نص مانشرته صحيفة الاهالي
ساعات مع قادة العراق الجديد
رسالة العراق: سهام العقاد
جلال طالبانى
العراق ليس قاعدة لضرب الجيران
مسعود البارزانى
مازالت هناك فرصة لإقامة عراق جديد!!
فى الطريق إلى الشمال من آربيل إلى منتجع دوكان وحتى السليمانية حيث ترتمى الخضرة على كل جانب على الجبال الشاهقة لتجسد روعة الطبيعة وسحرها فى العراق.
وفى سرية تامة كان التنقل داخل هذه الحديقة، كان اللقاء مع الرئيس العراقى جلال طالبانى صريحا إلى حد المفاجأة، وأيضا باقى المسئولين فكانوا على نفس الدرجة من الوضوح والشفافية.
أينما تسير تفاجئك جرائم النظام السابق وكيف تعامل بوحشية مع الأكراد صور محفورة فى الذاكرة وعلى الحوائط وفى قاعات المعارض وحتى فى المتاحف، صور لآلام وعذابات وجروح الأكراد ومعاناتهم الدامية.
إنها المرة الأولى التى ينعقد فيها مهرجان الربيع - أسبوع المدى الثقافى - على أرض العراق حيث احتضنت كردستان نخبة متميزة ضمت أكثر من خمسمائة مثقف ومفكر وفنان عراقى وعربى من مختلف أنحاء العالم بجانب الطيور العراقية المهاجرة، على اختلاف تياراتهم وأحزابهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، أجيال متباينة فى العمر والتجربة من كريم مروة إلى نورى عبدالرازق إلى شوقى جلال إلى فريدة النقاش وحسين عبدالرازق إلى محمود حميدة وعلى بدرخان وعلى بدر وغيرهم فى تحد صارخ للأوضاع المخيفة وصور القتل والدمار جاء الجميع ليتضامن مع الشعب العراقى وللإسهام فى إعادة صياغة الخطاب الثقافى لعراق جديد يؤمن بالتعددية والديمقراطية وبالنظام الفيدرالى.
برنامج مكثف وحافل باللقاءات والحوارات والأسئلة عن هذه المعاناة الهائلة ورغم ذلك تتألق فنون السينما والتصوير وتتعدد طرائق التعبير فى الكتاب والمسرح، رحلة غنية وطويلة وممتعة عشناها مع أهالى الشمال.
كان لابد من المشاهدة عن قرب ومعرفة ما يجرى على أرض العراق بعيدا عن وسائل الإعلام وما تحمله رسائلها من توجيهات وتوجهات.
كنا نريد أن نرى ونسمع ونلمس ونشاهد وقد توفر لنا ذلك عبر هذا المهرجان الحافل والواقعى الذى نظمته دار المدى برئاسة الكاتب والمفكر فخرى كريم.
مقاومة الإرهاب
على مدى أربع ساعات متواصلة تحدث إلينا الرئيس العراقى جلال طالبانى، فى مختلف القضايا الشائكة والملتهبة على الساحة العراقية، من بينها الإرهاب، الاحتلال، التهديدات الإيرانية - التركية، الصراعات الطائفية، تقسيم العراق، الفساد.
فى البداية قال طالبانى: أعترف بحقيقة مرة وهى خلو الساحة العراقية من القوى الليبرالية الآن، فى حين كانت فى السابق تعج بالأحزاب والقوى الديمقراطية المتعددة، الأمر الذى أحدث خللا فى الحياة السياسية، وهو ما يمثل نقمة حقيقية، فى الوقت ذاته شن أبومصعب الزرقاوى حرب إبادة على العراقيين وقتل كل من يتعاون مع مسيرة الديمقراطية، وقتلوا أساتذة الجامعة والشخصيات البارزة حتى كوادر الحزب الإسلامى، إنهم فئة مجرمة لابد من مقاومتها، وتوجد فئات أخرى عدا الصداميين دخلت ميدان العمل المسلح تحديدا من الشيعة والسنة وهدفهم مقاومة قوات التحالف، لكن هناك متغيرات فى وجهة نظر السنة لأنهم بدأوا ينظرون للخطر الإيرانى على أنه الأساس لدرجة أنهم بدأوا فى التفاوض مع أمريكا لمقاومة إيران، وأتصور أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سيسهم فى استقطاب مختلف الفئات للانضمام معنا فى مسيرة الديمقراطية، وبالتالى نستطيع عزل جماعة الزرقاوى.
قوات الاحتلال
فيما يخص الاحتلال العسكرى للعراق قال طالبانى لقد ارتكبت قوات الاحتلال أخطاء فادحة لأنهم جاءوا باسم التحرير بينما فرضوا الاحتلال العسكرى، وقد عارضنا هذه السياسة لأنها سياسة تدميرية لنا وله أيضا، وأؤكد أنهم تراجعوا، فهذا العصر ليس عصرا للاحتلال العسكرى خاصة فى ظل العولمة التى لا تعتمد على الاحتلال، فهناك سبل أخرى تستخدم لتحقيق مصالحهم.
و يواجه العراق الآن خطر الحرب الأهلية والعدوان الخارجى فهناك حشود عسكرية تركية - إيرانية على الحدود تصل إلى 200 ألف جندى يهددون العراق، والآن بات مصير العراق بأيدى العراقيين وهذا هو الأهم.
أضاف طالبانى: لا شك أن قوات التحالف لها تدخلات فى الأمن الداخلى، ذلك لأن القضية العراقية، باتت دولية لذا علينا أن نكون واقعيين، وخطتنا تكمن فى الإسراع فى بناء القوات المسلحة العراقية خاصة قوات الشرطة لمواجهة هذه التحديات وصد أى عدوان وبذلك يمكن انسحاب قوات التحالف، لأنه لا توجد قوى دولية تريد البقاء فى العراق.
تقسيم العراق
وفيما يتردد حول تقسيم العراق، أكد طالبانى أن العراق رقم غير قابل للتقسيم، كما لا توجد حركات حقيقية تدعو للانفصال لأنه يعنى العزلة، ونحن كأكراد عامل توحيد وجزء من الحل، بالإضافة لأن الوضع الدولى والإقليمى لا يسمحان بالانفصال، والتجربة برهنت أن البلدان المتعددة الطوائف لا يمكن أن تتحد إلا عبر الديمقراطية والفيدرالية، والعراق لابد أن يكون موحدا ومستقلا وهذا أمر لا جدال فيه.
فيما يخص السيطرة على النفط العراق أكد طالبانى أن وزارة النفط هى التى تسيطر بالكامل على النفط وعائداته تأتى للخزينة العراقية، وقال: لكننى أعترف بوجود فساد إدارى ووزارى داخل الإدارات والوزارات، وأتصور أنه بات من أبرز الأخطار التى تواجه العراق، ونحن نحاربه وسنظل.
نفى طالبانى ما يتردد حول استخدام القوات الأمريكية للأراضى العراقية فى الهجوم على إيران، مؤكدا أن العراق لن يكون ممرا لأى غزو ضد دول الجوار، كما نفى ما يتردد حول وجود 150 ألف إسرائيلى فى مدينة السليمانية مؤكدا بأنها محض أكاذيب الهدف منها النيل من مسيرة الديمقراطية.
الدستور العلماني
وحول تطبيق الدستور العلمانى أكد طالبانى أنه أمر ليس باليسير لأن أغلبية النواب ليسوا مع الدستور العلمانى، خاصة أن الطرف الإسلامى له الغلبة.
أضاف طالبانى لدينا مشروع جبهة وطنية على أساس العراق ككل لتعميق وحدة المصالحة الوطنية، والعمل من أجل المزيد من الحريات الديمقراطية، وتشجيع المرأة لشن حملة للدفاع عن حقوقها، لذلك أنا متفائل وأعد بأنه سيتم القضاء على الإرهاب بحد أقصى العام القادم.
فى ختام اللقاء قال طالبانى فى أسى نحن نعانى من ظلم الأشقاء والكتاب العرب الذين يشتموننا ويمدحون القتلة.
الوحدة العراقية
فى ذات الإطار من الشفافية والصراحة أيضا جاء لقاء مسعود البارزانى رئيس إقليم كردستان بعدد من الصحفيين من مختلف الأقطار العربية.
تحدث البارزانى حول أوضاع الأكراد والهموم العراقية وخطته للنهوض بالمجتمع، وحول دور البشمرجة المقاتلين الأكراد التابعين للحزبين الكرديين الكبيرين وتعاونه مع قوات التحالف.
وصف البارزانى ما يجرى فى العراق بأنه فوضى ومأساة حقيقية، مؤكدا ضرورة الوحدة العراقية حتى يولد العراق الديمقراطى الذى يضم كل التيارات العلمانية وغير العلمانية، وقال لكننى أتمنى أن تكون الغلبة والقيادة للتيار العلمانى، لكنه الآن يعانى من حالة من الوهن البالغ.
بديل ديمقراطي
حول التعاون مع الاحتلال الأمريكى قال البارزانى لم نبد أى استعداد للتعاون مع أمريكا، إلا بعد حصولنا على وعد أمريكا بإقامة بديل ديمقراطى، لكن بعد سقوط النظام حدثت العديد من المشاكل، لكننى أرى أنه ماتزال هناك فرصة لإقامة عراق ديمقراطى فيدرالى لأنه من المستحيل التراجع عن الديمقراطية أو الفيدرالية.
وحول مستقبل الأكراد البارزانى أنه جرى ظلم كبير على الأمة الكردية فى العهد السابق، والاستقلال حق مشروع للشعب الكردى.. لكن مصلحتنا فى أن نكون ضمن عراق فيدرالى.
وأشار البارزانى إلى الدور البارز الذى لعبته البشمرجة مؤكدا أنهم ليسوا ميليشيات ولهم دور بارز فى تحرير العراق من الديكتاتور وقد تشكلوا بدموع ودماء أبناء الشعب العراقى، أنهم جزء أصيل من القوات المسلحة ومستعدون لحماية أى جزء من العراق.
خطة للبناء
وحول إقليم كردستان وسبل النهوض به قال البارزانى إن النظام السابق لم يوافق على إقامة أى مشروعات هنا ولم تكن لدينا ميزانية، وحتى عام 91 كان لدينا 4500 قرية مدمرة و182 ألف مفقود والآن نمتلك برنامجا طموحا وخطة للبناء والتعمير، وخلال السنوات الأربع القادمة ستشهد كردستان تغييرا جوهريا على مختلف الأصعدة.
فى نهاية اللقاء أعرب البارزانى عن رغبته القوية فى إعادة التعاون مع مصر وتطوير العلاقات مرة ثانية، خاصة أن مصر هى التى بادرت بقطع العلاقات.
عصر جديد
فى السياق ذاته التقى عدنان المفتى رئيس برلمان إقليم كردستان بالوفد المصرى المشارك فى المهرجان ومنهم فريدة النقاش وشوقى جلال وفؤاد التهامى وسنية البهات وحسين عبدالرازق وغيرهم.
استبعد عدنان المفتى إقامة دولة كردية خاصة أن الجغرافيا السياسية تحول دون ذلك، مؤكدا رغبة الأكراد فى المشاركة فى العراق الجديد.
نفى الاتهامات التى توجه للأكراد سواء فى رغبتهم بالاستقلال أو بالانحياز لإسرائيل، مشيرا إلى رغبة الأكراد فى بناء عراق جديد، على أن يكون الأكراد القاسم المشترك بين الشيعة والسنة والعلمانيين والإسلاميين، لكننا سنعمل على إبراز هويتنا ضمن الدستور العراقى.
وحول النظام الفيدرالى قال: أتصور أنه لا بديل آخر عنه لأنه نموذجى جيد وكل محافظة لها الحق فى المطالبة بنظام فيدرالى. وصف المفتى الأوضاع الراهنة بالكارثة وقال رغم تعطش الشعب للحرية والاتجاه نحو الديمقراطية، إلا أن هناك الكثير من المعوقات أبرزها الأخطاء الأمريكية التى قامت بها بعد سقوط النظام، وعدم وجود خطة للتحالف لمرحلة ما بعد السقوط، وحل الجيش العراقى وحزب البعث، ثم انتشار ظاهرة الإرهاب الذى أعاقت الكثير. حول حقوق المرأة قال المفتى لقد ارتفعت نسبة النساء ل 25% بينما البرلمان السابق لم يكن يضم سوى 7 نساء فقط، وتوجد قاضية الآن بالسليمانية، ولأول مرة فى الشرق الأوسط بعد تونس منعنا الزواج بأكثر من امرأة.
بدا المشهد العراقى مختلفا بعد أن استمعنا للآراء السابقة.
ورغم رفضنا للاحتلال الأجنبى إلا أن العراقيين هم أصحاب القرار، ولعل التجربة تثبت صدق رؤيتهم ويتحرر العراق، من قوات الاحتلال بعد أن تخلص من الطاغية الذى أذاق الشعب العراقى طعم الدمار ورائحة الدم. لا نملك فى النهاية إلا أن نحترم الرؤية العراقية لعلها تكون الأمل فى الخروج من النفق المعتم، وندعو كل الكتاب والمفكرين لتأمل التجربة ودعمها لعلنا نرى عراقا جديدا.
http://www.al-ahaly.com/articles/06-05-24/.../1279-anw01.htm
:nocomment: