اقتباس:لا توجد حرية دينية وحرية رأي وفكر واعتقاد سوى بالإسلام،
وأتحداك أن تضع نصوصاً من صحائف الكتب المقدسة تقر بحرية الدين، أو الدعوة لحسن المجادلة والمحاورة،
بل حتى مجادلة النفس عن نفسها ومحاورات الإنسان مع ربه، ومحاورات الأنبياء مع الناس لم أذكرها في الموضوع ،
لسبب بسيط :
أن القرآن فيه ما لا أستطيع الإلمام به لتنوعه وغزارته وتفرعه وإحاطته لكل مواضيع الإنسان والمجتمع،
أخونا الكريم:
لا "تتحداني" ولا أتحداك.
مصطلح "حرية الفكر" مصطلح أوروبي محض ويرد بكثرة في أدبيات الثقافة الفرنسية libre pense وكذلك الانكليزية حيث يوجد جنس في الكتابة اسمه freethinking. هذا المصطلح يأتي بالإنكليزية كـ كلمة واحدة ونترجمه للعربية على كلمتين "فكر حر". لو أنا قلت لأحد من أصحابي المسيحيين أني أؤمن بشدة بالفكر الحر لجاءه/ لجاءها إسهال؛ وخاصة من أصحاب التيار المحافظ. ولكني فعلا من أنصار الفكر الحر وأدافع عنه بشدة. كل ما أفعله ينطلق من انطلاقات الفكر الحر.
لن أقول لك إن هناك دين معين يمتاز بالفكر الحر دون سواه (وإلا وقعت في فخ السذاجة والبلاهة) لأن المصطلح حديث جداً؛ شأنه شأن مصطلحات حديثة ظهرت ولم يعرفها القاموس من قبل.
أستعد للتقديم في دراسات الدكتوراة. أهم ما يشغلني هو أن لا أكون عبد للمؤسسة الأكاديمية فأرضخ لتوجهاتها العقائدية ولكني أكون حر وأناقش وأفكر بشكل منهجي من مبدأ الـ فكر الحر كمفكر حرّ libre penseur.
ولا أريد أن أقول إن هناك دين أفضل من دين ولا أريد الخوض في جدل التمايز وما يهمني. بصفة شخصية؛ لو أنت مسلم معتدل وتسلك باعتدال وتسامح وصدرك يتسع لأكبر قدر من الآراء فأنت حصلت على الدرجة أو العلامة النهائية في تقديري الشخصي وعلامتك تكون A Plus. لا يهمني بصراحة اسم المعتقد الذي تنتمي إليه. المهم ألا تكون إقصائي ولكن أن تنظر لي كنظير مماثل لك؛ لا أقل ولا أعلى لا سمح الله.
اقتباس:وستجد عشرات الآيات القرآنية التي تدعوا لحرية الدين، ومنطقية المحاججة وعدالة الحوار في القرآن الكريم،
بكل تأكيد هي موجودة ونعلق الآمال على وجودها للخلاص من هذا المأزق. ولكن في الوقت نفسه يا أخي الكريم وجودها مرهون بوجود آيات أخرى من الحقبة "المدنية" والتي فيها للجزيرة دين واحد ولا ينافسه أي دين آخر بل الكل هنا يقدم الولاء للنبي الجديد والدين الجديد بخضوع. تقديم الجزية لفاتح مكة وملك العرب الآن يتم شاءوا أم أبوا؛ "عن يد وهم صاغرون".
كونك تدعو لحرية العقيدة هو مبشر خير ويدعو لتفاؤل كبير؛ والأمة العربية بدون شك تحتاج لمن هم مثلك لمن ينيروا الطريق أمام الجميع وللعمل لخير المجتمع. نظرتي للدين براغماتية. العبرة بالنهاية. العبرة بالأعمال.
-----------------------------------------------------
عزيزي حميد الدين:
بصراحة.. ولو دخلت في جوهر الأمور.. أنا لست "معتنق" لدين بمفهوم الاعتناق المتعارف عليه في الشرق. اعتناق الدين يتبعه طقوس وأمور طويلة عريضة أنا لا طاقة لي بها شخصياً. أعجبني في المسيحية المسيح بما يحمل من مثل وقيم وأشياء رأيت أنها كفيلة لخلق مجتمع إنساني راقي حضاري.
عندما مررت بتجربة المقارنة في الأديان كنت في وقت لم أشأ فيه العبور من دين لآخر واشتدت الضغوط من كل جانب من المسلمين في منطقتي وتهديداتهم وكان لابد من تحديد قرار شخصي وموقف شخصي. في ذلك الوقت الأديان في العالم كانت إما إسلام أو مسيحية. من يدري؟ ربما كنت قد اخترت اليهودية في ذلك الوقت لو تم عرضها علي بشكل واقعي.
ولكن أنا يا عزيزي ليس في معرض نبذ دين واعتناق دين آخر. أنا أبحث عما هو أعمق وأكبر وأهم. لذلك قلت للأخت السائلة أن السؤال يجب أن يكون أعمق من مسألة "اعتناق" الدين و"دوجمائية" الدين. الأمر يجب أن يتجذر في الإيمان نفسه. حتى في الإسلام نفسه يعتبر الإيمان أعلى درجة من الإسلام.
أيضا هي ليست مسألة تفاضل بين معتقدات لمجتمعات. المجتمع الإسلامي فيه من الجمال ما يكفي ليغطي ويغرق العالم بأسره. لا نقاش هنا أو اعتراض هنا. كل مجتمع له ما له وعليه ما عليه. لم أكن أسع أو أريد أن أكون في فسطاط جماعة ضمن جماعة أخرى. ضعني مع مجموعة من الدروز وستشعر أني درزي مثلهم في الحال وبيننا من التآلف والترابط ما يخبر به الجميع.
تجربة الإيمان تسعى في صميمها للبحث في أعماق الإنسان. ذكرت الأخت "عربية" أعلاه وهي ليست مسيحية وإنما مسلمة من الطراز الأول. مطلبي ليس السعي وراء جماعة دون جماعة أخرى وإلا وقعت في فخ الإقصاء. وأيضا هو ليس استبدال دين بـ دين آخر.
والمجتمع المسيحي الأميركي أنا تقريباً في عزلة أو شبه عزلة منه. أعز أصدقائي إما في فرنسا أو ألمانيا. عندما يرن جرس التلفون من ألمانيا أفرح فرح شديد. في الغالب هو صديقي عالم اللغة السريانية وهذا عندما يتحدث عن القرآن يقول دائما "القرآن الكريم" و"الآية الكريمة" وهذا يصدر منه بشكل عفوي. أصدقائي من هذه النوعية.
للناس أن تنطلق وتختار شيء ما بخلاف النمط التقليدي وتسعى من خلال ذلك لتطوير وتنمية شخصيتها في الأيام القليلة التي تحياها على الأرض.
أشكر لك جرأتك وأدبك وصبرك ولطفك معي.