البيت المسيحي وعام 2005
بقلم: مدحت بشاي
اليوم ومسيحيو مصر بصدد الاحتفال بعام ميلادي جديد نناشد قيادات الكنيسة أن ضموا إليكم أولادكم من جماعة المؤمنين في حضن يسع كل همومهم الإيمانية والحياتية والمادية.. وتعالوا إلي حوار يتسم بالشفافية والشجاعة والرغبة في الاصلاح.. تجالس فيه الأساقفة والكهنة الناس ليس باعتبارهم خطاه أو مرضي أو فقراء في حاجة لافتقاد أو رعاية فقط ولكن كبشر لهم رؤية وطموحات للتطوير وإلي دعم رسالة الكنيسة في مجالسة لعقولهم وأفئدتهم..
إننا في البيت المسيحي نري فجوة هائلة بين الادارة الكنسية العليا 'إن صح التعبير' التي يمثلها الأساقفة وبين الأفراد 'الرعية' قد تزايدت في الفترة الأخيرة نظرا لتزايد الفجوة بين الادارة العليا وممثلي الادارة الوسطي 'الكهنة'.. حيث تلاحظ في الفترة الأخيرة تضخم سلطات وصلاحيات بل ونفوذ بعض الآباء الأساقفة منحها لهم القساوسة والقمامصة والشمامسة في مبالغة استعذبها الكبار وشجعوها.
ورغم أن السيد المسيح يقول 'لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم فانهم يسيرون في مواكب من السيارات الفارهة يستقبلون في دور العبادة كالملوك فإذا تحدثوا تبع حديثهم حتي أثناء القاء العظات الروحية التصفيق وعبارات التهليل وكأنهم يلقون بيانات وطنية في مفارز ثورية.. وصاروا وهم أبناء الأديرة الذين غابوا عن العالم وضجيجه في حياة النسك والرهبنة تتصدر صور بعضهم أغلفة المجلات وتلاحقهم كاميرات التليفزيون وميكروفونات الاذاعة.. في حالة انفصال كبيرة عن واقع هموم المواطن المسيحي الروحية والاجتماعية والإنسانية.
وأيضا غاب دور بعضهم في توجيه من انفلت أو تطرف أو خالف من الكهنة .. فبعد أن كان للقساوسة دور ومهمة تفقدية لأبناء الكنيسة.. غاب الكثير منهم عن ساحة الارشاد الروحي واحلال روح السلام والسكينة في قلوب من يصلون بهم وفق ما علموهم ووفق ما يريددونه في صلاة القداس عندما يرفعون أكفهم إلي السماء 'هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلي أقاصيها كل الشعوب وكل الرعية باركهم.. السلام الذي من السموات أنزله علي قلوبنا جميعا بل وسلام هذا العمر أنعم به علينا.. الرئيس والجند والرؤساء والوزراء والجموع وجيراننا ومداخلنا ومخارجنا زينهم بكل سلام يا ملك السلام.
* * *
وبدلا من اذكاء روح السلام التي هي جوهر الرسالة المسيحية نري البعض علي سبيل المثال للأسف في تظاهرة يتزعمها أحدهم رفضا لفيلم سينمائي، وفي مبادرة سلبية غير مسبوقة يلجأون إلي القضاء من خلال دفع منافقيهم لاقامة الدعاوي المتتالية لمناهضة الابداع ورفض الحوار واسقاط رايات المحبة والسلام وانشاء صراع محموم بادعاء الدفاع عن الدين والمقدسات غير مدركين أنهم هم الذين يسيئون إلي دينهم.. فإذا اتفقنا جدلا أن الفيلم يشكل اساءة للدين فإن مبدعيه ليسوا من رجال الدين ولا ينبغي أن يأخذوا موافقة الكنيسة عند الشروع في ابداعهم لأنهم لم يكونوا بصدد انجاز عمل ديني يتناول مرحلة تاريخية أو طقوسا أو سير قديسين أو حتي رموزا مسيحية.
إنهم فقط كانوا بصدد عرض لحال أسرة مسيحية تناقش فيما بينها مجموعة من البديهيات والمسلمات قد يصيبون أو يخطئون، فإنهم يطرحون حوارا يدعوننا كجماهير للمشاركة فيه.. وظهر الكاهن في الفيلم أكثر سماحة ومسيحية من فلول الكهان المنتظرين لقرار المحكمة بوأد الابداع واعدام روح السماحة وقبول الجدل..
لقد بات المواطن المسيحي في حالة اشتياق وحنين إلي زمن انشغال قياداته الكنسية بأمور الروح كما كان في عهد رئاسة البابا كيرلس السادس للكنيسة المصرية.. زعامة روحية لا تنشد بطولة تاريخية.. ترفل في ثوب الاتضاع.. كان يصلي إلي ربه أن يهب شعبة السلام فيمنحه المولي اياه له ولكنيسته ولشعبه.. ممسكا بعملة عصره مرددا قول المسيح 'أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله' في تأكيد علي أهمية زرع مفاهيم المواطنة داعيا الناس العمل بتعاليم المسيح الذي قال 'ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه'.
* * *
إنني كمواطن مسيحي أري ضرورة الدعوة لفتح حوار داخل البيت المسيحي نناشد فيه قداسة البابا شنودة الذي يفخر كل مسيحيي المسكونة بأن يكون علي رأس الكنيسة مفكر ومنظر ومثقف له رؤيته.. بل ومبدع يمتلك ناصية الموهبة فهو الشاعر وكاتب المقال والمؤرخ والباحث. ومن قبل ومن بعد الناسك المتعبد المفسر الشارح لأمور الدين الذي اضاء ربه روحه بالايمان ففاض علما غزيرا.
أناشده بكل ما أعده ربه من ملكات أن يعيد النظر في اختيار معاونيه وممثليه ممن يشكلون حلقات الوصل بينه وبين الناس والمجتمع.. لقد تاه منهم الطريق وتشيعت بهم المفاهيم الدنيوية الضيقة. وحتي وصل بنا الحال لأن يستغيث بعض الجهلة والظلاميين الجدد بشارون وبوش، وكأنهم لا يرون علي شاشات التلفاز القصف اليومي للكنائس بمن فيها في العراق والأرض المحتلة في تجاهل لمشاعر مسيحيي المسكونة.
إن الخطاب الديني المسيحي يحتاج إلي اعادة صياغة ومراجعة من قياداته للتواصل بين الكنيسة والناس وبين الكنيسة والمجتمع.
http://www.elakhbar.org.eg/issues/16439/0500.html