دكتورنا العزيز بهجت(f)
معليش يا دكتور تحملني قليلاً فأنا شخصياً أستفيد من كتاباتك والنقاش معك ..
Arrayلن أعود للحديث عن صدقية شهادة الدكتور علواني فقد فندت الرأي الذي يكذبها رغم أنه بدى متهافتا من البداية لا يقوم في عقل عاقل ،ولا أعتقد أن هناك منصف يكذب كل ما لا يروقه ، بل أني لست أفهم لماذا يرى الإسلامي أن كل ما لا يوافقه إما كذبا أو خداعا ، فهل لديكم حساسية من الصدق و الموضوعية و الحقيقة ، يا أخي الدكتور علواني كان نجم اللقاء بلا منازع ، أما عن وجود مشاكل في مصر فليس هذا سر جديد يذاع ،و لكن الجديد في الأمر كله هو ما تكشف من فساد الشهادة التي أدلى بها الغزالي أمام القضاء ، و المشكلة ليست أن يكذب الغزالي فما أكثر الكذابين ، المشكلة أن يأتي هذا الكذب متسقا مع نسق المعتقد Belief System لرجل دين بارز كالغزالي ، المشكلة هي أن موقف الغزالي ليس استثناء مدلس و لكنه يقوم على أسس يراها الأصوليون دينا ، فهو كما يرى زميل (إستغل رخصة من رخص الكذب الثلاث لأن هدفه - من وجهة نظره - هدف نبيل.. إنقاذ شباب هايتحكم عليه.. ده اسمه مصلحة مقدمة) ، هكذا إذا نرى أن المشكلة ليست فى الغزالى،و لكنها فى فكر كامل يبيح للمسلم إنعدام الضمير مع إحساس مخادع في نفس الوقت بمرضاة الله ، ذلك التناقض موجود بالفعل في الموروث الفقهي وفي سلوك كثير من الإسلاميين للأسف البالغ .[/quote]
جميع كتب الشيخ الغزالي والتي أشار في بعضها إلى حادثة الشهادة لم يتطرق فيها بالرجوع عن رأيه، ولن أكذب شهادة رجل كالدكتور القرضاوي التي نقلها الأستاذ إسماعيل أحمد في مقابل شهادة العلواني وكذلك لن أكذب قول الشيخ بنفسه في كتبه وإصراره على رأيه في شهادة العلواني بعد أن توفى الله الشيخ بواسع رحمته..
وصدقني لو أخبرتك أنني لست إسلامياً بالمعنى الذي تعرف ولست كذلك علمانياً بأي معاني الكلمة، بل إنني مسلم عادي بلا تعقيدات المشاريع الإسلامية ولا المشاريع العلمانية بالإضافة إلى أن تساؤلات الوجودية وغيرها لا تؤرقني في ليل أو نهار لأنني مؤمن بالله وما جاء في كتابه العزيز (القرآن الكريم)..
وصدقاً أقولها من كل قلبي ليغفر الله للدكتور فرج فودة إن كان مصيباً أو كان مخطئاً وليتغمده في واسع رحمته ورضوانه..
Arrayيا سيد أبو عائشة أي إجماع هداك الله !، الإجماع هو في التعريف الأصولي اجتهاد رجال الشورى في عصر من العصور فيما يعرض عليهم من حوادث تناولوها بالبحث و اتفقت آراؤهم فيها ، هكذا نجد أن الإجماع هو مجرد اجتهاد سبيله الاستشارة استخلاصا لحكم شرعي في ضوء قواعد يتوافق المجتهدون حولها ، هذا الاجتهاد بالتالي سيكون خاضعا في تكوينه مثل أي اجتهاد آخر لمجموعة عوامل منها التكوين النفسي و المناخ الثقافي ( الأيكولوجيا الثقافية ) و المرجعية المعرفية و المنهج العقلي المتبع و كلها عوامل بشرية ، إن الإجماع مجرد رأي مرتبط بمن قاله و بما قيل فيه ، وهو قد أقيم على منهج عقلي ذي مرجعية نصية و متغذيا على مخزون الخبرة لدى صاحب الرأي و بالتالي هو لا يلزم سوى صاحبه ومن يشاركه قناعته ، فلا يوجد سبب واحد منطقي يدفعنا كي نصوغ حياتنا على هدي أفكار أجمع عليها بعض من الأعراب في منعزلهم الصحراوي منذ 1200 عام أو أكثر بحجة أن تلك الأفكار -وربما الهواجس- هي صحيح الدين ، لقد استقرت في وجدان العقل الجمعي المسلم مسلمات ليست مما ينبغي التسليم بها لمجافاتها للمعقول و لأنها أنتجت بمسلمات مفروضة بقوة الإذعان الديني و ليس بقناعة المنطق .
يا سيدي منذ ما قيل عن فكرة الإجماع وهي تواجه بالإنكار و باستحالة التحقيق ، فمنذ البداية هي محل خلاف الخوارج و الشيعة ، كما عارضها الشافعي في غير ما يتصل بأصل الفرائض ، و في العصر الحديث عارضها الشيخ محمد عبده و الشيخ محمود شلتوت الذي وضع ضوابطا للإجماع يستحيل تحقيقها ، هناك أيضا أسباب سوسيولوجية تؤكد استحالة الإجماع مثل تفرق العلماء في الأمصار و اختلاف الأعراق و اللغات و المصالح و درجات الرقي و مستويات المعيشة ، ناهيك أن هناك خلل بنيوي في منهج الإجماع ذاته ، فيحال لآلية الإجماع ما ليس قرأنا ولا سنة نبوية و إلا لأحتج بهما دون حاجة لمصدر آخر ، و طالما الإجماع لا يكون حول القرآن ولا السنة فهو خارج مجال المعطى الإلهي و يندرج في مجال المعطى البشري الذي لا إلزام فيه ولا حجة له لا يوجد ما يعرف بالإجماع لأنه لم يوجد قط ،و الإجماع هو إجماع لمذاهب لا حصر لها يدعي كل أن مذهبه هو ما اجتمعت عليه الأمة ، الإجماع يا بوعائشة مجرد رأي .[/quote]
كنت اقصد إجماع جميع الفرق على "حد الردة"، ولا تؤخذ الحدود بناء على اجتهادات يا دكتورنا بل على نص شرعي من القرآن الكريم أو حديث صحيح متواتر، والحديث الصحيح يؤخذ به حتى لو كان من 1400 عام، فنصوص الدساتير والقوانين لا تسقط ولا تلغى بالتقادم او عدم استخدامها فمن باب أولى أن لا تلغى النصوص الشرعية، لأنها أعلى مرتبة (لدى المسلمين) من أي ميثاق أو قانون خطه البشر (هذه قناعة المسلمين) ..
أما الإجماع بمعناه الشرعي، فأنقل لك قول أصحاب الاختصاص الشرعي ويمكن أن يفيدنا في ذلك أكثر الأستاذ إسماعيل أحمد..
:redrose:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رقـم الفتوى : 28730
عنوان الفتوى : الإجماع.. معناه.. منزلته.. وإمكانية تطبيقه حالياً
تاريخ الفتوى : 14 ذو الحجة 1423 / 16-02-2003
السؤال
ما معنى الإجماع وما مكانته في الإسلام؟ وكيف يمكن أن يطبق في هذا العصر؟ وماهي طرق الإستدلال في حالة تعارض الأدلة؟
سأنقل مقتطفات من الفتوى ففيها رد على قول الدكتور بهجت
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
واختلف الأصوليون في تعريف الإجماع اصطلاحاً تبعاً لاختلافهم في كثير من مسائل الإجماع المتعلقة بأركانه وشروطه وأحكامه.
والتعريف المختار أن الإجماع هو: اتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان.. انظر جمع الجوامع 1/176 مطبوع مع حاشية البناني. وقد اختاره كثيرون.
ولكي يتضح هذا التعريف فلا بد من شرحه وذكر محترزاته:
فاتفاق معناه: الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء دلّ عليه الجميع بأقوالهم جميعاً، أم بأفعالهم جميعاً، أم بقول بعضهم وفعل بعض، وهذا كله يسمى بالإجماع الصريح، أم بقول بعض أو فعله مع سكوت بعض آخر، وهذا يسمى بالإجماع السكوتي، وبهذا يكون التعريف شاملاً لقسمي الإجماع: الصريح والسكوتي.
أما مجتهدو الأمة: فالمجتهد: هو الذي يبذل وُسعه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحس معه بالعجز عن المزيد عليه.
والأمة: هي الطائفة من الناس تجمعها رابطة، والمراد بها: أمة محمد صلى الله عليه وسلم،أي: أتباعه المؤمنون به في أي زمان، وهم أمة الإجابة لا أمة الدعوة.
وقد خرج باتفاق مجتهدي الأمة:
1- اتفاق المقلدين والعوامّ؛ فإنه لا يعد إجماعاً شرعيّاً.
2- اتفاق بعض المجتهدين؛ فإنه لا يعد إجماعاً.
3- اتفاق مجتهدي غير هذه الأمة.
أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيخرج به اتفاقهم في حياته، فإنه لا عبرة به، قال الآمدي: وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. الإحكام للآمدي 1/109 .
وأما في عصر: فالمراد به الاتفاق في أي عصر كان، فدخل بهذا القيد: اتفاق المجتهدين في أي زمان كان، سواء كان في زمن الصحابة أم من بعدهم.
وفي هذا دفعُ توهّم أن الإجماع لا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين في جميع العصور، وهو محال. انظر الإحكام للآمدي 1/196، وحاشية البناني على المحلى 1/176 .
وعلى أي أمر كان: المراد به الحكم الذي اتفق عليه المجتهدون، ويشمل:
1- الأمر الديني: كأحكام الصلاة، وتفسير آية أو حديث.
2- الأمر الدنيوي: كترتيب الجيوش والحروب، وتدبير أمور الرعية.
3- الأمر العقلي: كحدوث العالم.
4- الأمر اللغوي: ككون الفاء للترتيب والتعقيب.
ومرتبة الإجماع بين الأدلة الشرعية تلي مرتبة الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف مستدلاً على ذلك بما ثبت عنهم من الآثار، ومن ذلك:
- ما جاء في كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح رحمه الله حيث قال له: اقضِ بما في كتاب الله، فإن لم تجد فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك. ، وفي رواية: فبما أجمع عليه الناس. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/240، و البيهقي 10/115، و النسائي 8/231 .
والإجماع على قسمين:
قطعي: فهذا لا سبيل إلى أن يُعلم إجماع قطعي على خلاف النص.
وأما الظني: فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي، بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافاً، أو يشتهر القول ولا يعلم أحداً النصوصُ به؛ لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها، فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي، وأما إذا كان يظن عدمَه ولا يقطع به، فهو حجة ظنية، والظني لا يُدفع به النص المعلوم، لكن يُحتج به، ويُقدم على ما هو دونه بالظن، ويُقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدّم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا. والمصيب في نفس الأمر واحد.
وبعد هذا التقرير لمكانة الإجماع في الدين، يحسن أن أذكر أهم فوائد الإجماع التي ذكرها أهل العلم، وكان من دواعي ذكر هذه الفوئد:
مع القول بأن من شروط الإجماع أنه لا بد أن يستند الإجماع إلى دليل من الكتاب والسنة، وأنه لا يمكن أن تجتمع الأمة على خلاف النصوص، كما أنه لا يمكن أن يكون الإجماع ناسخاً لنص ؟
وقد أجاب العلماء على هذا فذكروا أهم فوائد الإجماع. انظر كتاب نظرة في الإجماع الأصولي، ص73، وما بعده، وهذا ملخص ما سطروه:
الفائدة الأولى:
الإجماع على المعلوم من الدين بالضرورة يُظهر حجم الأمور التي اتفقت فيها الأمة؛ بحيث لا يستطيع أهل الزيغ والضلال إفساد دين المسلمين، ومن طالع حال الأمم السابقة من أهل الكتاب وغيرهم، في اختلافهم في أصول دينهم العلمية والعملية علم النعمة العظيمة التي اختُصت بها هذه الأمة؛ حيث أجمع أئمة الدين على مئات من الأصول بله الفروع، بحيث لا يخالف فيها أحد من المسلمين، وممن خالف بعد العلم حُكِم عليه بما يقتضيه حاله من كفر أو ضلال وفسق.
الفائدة الثانية:
العلمُ بالقضايا المجمع عليها من الأمة يعطي الثقة التامة بهذا الدين، ويؤلف قلوب المسلمين، ويسدّ الباب على المتقولين الذين يزعمون أن الأمة قد اختلفت في كل شيء؛ فيكف يجمعها أو يربطها رابط؟!
الفائدة الثالثة:
أن السند الذي يقوم عليه الإجماع قد يكون ظنياً فيكون الإجماع عليه سبباً لرفع رتبة النص الظنية والحكم المستنبط منه إلى رتبة القطع؛ لأنه قد دلّ الإجماع على أنه لا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما أجمعوا عليه.
وقد دلت عدة أدلة على حجية الإجماع نذكر منها:
الدليل الأول:
قوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115]، وأول من استدل بهذه الآية الشافعي رحمه الله ثم تبعه الناس على الاستدلال بها.
وجه الاستدلال من الآية: أن معنى مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم منازعته ومخالفته فيما جاء به عن ربه، ومعنى سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ما اختاروه لأنفسهم من قول أو فعل أو اعتقاد؛ لأن سبيل المؤمنين مفرد مضاف فيعم هذه كلها، وقد جعل الله كلاً من المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين موجباً للعقاب؛ لأنه عطف بعضها على بعض بالواو المفيدة للتشريك في الحكم، فيلزم أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرماً، كما حرمت مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني:
قوله جل ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143].
وجه الاستدلال بهذه الآية: أن الله تبارك وتعالى عدلهم بقبول شهادتهم، ولما كان قول الشاهد حجة يجب العمل بمقتضاه، إذ لا معنى لقبول شهادته إلا كون قوله حجة، فيدل هذا على أن إجماع الأمة حجة يجب العمل بمقتضاه وهو المطلوب.
الدليل الثالث:
قوله جلا وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110].
وجه الدلالة: أن الألف واللام إذا دخلت على اسم جنس دل على العموم، وعلى ذلك تكون الآية إخباراً من الله سبحانه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، وصِدْقُ خبر الله تعالى يستلزم أنهم إن نهوا عن شيء علمنا أنه منكر، وإذا أمروا بشيء علمنا أنه معروف، فكان نهيهم وأمرهم حجة يجب اتباعه.
الدليل الرابع:
قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
وجه الدلالة: أن الله سبحانه شرط لوجوب الرد إلى الكتاب والسنة وجود التنازع، فدل ذلك على أنهم إذا لم يتنازعوا لم يجب الرد، وأن الاتفاق منهم كافٍ حينئذٍ عن الرد إلى الكتاب والسنة.
الدليل الخامس:
جملة الأحاديث الدالة على لزوم الجماعة، وتعظيم شأنها، والإخبار بعصمتها عن الخطأ ومنها:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري 13/293 .
2- قوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. رواه أحمد.
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية. متفق عليه.
ولكن وقع الخلاف في وقوع الإجماع في الأحكام الظنية، على مذهبين:
المذهب الأول:
إمكان وقوع الإجماع فيها، وإلى هذا ذهب الجمهور، وهو الصحيح، وليس أدل على ذلك من الوقوع، وأمثلة وقوع الإجماع كثيرة، مثل الإجماع على تقديم الدَّيْن على الوصية، وحرمة شحم الخنزير كلحمه، والإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة، لا يجوز الوضوء منه.
المذهب الثاني:
أن هذا الإجماع مستحيل الوقوع, وذهب إليه النظام المعتزلي، وإمام الحرمين، وكثير من المعاصرين، واستدل لأصحاب هذا المذهب على ذلك بأن أهل الإجماع قد انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا الانتشار يمنع نقل الحكم، منهم وإليهم عادة، وإذا امتنع نقل الحكم امتنع الاتفاق منهم على حكم معين، ويجاب عن ذلك بأن أهل الإجماع عدد قليل معروفون بأعيانهم، وهم المجتهدون، وعليه فيمكن أن تنقل الواقعة إلى جميعهم، ويستطلع رأيهم فيها.
أما ما نقل عن الإمام أحمد من مقولته المشهورة: من ادعى الإجماع فهو كاذب.
فليس مراده بها نفي وقوع الإجماع أو حجيته قطعاً؛ لكون الإمام يحتج به، ويستدل به في كثير من الأحيان، وقد حملها العلماء على عدة أوجه، ومن أحسنها: أنه قال ذلك على سبيل الورع، لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له من معرفة بخلاف السلف، ويدل لذلك تتمة كلامه السابق حيث يقول: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، إذا هو لم يبلغه.. أي إذا لم يبلغه في المسألة خلاف.
قال ابن القيم : وليس مراده -أي الإمام أحمد - استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها. انظر المسودة، ص: 316، ومجموع الفتاوى 19/271، 20/247، ومختصر الصواعق، ص: 506 .
وإذا تقرر هذا.. فالإجماع يمكن انعقاده في هذا العصر إذا تولت أمره الجهات العلمية في البلاد الإسلامية بأن تستطلع رأي مجتهديها في الواقعة، فإذا اتفقت آراء المجتهدين جميعهم على حكم واحد في هذه الواقعة، كان هذا إجماعاً، وكان الحكم المجمع عليه حكماً شرعيّاً واجب الاتباع على المسلمين، ولكن من المعلوم أن تولي هذه الجهات استطلاع آراء المجتهدين في ظل عدم اهتمام كثير من الحكومات بتطبيق الشريعة، يكاد يكون مستحيلاً.
أما كيفية الاستدلال حالة تعارض الأدلة، فقد وضع أئمة العلم قواعد علمية لدرء التعارض، وهي:
1- الجمع بين النصوص بطريقة من طرق الجمع المعتد بها عند علماء الأصول، مثل:
- ردّ العام على الخاص.
- ردّ المطلق على المقيد.
- رد المجمل على المبين.
- رد المتشابه إلى المحكم.
- معرفة الناسخ والمنسوخ.. ونحو ذلك من الطرق.
2- الترجيح بين النصوص بطريقة من طرق الترجيح التي ذكرها علماء الأصول، ويلجأ إلى هذه الحالة عند تعذر الجمع بينها.
3- وإذا لم يستطع الدارس الجمع أو الترجيح فإنه يتوقف حتى يتبين له الأمر.
والله أعلم.
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFat...=A&Id=28730