بالحقيقة على نحو يستحيل معه أن يعرف المرء متى تنتهي الأسطورة وتبدأ الحقيقة»، وينقل القصيبي عن الرئيس حافظ الأسد كيف أن عيدي أمين اقترح على الأسد أن يزوده بحرس خاص من أوغندا جميعهم من الأقزام، وكيف أن حجمهم سوف يساعدهم على تقديم الحماية بطريقة ممتازة، حيث بإمكانهم الاختباء تحت الكرسي الذي يجلس عليه الرئيس أو تحت الطاولة، ثم يظهرون فجأة في الوقت المناسب!

ويصف القصيبي الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون فيقول: «كان نيكسون كما رأيته يختلف عن صورته كما تخيلتها، ربما كان عداء وسائل الإعلام الشهير له هو السبب، كان لونه ورديا ينبض بالصحة، بينما كنت أتصوره ذا لون شاحب رمادي، كان أطول مما تصورت، وأوسم مما تصورت، ويبدو أذكى مما تصورت، حتى أنفه الشهير كان يتعايش مع بقية ملامحه في سلام لم تظهره عدسات المصورين، ولا أقلام رسامي الكاريكاتور»، أما في حديثه عن «ميتران» فيشير إلى أنه لم يلمس فيه أي جاذبية جماهيرية، ولا روح الدعابة، فهو واجم معظم الوقت، متجهم الأسارير، وابتساماته النادرة بلا روح.

ونجده يبدع في رسم صورة سيدة الهند الحديدية أنديرا غاندي، وهو يقارن بين الأصل والصورة، ويقول: «هي في الصورة امرأة قوية الشخصية، متعطشة للقوة، شديدة الدهاء، حديدية الإرادة، قاسية القسمات، لا حد لطموحها أو لعنادها»، أما الأصل الذي شاهدها عليه فيقول عنه: «امرأة في الرابعة والستين، ضئيلة، تتحدث بصوت هامس لا يكاد يسمع، لا يدل شكلها على إرادة عاتية، ولا يوحي مظهرها بأي تعطش للسلطة. لا يملك المرء إلا أن يشعر بالشفقة على هذه المرأة، التي تذكره بأم حانية، وضعتها الظروف موضع القيادة في أمة من سبعمائة مليون من البشر، كلهم يريدون الطعام والمأوى، والتعليم، وطيبات الحياة».

تتأمل كتاب القصيبي «الوزير المرافق»، وتقول لذاتك: كم تختزن ذاكرة الكثيرين من مشاهد، ولكن من يقدر - غير القصيبي - على التصوير؟!

m.diyab@asharqalawsat.com
09-07-2010, 04:49 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  شعاع على مسيرة العمر - الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 2 866 10-20-2012, 03:36 PM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  التفكيكية فى الادب - الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 721 09-22-2012, 01:15 PM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  قراءة في رواية الكاتب الافغاني خالد حسيني...ألف شمس ساطعة youssefy 5 4,304 05-18-2012, 08:20 PM
آخر رد: نيو فريند
  من بيدر العمر - بقلم الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 642 02-22-2012, 08:38 AM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  غراس فى ارض العمر بقلم الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 702 02-08-2012, 09:09 AM
آخر رد: طارق فايز العجاوى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS