• ما هي الديموقراطية ؟
الديموقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ علَى مبادئ محددة :
أول مبدأ هو حكم الأكثرية و قبول الأقلية المعارضة لهذا الحكم ..
طبعا الإجماع ليس له وجود خارج الديكتاتوريات المعروفة مثل ديكتاتورية صدام و عبد الناصر و غيرها, ففي الدول الديموقراطية يجب أن يكون هناك أقلية تعارض حكم الأغلبية و الأقلية صوتها مسموع و محترم و قد تصبح أغلبية في اليوم التالي و تنعكس الآية. الأقلية المعارضة هنا هي أقلية وفية للحكومة و تدعم النظام و تقبل بشروط و قواعد اللعبة الديموقراطية بعكس المعارضة المسلحة أو الإنفصالية أو التي لا تعمل وفقا للنظام القائم بوجه عام.
هناك أيضا مبدأ الفصل بين السلطات : السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية. كل سلطة من السلطات الثلاث لها إختصاصها و تشرف بطريقة ما على السلطتين الأخريين و هذا يجعل كل سلطة من السلطات الثلاث محدودة بالأخرين و منضبطة بقدر الإمكان.
و مبدأ التمثيل والانتخاب : حيث ينتخب الشعب نوابه المختصين بشئون الحكم و السياسة ..
و مبدأ سيادة القانون : القانون الذي يسري على الصغير و الكبير, الحاكم و المحكوم ..
و مبدأ اللامركزية : لأن السلطات المتمركزة في عاصمة الحكم تعطي للدولة طابع شمولي ..
و مبدأ تداول السلطة سلميا : و هو ما يسمح بحرية الحركة داخل النظام و تجديد دماء الحكم.
الديموقراطية كمصطلح تعني حكم الشعب لنفسه ..
و لكنها نظريا تعني حكم الأغلبية ..
و فعليا هي حكم القلة المنتخبة, أو حتى حكم الفرد المنتخب.
بمعنى أوضح رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة في الدولة الديموقراطية هو ديكتاتور منتخب لا أكثر, لكن الميزة في الإنتخاب أن الديكتاتور هنا يهتم بإرضاء الناس و السعي لمصلحتهم بعكس الديكتاتور الغير منتخب الذي لا يهتم بإرادة الشعب لانه لم يوليه بالإضافة إلي أن المؤسسات يكون لها دور فاعل و سيادة القانون تكون حتى على الحاكم نفسه. صحيح ان في الدولة الديموقراطية يختار الناس فئة قليلة منهم لكي يمارسوا الحكم في الدولة و هذا لا يعني أن الشعب بأكمله يحكم بنفسه و لكن على الأقل الديموقراطية تصنع التوازن و التفاهم بين الأقلية الحاكمة و الأغلبية المحكومة و ذلك بالإنتقاص من صلاحيات الحاكم لصالح المحكوم.
الحقيقة أن حكم الشعب لنفسه هو وهم كبير و هذا ليس كفرا بالديموقراطية, لأن أمور الحكم هي عمل مثله كأي عمل يحتاج إلي التخصص و التفرغ و هو ما ليس متاحا للناس المشغولين بأعمالهم الأخرى. طبعا الديموقراطية تحتاج من الناس أن يقتطعوا من وقتهم لكي يمارسوا السياسة و يختاروا السياسات و السياسيين و لكن معظم العمل هو إداري و علمي بالدرجة الأولى. هذا يعني أن الديموقراطية هي أحد أنواع الديكتاتوريات الأكثر توازنا و إنجازا لانها تقوم على المشاركة (المحدودة) للناس في أمور الحكم بالإضافة لإيهامهم بانهم يشاركون (مشاركة غير محدودة) في الحكم فيرضون عن الحكم و السياسات و يستقر الوضع للحكام.
و مع ذلك فأفضل ديكتاتورية هي تلك التي تبدو ديموقراطية و أنا لا أقصد إنتخابات مزيفة بل إنتخابات حقيقية و لكن تأثيرها يكون محدودا مثل تلك التي في إيران أو حتى أمريكا. فالديموقراطية في أمريكا تبدو أقرب إلي ديكتاتورية رؤوس الأموال و هذا النموذج للديموقراطية غالبا هو النموذج الشائع في كل البلاد الديموقراطية : رأس مال يتحكم في الدعاية و الإعلان و العمل و البطالة و الأسواق و يروج لنفسه كخيار سياسي وحيد, تلك ليست الرؤية الشيوعية للديموقراطية الليبرالية بل هي وجهة نظر حتى الكثير من الغربيين الذين إختبروا الديموقراطية و عرفوها جيدا.
لكن لا توجد ديموقراطية على الأرض شبيهة بخيالات الحالمين بحكم الشعب لنفسه. كل ديموقراطية موجودة هي ديكتاتورية مقنعة مع حرية حركة محدودة. و الحديث لا يشمل ديكتاتورية البوليتاريا التي هي في الأساس ديكتاتورية الحزب الشيوعي بل الكلام على الديموقراطيات المتفق عليها عالميا أنها ديموقراطيات.
و يمكن تقسيم نظم الحكم كالتالي :
1- ديكتاتورية الحاكم الفرد الصمد
2- ديكتاتورية الحزب
3- ديكتاتورية رؤوس الأموال
4- ديكتاتورية رجال الدين
5- ديكتاتورية أصحاب المصالح
6- ديكتاتورية الهمج و الغوغاء
و غالبية نظم الحكم الموجودة هي خليط بين نوعين او أكثر من الأنواع السابقة.
مثلا قد يكون النظام هو تحالف ديكتاتوري بين رؤوس الأموال و أصحاب المصالح.
أو تحالف ديكتاتوري بين رجال الدين و رؤوس الأموال ..
أو تحالف ديكتاتوري بين الحزب و الفرد الصمد ..
و هكذا ..
أما الديموقراطية بمعنى حكم الشعب كل الشعب فهذا وهم كبير ليس له مكان على أرض الواقع ..
• ما هي العلمانية ؟
العلمانية تعني فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة، و توفير الحرية لكل الناس لاعتناق وتبني أي معتقد أو دين يرونه, و هي بهذا المعنى ضد كل الأديان لأن كل دين يدعو لنفسه كحقيقة مطلقة ملزمة للجميع. العلمانية هي تفسير و قياس كل الأمور الحياتية بصورة مادية عِلمية بحتة بعيداً عن تدخل الدين. هي رفض أي تدخل من الدين في حياة الفرد, لأن الدين في العلمانية ينتهي عندما يخرج الفرد من معبده. فالعلمانية نظريا محايدة تجاه جميع الأديان لكنها تنهى فعليا و عمليا عن اتباع أي دين أو ملة، و تنادى بأن يتم فصل الدين عن السياسة والدولة، وبأن تكون الأديان هي معتنق شخصي بين الإنسان وربه.
العلمانية هي أيديولوجيا تشجع المدنية والمواطنة وترفض الدين كمرجع للحياة، ويمكن أيضاً اعتبارها مذهب يتجه إلى أنّ الأمور الحياتية للبشر، وخصوصاً السياسية منها، يجب أن تكون مرتكزة على ما هو مادي ملموس وليس على ما هو غيبي، و هي ترى أنّ الأمور الحياتية يجب أن تتحرر من النفوذ الديني، ولا تعطي ميزات لدين معين على غيره، على العكس من المرجعيات الدينية تعتمد على ما تعتقده حقائق مطلقة أو قوانين إلهية لا يجوز التشكيك في صحتها أو مخالفتها مهما كان الأمر، وتُفسّر العلمانية من الناحية الفلسفية أن الحياة تستمر بشكل أفضل و من الممكن الاستمتاع بها بإيجابية عندما نستثني الدين والمعتقدات الإلهية منها.
العلمانية إذن هي فلسفة مادية علمية و مذهب لاديني, و بهذا المعنى فإن حياد الدولة تجاه الاديان يعتبر موقف غير محايد بطبيعته لأن الأديان غير محايدة تجاه الدولةو تجاه الناس. بالتالي فالعلمانية عليها إما أن ترفض الأديان أو تقبلها و لا يوجد ما يسمى بالحياد لا الإيجابي و لا السلبي.
العلمانية في الواقع هي الإلحاد مقنع بالحياد و الموضوعية, مع ان في جوهرها هي إنحياز صارخ و واضح ضد الدين و التدين و ضد غمس الدين في كل شيء. قناع الحياد هذا لازم من أجل قبول كل الدينيين للعلمانية من أجل الفصل بينهم لأن البديل الوحيد للإلحاد المقنع (العلمانية) هو الدولة الدينية بل و الطائفية أيضا مثل الدولة الدينية الشيعية في إيران و الدولة الدينية السنية في السعودية و الدولة الدينية الكاثوليكية في الفاتيكان. و رغم إن الدولة العلمانية تدعو عمليا لنبذ الأديان إلا أنها تعطي حرية كبيرة لكل الأديان بسبب عدم إنحيازها لأي دين. فالموقف الرافض لكل الأديان يجعل كل الأديان و المذاهب في كفة واحدة أما الإنحياز لأحد الأديان و المذاهب فهو يخنق حريات بقية الأديان و المذاهب بصورة كبيرة.
هذا يعني ان الدولة المحايدة تجاه الأديان هي وهم كبير لأن الدولة إما ان تختار أحد الأديان لتروج له و إما ترفض كل الاديان و تطردها جميعا من التدخل في السياسة و الإجتماع و حصارها في حرية الفرد فقط. إن سياسة العلمانية تجاه الأديان واضحة : حصارها في دور العبادة و تركها لكي تنقرض على أساس أنها تمنع عنه الأكسجين الذي يجعلها تحيا و تتوغل في عقول الناس. بعد تفريغ كل مناحي الحياة من سياسة و إقتصاد و علم و فكر و فنون من الدين لا يتبقى من الدين إلا الفتات الذي سيختفي مع مرور الزمن. و هكذا يخلو المجال للإلحاد ..
• ما هي الديموقراطية العلمانية ؟
الديموقراطية العلمانية هي الديموقراطية المحدودة بالعلمانية, محدودة لأن الناس من الممكن أن تختار إسلاميين أو دينيين بوجه عام لممارسة الحكم و لكن أن تكون الديموقراطية علمانية فهذا يعني أن الحكم مقتصر على من هو علماني فقط .
الأمثلة على الديموقراطية الغير علمانية كثيرة : أبسطها حكومة حماس المنتخبة ديموقراطيا و الحكومة الشيعية في إيران و العراق أيضا و حتى نجاح الإخوان المسلمين في مصر في أي إنتخابات نظيفة إلي حد ما. و لذلك فإن الديموقراطية العلمانية هي ديموقراطية منقوص منها الحريات السياسية لمن يرفض العلمانية.
يقال ان العلمانية تضيف إلى الديمقراطيه عن طريق حمايه حقوق الاقليات الدينية و لكن حماية حقوق الأقليات الدينية هي ضد الديموقراطية لو إختار الشعب غير ذلك فالشعب من الممكن ألا يختار حماية حقوق الأقليات. و هكذا فإن العلمانية تضيف بعدا إنسانيا على الديموقراطية و تمنع الأغلبية من ظلم الأقلية و تمنع الأغلبية و الأقلية من إهانة العلم و إستهداف حقوق الإنسان و لكن كل هذا بالإنتقاص من مساحة الحرية في الديموقراطية من أجل الحفاظ على الديموقراطية ككل.
تهذيب الديموقراطية بالعلمانية يعني ضمنا انه ليست كل الخيارات المتاحة للناس إنسانية, بل أنه من الوارد و المنطقي و الأفضل أن نحجب عن الناس بعض الحريات و منها حرية خلط الدين بالسياسة.
يعني لكي نهذب الديموقراطية أكثر و أكثر علينا أن ننقي الخيارات الديموقراطية من :
1- الديكتاتوريين
يعني التيارات السياسية التي ما أن تتولى الحكم حتى تنقلب على الديموقراطية مثل الشيوعيين الراديكاليين و الإسلام السياسي و غيره.
2- الأصوليين
يعني التيارات السياسية التي تظلم الأقليات الدينية بإسم الأكثرية و تعتدي على حرم السياسة و حرم العلوم و حرم الفنون بإسم الدين.
3- العنصريين
الفاشيين و النازيين و أنصار القومية المتطرفة و كارهي الأجانب و أمثالهم.
و هذا يعني أن الديموقراطية العلمانية لا تكفي أيضا بل الأفضل لو نحافظ على ديموقراطية قسرية علمانية متسامحة .
ديموقراطية قسرية لا يمكن النكوص عنها بل تطويرها لو أمكن.
ديموقراطية علمانية حيث لا مكان فيها للدين و الأصولية.
ديموقراطية متسامحة لا يتم فيها إنتخاب العنصرين و الفاشيين و أعداء الأجانب.
• الديموقراطية العلمية
هناك مشاكل أخرى في الديموقراطية بخلاف ان الناس من الممكن ان تنتخب سياسات و سياسيين عنصريين أو أصوليين أو ديكتاتوريين. الناس من الممكن أن تنتخب أيضا سياسات و سياسيين جهلة غير متعلمين بحيث يتعاطوا مع قضايا الإقتصاد و الصناعة و التربية و التعليم و غيرها بطريقة تخلو من العلم و الذكاء.
مثلا إقتصاديات الدول الإشتراكية سابقا تحتاج لخصخصة و الخبراء جميعا يوصون بخصخصة الشركات الخاسرة بالذات و لكن الناس ترفض بسبب العمالة الزائدة التي سيتم طردها في حال الخصخصة. و أيضا عداء الناس لسياسات ثورية فيما يخص التعليم و كذلك إنتشار الإستهتار بالعلم و العلماء بصورة تنم عن جهل تام.
و بما ان الديموقراطية المحدودة ليست فكرة محرمة و لا معيبة بدليل أن هناك الكثير من الدول التي تقر نظام الديموقراطية المحدودة بالعلمانية فمن الأفضل أيضا إقامة ديموقراطية محدودة بالعلم و التخصص خاضعة لوصاية العلماء و المتخصصين في كل المجالات بحيث يكونوا في سطوة رجال الدين في إيران أو رجال المال في أمريكا.
الديموقراطية العلمية لا تعطي حق الإنتخاب لغير المتعلمين بل و لا تعتبر الواحد منهم راشدا من الأساس, فليس الراشد هو من يتخطى سنا معينة بل من ينهي مرحلة تعليمية تحددها الدولة. في تلك الحالة يصبح العلم مميز و مدعوم من الدولة بشكل كامل لكي يصبح كل الناس متعلمين من أجل أن يحصلوا على مزايا الرشد.
أيضا لا يكون من حق أحد أن يرشح نفسه ما لم يكن قد حصل على درجة الدكتوراه في تخصص معين بحيث يكون نواب الشعب جميعا من الحاصلين على الدكتوراة فيما فوق في مجالس متخصصة فبدلا من برلمان الشعب يكون هناك مجالس متخصصة للإقتصاد و الصناعة و التعليم يرشح فيها أصحاب الدكتوراة و ينتخبهم الناس من المتعلمين.
و هكذا لا تكون الديموقراطية قسرية علمانية متسامحة فقط بل و علمية أيضا, قائمة على أكتاف العلماء و المتخصصين. و من الممكن تسميتها الديموقراطية العلمية أو ديكتاتورية العلماء .. لا مشاكل. في الحالتين هناك بعض الإستبداد و بعض الحرية, بعض التشاور و بعض الحسم بنفس الطريقة الموجودة في كل الديكتاتوريات و الديموقراطيات. و لكن الميزة ان القائمين على الإستبداد او الحسم هنا هم من العلماء و ليس رجال الدين الخرافيين أو رجال المال بثقافتهم الإستهلاكية أو رجال السياسة بقدرتهم على التلون و خداع جماهير الناس.
الأنفع هو جمهورية خاضعة لوصاية العلماء و المتخصصين تقوم على أكتاف المتعلمين بحيث يختار الناس من هم جديرين بالحكم فعلا و القادرين على إدارة امور الدولة وفق مناهج علمية تجريبية و سياسات تهتم بخير كل الناس.