العداء للآخر و استبعاده .
(4 من 4 )
الأصولية الإسلامية جعلت من العداء للآخر جزءا من العقيدة الإسلامية ، فهي تصنف الناس إلي أخوة ، و هم من يشاركوننا العقيدة كما نفهمها ، و أعداء وهم من يخالفوننا العقيدة . و يترتب علي ذلك التحالف مع الأخوة كمؤمنين ، وقتال الأعداء ككفرة مارقين ، و هكذا نجد أن تلك الأصولية تستبدل الأخوة الدينية بحق المواطنة ، و بالتي تتناقض تلك الكراهية المقدسة مع جوهر الدولة المدنية الحديثة القائمة علي المواطنة لا الدين ،و لا تعترف سوى بالمساواة الكاملة بين المواطنين . أدي ذلك الطرح الديني العنصري إلي نتائجه الطبيعية بالفعل ؛ و هي الفتن الطائفية وتفكك المجتمعات الإسلامية التي تحوي داخلها أديان أو مذاهب متعددة ، وهي كل المجتمعات الإسلامية تقريبا ، و لدينا أمثلة لا تخطئها عين مثل لبنان و السودان و العراق و اليمن و باكستان و أفغانستان و الأردن و فلسطين و غيرها ، بل هذا التفكك و الفشل يصيب مجتمعات تاريخية عرفت بتماسكها عبر القرون مثل المجتمع المصري ، لا لسبب سوى انفجار سرطان الأصولية الدينية القائمة على الكراهية في جسد و عقل المجتمع .
الثقافة الإسلامية التقليدية لا تعترف بمقياس الخطأ و الصواب و لكن مقياسها هو الكفر و الإيمان ، و هكذا يتحول المخالف من منافس نفترض خطأه كما تذهب الديمقراطيات العلمانية إلي مارق خارج عن الجماعة أو منكر معلوم من الدين ، وهو في الحالتين كافر يستباح دمه . و هكذا يصبح تعدد الآراء إثما لأن الحق لا يتعدد ، و ذلك علي النقيض مما تؤمن به المجتمعات المتحضرة بأن تعدد الآراء و حرية التعبير عنها هو السبيل الوحيد لجلاء ذلك الحق المتوخي !.
كراهية الآخر في الله الذي أصبح متلازمة دينية في الثقافة الإسلامية السائدة هي التي قادت المسلمين إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وهكذا خضع الدين الإسلامي بنصوصه التاريخية المقدسة من قرآن و الأحاديث النبوية للفحص و النقد الدقيقين علي نطاق كوني واسع ، بحثا عن سبب تلك الكراهية المميتة التي يحملها المسلمون للآخر المخالف . كانت النتيجة أن ترسخت قناعة كبيرة بأن هذه الكراهية مصدرها الإسلام ذاته ، و بصرف النظر عن مدي صحة هذه النتيجة ، أصبح علي المسلمين مواجهة ما يرونه في العالم حولهم ، من تدني سمعة المسلمين و الإسلام ،و مظاهر الكراهية ضد المسلمين و دينهم ، هذه المظاهر التي باتت تنفجر في وجوههم بشكل دوري علي امتداد العالم ، غزوا أجنبيا لبلاد عربية و إسلامية ، عقوبات و تحركات دولية ، رسوما دانيماركية و تصريحات سياسية ،و قوانينا ضد النقاب و المآذن ، اعتداءات علي المسلمين تصل إلي القتل ، هذه ليست سوي بدايات الهجوم العالمي المضاد لصد الجهاد الذي شنه الإسلاميون ضد العالم ، فما زال جبل الثلج تحت الماء مغمورا .
أثبتت التجربة التاريخية أن النقد العقلاني الحر هو السبيل الوحيد لتنقية العقائد و تطويرها ، بهذا فقط تصبح العقائد قابلة للحياة في زمن جديد مختلف عن ذلك الزمن الذي أفرزها ، هذا ماحدث للمسيحية الأوروبية نتيجة لإنبثاق عصر التنوير المجيد في أوروبا ، وهذا ما يجب أن يحدث أيضا للإسلام ، حتي يمكن أن يتقدم المسلمون بدلآ من وضعهم المتردي الحالي ، و لكن للأسف فمثل هذا النقد الضروري يبدوا مستحيلآ في ظل الثقافة الأحادية المصمتة التي تعصف بالعقل الإسلامي المعاصر ، فبدلآ من إطلاق مبادرات مسؤولة للقيام بمراجعة عقلانية للعقائد الإسلامية ، يبدي المسلمون غضبا عارما عند نقد دينهم سواء من جانب مسلمين آخرين أو من غير المسلمين . في مواجهة نقد الغربيين للإسلام ظهر اتجاهان ؛ اتجاه شعبي يعبر عن موقفه بالعنف سواء ضد الأقليات المسيحية في الداخل ، أو ضد المجتمعات الغربية ذاتها ، و هناك اتجاه آخر نخبوي يدافع عن الإسلام بشكل مسالم و إن كان لا يخلو من التبرير و العصبية .
إن أخطر مشاكل الإسلام ليست في جموعة الغفيرة الفقيرة الجاهلة ، فهؤلاء موجودون في كل المجتمعات البشرية في مراحل تخلفها ، و لكنها في مثقفيه و نخبه ، فهؤلاء - في معظمهم - لا يقلون تعصبا و انغلاقا عن الجماهير الأمية ، وهم لا يؤدون دورا يذكر في تنوير مجتمعاتهم و تثقيفها ،و لكن معظمهم يتكسب من تبرير التخلف أو تعميمه و تمجيده ، فمعظم ثروات المسلمين تتركز في يد حكام الخليج المتعصبين ، وهؤلاء يوظفون أفضل العقول المتاحة لخدمة أفكارهم المتخلفة و نشرها بين العامة و المتعلمين علي السواء .
بالفحص المدقق يجد الغرب أن الخطاب الإسلامي الراهن يؤكد أسوأ شكوكه ولا ينفيها ، ومما يزيد المشكلة تعقيداً ، هو ذلك التداخل الكبير بين الخطاب الإسلامي الذي يصدر عن المؤسسات الدينية الرسمية في معظم أنحاء العالمين العربي والإسلامي ، وبين الخطاب الذي يصدر عن الجماعات الإسلامية الأصولية ، سواء كانت معتدلة أو متطرفة . بل أن خطاب الصدام بين الحضارات أصبح يشمل تيارات يفترض أنها في الأصل تيارات وافدة من أوروبا ، ومن بينها عناصر من التيار القومي ، بل ومن التيار الماركسي كذلك .
القضية الأولي التي يتطابق فيها رأي المؤسسات الرسمية مع تلك الأصولية تتعلق بالدولة المدنية الدستورية ، فإن الدولة الحديثة لا بد وأن تكون بالضرورة دولة علمانية ، ولكن هناك إجماع معلن أو مضمر بين المؤسسات الدينية الرسمية و الأصولية علي الأخذ بنظرية "الحاكمية" ، أي أن الله وحده هو المشرع ،ودور البشر هو البحث عن الأحكام في النصوص الدينية ،و إعادة إنتاجها خلال ( الفتوي ) ، ومع أن هؤلاء الرسميون المسلمون يزعمون عادة أنهم ديمقراطيون ، إلا أنهم يتجاهلون أن الديمقراطية تعني الحق في أن يشرع الناس لأنفسهم ، بما يوافق زمانهم ، وهو ما يرفضونه .
أما القضية الثانية ، فهي قضية موقف التيار الإسلامي – الرسمي والشعبي – من "حرية العقيدة" فالتيار السائد في الحركة الإسلامية المعاصرة ، يصادر علي هذا الحق ، علي نحو ظاهر ، ويلح غالبا علي تطبيق حد الردة علي الذين يمارسونه ، أو حتي يدافعون عنه ، بل و يقرون حد الردة ( القتل ) علي من يخالف آراء الفقهاء ، كمنكر معلوم من الدين بالضرورة .
هناك البعض من المثقفين الوطنيين ينافحون عن الإسلام و يبدون نوعا من العقلانية ، هؤلاء لا يحاولون تجميل موقف الإسلام من القضايا المثارة ، و لكنهم يحتجون بأن الأديان كلها متعصبة و ممتلئة بالغيبيات و ليس الإسلام فريدا في ذلك ، و كي يبسطوا فكرتهم و يدعمونها ؛ يقتبسون بحماس صادق ، و مهارة ملحوظة نصوصا من اليهودية و المسيحية و الهندوسية و البوذية ، هذه النصوص حافلة بالتلفيقات و المغالطات و الخرافات ، و ينتهون بسؤال يبدوا منصفا :" لماذا لا يوجه النقد سوي للإسلام ، أليس ذلك حرب صليبية جديدة ؟.
هذا الدفع يبدوا براقا و منطقيا ، و لكنه قول حق يراد به باطلآ ، لهذا لا يصمد للنقد طويلآ .. نعم كل الأديان تتساوي في تناقضها مع العقل و الحضارة ، و لكن هل كل الفيروسات علي نفس الدرجة من الخطورة ؟ ، هناك فيروسات نشطة و فتاكة و أخري ضعيفة فقدت خطورتها ، لا تسبب سوي أعراض طفيفة بين الفينة و الأخري . لو نظرنا بشكل عملي سنجد أن كل الأديان الكبري فقدت حيويتها و مضت مخلفة بعضا من الندوب في وجه البشرية ، و ينحسر نفوذها الآن و تأثيرها عن الحياة العامة حتي يكاد يتلاشي ، ولم تعد تلعب سوي دورآ شخصيا و علي مستوي المؤمنين بها فقط ، و هكذا نجد أن كل الشعوب تقريبا تتبني أنظمة الحكم العلمانية ، و لكن يبقي الإسلام هو الإستثناء الوحيد ، فهو ينشط بقوة في المجتمعات الإسلامية ، ليس علي المستوي الفردي فقط ، بل علي المستوي السياسي و الإجتماعي ، فمن بين 57 دولة مسلمة هناك فقط دولتان تتبني نوعا من القيم العلمانية هما تركيا و تونس ، بينما نجد أن الشريعة الإسلامية وهي قانون ديني بدوي المحتوي ظهر من 1450 سنة يجري تطبيقها في 12 دولة علي الأقل ، أما باقي الدول فهي تحاول تطبيق أجزاء من الشريعة بدرجة أو أخري ، هذه المجتمعات المسلمة تستورد بعض القيم الديمقراطية ،و لكنها في الوقت ذاته تسعي للعودة بالمجتمع إلي القرن السابع الميلادي من أجل تطبيق الشريعة ، و لهذا لا نعجب لو لاحظنا أنه مع المد الإسلامي الجديد أصبحت المجتمعات الإسلامية تشغل مؤخرة السلم علي مقياس التنمية .
لا يوجد الآن كثيرون خارج العالم الإسلامي يجادل أن الأصولية الإسلامية هي أخطر الأصوليات المعاصرة و أشدها فتكا ، هذه الخطورة تصيب المسلمين بشكل أساسي ثم العالم كله بعد ذلك ، فلا يوجد دين معاصر يقود المجتمعات و يقرر لها قضايا الحرب و السلام سوي الإسلام ، كما لا توجد جماعات دينية تحمل السلاح و تسعي لقلب أنظمة الحكم المدنية في بلادها بهدف تحويلها إلي أنظمة دينية سوي الميليشيات الجهادية الإسلامية ،ولا يوجد دين يتعاطي السياسية و يمزج كل ما هو ديني بما هو دنيوي سوي الإسلام .
و إلا فمن غير المسلمين يدعي الآن أن .
1- دينه ( الإسلام ) هو الدين الإلهي النقي الوحيد .
2- كل كلمة من ( كتابه ) القرآن هي كلام الله القديم و صادر منه مباشرة لفظآ و معني .
3- أن كتابه ( القرآن ) يشمل كل المعلومات الكونية بما في ذلك المعرفة العلمية الحديثة .
4- أن كتابه المقدس يمتلك الإجابة ( المعتمدة ) لكل المشاكل البشرية .
5- أن الله ألغي كافة الأديان و جعلها مقتصرة علي الإسلام ، و غيره أديان كاذبة و محرفة .
6- من المفروض علي كل إنسان في العالم أن يدخل الإسلام ،و إلا يقتل أو يدفع أمواله و هو صاغر ذليل كنوع من الرحمة !.
7- أن كل أرض لا تتبع المسلمين هي دار حرب ، و تكون هدفا دائما لهجوم المسلمين و عدوانهم .
نقر أيضا أن الإسلام في هذا لا يختلف سوي في القليل مع المسيحية التي حكمت أوروبا من القرن 4 إلي 13 ، أو مع غيرها من الأديان التي حكمت العالم القديم و سعت لتطبيق معتقداتها بالعنف و القسوة ، في تلك العصور كان يسود العالم الظلامية و التعصب و القسوة و الدوجما ، و لكن المشكلة كلها أن الإسلام ( المعاصر ) مازال يحاكي تاريخ العالم الذي انقضي دون أن يبكيه أحد ، هذا التاريخ الذي نصفه بأنه عصر الظلام و القرون الوسطي ، فالإسلام مازال يعيش تلك القرون الظلامية الوسطي حتي الآن ، بينما يتجول الإنسان في الفضاء و يرتاد النجوم .