الزميل المحترم / حسان المعري (f)
أهلا بك وبتساؤلاتك الثرية.
اقتباس: السؤال الأهم ..
هل يوجد صدام/صراع حضارات فعلا ولماذا حصره بالجانب الديني لاغير؟
وهل الصراع العربي الإسرائيلي - العربي التركي - العربي الفارسي - اللاتيني الأمريكي - السوفييتي الغربي ... ينضوي تحت هذا العنوان ؟
تساؤلات سيادتكم تمثل نقدا مشروعا لنظرية "صدام الحضارات" من مدخل نفي صحة فرض النظرية.
و في هذا النقد بدلا من فرض النظرية بتبرير الصراع الحالي بصدام الحضارات - بصفته الدافع الأكبر أثرا - يستبدل ذلك بتبرير حالة الصراع بالصدام السياسي الذي يدفعه المصالح الإقتصادية و غيرها مع التحييد النسبي للدافع الحضاري / الديني.
و طبقا لهذا النقد فمن الطبيعي أن ننظر للصدام المقصود الحالي الغربي / الشرقي نفس نظرتنا لمختلف أمثلة الصراعات التي أوردها الزميل المحترم / حسان.
و بطبيعة الحال فإنه لا يمكن تحييد المصالح السياسية / الإقتصادية كدافع (رئيسي أو ثانوي) لأي صدام كان و بغض النظر عن طبيعته. لكن هل من الممكن رد جميع أطياف الصراعات للمصالح السياسية / الإقتصادية بصفته الدافع الرئيسي؟ و تباعا إعتبار العامل الديني مجرد آداة بيد عامل السياسة / الإقتصاد. و هل بإعتمادنا هذا الفرض نكون قد أفرغنا الخلفية الدينية من محتواها و تغاضينا عن حقيقة أنه نصوصا شبه ثابتة تشكل مع تفاسيرها خلفيات معرفية و قانونية و دوافع أخلاقية؟
و بصيغة أخرى هل يمكن إعتبار الخلفيات الدينية (كلها أو بعضها) بنية مرنة مدفوعة بالمصالح السياسية / الإقتصادية أم أن العكس هو الصحيح حيث تعمل المصالح في إطار تحده تلك الخلفيات؟ بل و في بعض الأحيان قد تحدد تلك الخلفيات مفهوم تلك المصالح شاملا كلا من الأهداف النهائية (الإستراتيجيات) و الطرق المتبعة لذلك (التكتيك)؟
من الجائز - بل و المطلوب - أن تدفع المصالح بإتجاه تغيير كلي أو جزئي بالخلفيات الفكرية لمجتمع ما. مجبرة تلك الخلفيات على تعديل أهدافها و تكتيكاتها تبعا لها. لكن ماذا عن حالة عدم إمكانية ذلك - في وضع عدم إمكان التعديل الجزئي لتلك الخلفية الفكرية نتيجة للطبيعة الذاتية لها. في هذه الحالة سوف تظل المصالح و الأهداف التي تحددها تلك الخلفية بالرغم حتى لو تعارضت مع مصلحة البقاء ذاته.
و كمثال على ذلك - مع الفارق - فإستراتيجيات الإتحاد السوفيتي السابق و تكتيكاته (و التي كانت السبب المباشر لسقوطه) تشكلت طبقا للخلفية الأيديولوجية له و التي قادت عمليات تحديد مصالحه و أهدافه و أيضا الطرق المتبعة للوصول لتلك المصالح و الأهداف. و بسقوط سالف الذكر تغيرت مفاهيم المصالح و طرق الوصول لها - و تغير تباعا كامل تصنيف و مفهوم و شدة الصدام بين المعسكرين أو القطبين. هذا مع الإستمرار الطبيعي لصراع المصالح لكن أية مصالح و أية طرق لتطبيقها - هذا هو السؤال.
المصالح نفسها قد تكون مفاهيم مخادعة. و قد تحددها الأفكار و الأيديولوجيات التي تتخذها المجتمعات.
قد تختلف في تحديد أهدافها العليا و أولوياتها كمصلحة خالصة لهذا المجتمع - كأن يكون نشر تلك الأيديولوجيا يمثل أهم أولوياتها و مصالحها. بل و قد يصل الأمر لإعتبار الموت و الفناء ضمن منظومة المصالح أو أحد الخيارات.
و قد تختلف الطرق المتبعة للوصول لذات المصلحة أو الهدف النهائي طبقا لتحديد أو تفضيل الأيديولوجيا - فمصلحة الوفرة الإقتصادية من الممكن الوصول لها بالتنمية الصناعية و غيرها أو عبر التوسع الأفقي بالغزو أو الإحتلال.
في الواقع فإن وضع كل الصراعات في سلة واحدة و إختصارها بالمصالح السياسية الإقتصادية كعامل أساسي في كل الأحوال و الأطراف قد لا يؤيده واقع الحال و لا طبيعة الخلفيات الأيديولوجية للمجتمعات المختلفة من حيث إمتلاكها الخاص لأهداف قد تمثل قمة المصالح لتلك المجتمعات أو من حيث قدرتها على شحن و دفع المجتمع لسلوك ما كقيمة عليا بغض النظر عن المصالح المباشرة.
كما يتعارض ذلك مع كون السياسة أولا و أخيرا هي مجرد مجموعة التقنيات و الطرق التي يتخذها مجتمع ما للوصول لأهدافه - و التي تحددها خلفياته و ليس العكس.
اقتباس:سؤال آخر : لماذا حصره ( الآن ) بين الإسلام والغرب ، وهل هو تجاوب اسلامي غريزي مع خطر وهمي أو محتمل ، أم هو قصف تمهيدي سبق طيور الجالاكسي وخيول الأبرامز ؟!
في الواقع فإتهامنا للنظرية بوصفها آداة في حملة تسبق العدوان - حتى و إن كانت كذلك - لا يمثل نقدا لها. مع التأكيد مع إمكانية أن إستخدام أي خطاب لخدمة أي غرض - بغض النظر عن صحة هذا الخطاب من عدمه.
قد تستخدم بالفعل النظرية في التحضير لما تفضلتم به - إلا أن ذلك لا ينفي أبدا أن تكون صحيحة - و لا يؤكد أبدا خطؤها.
ولكن يبقى الفرض بأن الصدام هو حالة عدوانية من الغرب و ردة فعل من الشرق. في مقابل فرض النظرية بالعكس.
فهل هو ذلك؟