قصة نجاح السيد موفق خوري: لم تهزمني الصعوبات!
ارسل الى صديق اطبع هذا المقال
الثقافة العربية في إسرائيل كانت مهملة مدة 40 سنة منذ قيام الدولة سنة الـ 48 الى أن توليت منصب رئيس قسم الثقافة العربية عام 1988. هذا ما يقوله السيد موفق خوري رئيس قسم الثقافة العربية ونائب مدير عام وزارة العلوم، الثقافة والرياضة في دولة اسرائيل.
أسس الاستاذ موفق خوري أكثر من 132 جمعية ومؤسسة ثقافية في انحاء البلاد خلال 18 عاما منذ توليه المنصب، وبحسب قوله هو أكثر انسان فلسطيني، قام بطباعة كتب لشعبة فقد أصدر لغاية اليوم أكثر من 800 عنوان للكتّاب العرب في اسرائيل وطبع أكثر من 800 ألف كتاب. وهدفه الأساسي كان تأسيس الناحية الثقافية في الوسط العربي وأن لا يتكل بذلك فقط على السلطات المحلية وهو يقول: "هذا ما يسمى بجنون.. جنون الثقافة".
السيد موفق خوري
ولد موفق رفيق خوري في 1/88/53 في بلدة عبلين وترعرع في عائلة محبة، كبيرة ومتواضعة مكونة من والده رفيق، أمه جوليا
و12 أخ كان موفق أكبرهم. عاشوا في منزل صغير مكون من غرفتين وكان شعار العائلة "العلم والعمل" وهذا سر نجاحهم.
انهى موفق خوري تعليمه الثانوي في مدرسة الريئالي العبرية في حيفا ثم توجه للتعليم الاكاديمي وكان يعمل صباحا ويتعلم بعد الظهر. حصل على اللقب الأول في الأدب العبري والتاريخ وبعدها على اللقب الثاني في التاريخ العبري من جامعة حيفا وهو اليوم على أبواب حصوله شهادة الدكتوراة.
عام 77، تزوج موفق من وردة عفيف عواد من عبلين وهي خريجة دار المعلمين في حيفا وتملك لقب أول في اللغة العربية
ورزقا بسبعة أولاد: 4 شباب و3 بنات.
السيد موفق يقول أنه فخور لكونه العربي الوحيد الذي يشغل منصب نائب مدير الوزارة منذ عام 2002 في دولة اسرائيل منذ قيامها واثناء لقائنا معه لنتعرف أكثر على قصة نجاحه تفاجأنا بقصة حياته المثيرة للاعجاب وباصراره وحماسه الشديدين فبالرغم من انه في السنوات الخمسين من عمره ولكن حماسه اشبه بحماس الشباب في العشرين.. منذ شبابه تغلب على الصعاب التي واجهته وهو يردد دائما: "لا تيأسن اذا كبوتم مرة ان النجاح حليف كل مثابر"
حدثنا عن المشوار الذي قطعته حتى وصلت لهذا المنصب؟
حفظت قاموس المنجد بأكمله في طفولتي
انا موظف منذ 33 سنة، في عمر 19.5 كنت معلم مدرسة ومدير مركز ثقافي في عبلين.. قضيت 9 سنوات ما بين التعليم
وتجارة الخيار، الزيتون والسيارات. بعدها في سنة 81 عندما كان عمري 28 سنة أصبحت مدير مدرسة تحتوي على 710 طلاب و35 معلم ومعلمة. المعلمون كانوا اساتذتي وانا صغير وهم الذين اختاروا ان يكون تلميذهم المدير وأقنعوني بأن أجرب ادارة المدرسة ولو لسنة واحدة. بعدها أصبحت قائم بأعمال رئيس مجلس عبلين من ثم أصبحت رئيسا بالوكالة لمجلس عبلين.
سنة 88، رشحت لأكون سفير لاسرائيل في نيبريا ولكن رئيس الحكومة شمير آنذاك
امتنع عن الموافقة لأني ظهرت في مقابلة صرّحت فيها انني سأعمل على التقارب بين الفلسطينيين في منظمة التحرير والاسرائيليين. وبعدها سنة 88، تم تعيني مساعد لوزير المعارف يتسحاق نافون ومدير قسم الثقافة العربية ولغاية اليوم انا المسؤول عن قسم الثقافة العربية في دولة اسرائيل.
وماذا كانت الأهداف التي وضعتها لنفسك؟
كان هدفي الأول والأهم هو
ان لا أكون "ممسحة" في الوزارة بل أن اوضح أني أكون شريكا في صناعة القرار. قراري الأول كان اقامة مؤسسات وجمع ميزانيات للوسط العربي للمراكز الثقافية. قمت بتوسيع المكتبات العامة وافتتحت مكتبات مدرسية وساعدت الكتّاب المحليين وشجعتهم من خلال منحهم جوائز وطبع كتبهم. وقد الغيت الرقابة بـ 89/8/9 فمنح حرية للمبدعين كانت على سلم أولوياتي.
ما هي أكثر الصعوبات التي واجهتك أثناء عملك؟
قلة الأيدي العاملة وقلة الخبراء.. الدولة خصصت بعض الوظائف للوسط العربي لدخول الحياة الثقافية ولكن الكمية ليست كافية بعد. بالإضافة لعدم اهتمام المسؤولين في السلطات المحلية للناحية الثقافية فلديهم افضلية لامور أخرى مثل بناء شوارع، صيانة وغيرها. وهذا ما أقوله دائما: علينا ان نحافظ على حضارتنا وثقافتنا ولغتنا لان هذا مبدأ ووجود وكيان واذا لم نقم بهذا آخرتنا ستكون الهلاك الثقافي.
كيف تعيش حياتك العائلية في ظل انشغالاتك الكثيرة؟
عائلتي تهمني كثيرا.. في البداية كل اهتمامي كان بأخوتي و اليوم جميع أخواتي وأخوتي تعلموا وتابعوا حياتهم بنجاح. أما في بيتي فانا اعترف ان زوجتي اهتمت باولادنا اكثر مني وسرنا على نفس الشعار الذي ربانا عليه والدي وهو" العلم والعمل".. جميع ابنائي وضعوا التعليم العالي نصب أعينهم فعندي ولدان انهيا دراسة المحاماة والثالث سينهي عن قريب دراسة الهندسة في التخنيون واحدى بناتي حصلت على شهادة الـ BA في المواضيع: علم اجتماع، اللغة العربية والتاريخ وشهادة تدريس وبقية ابناءي في المراحل الثانوية واثنان منهم يفكران بدراسة الطب.
حدثنا عن الصعوبات التي واجهتها على الصعيد الشخصي...
قتل ابي في حادث عام 77 وأمه توفيت حزنا عليه بعد فترة قصيرة... عمري حينها كان 24 سنة وكنت عريسا جديدا ولأني الاخ الاكبر
فتحملت المسؤولية انا وزوجتي ان نربي أخوتي والجيل الجديد القادم في عائلتنا. عائلتي تهمني كثيرا.. وفي الوقت نفسه فأخوتي هم ايصا من خلفي يساندونني ويدفعونني الى الأمام وهذه هي عظمة الحياة.: ان لا نسمح للنكسات ان تقضي عليك فاذا توقفت ستكون هذه مصيبة.. لذا قم "فز" مثل المارد واستمر .. تابع المسيرة رغم كل المصاعب.
ما هو دور والديك في بناء شخصيتك؟
والدي ووالدتي كانا دائما يشجعاني في كل شيء ويقولان لي: "يمكنك وتقدر ان تفعل ذلك.. حاول ولا يوجد شيء صعب.. لا تخاف وكن مثابر".
وانا اطلب من كبار السن أن يهتموا بالاطفال ويجلسوا معهم حتى لو مرة في الاسبوع ولو لنصف ساعة ويحكون لهم قصصا ويسألونهم عن مشاكلهم. وفي بعض الأحيان كلمة واحدة يمكن ان ترفع معناويتهم.
ما رأيك بالجيل اليوم؟
اقضي ساعات الفراغ بالمطالعة، الكتابة والابداع
الجيل الجديد انكشف على اشياء كثيرة خصوصا بدخول الأنترنت والفضائيات في الصورة ولكن الولد والشاب المربى جيدا لا ينجرف وراء هذه المغريات وهذا ينبع من التوجيه البيتي القائم على المحبة . برأيي، تلزم الطلاب دروسا توجيهية وتربوية لفتح اعينهم وهذا سيكون نداءي لوزيرة التعليم وهي صديقة شخصية لي.
انت تمارس الكتابة أيضا...
نعم، كتبت 18 قصة أطفال وقد صدروا عام 99 عن دار الأمين للنشر في القاهرة ووزعت 54 ألف نسخة منه في مصر وكل العالم العربي و54 ألف نسخة في البلاد. وكتبت قصتين بسلسلة لكتب الجيب وعنوانهما: "نبض القلب" و"ملاك من الشرق". لدي كتابان من مجموعة المقالات الخاصة بي في الصحف وكتاب شعر. وكتبت خمس روايات جديدة وهي جاهزة للنشر وستصدر في الفترة القريبة.
كيف يتسع وقتك لكل هذا؟
انا اقضي ساعات الفراغ بالمطالعة، الكتابة والابداع... فعندما اكتب لبضع الساعات في الاسبوع اشعر براحة نفسية عظيمة.
كيف كنت تقضي وقت فراغك وانت صغير؟
اول كتاب دخل بيتنا الذي كان عبارة عن غرفتين كان قاموس المنجد الذي ربحه أبي في مسابقة سحب بقيمة نصف ليرة من دير الراهبات في شفاعمرو. وفي طفولتي أي صفوف رابع- خامس- سادس حفظت المنجد كله. هذا أسس عندي ثروة لغوية قوية ومهمة جدا.
بعدها اصبحت لغتي العبرية رائعة خصوصا ان تخصصي الاكاديمي كان في الأدب العبري والمقارن وقد حصلت على اللقب مع درجة تفوق.. واعتقد ان حبي وتمكني من اللغات هو ايضا موهبة من الله.
وغير حفظ المنجد ماذا كنت تقرأ أيضا؟
لم أكن أفوت قراءة اي صحيفة أو كتاب.. عندما كنت في الصف الثامن كان والدي يحضر لنا الكتب بالشوال من الضفة ومن سوق وادي النسناس وكنت اقرأها. وعندما كنت في الثانوية في مدرسة هريئالي العبرية في حيفا.. كانت هنالك مكتبة قديمة تحتوي كتب كثيرة وقيمة كانت مصادرة من بيوت العرب في الـ 48 .
وهم ارادوا حرق هذه المكتبة والكتب لانها تحتوي على سوس فذهبت ركضا للمدير طالبا ان يمنحوني اياهم بدلا من حرقها، فقال لي انها تحوي سوس فقلت له: "مش مشكلة انا سأزيل السوس وآخذ الكتب".
فنقلت الكتب الى بستان بجانب المدسة بمساعدة
ابناء صفي اليهود بشوالات الخيار ومن ثم نقلتها للبيت بشوالات الخيار.. واذكر حينها ان امي كانت خائفة ان يملأ السوس البيت.. لا يمكنني ان انسى هذه الحادثة... لقد قرأت اغلبية الكتب الذي احضرتها وهذا قوى ثروتي اللغوية كثيرا...
كم تبلغ الميزانية المخصصة لقسم الثقافة العربية ومن أين تحصل عليها؟
غالبية الميزانيات أي حوالي 17-20 مليون شيكل المخصصة للثقافة العربية أحصل عليها من ميزانية الدولة من وزارة العلوم، الثقافة والرياضة. يساعدنا ايضا مفعال هبايس، وزارة الاسكان ووزارات اخرى بالاضافة لتبرعات من جمعيات من خارج البلاد والاتحاد الاوروبي وهنالك أشخاص يتبرعون من الداخل. وهنالك دخل للمؤسسات المدعومة خاص من بيع بطاقات تذاكر أو تبرعات خاصة...
هل الميزانيات التي تمنحها الدولة كافية؟
لا ليست كافية اطلاقا وهنالك أجحاف وتفرقة كبيرة من ناحية الميزانيات. ولكني اتأمل ان يتحسن الوضع بعهد الوزير الجديد أوفير بينس- وزير الثقافة، العلوم والرياضة.
كم الفرق بين الوسط العربي واليهودي اليوم بالنسب؟
الفرق كبير ومن العيب ذكره... هنالك بعض القرى والمدن بها مراكز ثقافية ولكنها لا زالت تنقص الكثير من المناطق وانا أقول دائما: "لا يحك جلدك مثل ظفرك" عليك انت ان تتولى أمرك وعلى الجيل الجديد ان يفكر: "ماذا سأمنح لبلدي ومجتمعي؟" وليس: "ماذا ستمنحني بلدي؟" يجب ان ننمي روح الانتماء لهذه البلاد والمجتمع ونقوي المحبة فهكذا سيعيش كل المجتمع بظروف أفضل... هذا هو ايماني.
كيف تقرر توزيع الميزانيات؟
انا من اكثر الناس الذين يآمنون في السلام
كل عام في شهر 11 و 12 تقدم المؤسسات طلبات هنالك قوانين للدعم في الدولة وهي: ان يكون عمر الجمعية عامين على الأقل، ان تكون فعالة ونشيطة وان تكون فيها ادارة سليمة من مسجل الجمعيات وفيها كل الاوراق المطلوبة.
عندها نفحص فعاليات ونشاطات المؤسسات والجمعيات ونساهم بجزء من ميزانيتها فمن الممنوع ان نمنح أي مؤسسة الميزانية الكاملة.. اكثر ما يمكننا منحه هو بين 70-75% من ميزانية المؤسسة.
بالنسبة للكتب، هنالك ميزانية خاصة بمركز الارشاد بالمكتبات العامة ونصف مليون شيكل لطباعة وشراء كتب و400 ألف شيكل لمركز أدب الأطفال وميزانية للفنون الشعبية وميزانية لقسم المهرجانات وعدد كبير من النشاطات والفعاليات التي افتخر بها.
كيف تقرر أي كتب تطبع؟
من هذه الناحية، عندي مجلس للكتاب يساعدني وهو يتغير كل 3-4 سنوات وهو مكون من 9 أشخاص من ادباء واساتذة. كل الكتب التي تصلهم اما للطباعة او للشراء يقرأونها ويطلعّون على مستوى الكتابة ويقررون اما أم تطبع أو لا تطبع واما ان نشتريها أو لا نشتريها.
وانا اشكر كل الاساتذة، المثقفين، رجال الفكر، الصحافة والعلم واساتذة الجامعات الذين يتطوعون في المجالس واللجان الخاصة في القسم والذين يساعدونني كثيرا ولهم دور مساهم واساسي في نجاح قسم الثقافة العربية الذي لولاه لكان الوضع الثقافي في البلاد ضعيفا.
هنالك البعض يتهمك بانك تدعم بعض الجهات اكثر من غيرها؟
كل انسان ناجح معرض للهجوم من خلال فئة تريد منك اشياء معينة او لا تعجبها بعض الاشياء.. ولكن هذا اعتبره مثل الغبار وفي الهواء يطير ولا أحسب له حساب. انا أعتقد ان الجمهور يعرف حقيقة الانسان بصورة أفضل فلا يوجد قرية أو مدينة طلبت شيء بحق ولم أساعدها..
وان أتلقى يوميا بين 4-5 دعوات من القرى والمدن المختلفة لمهرجات، تخريجات، افتتاحات، ايام دراسية، مؤتمرات واحتفالات... هذا شيء مرهق ولكن فيه لذة..
من معلم وتاجر الى نائب مدير عام وزارة ورئيس قسم... من ساعدك للوصول الى الوزارة؟
انا من اكثر الناس الذين يآمنون في السلام وقد تعرفت ايضا على شمعون بيرس ويوسي بيلين من ناحية حزبية وخلال عملي الثقافي وانا على علاقة طيبة معهما منذ 17 سنة.. والدي كان دائما يقول لنا ان هنالك قوتان في اسرائيل، مثل في امريكا، فاما تكون مع اليمين أو اليسار.. اما الاحزاب الصغيرة فأغلبها عادة تحاول الانضمام لاحد الحزبين الكبار.. فاذا اردت ان تدخل السياسة، ادخل عندهم وقاتل هناك، اما ان تقعد في البيت ولا تتدخل...