تشير الابحاث الى ان اغلب تصرفاتنا مبنية على العديد من الاحكام المسبقة والخارج سيطرتنا: إنها قادمة من " الطيار الاوتوماتيكي". نعم ان الجزء الغير واعي في الانسان يسيطر على الجزء الواعي ويقرر معظم قراراته او حيثياتها، فهل قرارتنا حرة؟؟؟ ومن هو الانسان فينا؟؟
:مركز القيادة في الدماغ
التفكير اللاواعي له سلطة فوقنا هائلة على عكس ما نعتقد. لهذا السبب يحاول العلماء الان، بواسطة الاختبارات العلمية التوصل الى معرفة ماينوي الدماغ عمله بدون علمنا، وكيف يحشر اوليات القرار النهائي.
العديد من تصرفاتنا تجري بناء على موديل قديم مخزن في دماغنا يعاد استخدامه اوتوماتيكياً. ليس من النادر ان يطغى الحزن علينا عند تذكر حادث اليم قديم، او إشتعال الحب في جوانحنا من النظرة الاولى، او اختيار البيبسي كولا عوضا عن الكوكا كولا (او بالعكس) بالرغم من اننا لم نلاحظ اي فرق بينهم. حياتنا وخياراتنا نجدها مسيرة من خلال العديدة من العمليات المعقدة في اعماق الدماغ، بعيدا عن التحكم الواعي. (هذه التجربة مذكورة بالتفصيل لاحقا. )
نادرا ماتجري ابحاث تمس اللاوعي بسبب طبيعة اللاوعي. اليوم وبفضل التطور التكنولوجي الكبير وتكنيك التجارب والقدرة على بناء اسئلة متخصصة للمقابلات زادت قدراتنا على إلقاء المزيد من الضوء على هذه المنطقة المعتمة المسؤولة عن القيام بأعمال "نحن" لانعلم عنها شئ.
النظرة الاولى على هذه المنطقة المعتمة اظهرت إمكانيات هائلة للاوعي ، ويتفق العلماء اليوم على ان اللاوعي يتحكم بتصرفاتنا بشكل يتجاوز التصور. انه يقرر مالذي علينا ان نفعله ومالذي علينا ان نفكر به والى حد بعيد مالذي سنشتريه ومالذي سنقدسه. لهذا السبب نجد ان شركات التأثير النفسي (التي تخدم الصناعة والجمعيات الدينية والاحزاب) تهتم اهتماما كبيرا بدراسات العلماء في هذا المجال لإستخدامها من اجل تشديد القبضة على الزبون.
Gerald Zaltman, البروفيسور السابق في مدرسة هارفارد لرجال الاعمال قام بتطوير طريقة جديدة اطلق عليه ZMET (Zaltman Metaphor Eliction Technique), هذه الطريقة اصبحت احدى اهم الطرق فعالية للكشف عن الافكار اللاواعية وطريقة تأثيرهم على سلوكنا الاستهلاكي.
اليوم تضطر الشركات الى سحب اربعة من خمسة منتوجات جديدة من الانتاج بالرغم من ان الشركات قد صرفت الملايين لتجربة البضائع الجديدة قبل طرحها في الاسواق.
زالتمان يعتقد ان سبب عدم إقبال الزبائن عليهم على الضد من نتائج التجارب الاولية، لكون التجربة اخذت بعين الاعتبار السلوك الواعي عند اشخاص التجربة في الوقت الذي تخضع اختياراتنا بدرجة تصل الى 95% للسلوك الغير واعي. بمعنى اخر فأن التجارب التي اجريت اعطت نتائج يعكس مانعتقد اننا نعتقد.
على العكس تم تصميم طريقة ZMET- من اجل ان إستجلاء السلوك الغير واعي.. جوهر هذه الطريقة يكمن في جعل اشخاص التجربة واسطة لنقل صورة عن افكارهم، وبالضبط تكون لهم وظيفة بيتية تتألف في محاولة ايجاد سلسلة من الصور ، على الاقل ثمانية، من مختلف المصادر، مثلا الجرائد والمجلات او الانترنيت.
الصور يجب ان تعكس الافكار والمشاعر التي يعتقد الشخص انها مرتبطة بمنتوج محدد او يثيرها المنتوج في عقل المرء.
بعد بضعة ايام من الجمع يأتي المشاركين مع الصور الى اجتماع محادثة الذي يستمر ساعتين. بهذه الطريقة يستطيع المشرف على التجربة إظهار الصور الاكثر اساسية وذات السمات المشتركة عند الجميع. في نهاية الاجتماع تظهر مجموعة الصور متتالية على الشاشة لتعكس مشاعر وافكار اللاوعي عند اشخاص التجربة.
هذه الطريقة لاتستخدم فقط من اجل تجربة البضائع الجديدة، بل يمكن استخدامه لوضع الخريطة النفسية لتقبل مختلف الخدمات والتأثيرات. احدى التجارب اجريت من اجل معرفة كيف سيتم تأثيث احدى المستشفيات، ولذلك جرت التجربة على العاملين والمرضى وآهاليهم. الفكرة التي عكستها الصور كانت تتداخل بين السعادة والحزن. استخدمت الصور لمعرفة نقاط التحول من مريض الى معافى. لقد اختيرت صورة الفصول والولادة لفراشة كرمز. وبالنتيجة استخدمت الصور التي تعطي إنطباع بالتشافي لتجميل المستشفى.
صورة اخرى من صور تأثير اللاوعي في السلوك الذي استطاع علماء النفس الوصول اليها كانت الرغبة بالتحكم. لهذا السبب اصبح من حق جميع المرضى الحصول على غرفة شخصية في هذه المستشفى الامر الذي يعجل بالشفاء.
" النوعية" ليست إلا شعور في داخلنا
عالم الاعصاب Read Montague, من جمعية بابيلون الطبية في تكساس قام بالبحث في اسباب تفضيلنا لبعض البضائع على بضائع اخرى مشابه. البعض مثلا لن يقبل عن الفولفو بديلا. بعض الرياضيين يصرون على استخدام منتجات اديداس بالذات. وعند سؤالهم عن السبب يجيبون بدون تحفظ: هذه احسن النوعيات. ولكن عندما يجرى الحكم على هذه البضائع من خلال سمات مقارنة موضوعية، مثل التحمل، يظهر لنا ان هذا الاقرار لايوجد مايدعمه في الواقع. لهذا نرى ان بعض البضائع "دارجة" اكثر من غيرها بدون ان نعرف لماذا.
مونتاغو طلب من الاشخاص المشاركين بالتجربة بتذوق الكوكا كولا والبيبسي كولا من كؤوس ليست عليها علامات مميزة، ومن ثم يشيرون الى الكأس الاطيب. تماما كما حدث في تجربة مماثلة فضلت الاغلبية البيبسي كولا على الكوكاكولا. اعيد التجربة نفسها مرة اخرى مع التصوير الاشعاعي لنشاط الدماغ. لقد ظهر ان المنطقة المسؤولة عن " التشجيع" والواقعة في putamen الايسر تكون 5 مرات انشط من اجل اختيار البيبسي.
عند إعادة التجربة وترك الخيار للمشاركين للاختيار بين البيبسي والكوكا كولا فضلت الغالبية الكوكاكولا. الاشعة اظهرت ان نشاط الدماغ هذه المرة في منطقة اخرى: تحديدا منطقة الثقة بالنفس والذاكرة.
هذا الامر يدعو للاستنتاج ان ماركة الكوكاكولا تحفز المشاعر الايجابية وتقوي الثقة بالنفس.
في تجربة اجراها مجموعة من الباحثين على رأسهم Steve Quartz من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا جرى دراسة مالذي يحدث في الدماغ عند الاختيار انطلاقا من الذوق الشخصي، بمعنى اخر من خلال الاختيار الغير موضوعي والقائم على المشاعر. خلال الاخيار جرى تصوير نشاطات الدماغ بالاشعة.
عندما يرى الشخص المشارك بالتجربة احدى البضائع التي يعتبرها " موضة" يكون النشاط في منطقة Beodmanns في اقصاه (10) وهي المنطقة المسؤولة عن تقدير الذات. وبالتالي فالبضاعة "الموضة" تعتبر ذوق جيد.
على العكس نرى ان البضاعة " الغير موضة" تسبب نشاط في منطقة cingulumcortex, الذي يعتبر مركز التوتر. هذا يعني ان البضاعة الغير موضة تحفز مشاعر غير مريحة.
في تجربة اخرى لمعرفة تأثير المشاعر على الخيارات تجاه الاشخاص ومدى تأثيرها على الخيارات السياسية والاجتماعية والدينية كان الخيار بين بوش الجمهوري وكيري الديمقراطي. اظهرت التجربة ان بوش يثير مشاعر الود (التجربة جرت بعد انتخابه لاول مرة مباشرة) . صورة بوش تنشط المنطقة المسماة ventromediala prefrontalcortex, مما يعني انه اثار مشاعر طيبة.
على العكس نجد ان صورة كيري اثارت نشاط الدماغ في منطقة dorsolaterala prefrontecortex, المنطقة المسؤولة عن المشاعر المكبوتة. مما يعني ان الشخص يسعى للابتعاد عن كيري بشكل غير واعي.
بعض الباحثين الاخرين قاموا بالمزيد من البحث ليصلوا الى مايشير بوجود الحاسة السادسة في الدماغ. البسيكولوجيين Joshua Brown and Todd Braver, من جامعة واشنطن في سانت لويس، اكتشفوا ان مركز الدماغ ACC (anterior cingulate cortex, cingulumcortex) يلعب دورا هاما عندما نشعر ان هناك خطأ ما. لهذا السبب قام العلماء بمحاولة تطوير طريقة لكشف وظائف مركز الدماغ.
لقد طلبوا من مجموعة من الاشخاص التحديق بخطوط بيضاء وزرقاء ظاهرة على شاشة كمبيوتر، التي تتحول بعد ثوان الى سهم يشير الى الايمن او الى الايسر. على الاشخاص الضغط كل مرة على زر اليمين او اليسار.
من اجل خلق حالة تناقض في إتخاذ القرار يظهر الى الاعلى سهم اكبر في كل مرة تتحول فيه الخطوط الى سهم، وهذا السهم (في الاعلى) لايتتطابق إتجاهه دائما مع اتجاه السهم الاول. توجه السهم الكبير في الاعلى هو الذي يشير الى صحة او خطأ توجه السهم الصغير. مالم يقله المشرفين على التجربة للاشخاص المشاركين بها انه فيما إذا كان السهم الصغير ازرق يتعدل اتجاهه في الاتجاه الصحيح 50% بالمقارنة مع السهم في الاعلى. وإذا كان السهم الصغير ابيض يتتطابق الاتجاه دائما مع السهم في الاعلى.
الدماغ يحمينا من الفوضى
التجربة اظهرت انه وبالرغم من ان الاشخاص المشاركين في التجربة لم يكونوا واعين بالدور الخاص للسهم الازرق ومع ذلك كان يزداد النشاط في منطقة ACC تماما عندما يظهر السهم الازرق. هذه السمة تزداد تجذرا ووضوحا مع ازدياد وقت التجربة. هذا يشير الى ان ACC قد " علمت نفسها" ان السهم الازرق لايجوز الثقة به وصارت ترسل إشعار تحذيري كل مرة يظهر امامها.
هذا الامر يشير الى ان الدماغ يستقبل ويسجل جميع المعلومات القادمة اليه ولكنه يحول قسم كبير منها الى اللاوعي، الامر الذي يساعد الانسان على التركيز على القضايا الحيوية. من جهة اخرى يظهر ذلك بوضوح الى ان جزء كبير من "القيادة" تترك لما يسمى " الطيار الاتوماتيكي".
تجربة اخرى قام بها كل من John-Dylan Haynes and Geraint Rees من جامعة كوليدج في لندن اظهرت قدر المعلومات التي يلحق الدماغ إستقباله. لقد قاموا بعرض سلسلة من الصور ذات الاشكال المتشابهة في خلال ثوان ثم قاموا بتغطية الصور بصور اخرى. لقد ظهر انه وبالرغم من ان الاشخاص لم يتمكنوا من وصف الصور او الاشكال فيها ولكن التصوير الاشعاعي fMRI اظهر ان الدماغ استطاع ان يفهم كيف كانت خطوط الاشكال تتالى. على خلفية هذه التجارب التي اثارت اهتمام القوى الطامحة لتشكيل الرأي العام، يؤكد العلماء الى ان الجيل القادم من مكائن التصوير الاشعاعي سيقدم صورا اكثر تركيزا الامر الذي سيتيح لهم قراءة طريقة تفكيرنا وعمل الدماغ.
مصادر:
Olson Zaltman Associates
The Subconscious Mind of the Consumer
The Mind of the Market
There's a Sucker Born in Every Medial Prefrontal Cortex
Neuromarketing
Neuroscience breaks down soft drink 'battle' inside brain
The ideas interview: Steve Quartz
Scientists Use fMRI to Catch Test Subjects in the Act of Trusting One Another
Anterior Cingulate and the Monitoring of Response Conflict
ONE COMMON FACTOR -- CONTEXT -- MAY UNDERPIN THE NORMAL COGNITIVE PROBLEMS OF AGING
The brain in control
Study ties mental abilities to interaction of emotion, cognitive skills
Decoding of conscious and unconscious mental states
الذاكرة: 8/2006 s.54-57