" إنني و بوضوح من الذين يرون أن الدعوة إلى الشعبوية هي دعوة معادية للحياة بل مدمرة لها ، فهي مملؤة بالبريق الفاسد و التسطيح الأخلاقي ، وهي تميل نحو التماثل ، هي ببساطة نوع من المشاركة في التفاهة رغم كونها تفاهة مركزية ضخمة تشمل الجميع" بهجت .
الزملاء الطيبون .
الزميل عاشق الكلمة .
خلال مداخلتين هما 188 و 190 يخوض عاشق الكلمة حربا من طرف واحد ضد هدف مجهول غير واضح ، لا أعتقد أن عاشق الكلمة نفسه يتبينه. هو يتحدث في موضوعات سبق أن أبديت له فيها وجهة نظري ، و بالتالي يمكنه أن يرفض وجهة النظر تلك ،و يوضح لنا رأيه البديل ، على ان يكون إنطلاقا من النقطة التي وقفنا عندها ، و لكنه يصر أن يبدأ كل مرة من المربع الأول و أن يكرر نفسه بلا انقطاع .حاولت أن أجد شيئا في مداخلات عاشق الكلمة تضيف جديدا ،و لكني لم أجد ذلك الجديد ، بل وجدت عودة مرة اخرى إلى ماقبل نقطة البداية . مؤكدا مرة أخرى أنني لست أفهم ما هو هدف عاشق الكلمة من كل مداخلاته في هذا الشريط ، طالما كان يشعر ألا ضرورة منه . لا يوجد في لائحة النادي ما يفرض عليه ولا على أي زميل المشاركة في موضوعات غير مجدية ، كان يمكنه بسهولة تجاهل هذه الموضوعات و التركيز على مشكلة السيدة طالبة الستر في العشوائيات ، طالما يراها مشكلة مجردة بلا أي جذور إقتصادية أو ثقافية وبلا أي بعد حضاري ،و أن المشكلة يمكن حلها خلال التوك شو و التعليق عليه ! .
حسنا لأحاول هنا مرة أخرى و بمنتهى حسن النية .
ماذا يقول عاشق الكلمة في مداخلتيه .
1- يؤكد عاشق الكلمة أن بهجت يعيش في برج عاجي ،ولا يتفاعل مع مشاكل الحياة اليومية التي تعرضها برامج التوك شو ،و التي يراها عاشق غنية و متنوعة .
2- القضايا التي يطرحها بهجت لا أهمية لها ،و لكنه يراها أيضا قتلت بحثا !. و انها لا تهم المصريين المفترض أني أخاطبهم !.
3- يعتقد عاشق الكلمة أن استخدام اللغة العلمية الإصطلاحية عيبا ،و أنها فذلكة و تباهي ببعض الكلمات المحفوظة !!.
4- يؤكد عاشق الكلمة أان ساكني المقابر لن ينتظروا تحليلاتنا كي تحل مشاكلهم !.
5- يتسائل عاشق الكلمة عن السبب في تخبط الحكومة رغم أنها علمانية كما يؤكد بهجت مرارا !!.
6- يرفض عاشق الكلمة رأي بهجت " إن التخلف و الفقر و الأصولية و الإستبداد السياسي كلها منظومة شيطانية واحدة ،و عندما نسعى لتحطيم الأساطير التي تقوم عليها الأصولية ، و عندما نعمل على تعريتها ، فنحن في نفس الوقت نتحدث عن التنمية و عن مشاكل الحياة اليومية ، و نسعى لتحقيق الرخاء و الحياة الكريمة " . بدون إبداء أسباب سوى أن ساكنة العشوائيات الباحثة عن الستر لن تنتظر تحطيم الأساطير ، كما لو كنا نعترض طريقها إلى الستر !.
7- ينكر عاشق أن ممارسات الأصوليين تجعلهم سخرية في العالم لأن أغلبية سكان العالم مؤمنين ( مثلهم ) !!.
8- يعتقد عاشق الكلمة أن " تجاهل تلك الموضوعات والسير قدما فى طريق العلم والتقدم وعدم الالتفات الى هذا الكلام الفارغ هو ما سيؤدى تلقائيا الى القضاء على تلك الخرافات , لأن النضج العلمى هو ماسيؤدى بالضروره الى النضج العقلى وبالتالى سيتخلى العامه عن تلك الفتاوى التى تتعرض لقضايا هامشيه وفارغه فى سبيل قضايا أخرى تتعلق بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم العلمى والعملى ." .
حسنا سأتوقف هنا مستغلا هذه المداخلة في توضيح بعض ما يستغلق على التفكير أحيانا .
أولآ : حكاية البرج العاجي !.
هذا تعبير أصبح بلا معنى ، هو ينتمي إلى مرحلة ما قبل الإنترنت و الفضائيات ، عندما كانت المشاكل تناقش بمعزل عن الجماهير في إبراج عاجية ، استخدام أسامة الغزالي حرب أو غيره لهذا المصطلح الساذج لا يعطيه علامة الجودة . سبق أن أوضحت لعاشق الكلمة أننا جميعا نعيش في نفس المجتمع و نتأثر به ، ولا يمكن لأحد اتخاذ موقفا بمعزل عن الآخرين ، بل لا يمكن القيام بأي عمل في أي مكان في العالم دون أن يتأثر به العالم كله و يؤثر فيه . أوضحت ذلك في قضايا التمييز ضد المسيحيين ،و في قضايا انتهاكات الشرطة لحقوق المواطنين ، و قضايا التمييز ضد المراة ، و حتى قضية مباراة الجزائر في مصر ، و ظهر بالفعل ما يؤكد كل ذلك ، و بشكل يكاد يكون رسولي و إعجاز. إن الإهتمام و هو بالقطع موجود بحكم التواجد المادي في المجتمع ، لا يعني ضرورة الإشتباك المباشر مع القضايا المطروحة و بنفس أسلوب طرحها في الصحف و التوك شو . إن ما تراه حراك هو حراك بلا هدف ولا مقصد ، لأنه يفتقد الأسس الحضارية الضرورية ، و أهمها الإنسان المتعلم المدرب على التناول العلمي للمشاكل ،و الذي يتبنى الأساليب الديمقراطية في التعبير و التغيير ، أما التهييج العاطفي فلا هو علاج لشيء ولا يناسب الجميع . الدولة تهدف منه إلى تنفيس الضغوط الإجتماعية المصاحبة للرأسمالية المنفلتة ،و الصحف و المحطات تهدف إلى المكسب المادي و الشهرة و الشعبية التي تعني الملايين لنجوم التوك شو ،و الجميع ( الدولة .. الإعلام .. المهيجون و المتهيجون ) يتلاعبون بالمجتمع و تماسكه و سلامته بدون أدنى إحساس بالمسؤولية .
ألاحظ أن المثقفين المصريين عموما يحجمون عن التعبير عن أفكارهم إذا كانت نخبوية خوفا من التحريض ضدهم وهذه خطيئة ، إن المثقفين مستسلمون عادة لمنطق متصلب مصمت عن المساواة ،وفقا لمعادلة منطقية على النحو التالي :" طالما كان الناس كلهم متساوون ، فيجب أن يكون كل شيء يفعلونه متساويا كذلك " ،وفقا لهذا المنطق الخاطئ فهم يرفضون نقد ثقافة الجماهير باعتبار هذا النقد متعاليا و نخبويا . إن الإسلاميين ليسوا منفردين في تقديس ثقافة الجماهير الدينية ، بل لعل الماركسية هي أكثر الأيديولوجيات عبادة للجماهير ( الطبقة العاملة ) و كانوا يعتبرون أن الطبقة العاملة لا تجسد فقط نظاما إقتصاديا و إجتماعيا أرقى بل ثقافة أرقى كذلك . إنني و بوضوح من الذين يرون أن الدعوة إلى الشعبوية هي دعوة معادية للحياة بل مدمرة لها ، فهي مملؤة بالبريق الفاسد و التسطيح الأخلاقي ، وهي تميل نحو التماثل ، هي ببساطة نوع من المشاركة في التفاهة رغم كونها تفاهة مركزية ضخمة تشمل الجميع ، إن دعم الديموقراطية و المساواة لا تعني الموافقة على كل منتجاتهما ، بل على العكس لابد من حماية القيم العليا برفع يد الجماهير عنها .إن القبول بهيمنة الثقافة الجماهيرية يعني تجميد التاريخ و توقف التغيير .
أوضحت في مداخلة كاملة و بصبر لا مزيد عليه مستويات التعامل مع القضايا الحيوية . أوضحت أنه عندما يصادف إنسان مريضا يشكو من أعراض مرضية فهناك 3 مستويات للتعامل مع المريض ، و يتوقف ذلك التعامل على مدى تعليم هذا الإنسان و فهمه للمشاكل الطبية ، فلو كان مجرد إنسان بسيط انفعالي ، فسوف لا يدرك سوى المظاهر المرضية مثل ارتفاع درجة الحرارة و الرشح , ... ،و بالتالي سيجلس بجوار المريض على رصيف الشارع يلطم خده و يكرر شكواه ربما بصوت أعلى ، ربما ينقل تلك الظواهر إلى غيره ،و يستمر في البكاء و العويل و لعن المسؤولين ، هذا ما تفعله الفضائيات و كتاب الصحف ( معظمهم ) و المدونات الشعبية الشائعة ، و عدد كبير من المشاركين في النادي . نقل مقالات الصحف و أخبارها و اللت و العجن فيها ،و إعادة إنتاج الصحف على صفحات النت ، هذا نشاط يناسب البعض و لكنه متدني القيمة . هناك مستوى آخر في التعامل ، يقوم به طبيب حديث الخبرة و التخرج ، فهو يربط تلك الأعراض و يشخص المرض ،و يقدم " روشتة " علاج ، تلك مرحلة متقدمة بالفعل ،وهذا ما يقوم به قلة من كتاب الصحف ، و البعض من الزملاء الأكثر تميزا و يملكون فكرا سياسيا أو إجتماعيا أو خبرة ما . يبقى أخيرآ أداء ثالث هو أداء الخبير ، الذي يقوم بالتحليلات و الدراسات ،و الوصول إلى الأسباب الكامنة وراء ظهور المرض بالأساس و أسلوب مقاومته و منعه ، و هذا وحده هو أكثر الأنشطة المجدية لأنه يذهب إلى الصميم ، وهذا – للغرابة - ما يراه عاشق نوعا من الترف ، فلا صوت يعلو فوق صوت الشكوى !.
ما أقوله الآن هو ما يحدث بالفعل في العالم كله عند التعامل مع أي مشكلة ، بل حتى لمنع ظهور المشاكل بالأساس . هناك مستوى شعبي يثرثر حول المشاكل ، و حتى في مراكز الحضارة في الغرب هناك صحف التابلويد و هناك قنوات تلفزيونية في أمريكا لا تختلف كثيرا عن تلك المصرية من حيث تفاهتها و تخبطها ، يبقى هناك مستوى أعلى يخاطب المثقفين و القراء الجادين و ذوي الإختصاص مثل مجلات النيوزويك و الفيجارو و التايم و شبكة سي إن إن , ... ، هذا المستوى يعادل أرقى ما هو متاح في مجتمعاتنا العربية من مجلات متخصصة مثل السياسة الدولية و الأهرام الإقتصادي و ... . يبقى مستوى ثالث ينتج الأفكار بشكل منهجي أكاديمي ، فيما يسمى الthink tanks ، و هي التي تنتج الأفكار الأساسية التي تقود المجتمع ،و تخاطب النخب السياسية و العلمية و الإقتصادية ، و لا يوجد لدينا ما يقابلها للأسف .هذا المستوى يناقش القضايا الفكرية و الثقافية الأساسية للوصول إلى رؤى و آليات جديدة .
عندما تظهر مشاكل جديدة أو امراض غير معروفة ، لا يبدأ المتحضرون في التعامل معها بشكل عفوي ،و لكنهم يفكرون فيها بعمق و بإستخدام أساليب منهجية للبحث و الدراسة ، عندما يفعلون ذلك لا يمارسون ترفا بل عملآ غاية في الجدية ، إن الباحث الذي يطور علاجا في معمل مكيف الهواء بينما المريض يحتضر على بابه ليس قاسيا ، و لكنه إنسان مسؤول يعلم أنه لا يملك شيئا لذلك البائس ،و لن يفيده أن يجلس بجواره أو يكتب مدونة ،و لكنه يبحث عن علاج له و لغيره من المرضى .
لا أقول أننا جميعا مؤهلون للمستوى الثالث ولا حتى الثاني ، بل حتى المواساة ستكون مفيدة لمن لا يقدر على غيرها ، و لكن عليه أن يعرف قدراته ولا يطالب الاخرين بالجلوس جواره للطم الخدود !.
على المستوى الشخصي أرى أنه ليس من المطلوب أن يناقش كل مفكر كل المشاكل و القضايا المطروحة و فقا لأسبقية وسائل الإعلام و منهجها ، كذلك ليس مطلوبا ولا مناسبا أن أطرح كل القضايا مع كل الناس في كل مكان ، بل هناك أدوات مختلفة تناسب جمهورا مستهدفا بعينه . من خبرتي بنادي الفكر أجده مكانا مناسبا لطرح القضايا الفكرية الأساسية و المشتركة ، لأن به نخبة من المثقفين العرب ، يمكنك تبادل الأفكار معهم و الإستفادة بخبرتهم في مناخ مختلف ، لقد استفدت شخصيا من كثيرين هنا ،و منهم عرفت كثيرا من المثقفين العرب لم أكن أعرفهم ،و هذا مكنني من متابعة هؤلاء المفكرين ربما بأعمق من الزملاء الذين عرفونني بهم ، حتى في مجال الثقافة العالمية ، التي اعتقد أن بيتي هناك ،و جدت غرفا عديدة لم أكن أعلم عنها شيئا ، فهنا عرفت إدوارد سعيد و نعوم تشوماسكي و..... . في نفس الوقت لا أجد النادي مناسبا لمناقشة القضايا المصرية الداخلية ، فخريطة مصر الداخلية معقدة جدا و متشابكة ، و أصدقائي العرب هنا لا يعرفون عنها شيئا حقيقيا ، أما نقل المقالات المتعارضة بلا تبصر فليس أسلوبا جيدا ، يبقى أن كثيرا من المصريين هنا يعيشون في الخارج ، و فقدوا كثيرا من معلوماتهم عن مصر ، لقد مررت بتلك التجربة لسنوات طويلة متصلة ، في النهاية كنت أعرف عن أدق تفاصيل الحياة في الإمارات ،مالا أعرف عشره عن مصر !. أما باقي المصريين فهم حديثو العهد بالنادي ولا أعرف عنهم سوى القليل . بالطبع هناك زملاء يجيدون الإبحار في الشأن المصري الداخلي ، أذكر منهم آمون و لكنهم لا يشاركون الان سوى نادرآ .إنني أجد مناقشاتي مع الأصدقاء و الأقارب حول الشأن المصري أكثر من كافية ، فكلهم ما شاء الله خبراء عتاولة في أسرار البلد !، يعني يكفيني وجع الدماغ طول اليوم ، أليس من حقي بعض الهدوء و الحوار الراقي ؟!.
ما يناسبني هو المقترب الثقافي أو التحليل الثقافي . و في هذا المجال طرحت موضوعات متنوعة يمكن أن تشكل مشروعا فكريا . تناولت قضايا الديمقراطية و الإقتصاد و الهوية و الحداثة و السياسة الدولية و القضية الفلسطينية و حقوق المرأة و المسيحيين و غيرها ، فعلت ذلك موظفا نظريات معرفية هامة ورؤية عالمية متزنة . بالطبع لا أدعي اني على صواب دائما ،و لكني أدعي أني أقدم مادة قوية جدا لكل إنسان جاد يريد أن يعرف و ان يفكر .
للحديث بقية .