اقتباس:ما هو لازم يكون شيء حارق قلب هذا الضابط ..المهم الآن يريدون تلبيس القضية للمخبرين ..وهو يطلع منها طبعا هذا لا يجوز
فدائما الرئيس هو المسؤل عما تقترف أيادي المخبر من أوامر معروفة بعرف الجهاز البوليس المصري لارضاء سعادة البيه الضابط
هو فكرة ان تلبيس القضية للمخبرين بس فى جريمة القتل طبعاً حصل
لكن الرائد متهم حاليا ً بالتزوير يعنى ما سلمش من الموضوع
و بكدا بعدنا تانى عن اصل الكارثة و هى المخدرات
و فوق كدا صاحب الموضوع كله مات فممكن يطلعوا ميت الف قصة دلوقتى
و اهله خايفين يقولوا كل اللى عندهم لأنه تم تهديدهم
متخافوش .... مش هنسيب بلدنا تضيع مننا
متخافوش .. مش هنسيب كلابهم تنهش لحمنا
متخافوش .. ايدي في ايديكم وهناخد حقنا
المماليك
بقلم: محمد المخزنجي
1 يوليو 2010 09:36:26 ص بتوقيت القاهرة
وإذا الصبح تنفس أول أنفاسه العذبة الصافية، أكون مستيقظا وأزيح ستارة الواجهة لأطل على بداية النهار، أحتفل ببزوغ النور وتطمئننى خضرة بضع شجرات فى مرمى البصر، وتوحى لى نوافذ البيوت بود الناس خلفها. أحيى الوجود بضحك وجد، فأسمع صوتى يهمس: «صباح الخير يا دنيا»، أقولها فرحا بمجىء الصباح الباكر الذى أكون فيه وحيدا على الأغلب، وأنتبه إلى شقشقة العصافير، فأتفاءل بأنه لاتزال فى حياتنا زقزقات.أفتح النافذة فتقبِّل وجهى نسمة طرية نقية، وبعد لقمة صغيرة، أحمل كوب الشاى المغطى حتى لايفقد نكهته وعبقه، وأرتب جلستى لأحصد أثمن وأبهى ثمار اليوم.
على مدى ساعتين أتأمل وأقرأ حتى يضج الوجود بمعتاد موجوداته، فيحين حين إقفال النوافذ، والتقاط هدير السيارات وتشاتم البشر، والاطلاع على أبشع الأخبار عبر شاشة التليفزيون وجرائد الصباح وشاشة الكمبيوتر، لكن أنفاس البكور تكون باقية فى صدرى، شحنة همة تقودونى إلى الدوش، فارتداء ثياب نظيفة، وأخرج حاملا مكتبى: اللاب توب ومعه بعض الأوراق أو كتاب، وأذهب للعمل فى مكان مفتوح حتى الثانية ظهرا، فأعود إلى البيت لألم قبيلتى الصغيرة على الغداء. إيقاع لطيف ثابت اكتشفت أننى نشزت عنه فى الأيام الأخيرة، ففزعت!لعدة أيام صار هناك شىء ما يقعدنى، فلا أزيح ستارة الواجهة ولا أفتح نافذة ولا أبحث عن خضرة شجر أو شدو عصافير أو حتى نسمة يعبها صدرى الضائق.
لم أعد أسمع صوتى يهمس ملقيا تحية الصباح على الوجود، ولا صار للقمة طعم، ولا للشاى عبق. أبدو هامدا وزاهدا فى القراءة والكتابة، بل قانطا من قيمة الكتابة وجدواها، أمد ساقى فى جلستى دائخا شاردا، ولا أخرج من البيت. وفى شرودى الهامد تنزلق إلى ذاكرتى صورة عمرها اثنان وأربعون عاما، فأدرك أن خصمى الذى قاتلته ببسالة وهزمته دون توقف على مدى السنين يعود لمهاجمتى، وبضراوة هذه المرة.
إنه الاكتئاب فى بوادره، وكانت الصورة الآتية من بعيد إعلانا عن كنه هذا الاكتئاب: ميدان المحافظة فى المنصورة فى 21 نوفمير 1967، عشرات الآلاف من تلاميذ المدارس الغاضبين الحائرين وأنا معهم، نحتشد فى الميدان المُحدِق بمديرية الأمن ألتى أغلقت بواباتها الحديدية وتحصنت بالمتاريس وبرزت من نوافذها فوهات البنادق، وسيارة إسعاف تدور فى قلب حشودنا عن عمد، تعوى فاتحة بابها الخلفى بينما تطل من جوفها محفة ترتج عليها جثة مخضبة بالدماء لفتى لم يكن من مدرستنا.
أتذكر الصورة بكل تفاصيلها وقوة ألوانها كأننى أطل عليها الآن، فأعرف لماذا اختار الاكتئاب هذه الفترة ليهاجمنى، فمنذ أيام وأنا أنام على كمد وروحى يبهظها غم ثقيل، ولم يكن ذلك إلا من أثر المشاهدة الجبرية لفصول مسرحية مجلس الشورى الممجوجة، بينما النفس تفتح جرحها صارخة: «يااااه»، تستهول أن يتبدّى حصاد أكثر من أربعين عاما من نبالة الرفض هزيلا ومهينا على هذا النحو، بينما شرفاء أعزاء يتساقطون من حولنا مرضى وموتى محزونين، وكأنهم بأمراضهم ورحيلهم يطلقون آخر صيحات الاحتجاج!
اثنان وأربعون عاما عايشتها فى عمرى، وأشهد أن الشعب المصرى لم يكن طوالها أبدا كما يدعى ناقدوه، ولا حتى كما يجلد هو نفسه، لم يكن خانعا لقهر ولا ساكتا عن ظلم ولا متخلفا عن مجاهرة، وكانت أمواج من أبنائه تدفع الثمن موتا وسجونا واضطهادا، ولم يكف.
لا يوجد شعب فى محيطه فعل فعله هذا العنيد المتواصل. وما حرية الصراخ وساحة الرفض المحدودة التى ينعم بها إلا حصاد كده الصبور الطويل. لم تأت وقفات الاحتجاج، ولا أرصفة السخط، ولا كتابات تجاوز الخطوط الحمراء، ولا فضائيات ما يخترق السقوف، كل هذا لم يأت هبة من حاكم ولا رحابة صدر لحكم.
هذه النعمة المحدودة تم ويتم دفع ثمنها الفورى الباهظ من كفاف أحوالنا، لكننا ننسى ذلك، ربما لأننا لا نفكر فى ذلك، نلوم أنفسنا لأننا قصار النفس بما لا يكفى، ولسنا عنيدين بما يكفى، لكننا لسنا شعبا خانعا كما يزعم ناقدونا، وكما يتوهم ظالمونا، وكما نقسو نحن أنفسنا على أنفسنا كثيرا.
لهذا عَزّ على نفسى أن تهان نفوسنا بنذير الشؤم الأخير البالغ الفجاجة إلى هذا الحد، حد أن نكون منذورين فى دورة جديدة من دورات الزمان لمكابدة قرف الوجوه الثقيلة ذاتها، فى المجالس ذاتها، وبالسياسات ذاتها، وبالجثوم الثقيل ذاته على صدر الأمة التى أنهكها ويكاد يضيعها هؤلاء! ألا يكفى ذلك سببا للاكتئاب؟!
لكن، لماذا يريد هذا الاكتئاب أن يهزمنى الآن، وقد صرت خبيرا فى الانتصار عليه حتى كاد يختفى من حياتى؟ لم أهزم الاكتئاب لأننى طبيب نفسى أعرف بوادره مبكرا فأهاجمه قبل أن يهاجمنى، لكن لأننى صرت أبا وصار الاكتئاب ترفا وخيانة لبهاء الأبوة. ثم إن عبورى لامتحاناته القاسية فى عمر مبكر، مرة، مرتين، وأكثر، جعلنى أكتشف فى نفسى ما لم أكن أعرفه عن نفسى، وتيقنت أن النفس البشرية حقا هى أشرف النفوس جميعا، وأن الإنسان فيه من روح الله، فهو مجبول على كرامة الوجود، وكائن كهذا لا يجوز أن يهزمه تهافت الاكتئاب، لأن الحياة هبة عُظمى من الخالق الأعظم لمخلوقاته، حيث لا يستوى أبدا الوجود مع العدم.
هكذا تعودت أن أبادر الاكتئاب، فأكتشف أنه أكثر هشاشة مما يتصور من يتركون أنفسهم يهوون فى قيعانه المظلمة المثقوبة. مجرد دوش سخى، وتأهب للخروج، وتمشية بخطوة نشطة، ومعانقة لجمالات الوجود على شاطئ النيل، فى إحدى الحدائق، فى مسرة الأحبة. وهوب هوب هوب، أدوس على الاكتئاب، بلا مضادات اكتئاب، ولا تنغيص، ولا تفعيص، وأمضى تاركا إياه مدهوسا على الأرض ورائى.
ولأكثر من ثلاثين سنة لم يجرؤ الاكتئاب على الاقتراب منى، فلماذا يقترب الآن؟ وهل كنت عقليا أتوقع أن يغير هؤلاء قلوبهم أو حتى جلودهم وهم فى أرذل العمر؟ لا لم يكن العقل يتوقع ذلك، لكنها توَسُمات العاطفة، وهل لدى كاتب قادم من دائرة الأدب الذى هو سجل للمشاعر أقوى من وهج العاطفة؟ لتكن العاطفة، فللعاطفة أيضا عزمها.
آخذ الدوش السخى وارتدى ثيابى النظيفة وأتأهب للخروج لأنفض عن نفسى بوادر الاكتئاب برأس عال ومشية نشيطة، فأجد الحائط يرتفع أمامى: أين أمشى؟ لم يعد هناك حتى شاطئ للنيل يرحب بمشيتى بعد أن تقاسمته فلول المماليك، «المماليك»، أرددها فى داخلى فأجد نفسى أضحك، أضحك لتصور المماليك الساقطين من قاع القرون، فى هلاهيل ثيابهم المزركشة وفوق الركائب المطهمة بالتراب، يدوسون شوارعنا بغطرسة بلهاء، بينما تهتز فى جنوبهم السيوف الهاجعة فى أغمادها.
لكن هؤلاء ليسوا مماليك حقيقيين، هؤلاء صعاليك يتقمصون شكل المماليك، خيولهم بغال عجفاء وسيوفهم خشب وليس فى قلوبهم إلا عتمة الاختلاس وحطة الكذب، ثم إنهم عواجيز جدا وصبيانهم عميان البصيرة إلى حد أنهم يتوهمون تيبس العواجيز سطوة، فيتيبسون فى أدائهم المسرحى ويتقلصون. ليس فيهم ظل لقطز قاهر المغول أو للظاهر بيبرس محرر يافا.
هم فلول مماليك التأبيج والبرطلة والفوضى سقطوا علينا من قاع الزمان فى هذا الزمان، وما من محمد على ليردعهم. أراهم فى شوارعنا بعيون الروح المصرية الساخرة الكامنة فينفجر ضحكى، والله أضحك، وشر البلية فعلا ما يضحك.
أكتشف أن بغالهم المعطوبة بليدة الخطو وحولاء، فتدفعنى المفارقة إلى القهقهة حتى ألفت نظر من حولى، وفى رنين القهقهات أكتشف التميمة التى تصرف عنى الاكتئاب: لن يمكثوا طويلا حتى تهوى بهم بغالهم الكليلة، أو تتهاوى مومياواتهم فوق السروج الترابية، فلنفكر ماذا بعد هذا القليل سنفعل؟ ليس هذا وهم نفسٍ حالمةٍ، ولا تمنيات إرادةٍ كسول، بل هدية رب كريم شاء أن يسدر هؤلاء فى غيهم بينما أرجلهم على حواف قبورهم. فلنفكر الآن فى الأفق.
قدماى على الأرض، ووجهى إلى سماء الله، وبنفس محلقة وصدر منشرح أجدنى أتجه نحو نافذة الصباح الباكر من جديد وأفتحها، أطمئن على خضرة الشجرات، وطزاجة النسمة، وود النوافذ، وزقزقة ما تبقى فى حياتنا من عصافير.. أتنفس بعمق، وأسمع صوتى بعد غياب يهمس:
«ولو. صباح الخير يادنيا».
edaamak@hotmail.com