عمّا يحدث في سوريا الآن
فوضى العصابة: بين الشبّيحة و النبّيحة
مقيم الحداد
26/07/2011
الرابط الدائم:
http://www.jidar.net/node/9476
في "فيضان" الجرائم التي ترتكبها منظومة العصابات التابعة لحكم الأسد في سوريا، يرى كثيرون أنفسهم غير قادرين على تفسير ما يحدث في سوريا ، و توضيحاً سأبين النقاط التالية:
حتى تستطيع وصف ظاهرة ، فيزيائية أو اجتماعية، فإنها يجب أن تكون " منتظمة" بمعنى أن يتحقق فيها تكرار من نوع ما.. و في الحالة السورية فإن درجة كبيرة من التشويش المتعمد تخلقه " منظومة العصابة" – و لا أقول النظام – و هذا التشويش مهمته حجب الحقائق و إيقاع المهتمين و المتابعين في شرك من فوضى المعلومات .و هذه أمثلة :
- في بداية الأحداث قتل بعض المتظاهرين و المعتصمين و تحدثت الرواية الرسمية عن " مطالب محقة "
و عن " عصابات " و ميزت درعا بكونها حدودية و هكذا اندمجت النتيجتان الطبيعيتان لهذين القطبين " تلبية المطالب " و قتل العصابات " غير أن أهل درعا كانوا يعرفون شيئاً غير هذا فاستمروا في المظاهرات .ذلك أنهم يعرفون أولئك القتلى : إنهم النجار فلان ، و الدكتور فلان ، و جارة فلانة ، و ابن فلان ...إلخ و هؤلاء كلهم ليسوا عصابات مسلحة.
- ينقطع الهاتف عن درعا – المدينة ،لكنه لا يبقى في القرى ، ثم ينقطع عن بعض الحارات و ليس كلها ، أو ينقطع الهاتف الأرضي و يبقى الموبايل ...و هذه الاختلافات تتيح هامشاً كبيراً لنبيحة المنظومة تتحرك فيه بحيث يقولون على الفضائيات إن الهواتف غير مقطوعة ،بينما تكون كذلك ..و لقد سمعت – باستعمال بطارية محمولي و كرت ديجيتال – أحد هؤلاء ينكر انقطاع الكهرباء و الماء بينما كانت كذلك فعلا ..و صدقوني إن شعور الغيظ في تلك الحالة لا يوصف.
- كثرت تساؤلات المراقبين من السوريين و غيرهم : الذين يقتلون هم الناس !!! فأجابت " المنظومة " – في بداية الأسبوع الثالث بقتل رجال الأمن و الجيش و أخذت – كعادتها – في إلباس الأمر شكلاً رومانسياً من اهتمامها بجنازات الضباط و الجنود، و مع كل جنازة أغنية حماسية أو ناعمة ، مع إخراج مسلسل كامل عن رش الورد و العطر ..فتشوش أهل هؤلاء على الأقل – إن لم نقل غيرهم أيضاً – إذ " لا يعقل أن تقتل الدولة " جيشها " !! و الرد ببساطة إن الدول لا تقتل مدنييها أيضاً ، و من جهة أخرى فنحن هنا لا نقول إن هؤلاء يمثلون دولة ..و الأهم :" نعم إنهم يقتلون الجميع ما دام هذا قد يفيد في تحييد أية فئة من الناس عن التظاهر أو التعاطف مع المتظاهرين".
- ظهرت "المقابر الجماعية في درعا" فظهرت مقابر في إدلب ، و ظهرت المسيرات المؤيدة ..و الأعلام و هذا رد " حواري " من المنظومة مفاده " إذا أخرجتم مقبرة جماعية فسنخرج عشرة " و إذا أخرجتم تظاهرة في حارة فسنخرج مسيرة مؤيدة في ساحة ...إلخ. و نسي النظام أنه كان يقول على لسان " سحاليه " و " ضفادعه " إن " العصابات المسلحة" كانت تقتل و تمثل بالجثث من أجل اتهام النظام بها ..فلماذا تقوم العصابات بدفنها و تخفيها ؟ أليس المفروض أن لا تدفن حتى تنتشر صورها من أجل أن " تسوء صورة هذا النظام "..؟
- محاولة " المنظومة " لإعطاء طابع طائفي لم ينجح في درعا – ببساطة لأن درعا ليست بذلك التعقيد الطائفي الذي يسمح بظهور ذلك ، عدا عما عرف عن أهل درعا من احترام لديانات الآخرين منذ أول احتكاك بين الغساسنة و المسلمين . و نظافة هذا المظهر لم تسمح لهم باستعمال " الموضوع الطائفي" في البداية غير أنهم تذكروا فيما بعد أن هناك مساكن للضباط تنتشر حول درعا فماذا فعلوا ؟
- كثيرون سألوا أنفسهم فعلاً : لماذا مات حمزة الخطيب و رفاقه " قرب مساكن صيدا " ؟ و هذا سؤال حق موه عليه أمثال " الصرصور بسام " و غيره ..الجواب إن مساكن صيدا تلاصق الطريق الواصل بين القرى الشرقية في محافظة درعا و بين مركز المدينة ..و عندما انفعل شباب القرى الشرقية و هبوا للذهاب إلى درعا للتعبير عن تضامنهم وصلت معلومات إلى قوات الشبيحة بانطلاق هؤلاء فنقلوا الحاجز الذي كان في آخر مدينة "النعيمة" من جهة درعا إلى آخر مدينة صيدا التي تقع معها على الطريق نفسه أي بضع مئات من الأمتار على الشارع نفسه ..و مساكن صيدا تقع على هذا الطريق تماما و باب المساكن مفتوح على الشارع و هناك في ذلك المكان نصب كمين للقادمين من القرى الشرقية و بدأ إطلاق النار فقتل من قتل و حاول الباقون الهرب : فمن هرب إلى الخلف رجوعاً نجا، و من هرب إلى اليسار وجد أمامه سلكاً شائكاً أعدوه ليصيدوا أكبر عدد من الشباب ، و من هرب يساراً قتل ( على باب المساكن ) و بعضهم دخل قبوا إلى جانب الطريق فقتل من النوافذ و الباب ، و من ألقي عليه القبض عاد إلى أهله ميتاً معذباً و من هؤلاء كان " حمزة الخطيب " و ثامر و غيرهما...
إذن فإن من لا يعرف المكان سيخطر له : " ماذا كان يفعل هؤلاء عند المساكن ؟" و على هذا اعتمد النظام ..و جوابه حسب ما أوضحنا أعلاه ..لقد كانوا مارين في طريقهم إلى درعا فوجدوا الكمين في ذلك المكان بالذات .
- يعتمد النظام على صمت شبه كلي ، و يعتمد على أشخاص هم بحق كما سماهم البعض " شبيحة الإعلام " أشخاص يعرف السوريون نمطهم النفسي المنافق و ربما عرفهم العالم الآن ..و هؤلاء ينثرون كل أنواع الكلام بحيث لا تستطيع الخروج معهم بنتيجة : فهم يقولون كل شئ : هناك متظاهرون ، و هناك عصابات و هناك سلفيون و هناك و هناك ..إلخ ..و هؤلاء كان يفترض أن تنتهي مهمتهم حال القضاء على المتظاهرين من الشعب السوري فيخرج شخص " رسمي " آنذاك ..ليقول الشئ الأخير " حدث كذا و استطاعت قواتنا كذا ..القضاء على المؤامرة " و ينسى الناس التفاصيل الكاذبة الأخرى التي كان " شبيحة الإعلام " قد روجوها بكل تناقضاتها ، و تمضي الحياة كما كانت من قبل.
- ببساطة يحاول هؤلاء الإيحاء بأن من يطلب الخبز و المازوت فهو متظاهر سلمي ، و من يطلب حقوقاً أخرى فهو عصابة " و عليكم أيها السوريون أن تفهموا هذا "!
- أغبياء الفضائيات السورية يطالبون الفضائيات الأخرى بإظهار جنازات شهداء الجيش ،ما داموا حريصين على الموضوعية و لا ينتبهون إلى أن تلفزيوناتهم لا تظهر صور المدنيين – الذين يعترفون بسقوطهم هم أنفسهم!!! -
- و هكذا يقتل الأحرار في الشوارع، و المثقفون في الأقبية و يهاجر من يهاجر و لا يبقى إلى المستضعفون تماماً و المنافقون و الوصوليون ..و هؤلاء هم من سيستمر في الممانعة و المقاومة!! فتذكر قول الماغوط " لن تحرروا شبراً واحداً دون تحرير الإنسان " – هؤلاء يقتلون كل حر ..فمن سيحرر إذا ؟
- و على سيرة المقاومة و الممانعة فإن الأمر باختصار هو إن المشروع الأميركي يعادي المشروع الإيراني و النظام السوري يريد تمرير المشروع الإيراني ..أما السوريون فلا يريدون كلا المشروعين ..بل يريدون مشروعهم الوطني الخاص بينما ليس لدى النظام مشروع وطني.و هذا يذكر بقول شاعر ياباني مجهول :" ماذا ينفع التصدي للضبع من الباب الأمامي ، إذا كان الذئب ينسل من الباب الخلفي".
- أخيراً ، قال " زياد الرحباني " : " لحتى تعمل ثورة عالنظام لازم بالأول يكون هناك نظام "!! و بما هذا الذي في سوريا عصابة و ليس نظاماً فهذا ما يجعل الأمر صعباً على السوريين ..و لذلك يموت شباب كالورد ، أحرار كالهواء ..على الطرقات على أيدي عصابة لا تعرف غير أنها تريد البقاء في مشاريعها الخاصة ، و مكاسبها.
على كل حال هذه مجرد بضعة أمثلة فالعصابة و أعوانها يكذبون ملايين الكذبات في كل لحظة..بحيث صار صعباً أن يتابعها المرء ، أو يحصيها ، و جل ما يمكن قوله هو : نعم ..هؤلاء هم من يقتلون الناس و يعذبونهم و يحتجزون حرياتهم،و يهجرونهم ، و هم يقتلون كل ما يقف مع الحرية و الناس و الحياة.