مسلم قتلتني من الضحك، الله يرحم أيامو للمتنبي لما قال:
وتعظم في عين العظيم صغارها***وتصغر في عين العظيم العظائم
كلها كاستين والثالثة بتوخذك عالجنة، ولا شو مفكر الجنة ببلاش؟
طيب اسمع هالقصة:
كنت أعمل سابقاً كبارتندر Bartender، إحدى أعظم المهن في التاريخ، وكان دخولي هذا العالم من باب الصدفة حيث أنه تم الطلب مني وقتها أن أنتقل للعمل في البار بسبب أن الزبائن في ذاك الفندق كانوا عرباً من مجدل شمس الجولانية في ذلك الوقت ولا يتكلمون العبرية لذلك احتاجوا من يجيد العربية، ذهبت إلى البار دون أن يكون لي ادنى فكرة عن الكحول، فوقتها كنت خارج المجال واقتصرت تجربتي اليتيمة على نبيذ احمر.
كان المفترض أن تعلّمني الفتاة العاملة في البار بعض الأساسيات مثل مزج البيرة والفودكا ريد بول، وأن أتساعد بها اذا ما احتجت شيئاً آخر، لكن وكما جرت عليّ العادة في العمل الجماعي، نجحنا في العمل دقيتين حتى شب شجار التمّت على أثره الأمة، وقرروا أن يُرسلوا الفتاة للمنزل فلا فائدة لها الآن.
بدأت بالعمل كيفما اتفق، وفي المرة الثالثة نجحت في مزج البيرة دون أن يكون نصفها رغوة، وبعد بضعة كؤوس فودكا ريد بول، الكوكتيل الأكثر شيوعاً بين الشباب العرب (وربما الوحيد)، عرفت الكمية المطلوبة لكي لا يكون الطعم منفراً.
وما إن استقر الوضع وبدأت استمتع بالعمل حتى جائني شاب لا يتجاوز الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة على أبعد تقدير، ويبدو أن هذه هي المرة الأولى التي يشرب بها، وقال لي:
"حضرلي كوكتيل على زوئك" !!
أمسكت نفسي في آخر لحظة عن أن أقول له أني جديد هنا ولا "ذوق" لي في الكحول حتى الان، وقررت بالمقابل أن استغل هذه الفرصة التي أتت على طبق من ذهب وأن أتدرب عليه.
كان الفندق all inclusive، يعني أن الزبائن لا يدفعون ثمن المشروب وبالتالي لا أحد يشتكي أن مشروبه غير جيد، إنما يرميه في الزبالة ويأخذ غيره، وهو ما أراحني في فترة تدريبي.
المهم، بالنسبة لصديقنا هذا، فقد حضّرت له ما لو أن مشرداً روسياً شربه لعافته نفسه، فقد خلطت فيه كل ما امتدت يدي إليه، لأخرج بكوكتيل من 6-7 أنواع كحول وبعض الإضافات مثل الكولا وعصير البرتقال وغيرها...
كان لونه جميلاً، حيث الطبقات بين الأصفر والأخضر والأحمر والأزرق وقطعة ليمون على طرف الكأس
لكن في أحشائه الموت الزؤام.
بدأت اقنع الشاب أن هذا الكوكتيل هو كوتيل رجال، وأن عليه أن يشربه كله ليقتحم هذا العالم وأشياء ترفع من معنوياته وتدفعه إلى شربه مهما كلّفه الأمر، وحصل ذلك.
كان الألم يبدو على سحنته وينطلق من عينيه معلنها حرباً داخلية بين القلب والعقل مع كل رشفة لكنه كان مصرّاً، وبعد أن أجهز على كأسه أعلن بأنه ذاهب ليستريح في غرفته قليلاً.... واختفى الشاب.
مرّ يومين قبل أن يعود إلى البار، ودون أن يحدثني بما سبق، طلب كأس نسكافيه وانصرف إلى غير رجعة.
مر عليّ الكثر من أمثال هذا الشاب الذين كانوا ضحايا تجاربي، لكن هذا أثّر في نفسي كونه كان الأول، فما استفتدته منه كان عظيماً، حيث تعلّمت أن الويسكي لا يُخلط بأي حال مع الكولا مثلاً...
الأبسنت يا عزيزي هو شيء عظيم، شيء فوق القدرات البشرية... مثل حليب التنانين... أو الحشيش.
كما قال أوسكار وايلد، فإن عليك أن تكون بقدر المقام لكي تنال الرضا وتأخذ منه مبتغاك.