نشرت الصحافة السعودية خبراً عن محتسبين تجمعوا للاعتراض على قرارات لوزارة التربية والتعليم، وما وصفوه بالاختلاط، وكذلك الاعتراض على زيارة نائبة الوزير نورة الفايز لمدارس البنين، والتقى المعترضون بكل من نائب وزير التربية والتعليم فيصل بن معمر، ونائب الوزير لشؤون تعليم البنين الدكتور خالد السبتي. ويتركز الاعتراض حول دمج تعليم البنات بالبنين، وهو قرار ليس بالجديد، وحول تدريس المعلمات للمراحل الأولى الثلاث الابتدائية، للبنات والبنين، وكذلك زيارة نائبة الوزير لمدارس البنين. الإيجابي في الموضوع هو اجتماع المسؤولين بالمعترضين، والاستماع لهم، والرد عليهم بشكل حضاري، وبعيداً عن التشويش، خصوصاً أن كثيراً من المعلومات تقدم بشكل منقوص ومغرض، وهو أمر تعودناه في الاعتراض على تطوير العملية التعليمية في السعودية.
وبحسب ما سمعته من مسؤول بالوزارة، فإن بعض المعترضين، ذوي النوايا الحسنة، كانت لديهم معلومات منقوصة، وتم «توضيح الصورة كاملة لهم» بحسب المسؤول. فمثلا، يتم الحديث عن الدمج، بينما الواقع أنه توحيد للأنظمة، فبدلا من أن يكون هناك مهندسون، مثلا، لتعليم البنات، ومهندسون للبنين، فيتم توحيدهم تحت نظام واحد، ومبنى واحد، وهكذا. مثال آخر للتشويش المغرض، وهو الاحتجاج على زيارة نائبة الوزير لمدارس البنين. والحقيقة، كما يقول المسؤول، أنها قامت بزيارة المبنى بعد انتهاء الدوام للاطلاع على تجربة يراد تطبيقها في مدارس البنات، لا كما يزعم المشوشون! وفيما يختص بتدريس صغار السن، أولاداً وبنات، من قبل مدرسات، فإنها تتم حالياً بالمدارس الأهلية، علما أن الطلاب والطالبات ليسوا في صف واحد، وهذا مثال آخر على التشويش المغرض، وفي حال نجاحها فإنها ستعمم على جميع المدارس، وأن القرار اتخذ بناء على دراسات علمية، وليست أهواء، أو مجرد تقليعة.
ومن هذه الأمثلة يتضح أن حقيقة الأمر ليست كما يصورها المشوشون، أو من يريدون النيل من سمعة الوزارة، والحيلولة دون تطوير التعليم، بل إن ما يتم ترويجه ليس إلا مغالطات، الهدف منها التشويش على المجتمع، لكن تبقى نقطة مهمة هنا، فهناك من يعترضون ولديهم أسبابهم، ولو لم تكن مقنعة، لكن لا بد من التواصل معهم، وشرح الأمر، بلا لبس. كما أن على الحريصين، والمؤثرين، من رجال الدين أو الإعلام، أو خلافه، أن يستقوا معلوماتهم من مصادر موثوقة، مثلما على وزارة التربية ألا تكتفي بالتواصل عبر الإعلام فقط، بل ومن خلال الطلاب والطالبات، وأولياء أمورهم، فهم الأساس، من خلال الاجتماعات، والنشرات، والكتيبات الصغيرة، وغيره؛ فتطوير التعليم يجب ألا يكون كرة بين تيارات، أو أمراً خاضعاً للابتزاز، خصوصاً من قبل أناس لا هم لهم سوى الاعتراض، مثل يوسف الأحمد صاحب فتوى إعادة تصميم عمارة الحرم المكي لتجنب الاختلاط، فأين هو، واعتراضاته، عن الإرهابية هيلة القصير؟ أوليس ذاك هو الاختلاط القاتل؟
وعليه فمن يريد التقدم، والعلياء، فإن مفتاح ذلك التعليم، ولذا يجب أن نقول نعم لتدريس الصغار، أولاداً وبنات، من قبل معلمات، ونعم لتعليم اللغة الإنجليزية، ومن الصف الأول الابتدائي، وذلك لمستقبلنا، ومستقبل أبنائنا.
صحيح أن الحوار مهم، لكن التعليم مثله مثل الأمن يجب ألا يخضع للأهواء.
http://www.aawsat.com//leader.asp?section=3&article=575055&issueno=11529
tariq@asharqalawsat.com
في صورته المتحركة، وفي صحافته الورقية، يعجز الإعلام الحديث عن تركيز اهتمام العالم على قضية واحدة. تكاد حكومة بنيامين نتنياهو تفلت من الإدانة والعقوبة عالميا. السبب انتقال دائرة الوهج الإعلامي من الانشغال بالمواجهة البحرية، إلى اهتمامات عالمية أخرى: كرة القدم، معاقبة إيران، مجازر قرغيزستان، أزمة اليورو، تلويث بريطانيا لأميركا بنفط شركة «بريتش بتروليوم» الإنجليزية.
بل حتى عندما ضُبطت حكومة نتنياهو بالجرم البحري المشهود، فقد غَيَّبَ الإعلام العالمي تشريح بُنْيَة الحلف الجهنمي الذي قامت عليه الحكومة الإسرائيلية، الحلف بين الصهيونية (القومية) التحريفية، والأرثوذكسية التوراتية المتسيسة التي يمثلها حزب شاس وأحزاب دينية أخرى.
لماذا يستمر تركيز الإعلام الغربي على الإسلام السياسي والحربي (الجهادي)، ويعفي تركيب الحلف الجهنمي الحاكم لإسرائيل من التشريح والتحليل والتفسير؟ هل الإسلام الحربي، «القاعدة» وطالبان، أشد خطرا على العالم من الطغمة الدينية المتسيسة والقومية المتحكمة بزناد القنبلة الإسرائيلية المسلطة فوق رؤوس 350 مليون عربي؟!
السبب، ببساطة وصراحة، هو أن الحرية الإعلامية الغربية الواسعة يتحكم بها اليهود، من ناشرين ومالكين ومحررين. الإعلام الغربي لا يخيف العالم بابن لادن فحسب. هو يستكمل بذكاء تأجيج العداء التاريخي بين اليهودية والمسيحية. هذا الإعلام مشغول بهدف استراتيجي مستمر: تدمير عُذرية الكنيسة الكاثوليكية ومصداقيتها أمام المؤمنين بها، من خلال تعرية الرهبان الذين اعتدوا جنسيا على صبية التراتيل الكنسية.
غباء السلوك الدولي والإقليمي لحكومة نتنياهو يحبط عبقرية الإعلام الغربي في ربط الذكاء اليهودي المزعوم بنظرية داروين. إلى الآن، لم يثْبِتْ علم الخلايا الوراثية أن العقل أو الدم اليهودي يتميز بالذكاء المتفوق الذي أسبغته نظرية الارتقاء والتفوق الطبيعي على النخبة الأوروبية البيضاء، في ذروة غُلُوِّ شراهتها الاستعمارية.
أزمة إسرائيلية داخلية تثبت أيضا فشل الذكاء المزعوم في حماية «أبدية» إسرائيل كدولة لشعب متماسك. الأزمة تبرهن على مدى هشاشة نسيج إسرائيل الاجتماعي، الوطني، الديني، السياسي. العنصرية الإسرائيلية لا تصيب العرب فحسب، بل هي تتناول اليهود: في مدرسة «بيت يعقوب» بمستوطنة عمانويل بشمال الضفة الغربية، نصبت الأرثوذكسية المتزمتة ليهود أوروبا (الأشكيناز) جدارا لفصل بناتها عن بنات الأرثوذكسية المتزمتة لليهود المشارقة (السفارديم)!
عندما أصدرت المحكمة العليا قرارا بهدم الجدار، معتبرة إياه «جدارا للفصل العنصري» بين اليهود، ثار اليهود الأشكيناز، تظاهروا، هددوا الدولة بالعصيان. هؤلاء في الواقع أكثر تزمتا وتشددا في التطبيق الديني من اليهود المشارقة. ولا يجمع بين التيارين المتشابهين أيديولوجيا سوى المشاركة في كراهية العرب. والصلة الوثيقة بيهود الاستيطان.
الغريب والطريف أن أوجه تشابه كثيرة تجمع بين حركات اليهودية الدينية المتزمتة أو المتسيسة وحركات الإسلام الجهادي والسياسي: التزمت المتشدد في تفسير الدين، رفض العصر، كراهية الآخر، العداء للعالم، العزلة عن المجتمع، التميز في الملبس والهيئة، كإطلاق اللحى غير المشذبة، الميل النفسي للون الأسود، التدخل الفظ في الحياة الشخصية والاجتماعية، العداء للمرأة، محاولة تقويض حرية التعبير والثقافة، اللجوء المستمر إلى العنف الجماعي.
اعرف عدوك بقدر ما تعرف نفسك، ما زال العرب يجهلون التركيب النفسي، الاجتماعي، الإداري، الديني، العسكري.. للدولة اليهودية. سذاجة الإسلام السياسي والحربي تحول دون التفريق بين التوراتي والصهيوني، بين العلماني والديني، الهوة بين التزمت الأشكينازي وتزمت السفارديم. جهل حماس والجهاد بالعدو أدى إلى تنفيذ عمليات انتحارية في مواسم انتخابية، أدى إلى الاستشهاد الانتحاري، إلى وصول اليمين التوراتي والصهيوني إلى الحكم منذ منتصف التسعينات.
لو كانت هناك مراكز بحوث عربية متخصصة في دراسة التركيبة الإسرائيلية الدينية والسياسية، وتقدم تقاريرها إلى الرأي العام العربي ونظامه السياسي، لما تمكن اليهود المشارقة من الاحتفاظ بالجنسية المزدوجة، والتمتع بالإجازة في بلد الولادة والمنشأ، أو تأسيس مشاريع وتجارات رابحة فيه، فيما هم يمارسون أرثوذكسيتهم الدينية المتزمتة ضد عرب إسرائيل، ضد السلام، ضد الحل التفاوضي لتأسيس دولة فلسطينية، ومع الاحتلال والاستيطان لابتلاع ما تبقى من الضفة.
اليسار الإسرائيلي يتوارى، يخاف. اليهود الغربيون العلمانيون يفرون، يهاجرون، يندبون الديمقراطية الإسرائيلية في محافل نيويورك وباريس. استكمل الحلف الجهنمي التوراتي/ الصهيوني الاستيلاء على السلطة التنفيذية (الحكومة)، هوَّد تشريعات السلطة الشعبية (الكنيست)، ها هو يوجه حربته المسمومة إلى استقلالية السلطة القضائية، ممثلة بمحكمتها العليا.
الأكثر خطرا زحف الجيل الثاني والثالث من أبناء الاستيطان إلى المؤسسة العسكرية والمخابراتية. 40 إلى 60 في المائة من ضباط الأركان والميدان ينتمون إلى أسر استيطانية أو مشرقية دينية متزمتة. انتقل الجيش من قبضة «الكيبوتزات» (المستوطنات الزراعية الاشتراكية) إلى قبضة المستوطنات الشرقية. لم تختلف معاملة العرب، بل ازدادت قوة ووحشية بالتصفية الجسدية في الداخل والخارج. التوقعات أن يرفض الجيش إخلاء المستوطنات، في حالة التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين.
التناقضات الإسرائيلية كثيرة. التوراتية الدينية المتزمتة ترفض تجنيد أبنائها، تنتظر «غودو/ المسيح» الآتي لفرض إسرائيل التوراتية، فرضت على الدولة «العلمانية» تقديم مساعدات سخية لها، فيما تبدو متمردة عليها، دخل آرييه درعي زعيم حزب شاس (شريك نتنياهو وإيهود باراك في الحكم) السجن لاستخدامه مال الدولة في تمويل الحزب.
نحن وهم أمام أزمة حكم ومجتمع متشابهة: الشريعة أم حقوق الإنسان الوضعية؟ الدولة أم المؤسسة الدينية؟ المساواة في المواطنة أم اعتبار أبناء الأقليات الدينية مواطنين من الدرجة الثانية؟ تطبيق قوانين المجتمع المدني، أم قوانين الأحوال الشخصية الطائفية في حالات الزواج والطلاق والميراث؟ النظام العربي وجد حلا مؤقتا: أسلمة الدساتير. والمزج بين العلمانية والشريعة في القوانين.
إسرائيل الدولة (الأبدية) تهوِّد القوانين. وعاجزة عن وضع دستور، بسبب الخلاف المستحكم بين العلمانيين، بعد ستين سنة مرت على قيام الدولة.
الأغرب والأطرف أن التشابه في أزمة الحكم والمجتمع، وفي التزمت الديني للحركات الدينية المتسيسة، يحول دون التوصل إلى حل سياسي للصراع العربي - الإسرائيلي. في رؤيتي، كعربي يتابع إسرائيل بدقة من ثقب الباب، أقول إن اتفاقيات السلام عاجزة عن التطبيع والمصالحة، عاجزة عن جذب إسرائيل إلى الاندماج بسلام في المنطقة، وعن التعاطف مع قضاياها، والمشاركة في إيجاد حلول لأزماتها ومشكلاتها.
السبب ثقافة الحصار المتحكمة باليهود تاريخيا. إسرائيل تحت حكم النظام التوراتي/ الصهيوني، تعود إلى عقلية الفيتو اليهودي في أوروبا القرون الوسطى: الخوف، العزلة، التقوقع، الغربة عن الآخرين، العدوانية، الكراهية للغير، اللامبالاة بعذاب الجيران. العرب في مناهج وتقاليد التربية الإسرائيلية المنزلية والاجتماعية منقلبون، غادرون، متخلفون، لا يفهمون غير منطق القوة، من هنا المبالغة في استخدامها ضدهم سلما أو حربا، بحجة الأمن. تفرض ثقافة الحصار نفسها على الإسرائيليين أنفسهم، يجدون الأمان في الجدار الإسمنتي المسلح والشاهق الذي يُلِفهم، ملتويا كالثعبان وهو يشق أرض الجيران.
http://www.aawsat.com//leader.asp?section=3&article=575061&issueno=11529