هل يكفي العلم لحسم النقاش عن نظرية التطور ؟
تحية ...و قد حضرت متأخرا..!!
هل يكفي العلم لحسم النقاش حول نظرية التطور؟!
هل يكفي العلم ....؟
ما العلم؟....ليس لدي تعريفا محددا و لكن هناك "مدارس" تتبنى تعريفات له بعضها يقول أن العلم منهاجا و بعضها يقول بأنه حصيلة معرفية و يذهب بعضهم الى أن العلم هو توظيف النتائج العلمية للحصول على "أدوات" نافعة,لست اميل الى هذه الفكرة الأخيرة فتحويل الأفكار الى أدوات مجرد نجاح تكنولوجي هو أقرب الى أن يكون سلوك "صناعي أو تجاري" يستغل او قل يستفيد من النشاط الفكري و المعملي و حصيلته المعرفيه , لن اقلل من أهمية هذا النشاط و لكنه ليس العلم ,بإعتبار أن هذه الصورة التطبيقية مرحلة تاليه لمجمل النشاط العلمي الذي يبدأ بالملاحظات و يستعين بالمخابر و الحواس لتكوين النظريات و المفاهيم و بدون هذا النشاط الضروري لن يكون للتطبيق اي وجود. يبقى لدي أمرين, أما ان يكون العلم خطة و منهاجا, و أما أن يكون قوانين و نظريات هي نتاج ذلك المنهج .أي هل يكتسب العلم قيمته من منظومة القوانين و النظريات التي تمثل خبرة حسية أم يكتسبها من خلال الطريقة أو المنهج الذي يسلكه العالِم للخروج بتلك الحصيلة؟
مؤسسة جائزة نوبل العالمية و التي تمنح المبرزين علميا أوسمة و نقودا, لا تلقي بالا الى المناهج و الخطط, فهي لا تمنح جوائزها لمجرد إجراء التجارب أو جمع الملاحظات و إنما تمنحها لمن استطاع أن يستخلص من تجاربة و ملاحظاته نظرية أو قانونا , و استطاع أن يثبت "هو أو غيره" أن لهذا القانون موطىء قدم تجريبي أو موضوعي , ماكس بلانك مثلا "ابتكر " فكرته في الكم في العام 1900 و نال جائزة نوبل عن هذه الفكرة بعد ذلك بثمانية عشر عاما, و قد أنتظر بلانك كل هذه المدة ليتم التأكد من أن "كمه" ليس مجرد إقتراح رياضي .حسب مؤسسة جائزة نوبل يكون العلم نتائج لها وجود موضوعي.قياسا على ذلك فلن يلتفت أعضاء لجنة نوبل الى داروين لو كانت الجائزة موجودة في زمانه بإعتبار أن نظرية التطور لا تمتلك قرائن و أدلة كافيه تريح ضمير لجنة نوبل لتمنحة جائزتها" و ذلك بإفتراض أن نوبل يمنح جوائز في البيولوجيا".
و لكن هل العلم حقا مجرد نظريات و قوانين..؟لست أوافق على سلوك موسسة نوبل لأن النظريات و القوانين ليست شيئا نهائيا تم الوصول أليه و أنتهى , فالأمر أكثر من مجرد تسلق جبل نعرف أرتفاعه .النظريات و القوانين معرفة حسية شديدة الكثافة ذات دلالات وصفية يمكن أن تتغير بعد مراكمة خبرات حسية جديده , و في حالات معينة يمكن أن تنقلب و تتغير بشكل كامل فتحل محلها نظريات أخرى تحمل عمقا توصيفيا أو تفسيريا اكبر, بل يمكن أن نعبر عن ذات الظاهرة باكثر من طريقة واحدة و كل طريقة تحمل معيار مطابقتها للواقع معها, كالنظرية الموجية و النظرية الجسيمية للضوء. و يمكن أن اعبر عن قانون واحد بشكل مختلف كأن اقول عند تسخين قضيب من الحديد فإن القضيب يتمدد , أو اقول عند تسخين قضيب من الحديد فإن الكون يتقلص , الفيصل بين هذين القولين هو البساطة في التعبير و البساطة في التحقق .
العلم "كما" أعتقد" منهاجا و خطة أو مجموعة إجراءات يقوم بها ممارس العلم للوصل الى نتائجة , و لم يبدأ العلم الحديث إلا بثورة منهجية تم التخلي فيها عن منطق أرسطو و ميتافيزيق إفلاطون و لاهوت توما الإكويني و التي كانت مصادر الفكر الرئيسة , بدأها بيكون بمحاولة صياغة أول منهج للبحث في العلوم التجريبية ثم تبعه جون ستيورات مل و استمرت على يد ماخ و رسل و تيار التجريبية المنطقيه و هؤلاء رفضوا اي تفسير إبداعي للمعرفة العلمية و وقالوا بأنها مجرد وسلية للإقتصاد في الفكر تمكنا من سهولة التعامل مع الظواهر , فبدلا من ركام الملاحظات التي تشير الى عوامل تغير حالة جسم من السكون الى الحركة فيتم إختزال كل تلك الملاحظات بلفظ واحد هو القوة.القوة كمفهوم هو ليس العلم و لكنه نتاج علمي , و العلم هو الطريقة التي اتبعت لإبتكار هذا المفهوم.
العلم بما هو خطة أو منهاج هل هو قادر على الحكم بالصدق أو الكذب على نظرية ما أو قضية؟؟هو غير قادر رغم أن المنهج يتضمن عرض النتائج العلمية على الواقع للمطابقة .لمعرفة مدى تطابق نظرية ما مع الواقع يتوجب علي أن أكون عارفا بالواقع و هذا شيء غير مؤكد, فقد يخفي الواقع أحد جوانبه , العالم الذري مثلا , و قد فشل ميكانيك نيوتن عند تطبيقه عليه , لذلك أحب أن استعيض عن مفهوم "الموضوعي" بمفهوم "الملائم".فكل ما يستطيع العلم "كمنهج" تقديمة نظريات و قوانين و مفاهيم تكون ملائمتها للواقع في حدها الأقصى في لحظة زمنيه معينه , و فإن تلائمت نظريتان وضعتا على محك البساطة فاكثرها ملائمة ابسطها.
نظرية التطور "المقصود هنا الإنتخاب الطبيعي لداروين" هي نتيجة منهاج يقوم على معلومات سابقه وملاحظات و إختبارات معملية , و يصعب وضع هذه النظرية على محك التجريب نظرا للزمن الطويل التي تستغرقة عمليات التطور ,و لكنها تتمتع بقدر كبير من الملائمة و السهولة و لديها القدرة على تفسير ظواهر لم يلحظها دارون نفسه , فنظرية التطور تقول بالاصل المشترك الواحد لجميع الأحياء فواجهت النظرية إعتراضا لمن يرى تمايزا نوعيا كبيرا بين الحيوان و النبات فالنبات ينفرد بقدرته على على بناء غذائه من عناصر غير عضوية و الحيوان ينفرد بقدرته على الإنتقال و الحركة الموجهة و قد زال هذا التبياين بإكتشاف مملكة ثالثه هي مملكة البروتستا التي تجمع بين خائص نباتيه و أخرى حيوانيه,و هذا دليل على خصوبة هذه النظرية و قدرتها على إستيعاب ملاحظات جديدة.و الأمر الآخر أنها النظرية العلمية الوحيدة التي تتصدى لكشف اصل الإنسان, لا بنافسها إلا "نظرية الخلق المباشر".و للمفاضلة بين هاتين النظريتين لدينا "شفرة" أوكام أو معيار البساطة.
قبل المفاضلة أريد أن استبعد نظرية ثالثة تقول أن اصل الإنسان تطوري و لكن اصل الحياة بذرة بذرتها قوى خالقة نتج الإنسان عنها بعد سلسلة تطورية,هذا الطرح يتضمن غائية القوى الخالقة من عملية التطور فتخرج عن المفهوم الداروني للتطور حيث يوظف دارون الصدفة , و بذلك يكون التطور الذي عناه دارون يختلف كل الإختلاف عن معنى التطور الغائي,و بعبارات أخرى يقول دارون أن الشكل الحالي للأحياء هو مجرد إحتمال من مجموعة كبيرة من الإحتمالات كانت على درجة متساوية من إمكانية الحدوث , أما التطور الغائي فلا يعترف إلا بإمكانية واحدة للتطور و هي هذه التي نراها حاليا.و بذلك تكون هذه النظرية تكرار لنظرية الخلق المباشر مع إضافة بعض المنكّهات العلمية.
تقوم نظرية التطور على مشاهدات بدأها القس مالتوس الذي قال بالزيادة المفرطة "للنوع" مع قلة في الموارد هاتين الملاحظتين قادتا الى إستدلال هو صراع الأفراد من اجل الوجود, المشاهدات التالية و قد تم استقائها من علماء التصنيف تقول بتميز الفرد عن مجموعنه اي لا يوجد فرد في مجموعة يطابق فردا آخر رغم أنتمائهما لذات المجموعة, أما مربو الماشية قد لاحظو كثرة توارث التغيرات الفردية , يستدل من هاتين المشاهدتين على الأنتخاب الطبيعي اي بقاء الفرد ذو المميزات الملائمة , و إستدلال الإنتخاب الطبيعي يقود الى إستدلال آخر هو التطور عبر الأجيال.اي أن إستمرار عملية الأنتخاب الطبيعي جيلا بعد جيل سؤدي الى ظهر نوع جديد.تحمل هذه النظرية بنية منطقية و تتضمن محتوى معرفي عبر الإنتقال من ملاحظات الى نتائج ايدت بعضا منها التجارب و بعضها الآخر المستحاثات و لديها كماراينا قدرة تفسيرية لمشاهدات جديدة.
نظرية الخلق تقول بأن الله "خلق" الإنسان بشكل مباشر, تبدو هذه النظرية أكثر بساطة فهي لا تستدعي إستدلالات منطقية , و هي خصبة بما يكفي لتفسير كل شيء بذات الطريقة "الله", و هنا تكمن المشكلة فهذه النظرية "تورط" كائن خارق حتى متبني النظرية لا يملك له تعريفا, مما يجعل هذه النظرية أعقد مما تبدو.
الآن اي نظرية تفضل التطور الداروني أم الخلق الإلهي؟؟
|