هذا المقال لكاتب عراقي ومحام سابق حول الانتخابات نشر اليوم بجريدة الشرق الأوسط، أدرجه مع التعليقات عليه للاستئناس، وعسى أن تتسع صدور الصداميين لما جاء فيه من آراء صريحة في الدكتاتور:
دولة القانون
العراق سبّاق بكثير من «الأوائل»، ولكنني أعتبر أهمها أنه كان أول من أقام صرح القانون في تلك الشريعة الشهيرة المعروفة بـ«قانون حمورابي». في بابل، وضعت الشريعة البابلية، ومنها تعلم اليهود فصاغوا الشريعة الموسوية. وفي بغداد، وضع الفقهاء سنن الشريعة الإسلامية، وبها تحولت بغداد إلى مدرسة لكل طلبة علوم الشريعة من سائر العالم الإسلامي. وبعد ذبول بغداد، انتقل المركز إلى النجف.
كمحام سابق وابن عائلة اشتهرت بالقضاء، عرفت تماما كيف أن السلك القضائي كان أنظف فرع من الخدمة المدنية في العراق. لم أسمع طوال حياتي هناك بقاض يرتشي أو يتأثر بوساطة. وكانت محكمة التمييز تمثل خير تمثيل التلاحم اللاطائفي في العراق. رئيسها يهودي (داود سمرة)، وعضوها الأول مسيحي (أنطوان شماس)، وعضوها الثاني مسلم (عبد اللطيف الشواف). لكن هذا التاريخ القانوني للعراق تقوض على يد ذلك المعتوه صدام حسين، الذي نطق بتلك الكلمة الشهيرة: «هو شنو القانون؟ هو شي نكتبه بليلة»، وطبّق ما قال وقضى على كل ما بقي من الاحترام لصرح القضاء والقانون.
القانون هو العنصر الأساسي الذي يميز المدنية من الهمجية. وهو الأساس الذي لا تقوم الديمقراطية ولا تحقق البلاد أي تنمية ولا يذوق الشعب أي سلام وطمأنينة بدونه. وكان السر وراء كل الحضارات التي قامت في بلاد الرافدين.
مزق صدام كل هذا التاريخ، وبفعله هذا فتح الأبواب لكل تلك الموجة من الفوضى والإرهاب والخطف والفساد وسفك الدماء التي تلت حكمه. كدنا جميعا نفقد كل الأمل في نهوض البلاد من هذه السورة. وراح الكثيرون يترحمون على عهد صدام، ويكيلون الشتائم لنا، نحن الذين دعونا إلى إسقاطه ولو بحراب الأجنبي، ويحملوننا مسؤولية ما جرى.
ما الذي تمخض عن الانتخابات الأخيرة؟ عناني منها شيء واحد، وهو الشعار الذي تبناه نوري المالكي لحزبه «ائتلاف دولة القانون». بهذه الكلمات الثلاث وضع المرهم على الجرح. ولا شك أن جل ما سعى إليه خلال ترؤّسه الحكومة هو دعم سيادة القانون وإحلال السلام والأمن في إطار القانون. ما زال الطريق أمامه طويلا، ولكنه أمسك - كما يقال - برأس الشليلة. أضاف إلى هذه اللفتة لفتة أخرى، وهي حذف كلمة «الإسلامي» من حزبه. فليكن حزبا لكل العراقيين بكل طوائفهم وقومياتهم. ولم يتجسم نضوج الشعب العراقي كما تجسم في إعطاء أصواته له والتفافه حوله. لقد بدد المالكي كل الظنون والأفكار المتشائمة بشأن مستقبل العراق.
تمر كل الثورات والانقلابات وسقوط الأنظمة بمرحلة من الفوضى والمعاناة وسفك الدماء. الشعب الفرنسي عانى ربع قرن من العذاب بعد الثورة الفرنسية حتى استقرت أحواله. خمسة أعوام من العذاب ليست أكثر من خمس دقائق بالنسبة إلى تاريخ العراق الطويل، والثلاثين سنة من حكم صدام.
شكرا لك يا نوري المالكي. لقد أعدت إلينا إيماننا بالعراق والعراقيين، وأثبت للعذال أننا كنا على حق في دعوتنا إلى إسقاط نظام صدام. فلا مستقبل لبلد يديره مجنون طائش.
التعليــقــــات
جواد كاظم الخالصي، «المملكة المتحدة»، 05/02/2009
أعجبني توصيف السيد الكاتب عن رعاية القانون لأن القانون هو المعيار الوطني الذي تقوم عليه حضارات الأمم، فبدونه لا معنى لحياة الناس ومعايشتهم مع بعضهم البعض وخصوصا ما عاشه العراق خلال الفترة المظلمة التي مرّت تحت حكم صدام حيث تدحرجت الرؤوس عن أجسادها دون أن تمرّ على شيء إسمه القانون لأن تلك الرؤوس لم تكن ترى النور بل حبيسة غرفها المظلمة، وما أحوجنا الى القانون الذي ينظّم حياة مدنيتنا أمام تفاعل الارهاب الأعمى والعصابات التي ضربت الشارع العراقي دون أن يهنأ الطفل في حجر أمه ، نعم لقد فقدنا الأمل في أن نحتكم الى القانون حيث صوت الرصاص كان عاليا لولا المنهج الذي إختطه المالكي في دحر الارهاب القادم الينا من الخارج والعصابات المليشوية التي اعتاشت على دماء الناس جميعها على حد سواء مما أسفر ذلك عن عودة الأمل الينا أن نعيش كباقي البشر مثل ما هم في باقي الدول ونتمنى أن يبقى هذا الانجاز قائما بتكاثف كل الشرفاء من العراقيين جميعا وأن يقفوا خلف بعضهم متراصين وليبقى القانون يعلو على كل فرد في البلاد دون تمييز بين من إرتقى منصبا أو كان مواطنا عاديا. وشكرا للقشطيني على هذا المقال الرائع.
ياسر أبوعاصي- سيناء الشمالية، «مصر»، 05/02/2009
قد ولى عهد صدام بحلوه ومره .. وسقوطه عبرة لمن لا يعتبر.. واذا كان صدام قد الحق دمارا بالبلاد اكثر مما الحقه الاحتلال.. فهذا رأي صواب قد يحتمل الخطأ.. ولكن ما يهمنا اليوم أن نرى دولة العراق دولة عربية مستقلة هادئة مستقرة .. ومن ثم يستطيع أبنائها أن يضيفوا لها ما تحتاجه البلاد ... وندعوا من الله ان يزود العراق بابنائها المخلصين الابرار.. حتى نوقف سيل الدماء المتدفق... حتى لا نرى ضحايا آخرين.. نتمنى من الله أن يبني العراق أهل العراق بجميع الطوائف..
د.سلمان الربيعي، «كندا»، 05/02/2009
شكرا للأستاذ أبو نائل لشكرك المالكي. يجب علينا ان نشجع من يعمل من أجل العراق كل العراق. لقد نجحت حكومة المالكي نجاحا باهرا من خلال إجراءها الانتخابات المحلية والمحافظة على ارواح الناخبين والصناديق من العمليات الارهابية.
صلاح حامد الدليمي، «ماليزيا»، 05/02/2009
وشكرا لك أستاذ خالد على هذه الكلمة الطيبة بحق العراق وبحق رجل العراق الجديد نوري المالكي. نؤمن أن العراق نهض من جديد وأنه سيكون منارة لكل من يبحث عن الحرية والديمقراطية من دول الجوار التي لازالت تعيش ظلمات الديكتاتوريات البائسة والتي تخاف نور الحرية الساطع من وادي الرافدين وتخاف تلك النهضة لشعب عريق حي قلب كل المعادلات الخاطئة التي أراد الإرهابيون والقومجيون إملائها عليه..عاش العراق.
سعد ابراهيم، «الاردن»، 05/02/2009
شكرا لك وبوركت على هذا المقال الذي سيساهم حتما في اعادة بناء دولة القانون. وكم نحن بحاجة الى مثلك يا أستاذ خالد ايها العراقي الاصيل.
مصطفى عبد الواحد، «فرنسا ميتروبولتان»، 05/02/2009
سلمت روحك التي أجادت هذه الأنشودة الجميلة يا أستاذنا القشطيني.
سمر أحمد، «مصر»، 05/02/2009
شكرا لك استاذ خالد على شرح وتوضيح ما كان يحدث في العراق ومنذ بداية عهد صدام. لقد بلغ استخفاف صدام وحاشيته بالقانون الى درجة انه كانت تصدر قرارات تظل نافذة لعدة ايام ولاشخاص معينين وترفع بعد ذلك. باعتقادي ان صدام كان شخصا محظوظا لأنه سقط على يد الامريكان وليس بيد أبناء شعبه مما غطى لفترة طويلة على ما كان يحدث في العراق في ذلك الزمان.
عقيل سعد راضي، «المانيا»، 05/02/2009
نعم يا استاذي الفاضل لقد اصبت كبد الحقيقة والمالكي هو رجل المرحلة وتستطيع بسهولة ان تكتشف انه يعمل باخلاص للعراق والعراقيين عامة، يجب على كل العراقيين والعرب الشرفاء دعمه والوقوف بجانبه لانه والعراق فيه كثير مثل المالكي شرفاء مخلصين لهذا الوطن لكننا في هذا الوقت لسنا بموقع نبحث فيه طالما ان الرجل يسير بالعراق بالاتجاه الصحيح.
وهذا رابط المقال:
http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?se...;article=505877