الزملاء الكرام .
سأضع في هذا الشريط مجموعة من الحوارات المرتبطة به و التي أثيرت في شريط آخر .
الزميل المحترم خالد .(f)
اقتباس:ولا يفوتني أن أنوه أن الخلاف أصولي ابتداءا، وليس فقهيا ولا شرعيا ولا متعلقا بقانون العقوبات.
الخلاف يتعلق بالنظرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وما قبل الحياة وما بعدها وعلاقتها جميعا بما قبل الحياة وما بعدها.
نعم الخلاف شامل و ليس فقهيا و في التفاصيل فقط ، بل يمتد ليكون الخلاف في الإطار الفكري ذاته ، إن هناك استحالة منطقية في التحاور العقلاني بين العلماني و الأصولي مهما حسنت النوايا لأسباب معرفية ، فهناك قطيعة معرفية ( ابستومولوجية ) بين الإطارين الديني النصي المصمت و الإطار العلماني العقلاني المنهجي ، فالنص هو المرجعية المعرفية للأصولي بينما المنهج العقلاني هو أداة العلماني ، فالعلماني الحقيقي لا يعترف بما يسمى القداسة للنصوص الدينية التي يراها زمنية و نسبية بالضرورة و التعريف و أن الثقافة جزء من المعني ، و بالتالي فمفهوم النص لا ينفصل عن الثقافة التي تقرأ النص وهذه الثقافة متغيرة قطعا ، إن العقل العلماني هو عقل علمي غير مساوم و يخضع النصوص كلها لذات المناهج الفلسفية (التحليلة و التركيبية) ، إنه يرى النص المحصن ضد النقد و التجريح بقداسة مصدره لا يصلح كأداة معرفية علمية ،و بالتالي فالنصوص الدينية كلها غير علمية بل مجرد نصوص ثقافية تاريخية .
إن الخلاف في المفاهيم الأساسية هو أيضا و على نفس المستوى في التفاصيل ، فالفكر الأصولي هو إطار مصمت استاتيكي يعطي القداسة ذاتها للنص كله سواء كان يتعلق بجوهر العقيدة أو بحكم أخلاقي أو بتنظيم المواريث أو باجراء تافه مثل تحرير صك الدين !، مع هذا الإطار لا يمكنك أن تتحدث عن عقائد منفصلة عن تطبيقاتها ، فكل عناصر الدين كبرت أو تفهت تحوطها ذات القداسة و لا يمكنك تجاوزها سوى يتجاوز الدين ، عندما نتحدث عن النموذج الأصولي للدين فإن الفقه و الشريعة و قانون العقوبات كلها مكونات عضوية من الدين لهذا لا يمكن ان نستبعدها هكذا و نتحدث عما تسميه النظرة الكلية للكون ، هذا يصلح عندما نتحدث عن مذاهب وضعية فلسفية يمكننا تعديلها ،و لكن النظرة الأصولية للدين غير ذلك كلية ، أعطني فقيها واحدا يقبل أن نقول له أننا نؤمن بالله على أن نقصر الزواج على زوجة واحدة ،أو نؤمن بالآخرة على أن نعدل قوانين المواريث ليكون نصيب الذكر كالأنثى ، أو أن نقبل بموسى نبيا مرسلا على أن يعتذر عن جرائمه في حق الشعب المصري ( ضرب أفضى للموت – النصب – التحريض على السرقة – الهروب من العدالة ) !.
رغم هذا فإن العقل الديني الأصولي - و بعيدا عن كل ما تعتقد أننا نتصيده من تفاصيل تشريعية و سياسية و تاريخية ضد الأصوليات الدينية - هو أيضا عقل يشوبه قصور معرفي شديد ولا يعدو كونه مرحلة الطفولة في الإدراك البشري ،و هذا ما سوف أطرحه للحوار عندما أجد أن هناك مناخ مناسب لذلك بعيدا عن الساحة الدينية لأنه موضوع فكري و ليس ديني .
الأخ طنطاوي (f).
اقتباس:عزيزي بهجت ، سعدت بنقل موضوعك عن الاصولية لجهاز الحاسب الكفي الخاص بي حيث سأقرءه بتركيز شديد ، فكلاماتك علي بديهيتها ضرورية جداً واساسية جداً حتي انني اتعجب لماذا لا تجمع هذه المادة في كتاب كما اقترح عليك الاخوة هنا ؟
والاكثر اثارة للعجب اننا لا نري ردوداً من الاصوليين علي هذه النقاط علي كلاسيكيتها وبداهتها ؟
أشكرك على تقديرك ، و معظم مساهماتي محفوظة في نادي الفكر العربي ، و قد بدأت في فهرستها و سأستكمل ذلك قريبا ، هذه المادة متاحة لمن شاء من الزملاء و لكني لم أفكر أبدا في النشر العام لأني لا أرى نفسي كاتبا محترفا ، إنني من الذين لا ينشطون إلا في الحوارات وما تفرضه من تحديات و حيوية ، سبق ان اقترح علي صديق هو المرحوم فرج فوده أن أنشر بعض المقالات و لكني أجبته أن الذي ينشر مواد ثقافية في مصر إما ان يحب نفسه جدا أو يحب الناس للغاية و لست أحدهما ، أما الفائدة العامة فستكون محدودة و ربما معدومة في مجتمع مازال يرى التفكير الحر نوعا من المعصية و زيغا في العقيدة .
لقد أعددت النقاط التي أعترض فيها على الأصولية لنفسي و بشكل عفوي ثم دققت صياغتها و طرحتها للحوار ، هذه النقاط أعددتها عقب عودتي للإقامة في مصر بعد غربة متصلة طالت لأكثر من 15 عام ، لقد فوجئت ان كل المجتمع تقريبا بما في ذلك أصدقاء من الشيوعيين قد تحولوا للأصولية الشديدة ( استيشخوا ) حتى كدت أفقد أي اتصال بالمجتمع الذي لم اعد أفهمه أو حتى أعرفه ، أصبح الأمر يدعوا للسخرية أحيانا فالشيوعي السابق يحاول اقناعي أن هناك شياطين تسكن المكتب بعد ان نغادره و لهذا لابد من القاء السلام عليها كلما خرجنا أو عدنا ، وهناك زميل آخر كانت هوايته الأساسية غواية نساء الآخرين يحاول أن يرشدني إلى الإسلام الحقيقي الذي لن يكتمل سوى بتربية اللحية وقراءة دعاء بيت الخلاء ،أما الإستماع لعمرو خالد العيي فصار أهم من الإستماع لله نفسه لو خاطب المصريين فعمرو خالد أعلم بالدين من الله ، هكذا وجدت المجتمع المصري في ظل الصحوة الإسلامية الرشيدة .
شعرت أني أحلق بعيدا جدا عن السرب ، هكذا وجدت أنه لابد لي ان اتوقف و أسأل نفسي
لماذا لا أكون مثل الآخرين و هم مجتمعي و أهلي خاصة أنه ليس لي مشكلة مع الإسلام كعقيدة ؟
نعم لماذا لا أكون مثلهم ؟
لماذا لست أصوليا ؟.
هكذا بدأت أبحث عميقا داخل عقلي و روحي ، و أعدد لنفسي الأسباب سببا تلو الآخر ، و حتى بعد ان بدأت الحوار وجدت أسبابا جديدة لا تقل أهمية تجعلني على طرف النقيض من الأصولية ، طرحت هذه النقاط للحوار آملا أن أسمع في المقابل ردودا أقوى و لكن أملي خاب لأسباب بدأت اكتشفها تباعا .
أنت تسأل لم لا يرد الأصوليون ،و ستجد ان قليل منهم يرد بالفعل و لكن غالبا ردودا تقليدية محفوظة لا تشبع أحدا لأسباب أراها .
1. الأصولي غالبا لا يفرق بين الأفكار و العقائد ولذا هو لا يميل للتفكير الحر و يقتصر على نقل آراء الفقهاء و المرجعيات الدينية تجنبا للذلل و وسوسة الشياطين !، و تلك صفة تعطل القدرات العقلية و تقتل خاصية الإبداع و من النادر أن تجد أصوليا يفكر لنفسه في الأمور العامة أو السياسية ، بل هو ينقل ما يجده في مواقع جماعته أو في كتب شيوخه .
2. إعتماد الأصولييين سلاح التكفير و التخوين و التهديد و السباب حبا في الله و غيرة على العقيدة ، و بالتالي تعطيل العقل و عدم قدرتهم على الحوار الموضوعي و على نفس المستوى مع الآخرين ، بل ستجد معظهم يستغرب أن تعترض عليه لأنه المفصح الحصري عن الذات الإلهية .
3. تخلف المرجعية المعرفية للأصولي لأنها نصية غيبية و ليست عقلانية منطقية ، فالأصولي يعتقد أن الاستشهاد بنص ديني من الدرجة الأولى مثل القرآن أو الحديث النبوي أو حتى أعمال الصحابة و أقوال الفقهاء تحسم النقاش ، ولا يكون بعد ذلك سوى اللغو و السفسطة و مخاصمة الله و رسوله ، و غني عن القول أن القرآن و الأحاديث تحديدا لا تصلح كمادة في حوار حقيقي طالما ننزهما عن النقد العنيف و التجريح .
4. يعتاد الإسلاميون على الحوارات الرسمية الشعبية المملؤة زيفا و نفاقا و ترهيبا و تخويفا ، لذا هم لا يصدقون عيونهم عندما يجدوا أن هناك من يتهمهم بالتخلف المعرفي أو يرى الشريعة الغراء على حقيقيتها مجرد قوانين جاهلية وافقها النبي و تلاعب بها اتباعه .
5. الجمود اللغوي الأصولي و متلازماته اللفظية و البنيوية ، مما يحيل التعبير الأصولي إلى حفريات مملة و مكررة و مقحمة بلا انتهاء .
6. إتكاء العلماني على رصيد ضخم و هائل من المنجزات العلمية و المنتجات الثقافية و التنوعات الفكرية و الفلسفية الإنسانية ، على النقيض من توقف الأصولي عند تراث ممعن في القدم معظمه لا معقول أو يمجه الذوق السليم .
7. تمرس العلماني على الحوارات الجادة القوية و ميله إلى الموضوعية و العقلانية لأنها أداته الرئيسية بل الوحيدة لعرض قضيته ، لهذا تجد أن الإسلاميين يلجأون عادة إلى شراء المثقفين العلمانيين و تجنيدهم داخل منظومتهم الأصولية ،وهناك أسماء لا حصر لها يرزت بين الإسلاميين من العلمانيين ( التائبين !) الذين زارهم النبي في المنام أو في الحقيقة و هداهم ثم تدفقت عليهم الدولارات الإيمانية بعد ذلك بلا توقف .