الأخ العزيزشهاب الدمشقي .
لقد أعطيتني سعادة تكفيني أسبوعا . جميل أن يشعر الإنسان بأن هناك من يعايشه زمانه الفكري ، و يراقب معه العالم وهو يولد أمام ناظريه .
هناك أفلام قليلة أكبر من أن تكون فلما بل زمنا مكثفا .
هذا الفلم هو أحد أقرب الأفلام إلى قلبي و عقلي ،ولا أبالغ أن تلك الأفلام صنعتني ، ووضعتني على خارطة العالم الحقيقي .. عالم جدير أن يعاش ، عالم ينتمي إلى الإنسان و قضاياه و أشواقه إلى الحرية . أنت تعيدني إليه و أتمنى أن يصاحبنا أكبر عدد من الزملاء .
أجدني متشوقا كي أثرثر قليلآ حول الفلم ، كما يفعل الإنسان عندما تذكره بصديق قديم .
كل إسم ارتبط بهذا الفلم هو إسم كبير .
مخرج الفلم : كوستا جافارس Costa-Gavras ، لا يمكن أن ننسى له رصاصته التي أطلقها في صدر الفاشية في اليونان على شكل حرف Z ( الذي لا يمكن أن يموت ) عام 1969 م ، و التي هزت العالم كله ، حتى أن الفلم أشعل المظاهرات في أوروبا ضد الطغمة العسكرية التي لوثت وجه اليونان في الفترة من 1967 حتى 1974 م . هل أذكر فلم State of Siege الذي ظهر عام 1973 ، و قام ببطولته الممثل الفرنسي الكبير إيف مونتان ( شارك أيضا في فلم Z) ، و هو الفلم الذي عرى الحكم اليميني الفاشي في اورجواي في بداية السيعينات . هل أذكر أيضا فلمه الكبير Missing عام 1982 م ، الذي قام ببطولته جاك ليمون ، و الذي أدان فيه و بنفس القوة و الروح المكرسة لقضايا الإنسان إنقلاب بينوشيه عام 1973 م في شيلي ضد سلفادور الليندي الرئيس المنتخب شعبيا . هذا المخرج لا يبحث عن المجد الفني ولا عن الأموال ، بل هو أحد النماذج الباهرة التي صنعتها الروح الثورية الإنسانية للقرن ال20 .
موسيقى الفلم من وضع الموسيقار اليوناني العالمي Mikis Theodorakis ، وهو كما تفضلت واضع موسيقى زوربا اليوناني ، هو أيضا مناضل صلب ضد الفاشية العسكرية ، أسس منظمة للمقاومة ، و قبض عليه و سجن و عذب ، هو أيضا نائب في البرلمان لثلاث مرات ،ووزير في الحكومة ، و داعم صلب لحقوق الشعب الفلسطيني ،و معارض للغزو الأمريكي الهمجي للعراق ، و طرح إسمه كرئيس للجمهورية ،و لكنه رفض دخول التجربة . نحن إذا لا نتحدث عن السينما بل عن الحرية و رموزها البازغة في كل العصور .
أبطال العمل السينمائي .
الدور الرئيسي في الفلم وهو دور المحقق Christos Sartzetakis ( اسمه الحقيقي ) الذي أصبح بعد القضاء على الفاشية العسكرية رئيسا لليونان الديمقراطي ، و قام به الممثل الفرنسي الأشهر في وقتها جان لوي تريتينان " Jean-Louis Trintignant " ، و هو معروف جيدا لأمثالي من مخضرمي السينما بفلمه الرائع " رجل و إمرأة Un homme et une femme " ، و شاركته البطولة المدهشة معبودة كل الشباب اليساري المثقف في السبعينات ! " انوك إيمي " و هو من إخراج المخرج الفرنسي الشهير " كلود ليلوش " . أذكر أني شاهدت الفلم 3 مرات كل مرة بلغة مختلفة ، في مصر بالفرنسية ، في روسيا بالروسية ،و في مطار طشقند بلغة لست أدري ما هي إلى الآن ؟ .
مثل دور النائب اليوناني Gregoris Lambrakis الذي اغتاله الفاشست و الذي يرمز اسم الفلم Z ، المطرب و الممثل الفرنسي العالمي " إيف مونتان Yves Montand " ، وهو مع زوجته الممثلة الفرنسية سيمون سينوريه كانا يشكلان ظاهرة فنية و سياسية ، و أذكر لقائهما الشهير بخروشوف في أوج مجده ، كما أن هناك من فكر في ترشيح مونتان للرئاسة الفرنسية . نموذج آخر على أن السينما شيء مختلف عما نعرفه في مصر ، حيث تتباهى فيفي عبده بكونها أمية .
مرت ايرين باباس ملكة جمال اليونان السابقة - و أرملة فلم زوربا و هند بنت عتبة في الرسالة ، و أحد بطلات عمر المختار - سريعا كزوجة ثم أرملة للنائب اليوناني ،و لكنها أضافت بوجهها الحزين المعبر صورة ستبقى طويلآ في ضمائر من يرون أن أمثال لامبراكس لا يمكن أن يموتوا .
في نهاية الفلم و قبل وضع قائمة الممثلين ، وضع صانعو الفلم قائمة بالمحظورات تحت حكم الطغمة العسكرية الفاشية في يونان الإنقلاب العسكري ..النقابات ، المظاهرات ،إتحاد العمال ، غطالة الشعر ، البتلز ، سقراط ، الصحافة الحرة ، الموسوعات ، تشيكوف، تولستوي، الرياضة الحديثة ..... و ... و حرف Z ، لأن الحرية يجب ان تموت و الأحرار يقتلون و يختفون .
Costa-Gavras
Mikis Theodorakis