أهلاً الراعي، شكراً لنقل المقال الذي يؤكد على الواقع فعلاً.
أهلاً وحيد، سأحاول العودة لطرح ملاحظات أخرى لاحقاً.
ولكني أحيل حالياً لهذا المقال الذي يفيد في رؤية الوضع في سوريا وتداعيات سياسة العنف وعنجهية القوة من قبل النظام:
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=151013
(يُفضل قراءة الموضوع على موقع سيريا نيوز)
قصّة الزوايا العشر للأزمة السوريّة...(5-10)... بقلم: إياد الجعفري
مقالات واراء
شارك
"سيناريو الحرب الأهلية"...سوريا في الطريق إليها
يشكّل توصيف الحرب الأهلية واحداً من أكثر القضايا إثارة للجدل، ليس فقط بين الساسة الذين عادة ما يرتبط توصيفهم لمشهد ما بأجندات ومصالح محددة، لا بل أيضاً في أوساط المختصين في بعض مجالات العلوم الإنسانية التي تتطرق لتوصيف الحرب الأهلية، الأمر الذي يزيد من إشكالية الاتفاق على معايير محددة تسمح بتوصيف تطورات ميدانية في بلد ما بأنها حرب أهلية. والمفارقة أن الخلاف حول تداعيات الحرب الأهلية في بلدٍ ما، محدود للغاية، مقارنة بالخلاف الواسع حول توصيف الحرب الأهلية ذاتها.
سورية في حرب أهلية...في أدبيات القانون الدولي
نبدأ بالأدبيات الأكثر شيوعاً في القانون الدولي والتي يمكن أن نقول بوضوح وصراحة أنها تجعل من المشهد السوري الراهن حرباً أهلية كاملة المواصفات.
فالحرب الأهلية في كتابات القانونيين الدوليين هي حرب داخل حدود دولة واحدة، إما بين أفراد جماعة ما وبين الدولة، أو بين أفراد جماعات متناحرة، أو بين قوات الدولة وقوات متمردة عليها في حالة من حالات العصيان. وعادة ما يكون أحد أطراف الحرب الأهلية حكومة ذات سيادة كانت تمتّع بالسيطرة التامة على إقليم دولتها قبل بدء النزاع المسلّح.
يمكن أن نلحظ بسهولة أن اعتماد توصيف القانون الدولي للحرب الأهلية يجعل الحالة السورية الراهنة حرباً أهلية بصورة واضحة، وهو ما يفسّر اعتماد عدد من المنظمات الدولية –منها الصليب الأحمر- توصيف الحرب الأهلية للحالة السورية بصورة مباشرة في الأسابيع الأخيرة.
تعدّد في التعريفات...واختلاف في المعايير
إن انتقلنا إلى حقلي التاريخ والسياسة، سنجد اختلافاً واضحاً بين فقهاء هذين الاختصاصين في توصيف الحرب الأهلية، وفي هذا السياق قد يكون من المفيد استعراض بعض التعريفات الأكثر شيوعاً للحرب الأهلية بين فقهاء التاريخ والسياسة، والتدقيق على نقاط الخلاف بينها، وإسقاط هذه التعريفات على الحالة السورية:
*
معيار العنف الداخلي: وبناءً عليه تعرّف الحرب الأهلية بأنها حرب بين مجموعات داخل الدولة نفسها من أجل تحقيق الاستقلال لمنطقة من الدولة أو لتغيير السياسات الحكومية أو للإطاحة بالحكم.
وهذا التعريف بعموميته هذه، يرفضه الكثير من المختصين في التاريخ والسياسة نظراً لكونه يتجاهل ظاهرة الثورة التي قد تأخذ أحياناً مساراً عنفيّاً لتغيير سياسات الحكومة أو للإطاحة بها، ويفرّق منتقدو هذا التعريف بين الثورة والحرب الأهلية.
*
معيار الصراع الإثني أو الديني: وبناءً عليه تعرّف الحرب الأهلية بأنها صراع داخلي تقوم به جماعات على أسس أثنية أو دينية –مذهبية أو آيدلوجية، من أجل تغيير بعض السياسات الحكومية أو الإطاحة بنظام الحكم، أو الحصول على الحكم الذاتي لمنطقة معينة، أو الانفصال عن الدولة.
وقد يكون هذا التعريف من أكثر التعريفات شيوعاً وتقبّلاً في أوساط المتخصصين في التاريخ والسياسة، فاعتماد المعيار الإثني أو الديني – المذهبي أو الآيدلوجي، هو الأكثر شيوعاً في هذا المجال، وهو معيار يجعل الكثير من المراقبين الغربيين يصنّف المشهد في سوريا على أنه حرب أهلية، باعتبار أنه صراع بين أكثريّة سنيّة وأقليّة علويّة. لكن منتقدي هذا التوصيف يذكّرون بأن كثيراً من المصطفين مع نظام الأسد هم من السنّة، بل أن بعضاً من عتاة قادة الأمن والجيش الموالين للأسد، هم من أبناء الأكثرية السنيّة، ويمكن لحظ ذلك في حال استعراض أبرز قادة الجيش والأجهزة الأمنيّة، كما أن عدداً من رموز المعارضة للنظام هم من غير السنّة، وبعضهم من العلويين والمسيحيين، الأمر الذي يخلق نقطة ضعف واضحة في إمكانية اعتماد المعيار الديني – المذهبي في توصيف المشهد في سورية، رغم حالة التعبئة النفسية السائدة من جانب بعض الجهات الإعلامية ذات الخلفية الدينية المذهبية التي تعتمد هذا التوصيف بصورة علنيّة.
*
معيار المناطق المعزولة: وبناءً على هذا المعيار تعرّف الحرب الأهلية بأنها عنف مسلّح منظّم، يتم تنفيذ عمليات العنف خلاله انطلاقاً من مناطق معينة باتجاه مناطق أخرى، بحيث تمثّل بعض المناطق قواعد عسكريّة لكل طرف.
وهذه النقطة بالذات يصرّ عليها بعض خبراء السياسة تحديداً، فتوصيف الحرب الأهلية لا يكتمل إن لم تكن هناك مناطق معزولة لكل طرف، يتمتع فيها بمقومات السيطرة، وينطلق منها لتنفيذ عملياته ضد الطرف الآخر، وذلك لم يتحقق بعد في سورية بصورة واضحة، إذ لا يمكن لنا أن نقول أن المناطق التي تعلن المعارضة المسلحة تحريرها، هي خاضعة تماماً لسيطرة المعارضة وبعيدة عن ضربات النظام، إذ لم تستطع المعارضة المسلحة حتى الساعة أن تشكّل منطقة بعيدة تماماً عن ضربات النظام، تؤمّن لها إمكانية التنظيم الآمن وترتيب الصفوف بعيداً عن ضربات سلاح جو النظام، وإن كان هذا التطور بدأ يلوح في الأفق بعد التطورات الميدانية الأخيرة في شمال وشرق سوريا، لكنه لم يكتمل بعد، الأمر الذي يجعل توصيف الحرب الأهلية منقوصاً، بينما توصيف الثورة أكثر ترجيحاً.
*
معيار العنف الأهلي: وبناءً على هذا المعيار تعرّف الحرب الأهلية بأنها عنف أهلي في سياق حرب متكاملة الأركان، الهدف منها ممارسة السلطة، أو الاستيلاء عليها، يحدث داخل أراضي الدولة ذاتها، يتضمن مشاركة شعبية لقطاعات من الأهالي والمدنيين.
وفي حال إسقاط هذا التوصيف على الحالة السورية الراهنة، فإنه قد يحظى بالكثير من النقد، ذلك أن تجربة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) هي الأمثل للانسياق وفق هذا التوصيف، حيث كان الاقتتال أساساً بين ميليشيات مسلحة لجماعات على أسس آيدلوجية (سياسية) ودينية بمشاركة شعبية – أهلية واسعة، أما في الحالة السورية الراهنة، فالاقتتال يتضمن طرفين، الأول حكومي لا يمكن توصيفه بالميليشيا، وإن التحق به بعض المدنيين لأسباب مذهبية أو مصلحية، أما الطرف الثاني فهو متمرّد على نظام حاكم، يوجّه عنفه في معظم الحالات ضد أجهزة القسر الحكومية من أمن وجيش، وليس ضد قطاعات أهلية أخرى، إلا في حالات محدودة لا يمكن تعميمها على كامل المشهد السوري، مما يجعل توصيف العنف الأهلي أضيق بكثير من المشهد السوري الراهن.
ليست حرب أهلية...لكنها الطريق إليها
بناءً على ما سبق، وإن استثنينا تعريف القانون الدولي للحرب الأهلية، والذي يتمتع بعموميّة عاليّة، يمكن لنا أن نلحظ أن توصيف الحرب الأهلية في معظم تعريفاته السابقة لا ينطبق على الحالة السورية الراهنة، وإن كانت الأخيرة تتضمن الكثير من عناصر الحرب الأهلية لكنها لا تمتلك كل عناصرها، وإن كانت تتضمن بعض العناصر التي قد تتطور لتجعل من توصيف الحرب الأهلية أكثر اتساقاً مع المشهد السوري، بمعنى أننا لسنا اليوم في حرب أهلية، لكننا قد نكون في الطريق إليها.
عند هذه النقطة قد ينتقد الكثير استنتاجنا آنف الذكر باعتباره لم يعتمد على ما يكفي من الجدل العلمي، لذلك سنستفيض أكثر في توصيف الحرب الأهلية وإسقاطاتها على الحالة السورية الراهنة معتمدين على عدد من الدراسات في هذا المجال.
جذور الحرب الأهلية
قد يكون من أندر الكتب المختصة في المكتبة العربية بهذا الخصوص كتاب "جذور الحرب الأهلية (لبنان-قبرص-الصومال-البوسنة)" للكاتب اللبناني فريدريك معتوق، الذي حاول دراسة أربع حالات للحروب الأهلية في دول العالم الثالث في القرن العشرين، بغية استنتاج جملة قواعد مشتركة يمكن الاعتماد عليها في التنبؤ باحتمالات الحرب الأهلية وتوصيفها وتداعياتها.
وعبر مراجعة هذا الكتاب يمكن ملاحظة جملة نقاط مثيرة للاهتمام:
*
يشير فريدريك معتوق إلى أن "تحديد الجغرافيا الآمنة أو المعادية للمتحاربين الأهليين" هي من ثوابت الحروب الأهلية، بمعنى أن الأطراف المتحاربة إن لم تكون تحظى بمناطق معزولة آمنة لكل منها، فإن توصيف الحرب الأهلية يصبح منقوصاً، وهنا نعيد التذكير بما سبق وأشرنا إليه، بأن عنصر المناطق المعزولة لم يتحقق بعد في الحالة السورية الراهنة، لكنه قد يكون تطوراً مرتقباً بفعل ما يحدث ميدانياً في شمال وشرق سوريا حالياً، وفي حال تحقّق فهذا يعني أننا بتنا أمام عنصر مكتمل من عناصر الحرب الأهلية.
*
جانب آخر هام يشير إليه الكاتب اللبناني مفاده وجود حالة سيكولوجية مجتمعية ترافق انطلاقة الحرب الأهلية وتطورها، وهي نيّة القطيعة مع الطرف الآخر، بمعنى أن أطراف الحرب الأهلية تكون في حالة من الرغبة في الانفصال عن بعضها، وهو عنصر غير موجود بوضوح في الحالة السورية الراهنة، إلا إن أردنا أن نعتمد بعض التسريبات التي تتحدث عن ترتيبات لإنشاء "دويلة علوية" في الساحل السوري، أو ما يدور من حديث عن مساعي لأطراف كردية لترسيخ أمر واقع مفاده انفصال شمال شرق سوريا عن البلاد، وهما قضيتان تتطلبان نقاشاً منفصلاً سنتناوله في سيناريو تقسيم سوريا لاحقاً، لكن يمكن الإشارة إلى أن هذا العنصر غير مكتمل لأن طروحات الانفصال غير مستساغة من معظم الأطراف، وليست شعارات مرفوعة لأحد حتى الساعة.
*
يشير معتوق إلى حيز هام مفاده أن الحروب الأهلية في العالم الثالث عادة ما تندلع في الدول الاستبدادية أو في دول الديمقراطيات الهشّة.
*
كما ويشير إلى أن قادة الحروب الأهلية في العالم الثالث عادة ما يتحولون إلى دمى بيد القوى الأجنبية، عكس قادة الحروب الأهلية في العالم الغربي، والذين عادة ما يرفضون التورّط بأي ارتباطات أجنبية.
*
لا تنتهي الحروب الأهلية في العالم الثالث عادة إلا باتفاقات هشّة، أو بتقسيم دائم.
إن استنتاجات فريدريك معتوق المبنية على تجارب أربع حروب أهلية في العالم الثالث، تثير مخاوف من مستقبل التطورات الميدانية في سورية. وإن كان عنصرا الحرب الأهلية المذكورين في كتابه لا ينسجمان تماماً مع المشهد السوري اليوم، إلا أن المخاوف، كما سبق وذكرنا، قائمة، من أننا قد نكون في الطريق نحو اكتمال عناصر الحرب الأهلية، التي في حال دخلنا في أجوائها، فإن النتائج ستكون، حسب كتاب معتوق، تلاعب أجنبي طويل الأمد، وخاتمة تخيّرنا بين اتفاقات هشّة تجعل سوريا، كلبنان اليوم، دوماً برميل بارود معرّض للانفجار مرة أخرى، وبين تقسيم دائم للخارطة السورية.
قراءة من القراءات...النظام يعدّ لحرب أهلية
قد تكون إحدى نقاط الاتفاق النادرة بين النظام والمعارضة، هي اتفاق الطرفين على رفض توصيف الحرب الأهلية للمشهد السوري الراهن.
من جانب النظام، قد يعني ذلك أنه لم يعد الممثل الشرعي لسوريا في المحافل الإقليمية والدولية، وأن قواته النظامية باتت في نظر الرأي العام الدولي ميليشيا مسلحة، مما يفقده حق احتكار استخدام القوة.
من جانب المعارضة، قد يعني ذلك فقدانها تعاطف الرأي العام الدولي معها باعتبارها ضحيّة، والأخطر من ذلك تحميل المعارضة المسلحة مسؤوليات الأمن وإدارة الخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مقابل إزالة هذه المسؤولية عن كاهل النظام في المنظور الدولي.
لكن في مقابل الرفض الواضح للنظام والمعارضة لتوصيف الحرب الأهلية، تتداول أوساط إعلامية وبحثية عديدة قراءة تتبناها الكثير من أطياف المعارضة السورية، مفادها أن النظام الحاكم ينحو بالبلاد، بملء إرادته، وبكامل وعيه، نحو حرب أهلية، لأنه بات على قناعة بأنه في الطريق لفقدان السلطة، لذا فهو يفضّل إدخال البلاد في فوضى عارمة تفضي نهاية إلى الانفصال بالساحل في "دويلة علوية".
وفي دراسة بعنوان "تداعيات الأزمة السورية...من انتفاضة شعبية إلى ثورة مسلحة"، أعدّها المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات في مطلع تموز الجاري، يعدّد معدّو الدراسة جملة من الترتيبات والإجراءات المدروسة التي اعتمدها النظام السوري بغية ربط مصير الطائفة العلوية بمصير الأسرة الحاكمة، وممارسة عنف مفرط بحق الأكثرية السنيّة، مع تشجيع لحالات الهجرة الداخلية، وتعزيز حالة الانقسام العامودي، وتهديد التركيبة السكانية لسوريا عبر وضع الطائفة العلوية في مواجهة تداعيات العنف المفرط حيال الأكثرية السنيّة بغية جرّ المجتمع الدولي إلى وضعيّة يصبح فيها مجبراً على القبول بقيام "دويلة" في الساحل السوري تقي العلويين مخاطر الانتقام من جانب الأكثرية السنيّة.
ورغم أن هذه القراءة تتضمن الكثير من الجوانب الواقعية في المشهد السوري، إلا أنها تتجاهل جملة قضايا أهمها أن النظام حتى الساعة لم يبدي قناعة بأنه بات عاجزاً عن إحكام السيطرة على كامل التراب السوري، رغم التطورات الميدانية الأخيرة في دمشق وحلب وشمال وشرق سوريا، والأهم من ذلك اعتماده الملحوظ حتى اللحظة على عدد من القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية غير المنتمية للطائفة العلوية، كما أنه لم يسحب قواته نخبته ونواته العسكرية الصلبة من حرس جمهوري وفرقة رابعة باتجاه الساحل، بل على العكس أبدى تمسكاً ملحوظاً بالعاصمة، إلى جانب أن هذه القراءة تذهب بنا باتجاه سيناريو التقسيم الذي أعتقد أنه يحوي الكثير من التهويل، وهو ما سيخضع لنقاش مفصّل في مقال آخر، بإذن الله.
سورية في الطريق إلى حرب أهلية...في توصيفات مراقبين غربيين
المراقبون في الغرب على ما يبدو يرتاحون تماماً لتوصيف الحرب الأهلية، ويظهر ذلك بصورة واضحة في تقرير أعدّه خبير عسكري أمريكي لصالح "معهد دراسة الحرب" الأمريكي نهايات حزيران الماضي، أثار الكثير من الجدل والمتابعة.
طلب التقرير الأمريكي من "المجتمع الدولي أن يستعد لحرب أهلية طويلة في سورية"، محذّراً من أن "مدى عدم الاستقرار الإقليمي يعتمد على نجاح المعارضة في تحويل نفسها إلى حكومة بديلة أو دخول مناطقها في حالة فوضى وتنافس بين المجموعات المتحاربة".
وتوقّع التقرير أنه إذا استمر النزاع على مساره الحالي فإن "المتمردين" سيتمكنون من مبارزة السلطة في مساحات واسعة من البلاد، لكنهم لن يتمكنوا من إسقاط النظام في المستقبل المنظور".
وتوقّع التقرير أن يحتفظ النظام بالعاصمة دمشق حتى نهاية العام 2012، وأن يصمد فترة أطول بكثير في الساحل السوري، لكنه استبعد أيضاً أن يستعيد النظام سيطرته على كامل البلاد.
وفي هذا السياق اعتمد التقرير مقارنة بين مواجهة النظام اليوم مع الثائرين عليه، وبين مواجهته مع الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي، يومها تطلب حسم المعركة مع الأخوان الذين كانوا، حسب التقرير، يمتلكون 4 آلاف مقاتل، أكثر من ثلاث سنوات، أما اليوم، فيمكن إحصاء ما لا يقلّ، حسب التقرير، عن 40 ألف مقاتل في صفوف المعارضة، مما يعني استحالة حسم المعركة لصالح النظام.
توصيفات تقرير "معهد دراسة الحرب" الأمريكي ترجّح حصول حالة أقرب إلى توازن القوى بين الطرفين المتحاربين، ومع استمرار الإمدادات للطرفين من جانب حلفائهما، ستستمر المعركة إلى أمد غير محسوم، مما يعني أن سورية في طريقها إلى حرب أهلية بكل ما تعنيه الكلمة.
قد تلحق الهزيمة بالنظام...لكنها قد تدمّر البلاد
في نفس الخانة السابقة، يصب مقال للكاتب اللبناني سعد محيو بعنوان "نذر عاصفة كاملة" في مطلع تموز الجاري، يعتبر فيه الكاتب أن "المعارضة المسلحة بدأت تصبح كياناً مستقلاً، على مستوى من التسلّح والتمويل والقرار السياسي، وباتت تقريباً هي التي تملك الكلمة الأخيرة حول مآل الانتفاضة السورية ومسارها....."، ويوضّح الكاتب أن خلافات المعارضة السياسية عزّزت من شعبية المعارضة المسلّحة.
ويستطرد الكاتب موصّفاً المشهد المرتقب في سوريا، بأنه "جيشان سوريان يتواجهان، تدعمهما قوى دولية وإقليمية متصارعة".
ويضيف محذّراً من أن الجيش الحر الذي يعتبر مظلة للمعارضة المسلحة، لا يملك القرائن الكافية التي تدلل على سيطرته الكاملة على أكثر من 300 مجموعة مسلحة مختلفة، تعمل جميعها باسمه، "قد تلحق الهزيمة بالأسد، لكنها قد تدمّر سورية".
حرب العصابات
كل القراءات السابقة ترجّح سيناريو الحرب الأهلية في سورية، لسببن رئيسيين، الأول عدم قدرة أي طرف من طرفي النزاع على حسم المعركة، والثاني وجود دعم إقليمي ودولي لكل طرف.
وإن كان المعارضون المتحمسون يرجّحون اقتراب نهاية النظام، ويرون أن الجيش السوري الحر قادر على مقارعة النظام والإجهاز عليه بالاعتماد على حرب العصابات، فإن هذه القراءة على الرغم مما تتضمن من صوابية في تأكيد أن حرب العصابات قادرة على هزيمة أعتى الجيوش، وتجارب تاريخية عديدة تؤكد ذلك، فإنها تتجاهل في الوقت نفسه أن حرب العصابات تتطلب أمداً طويلة كي تثمر، وهو ما تؤكده تجارب تاريخية عديدة أيضاً.
ما سبق يعني أن التفاؤل بقدرة الجيش السوري الحر على هزيمة جيش النظام، إن لم يترافق مع إقرار بأن ذلك يتطلب المزيد من الوقت وبأن المشهد الراهن في سورية لا يمنح المؤشرات الكافية التي تدلل على الاقتراب من هذه النهاية، فإن هذا التفاؤل يصبح مبالغاً فيه، ويصبح حالة من التعبئة والتجييش أكثر منه حالة من التوصيف الموضوعي.
كما أن القراءات السابقة جميعها تؤكّد أن الإصرار على الذهاب باتجاه النزاع المسلّح قد يفضي إلى ديمومة هذا النزاع، وترسيخ سورية كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
الغرب يريدها حرباً أهلية
إحدى القراءات التي تثير الكثير من الجدل هي تلك التي يعتقد أصحابها بأن الغرب، وربما أيضاً بالتنسيق مع روسيا والصين، يريدونها حرباً أهلية في سورية، فذلك يرضي إسرائيل، ويطيح بواحدة من الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة، والأهم من ذلك أنها تلهي العرب بالعرب.
هذه القراءة بقدر ما تحظى بمعطيات ودلائل موضوعية، بقدر ما تتجاهل معطيات ودلائل أخرى تؤكد بأن الفوضى الشاملة الخارجة عن كل عِقال في سورية، ليست في مصلحة لا الغرب، ولا إسرائيل، فانفلات زمام الأمور من يد النظام السوري، يهدد بانفلات الصراع من حدوده، وانتقال النزاع المسلّح إلى دول الجوار، وخاصة لبنان والعراق، فيما يعرف في الأدبيات المختصة بـ "أثر العدوى"، خاصة في ظل ما يربط سورية بدول الجوار من نسيج اجتماعي وديمغرافي مشترك.
إلى جانب ذلك، أثبتت كل التجارب التاريخية أن الحروب الأهلية في دول العالم الثالث أثمرت حركات متطرفة دينياً، وتجارب لبنان والعراق وأفغانستان والصومال كلها تؤكد ذلك، ويكفي أن نذكر أن حزب الله كان وليد الحرب الأهلية اللبنانية، مما يعني أن الحرب الأهلية في سوريا تنبئ بميلاد حركات متشددة دينياً لن تكون أبداً مريحة لأمن إسرائيل وأمن دول الجوار السوري.
وبناءً على ما سبق، يمكن أن نفهم الخشية المعلنة من جانب الأطراف الإقليمية والدولية من انفلات زمام الأمور في سوريا، خاصة بعد التطورات الميدانية الأخيرة.
إلى أين يمكن أن يسير المشهد في سوريا إن انزلقنا إلى الحرب الأهلية؟
*
نزاع مسلّح يدوم لسنوات: فالبناء على ما سبق من دراسات وقراءات، يفيد بأن اعتماد طرفي النزاع على الاقتتال كاستراتيجية وحيدة لحل الأزمة السورية، مع خشية أنصار كل طرف إقليمياً ودولياً من خسارة حليفه، وبالتالي تعزيز إمداداته، فإن ذلك يعني الولوج في دوامة من النزاع الدامي المسلّح، يصعب حسمه في وقت قريب.
*
تسوية قسريّة على السوريين: إحدى احتمالات تطور الأوضاع قد تكون باتجاه حصول توافق إقليمي – دولي ناجم عن الخشية من امتداد الفوضى إلى خارج الحدود السورية، والنتيجة قد تكون تسوية قسريّة مفروضة على طرفي النزاع عبر الضغط من جانب حلفاء كل طرف إقليمياً ودولياً.
*
الغلبة للأكثرية: إن قارنا المشهد في سوريا بتطورات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، فإن أول ما يمكن أن نلحظه أن الحرب الأهلية ليست في صالح الأقليات، حتى مع وجود الدعم الخارجي، وأنه في حال طال أمد النزاع المسلح وصولاً إلى حالة اختلال موازين القوى بين الطرفين لصالح الأكثرية المذهبية، فإن تجارب الحروب الأهلية على أسس دينية أو عرقية تثبت أن الطرف الغالب عادة ما يكون الأكثرية الديمغرافية، إن لم يحصل تدخل خارجي عسكري مباشر، وأن الدعم اللوجستي فقط لا يكفي لحماية الأقليات.
*
امتداد الاقتتال إلى صفوف الأكثرية: الجانب الذي يمكن لنا أن نتوقعه أيضاً، أن الفوضى لن تقف بمجرد انتهاء النزاع بين طرفيه الرئيسيين، ذلك أن حالة العسكرة التي ستسود المجتمع ستولّد نزاعات مسلحة بين المجموعات التي كانت منضوية تحت نفس اللواء، خاصة في حالة الأكثرية هنا، بمعنى أنه حالما تتمكّن الأكثرية من حسم المعركة لصالحها، ستبدأ التناقضات تظهر في صفوفها، وقد ننزلق إلى اقتتال بين ذات المجموعات التي سبق وقاتلت تحت نفس اللواء.
*
انهيار مؤسسات الدولة: وهي أبرز نتائج الحروب الأهلية عادةً، وهي تهدد بتحول سورية إلى دولة فاشلة على النمط الأفغاني أو الصومالي، أو في أفضل الأحوال إعادة إعمار سورية بفروض إقليمية ودولية وبالتالي ربط قرارها السيادي بقيود مالية أجنبية.
*
عدم الاستقرار السياسي على المدى المنظور: ذلك أن التسويات السياسية الهشّة التي عادة ما تحاول وضع حدّ للاقتتال المنفلت من أي عِقال، لا تصمد طويلاً أمام أية أزمة جديدة مستقبلاً، والتجربة اللبنانية خير شاهد على ذلك.
*
احتمالات التدخل العسكري المباشر: قد تودي التطورات في الساحة السورية إلى تدخل خارجي عسكري مباشر، قد يكون تركي بدعم من حلف الناتو، بغية وقف الاقتتال، وهو تطور غير مستبعد، بل مرجّح، ويستبعد أن تتخذ روسيا حياله إجراءات عسكرية مضادة، فكل التجارب التاريخية، حتى في العهد السوفيتي، تؤكد أن روسيا لا تحبّذ التورط عسكرياً ضد الغرب بصورة مباشرة. وفي حال حصل هذا التدخّل فيرجّح ترتيب تسويات معدّة على مقاس مصالح الأطراف المنخرطة عسكرياً.
خلاصة أخيرة...رسالة إلى صقور النظام والمعارضة
قد يعترض الكثيرون على ما سبق وأوردناه من نتائج وتوقعات، وقد يرفض آخرون توصيف الحرب الأهلية للحالة الراهنة في سورية، لأنه يمسّ نموذجاً يتبناه في خياله، لكن واقع التطورات الميدانية لا ينبئ بأن أياً من قراءتي النظام أو المعارضة المعلنتين، سليمتان موضوعياً.
*
وبدايةّ، نقول لصقور النظام، أنصار الحسم العسكري، والتطهير الميداني، وبروباغندا الإرهابيين المرسلين من الجوار الإقليمي، في مؤامرة "كونيّة" غير مسبوقة.....يكفي مكابرة، ويكفي عناد، فمنذ الأشهر الأولى التي تبنى فيها النظام الحل الأمني العسكري كاستراتيجية لحل الأزمة، نصحه الناصحون بأن ذلك لن يجدي، بل سيعقّد المشهد، وهو ما يحدث اليوم، فالنظام بات عاجزاً عن السيطرة على كامل التراب السوري، و"الجماعات المسلحة الإرهابية" التي كان يدعي وجودها في المحافظات الحدودية تكاثرت عشرات المرات، لتغزو عاصمته، ومن ثم حاضرته الاقتصادية والتجارية الأولى، ومع ملاحقة هذه الجماعات باستخدام آلة عسكرية صماء، يتعزّز الشرخ بين السوريين، وتتفاقم حالة الدمار الاقتصادي والمعنوي الراهنة في الأرض السورية.
لذلك حان الوقت للإقرار بأن جزءاً كبيراً من المجتمع السوري يثور على النظام، وأن عنف النظام فاقم من ردود الفعل، وحوّل المشهد في سورية إلى حرب أهلية، أو تكاد.
وإن كان من الممكن إصلاح شيء اليوم، فإنني أعتقد بأننا نحيا اللحظات الأخيرة قبل أن يغادر القطار المحطة التي يمكن فيها معالجة الكارثة التي تلمّ بوطننا.
فعلى رموز النظام أن تتعظ من أخطائها، وأن تقرّ بأزمتها، وأن تفتح الأبواب أمام التسويات والحلول السياسية، وأن تقدم تضحيات تعوّض بواسطتها السوريين ولو قليلاً عما عانوه، وتنقذ ما بقي من نسيج اجتماعي سوري، والأهم أن تنقذ مصير جزء من المجتمع السوري واظبت على الإدعاء بأنها تحميه، قبل فوات الأوان....
*
ومن ثمّ....إلى صقور المعارضة، أولئك الذين على ما يبدو أصابتهم عدوى الحل الأمني العسكري الحاسم من جانب النظام، فباتوا يهللون من حين لآخر، لغزوة أخرى، لمدينة أخرى، تكون نتيجتها المزيد من الدمار، دون أن نحصد أية نتائج...وإن كنا نقرّ لهؤلاء بأن تعنت النظام هو ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، فإننا في المقابل نسألهم: هل يعني ذلك أن نتعنت كما يفعل؟، وإن كنا ندرك أن تعنت النظام دمّر البلاد، فهل من المعقول أن نستنسخ عقليته؟...ونسأل هنا لمن أعلنها ثورة للحرية والكرامة...لماذا كلما طرح ناشط أو سياسي ما نداءً أو مبادرةً باتجاه تسوية سياسية مع النظام، تغلق في وجهه الأبواب، وتنطلق الحناجر بالتخوين والارتياب؟،...أليس من الأنسب ترك أبواب التسويات السياسية مفتوحة، فإن وجدنا تجاوباً من جانب رموز النظام، نكون قد جنبنا بلادنا وأهلنا المزيد من الدمار والخراب، وإن لم نجد، فلا يمثّل ذلك أية خسارة، إذ لم يطلب أحد منكم وقف أي عمل مسلح، أو حراك سياسي معارض على الأرض....المطلوب فقط فتح قنوات للتفاوض السياسي إلى جوار المظاهرات والنشاطات الميدانية المعارضة الأخرى....
*
إن إصرار كل طرف على انتصار حاسم، يزيل به الآخر من الوجود تماماً، قد يدخل سورية في دوامة غير منظورة من الاقتتال الأهلي، التي قد لا نخرج منها في الختام بتلك النتائج التي أملها كل طرف، ليكون الجميع خاسر، ولنا في تجربة الحرب الأهلية اللبنانية خير برهان، فبعد 15 سنة من الاقتتال الأهلي خرج جميع الأفرقاء اللبنانيين نادمين دون أن يحصّل أياً منهم شيئاً من الأهداف التي رفعها بداية الحرب، وكان الرابح الأكبر هي الجار الإقليمي للبنان، سوريا.
*
وختاماً، وإن كنا نحمّل النظام ورموزه المسؤولية الرئيسية عما سيترتب على التطورات الميدانية الأخيرة في سورية، وعن المجهول الذي سيأخذون سوريا إليه، فإننا لا نعفي صقور المعارضة من جزء من المسؤولية على هذا الصعيد، سائلين المولى عز وجلّ أن ينير القلوب والعقول بالحكمة ونفاذ البصيرة والخشية من الخالق، وأن يتحرك الجميع بضمير المصلحة العامة، وليس وفق الأهواء والمصالح الشخصية، لإنقاذ ما تبقى من سوريا، قبل فوات الأوان.
يتبع...
سيناريو تقسيم سوريا....