" لا يمكن أبدا أن تكونَ علمانياً و مسلماً في آنٍ واحد
إنهم دائما يحذرون و يقولون أن العلمانية في خطر
و أنا أقول نعم إنها في خطر
إذا أرادتْ هذه الأمة معاداة العلمانية فلن يستطيع أحدٌ منعها
إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية الإسلامية
و ذاك ما سيتحقق
إن التمردَ ضد العلمانية سيبدأ " .
مقتطف من خطاب للسيد رجب طيب أردوغان بعد توليه رئاسة بلدية أنقره سنة 1994 .

خطاب السيد أردوغان وحديثه عن العلمانية حرف كثيراً وحمل على غير مقصده ، وهذه طبيعة العلمانيين وخصوصاً في مصر في تحريف ولي عنق الكلام ونزعه من سياقه بشكل يخالف أبسط قواعد العقل والمنطق ، فالرجل تحدث عن التجربة العلمانية في بلاده من منظور تركي ودعى مصر إلى عدم الخوف من العلمانية ودعاهم لمناقشة هذه الفكرة وعدم القلق منها وتجنب الأخطاء التي وقع بها الأتراك في بناء دولتهم ، فالرجل يتحدث عن تجربة تركية ، وفي العادة أحب أن أركز على فلتات اللسان ، فأردوغان قال بأنه ليس علمانياً ولكنه مسلم ولكن الدولة علمانية ، أي أن الرجل يفرق بين العلمانية والمسلمين أو بين العلمانية والإسلام وبذلك مبدأ علماني مسلم أو ليبرالي مسلم ليس موجوداً في قاموسه مطلقاً ، هذه جملة من الممكن أن تولجنا إلى فكر الرجل وماذا يريد .

أحب أن أنوه أيضاً بأن الأحزاب العلمانية في تركيا تتهم حزب العدالة بقيادة نشاطات سرية لأسلمة البلاد وتعيين قيادات وفية له في مفاصل الدولة تخرجوا من مدارس تأهيل الأئمة ، وهذا ما تحدثت عنه المحكمة التركية " وفي 30 يوليو 2008 حكمت المحكمة الدستورية في تركيا برفضها بأغلبية ضئيلة دعوي باغلاق حزب العدالة والتنمية بتهمة "انه يقود البلاد بعيدا عن نظامها العلماني نحو أسلمة المجتمع"، إلا أن المحكمة رغم قرارها وجهت رسالة تحذير إلى الحزب وذلك بفرض عقوبات مالية كبيرة عليه عبر حرمانه من نصف مايحصل عليه من تمويل من الخزانة العامة التركية " ، وهذا الأمر تحدث عنه داوود أغلو وزير الخارجية التركي في تحليله لتجربة بديع الدين النورسي " رغم جميع الأزمات السياسية، والإقتصادية، والثقافية فإن العالم الإسلامي على عتبة حضارة جديدة. في هذه المرحلة الجديدة والصعبة، حتى الأعداء قدموا احترامهم لنداءات بديع الزمان الذي عاش وشعر كشخصية نموذجية عاشت جميع صفحات العالم الإسلامي طيلة قرن، وإننا الآن بحاجة إلى منهجه العزيز وصوته القوى الذي يقول: “نعم، كونوا على أمل، إنّ أعظم صوت داوٍ في انقلابات المستقبل هو الإسلام الهادر. "

هناك خلط عند العالمانيين - على رأي الأخ خالد - في التعامل مع العلمانية ومع النظرة الإسلامية للدولة ، مع وجود خلل عند بعض التيارات الإسلامية في معالجة هذا الموضوع ، فنحن لا نحكم على الدول من خلال ما تعلنه هي أو من خلال الهوية التي تتحدث عنها ، بل من خلال القيم التي تتبناها وتتعامل معها ، فالسعودية نظام مكروه عند أغلب الإسلاميين رغم أن النظام يعلن بصريح العبارة الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع في البلاد ، كما أن الأنظمة العربية جلها أنظمة علمانية ولكنها مكروهة عند الجميع سواء كانوا إسلاميين أم علمانيين ، فالدولة قد تكون إسلامية وتتبنى النظام الإسلامي قلباً وقالباً ولكنها قد تحمل من القيم الأخلاقية والإنسانية أكثر مما تحمله أي دولة علمانية أخرى ، فالإسلام يتلاقى مع الكثير من الأفكار المعروضة على الساحة يتلاقى مع الإشتراكية في كثير من القيم ويتلاقى مع العلمانية ويتلاقى مع الرأسمالية ويتلاقى مع الديمقراطية ، ولكن في النهاية له شخصيته المستقلة ، كما هو حاله مع الجاهلية فرغم أنه جاء إنقلاباً عليها ومواجهة لها ولظلمها إلا أنه لم ينفيها بالمطلق بل شدد على ضرورة الحفاظ على القيم الإيجابية من نصرة للضعيف وشجاعة وغيرها .

بالمناسبة ليست العلمانية الأتاتوركية هي من أنجبت أردوغان ، بل الإسلام ومدارس الأئمة ومدارس العلم الشرعي وحلقات الإسلام السياسي ومرافقة المجاهد نجم الدين أربكان هي التي صاغت وصنعت شخصية رجب طيب وهي التي صنعت عبد الله غول ، فتجاربنا تراكمية يا سادة ، وأظنكم تعلمتم من التجربة - وإن لم تتعلموا ستتعلموا في النهاية - بأننا لا نكل ولا نمل ، ومشاريعنا مترابطة زماناً ومكاناً ، وكل حلقة ترتبط بأختها ، فكما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدأ بالتدرج لتغيير النظام في شبه الجزيرة العربية - لينتهي الأمر بالإسلام دولة تدين لها الأمم والشعوب من المشرق للمغرب ومن الشمال إلى الجنوب - وكما أن رد الحروب الصليبية ودحرها بدأها بطل لا يعرف به أحد إسمه فخر الدين مودود ومروراً بعماد الدين ونور الدين ليأتي صلاح الدين وركن الدين ليقتطفوا الثمرة بعدما نضجت وتوافرت الظروف لإنتاج هؤلاء القادة ، فهذا هو المشروع الإسلامي في العالم العربي وفي تركيا خصوصاً بعد سقوط الخلافة ، مشروع بدأه بديع الزمان النورسي وأكمله النجم اربكان ولن ينتهي برجب طيب إن شاء الله .