{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
نزار عثمان غير متصل
Gramsci
*****

المشاركات: 1,664
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #31
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
عزيزي السلام الروحي ... شكرا لتشريفك هذا الشريط

دمت بخير

(f)




العزيز كرداس ... اشكرك كثيرا على مرورك الكريم

دمت بخير

(f)
03-24-2005, 10:25 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
خالد غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 7,660
الانضمام: Apr 2004
مشاركة: #32
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
العزيز غرامشي،

بفهم موضوع الدولة بشكل عام لا نرى إلا أنه ينطبق على أمريكا. طبعا في ظل الفروع الفكرية المؤسسة لأمريكا نجد كثيرا مما نعتبره نحن مسخا مسيطرا على الفكرة المؤسسة للدولة.

أنت ضربت أمثلة على الفساد الفكري المشكل للدولة الأمريكية، ونيوترال ضرب أمثلة أخرى، وهذا الفساد إذ أخذ دور العراقة فبات لا أمل في علاجه، فلا يمكن أن يتصور الأمريكي دولته إلا إذا كانت رأسمالية برجماتية ديمقراطية عالمانية إقصائية صاهرة للجميع في بوتقة الحلم الأمريكي. وحين تحاول أن تشرح للأمريكي مفهوما آخر يصلح لبناء الدولة عليه، فإنه قد يمط شفتيه بغير اهتمام، وربما إذا اهتم قد يرميك بالتخلف والعودة إلى النموذج الأوروبي المكروه لديهم.
ذلك أن الأجيال في أمريكا قد أنشئت على الفكرة الأمريكية العوجاء، وماتت تلك الأجيال ونشأ غيرها على عدة دورات بما أخذ دور العراقة، وقد تبلغ الصعوبة في نزع المفهوم الأمريكي من أذهان القوم درجة تقرب إلى تصور إخراج أهل الشرق الأوسط من الإسلام أفواجا.

طالما أن الشعب في أمريكا يثق بالأفكار المؤسسة لدولته، وطالما لا يوجد نموذج عالمي قادر على المنافسة، فستبقى الأفكار الأمريكية مشكلة لذوق الأفراد والمجتمع والدولة هناك.

لا يترك الأفراد والمجتمع الأمريكي هذه الأفكار، ولا يسعوا لإيجاد رأي عام ضدها إلا إذا تضاربت هذه الأفكار مع مصالحهم بشكل لا يسمح بأي مدى من التوفيق، كسر عظم يعني. أو بالتعاجز التراكمي لهذه الأفكار عن حل مشاكل الحياة سيما مع تأبط أمريكا للعالم. أو بظهور منظومة فكرية جديدة تباين المنظومة الأمريكية وتتحداها وتبرز حلولا عملية لمشاكل الحياة أنجح من حلول أمريكا لتلك المشاكل!

حين يترك الأفراد في أمريكا أفكارهم المؤسسة لدولتهم، أو يفقدوا الثقة بها، أو ينشأ رأي عام ضدها بحيث يخجل من يحملها على إبداء رأيه علنا، حين ذاك نعتبر أن شمس أمريكا قد آذنت بالبين، فعد لها الأيام أو الأشهر أو بضع سنين على أكثر تقدير. ذلك أن ذات الأفكار التي تجمع الولايات الآن، لهي قمينة بتفجيرها في حرب أهلية طاحنة لو وجه الصراع إلى الداخل. واذكروا إذا شئتم حرب أمريكا الأهلية، وذيولها التي تطاولت إلى ستينات القرن الماضي!
03-25-2005, 03:19 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نزار عثمان غير متصل
Gramsci
*****

المشاركات: 1,664
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #33
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
الغالي خالد (f)

تحياتي واحترامي

اوافقك تماما على ما تفضلت .. ولكن بوجهة نظري هناك تفصيل معين .. اذ اظن ان الثابت في الذات الاميركية هو روحها النزّاعة الى الحرب المترحلة .. في حين ان الدولة بمفهومها وتعريفها ومؤسساتها وكيانها ودساتيرها .. وما الى هنالك .. تابع لا اكثر .. ولا انكر انه في مراحل ما سعت الدولة بطريقة معينى الى استجلاب تلك الروح النزّاعة الى الانضواء فيها والتأطر وفق ما تقتضيه المؤسسات .. الا انها بذلك تكون قد فقدت ذاتها بذاتها .. فاميركا دون الحرب لا تبقى اميركا .. خصوصا وان الهوية الاميركية قد انزرعت فيها الحرب كمؤطر ومعين .. بذا .. فلم تجد الدولة المؤسسة امامها من لد الى الانضواء بنفسها تحت جناح اميركا النزاعة للحرب تلك .. واكتفت بشرعنة اميركا الحرب وفق ما يقتضيه منهجها اضف الى البحث عن مفهوم سيادة خاص بها ايضا .. تأخذ فيه بعين الاعتبار مفاهيم اللاوطن .. واللامكان .. واللاصل التي تقوم عليهم اميركا الحرب .. كي لا يكون هناك من اي تناقض ..

فيما سوى هذا .. اتفق معك بكل ما قد تفضلت به ..

دمت بخير

03-25-2005, 03:53 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
خالد غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 7,660
الانضمام: Apr 2004
مشاركة: #34
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
نحن لم نختلف حتى توافقني في ما سوى ذلك، تفضل وطبق كلامي على كلامك. كل ما هنالك أن كلامي يضع قاعدة عامة تصلح لتناول أمريكا وغيرها، وأنت تأخذ حالة خاصة من العام وهي أمريكا.

أمريكا قامت على عدة أفكار وطرق من جنس هذه الأفكار، توجد أمريكا بواسطة هذه الطرق أفكارها في واقع الحياة ومعالجاتها المختلفة.

من هذه الأفكار هي فكرة أمريكا عن الآخر الهندي الأحمر، والأخر الأوروبي، والآخر الغير أوروبي.
أمريكا اقصت الآخر الهندي الأحمر، وانعزلت عن الآخر الأوروبي، وتأبطت الاهر الغير أوروبي محاولة جعلها إياهامع إقصائها لذاته.
ولا مانع عند أمريكا أن تقصي الآخر الأوربي في كل حين بدلا عن الإنعزال عنه، بل قد باشرت هذا خلال وبعد الحرب الثانية.

مع ملاحظتنا للخطأ النسبي للجنوب الأمريكي نسبة إلى الشمال في خضم الحرب الأهلية، إلا أننا نلاحظ أن كلا الطرقين انعزل عن الآخر واقصاه. لاحظ التوحش الغير مبرر لليانكي في تعاملهم مع الجنوبيين بعد انتصارهم. يعني إذا بدك تحرر العبيد مافي داعي تحرق بيوت العالمين ومزارعهم ومخازنهم.

الطريقة الأمريكية في إيجاد الأفكار الأمريكية في الحياة هي الانعزالية الإقصائية الوصائية.

فأمريكا بعيدة عن العالم لا يتأتى للعلم أن يؤثر عليها، معزولة وراء محيطين، مقصية للآخر المحلي ومن ثم العالمي، لا تتحاور مع أحد إلا بالقوة الغاشمة، وهذا الحوار مارسته أمريكا مرة واحدة حصرا، وكان مع الاتحاد السوفيتيبزعامة خروتشوف، ولولا صواريخ كوبا لما حاورت أحدا. وأمريكا تعتبر نفسها هي الوصي على ما يسمى بحقوق الإنسان والشرعة الدولية، طبعا الوصي البرجماتي وليس الشرعي. فهذه النظم هي حق للأريكي دون غيره، وتحق لغيره بقدر ما يحقق هذا الحق المنفعة للأمريكي.

كل ما تسيطر عليه أمريكا تعزله عن غيرها، كالفريك لا يقبل الشريك، وأبرز مقال عليه هو مبدأ مونرو المعلن بالنسبة لأمريكا اللاتينة، وغير المعلن كما هو الحال بالدول تحت الوصاية الأمريكية.
ونحن حين نقول أمريكي هنا، فنحن نعني الأمريكيون الكمل أحفاد الحجاج**، البيض الأنجلوسكسون البروتستنت، والباقون إنما هم قطاريز* عند الأوائل.

-----------------------------------------
*قطاريز: جمع قطروز، وهو عبد الأرض. واستعير المعنى هنا مع ابدال الأرض بالمصلحة.
** الحجاج: لقب يطلقه ألمريكيون على أول من اكتشف الأرض الجديدة من أسلافهم.
-----------------------------------------

المشكلة التي تواجه أمريكا هي اليوم تأبط العالم، وهذا الحمل قد كسر كل من سبق امريكا من حضارات وامبراطوريات، إذ جعل تلك الدول مخيرة بين الداخل والخارج عاجزة عن الجمع بين النقيضين. هذا هو لعمري التحدي الأمريكي للقرن الواحد والعشرين بعد انفرادها على الساحة الدولية، والعالم هنا يعني أوروبا وغيرها، ولا يستثني أوروبا أو يعولمها. العالم يعني "العالم الإسلامي" وأوربا والصين والهند وروسيا وافريقيا والبارزة التي تؤذن بخروج أمريكا اللاتينية عن الطوق.

هل تستطيع أمريكا حل مشكلة العالم بشكل يضمن مصالحها الداخلية؟ هذا سؤال أتوقع فشل أمريكا في الإجابة عليه، ليس توقعا غيبيا، بل استقرائيا من النظر إلى الصعوبةالتي تقارب الاستحالة للحال التي تواجههاأمريكا في العالم. ومقارنة بين أمريكا وبين ما سبقها، مع ملاحظة أن نفس أسلوب أمريكا في التعاطي مع المشكلة من اقصاء وانعزال ووصاية لهو قمين بتسريع هذا الفشل.

بريطانيا إبان سيادتها على العالم كانت تشرك معها دول أخرى والرعايا المحليين والأعراف الوطنية المترسخة، ومع هذا انتهى استعمارها وسلطتها وسيطرتها غير ماسوف عليها. فما بالنا ونحن نرى امبراطورية حديثة تأبى أن يشاركها أحد في الحل غضاضة أن يشاركها المكسب، واستحقارا لتفكيره ومثله.
03-25-2005, 08:17 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Arab Horizon غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 620
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #35
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
عزيزي Gramci ,

أهنئك على الأستطلاع المثير و الهام.....(f)

مما لا شك فيه ستتعدد الروئ و النظرات حول هذه القوه المتفرده بالعالم في لحظه تاريخيه لا تقل فراده ...وهذا مكمن أهميه هذا لأستطلاع..

لا يتسع المقام لتوصيف هذا الكيان بشكل دقيق ولكني سأركز في هذا التناول المقتضب علاقتي السلطه مع الأنسان الأمريكي و الأمم الأخري...

هذا الكيان يجسد أزمه الحداثه في أبشع صورها ..فهي تمثيل ظاهر للعقل الأداتي الذي سخر الطبيعه عن طريق تسخير الأنسان و بتوصيف آخر أنها تمثل الأزمه المصاحبه لتشئ الأنسان و تحوريه الى إنسان ذو بعد أوحد مشكل من قبل السلطه المسيطره من قبل قوى أقتصاديه لا تمثل مصالح الأغلبيه....بالطبع أنا لأشكك في الحريه الفرديه التي يتمتع بها الفرد الأمريكي و لكنها في الجوهر حريه مبرمجه تتناغم مع مصلحه السلطه و إذ واجهت أي تناقض أو تنافر في هذه العلاقه الثنائيه كان التسلط كاالمكارثيه وغيرها.....

تحالف السلطه مع العقل الأداتي تجاوز الفرد الأمريكي الى غيره ليفرز شكل جديد من الأمبرياليه الثقافيه ...
أما الوجه الآخر الذي يرسم علاقه السلطه الدبلوماسيه فهي البراحماتيه الذرائعيه التى تتقزم فيها قيمه الأنسان الى لا شئ في سبيل المصلحه... و من هنا كانت سياسات أمريكا منذ مونرو قائمه على أستخدام القوه في سبيل الحصول على مكسب سياسي....ومن هنا كانت التوجهات الكولونيه على حساب الأنسان كله و ليست حريته فقط...
03-25-2005, 09:48 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #36
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
لا اعرف كيف اجيبك يا غرامشى فانت تطلب تجريدا عموميا واختزاليا ( فلسفيا ) وليس وصفيا للظاهرة فرغم معرفتى باميركا عن قرب من داخلها وكمراقب من خارجها وعارف للغتها ومتابع لثقافتها وصحافتها فاننى اجد صعوبة شديدة فى الاجابة على تساؤلك

لكن من ناحية فلسفية ماهى اميركا

هى ذروة التعبير عن الخيار اليمينى بكافة اشكالة بدءا من الثيولوجيا وانتهاءا به كخيار اجتماعى سياسى وثقافى


لكن من الناحية الوصفية فهناك مجموعة مذهلة من المقالات لمحمد حسنين هيكل حول هذا الموضوع ساعيد نشر بعضها
03-25-2005, 10:02 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #37
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
مهمة تفتيش فى الضمير الأميركي

محمد حسنين هيكل



أولاً: تعامل مع شبه مستحيلات
 مشكلة المشاكل بالنسبة للعالم العربي في المدى المنظور من المستقبل (عشر إلى عشرين سنة) وفي مجال السلامة القومية (تحصيل وتحصين أسباب الأمن، والقوة على تنوع مجالاتها) هي العلاقة مع الامبراطورية الأميركية وإدارتها باستنارة وكفاءة وسط شبه مستحيلات أربعة، تبدو كأنها أضلاع صندوق مغلق!
ضلعه الأول: صعوبة إقامة صداقة حقيقية مع الامبراطورية الأميركية، لأن تلك فرصة أفلتت من زمن طويل، ونظريا فإن هذه الفرصة تبدت لها احتمالات ممكنة سنة 1945 لكن هذه الاحتمالات تبددت عمليا سنة 1948، (بالتحديد بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى).
والضلع الثاني: خطورة الدخول في عداء مطلق مع الامبراطورية الأميركية، لأن هذه الدرجة من العداء تصل بحركة الأشياء إلى الصدام العنيف، وذلك تحدٍ لا تستطيع الأمة احتماله، فهو في هذه اللحظة وللزمن المرئي يفوق طاقتها أو يتعدى مواردها.
والضلع الثالث: منزلق الاندفاع إلى النهاية في مثل هذا العداء بدون حد، لأن ذلك يصل بأصحابه إلى حالة من الكراهية العاجزة، تضرهم بأكثر مما تصيب غيرهم، وتلك وصفة فشل أكثر منها بشرى نجاح.
والضلع الرابع: استحالة الصبر إذا تَوَهَّم العرب أن بإمكانهم تجاهل الامبراطورية الأميركية وتركها لعوامل الزمن تعريها وتكسر شوكتها، كما حدث لامبراطوريات سبقتها، لأن وزن الحقائق لا يسمح بمثل هذا التجاهل، فالواقع الراهن له أحكامه وانتظار الظنون فرض يصعب اعتماده للتصرف الآني مع وجود الامبراطورية الأميركية بسطوتها وبأسها في قلب العالم العربي بطلبه مرة أو بطلبها مرات!
والشاهد أن الأوضاع العربية الآن تحمل أصداء ذلك الأسى المضغوط في عبارة مأثورة عن الرئيس المكسيكي الأسبق <<فارجاس>> (أوائل الثلاثينيات) حين سُئِلَ وبلاده غارقة في المشاكل عن: <<حقيقة أزمة المكسيك!>> وأطرق الرجل لحظة يفكر ثم قال مكررا السؤال:
<<أزمة المكسيك>>؟!:
ثم أضاف جوابه:
<<أزمتها أنها قريبة جدا بحدودها من الولايات المتحدة بعيدة جدا بروحها عن الله>>.
وذلك جار على أحوال كل الدول العربية اليوم: <<قريبة جدا إلى درجة الالتصاق من الامبرطورية الأميركية بعيدة جدا إلى درجة الانفصام عن أي عقل وفعل!>>.
وهكذا فإن علاقة العرب بالولايات المتحدة الأميركية شبه مأساة إغريقية، ولو تُركت للمصادفات لانتهت بالدم قتلا أو انتحارا للبطل وكلاهما في الشأن السياسي محظور، لأن مهمة السياسة في العصور الحديثة وفي كل العصور أن تمنع المأساة، وتربط الصلة بين الإرادة والتاريخ!
ومؤدى ذلك أن العلاقات العربية الأميركية صراع لا يصح أن يُترك وشأنه وإنما يلزم إدارته.. يُدار بالرشد، مع الوعي بأنه سوف يطول ويشتد ويزداد خشونة وقساوة.
ومع أن السياسة الأميركية في هذه اللحظة تبدو أمام العرب عاصفة من العنف الأحمق والجامح إلا أن ذلك لا ينبغي أن يخيف ويغري بالفرار، لأن واحدا من أهم دروس التاريخ: أن الامبراطوريات العاتية تكابر حتى تصل إلى الذُرى العالية، ثم تكتشف عند الوصول هناك أن البقاء فادح التكاليف، وعندها تظهر حتمية النزول، لكن الامبراطوريات تعاند وساعتها يبلغ العنف مداه، وذلك ما حدث لكل الامبراطوريات سابقا: من الامبراطورية الرومانية في العالم القديم إلى الامبراطوريتين الأكبر في التاريخ الإسلامي (الأموية والعباسية) في العصر الوسيط إلى الامبراطوريات الأوروبية في العصرين القريب والحديث.
فتلك الامبراطوريات جميعا بلغت الذُرى زمن الصعود، وكلها بعد ذلك وبسبب أعباء وتكاليف الامبراطورية اضطرت للنزول على السفوح، وكلها في حالة الصعود استعانت بالقوة، وكلها في اتقاء النزول قاومت بالعنف.
وذلك ما يحدث للامبراطورية الأميركية، وإن كان في حالتها يُستدعى قدر أكبر من الحرص والتدقيق، لأن هذه الامبراطورية فصيلة تختلف عما سبقها.
1 فهذه الامبراطورية الأميركية تملك من عوامل القوة الاقتصادية والمالية ما يتفوق على سابقاتها طول التاريخ.
2 وهذه الامبراطورية توظف لخدمة أهدافها أقوى وأكبر منجزات التقدم الإنساني في كافة المجالات.
3 وهذه الامبراطورية عاشت حياتها بعيدة عن أي تهديد مباشر لأرضها وسكانها، وراكمت من أسباب القدرة والثروة مددا وفيرا، وبالتالي قدرا ضخما من المناعة والثقة بالنفس يزيد أحيانا عن الحد.
4 وهذه الامبراطورية تملك سطوة في السلاح لم تتوافر لغيرها من الامبراطوريات مع وجود توافق حرج بين التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا المدنية.
5 وهذه الامبراطورية استطاعت إلى جانب سطوة السلاح أن تعرض نوعا من جاذبية النموذج يمهد لتوسعها وانتشارها، بغواية في أساليب الحياة تعزز وسائط القوة.
6 وهذه الامبراطورية تمكنت من أسلوب جديد في السيطرة، يقوم على نظام شديد الجرأة والجسارة إلى درجة الاقتحام والاختراق لخصوصيات الدول والشعوب، والقدرة على خطف وعي الآخرين وارتهانه أسير إعلام مصور وملون مكتوب وناطق يعطي لنفسه احتكار وضع جدول اهتمامات الرأي العام العالمي وسحب الآخرين وراءه أو جرهم مهرولين.
وحصيلة ذلك أن طاقات هذه الامبراطورية الأميركية وأدواتها منحتها خصائص وميزات لم تتح لغيرها من الامبراطوريات على مسار التاريخ.
لكن الحكمة الصوفية المأثورة القائلة بأنه <<عند التمام يبدأ النقصان>> تظل صادقة بالعرفان وبالبرهان معا، لأن كل كائن حي له أجل ولهذا الأجل مراحل: طفولة وصِبا وشباب وكهولة وشيخوخة وموت. وذلك قانون نافذ حتى على الامبراطوريات باعتبارها كيانات حية، وعندما يصل عمر أي كائن حي إلى ذروته فإن النزول على الناحية الأخرى من التل حتمي، لأن أي كائن حي عند الذروة يكون قد استعمل إلى أقصى حد كافة مصادره وموارده، وهو حين يستعملها إلى أقصى حد يستهلكها بنفس المقدار.
وبقواعد الحساب فإن إسراف أي كائن حي في استعمال المصادر والموارد المتوافرة لديه، يلزمه أن يصرف وينزح منها أكثر وأسرع، وذلك مأزق الافراط في أي سلوك. وإذا كانت التسمية الشائعة للامبراطورية الأميركية أنها تحولت من قوة أعظم (Super Power) إلى قوة كاسحة (Hyper Power) فإن القواميس المعتمدة تورد تعبير (Hyper Power) مترجما إلى اللغة العربية ب: <<القوة المفرطة>>!
وأغلب الظن أن الاختبار الحقيقي أمام العرب في المرحلة الحالية وما بعدها يتعلق بمدى استعدادهم للوقوف جنبا إلى جنب مع قوى عديدة في العالم يهمها كما يهمهم تجاوزات الامبراطورية الأميركية، ويعنيها كما يعنيهم وضع حد لهذه التجاوزات ويشغلها كما يشغلهم إجراء حسابات دقيقة لعناصر الصراع معها لا تجعل الهدف هزيمة القوة الأميركية، وإنما ترويضها بحيث تخضع لحكم القانون، وذلك يكفي الجميع، تاركين الباقي لحقائق الطبيعة وأحكام التطور.
والواقع أن الامبراطوريات الكبرى في التاريخ لا يهزمها خصومها في صراعات مباشرة إلى النهاية وإنما تتولى هي هزيمة نفسها بالإفراط في استعمال القوة وفي الغرور، إذ يعجز عن مسايرة التطور ويتصور قدرته غالبة إلى الأبد!
ومع أنه مما يطمئن العرب إلى حد ما أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الامبراطورية الأميركية المفرطة إلا أنهم أكثر من غيرهم يحتاجون إلى مهمة تفتيش في أعماق شخصية وضمير هذه الامبراطورية، وبحيث لا يكونون كما وقع لهم مرات مهزومين بلا مبرر، وأسرى بلا مقاومة، وضحايا بلا ثمن.
والواقع أن مهمة التفتيش الدقيق في أعماق الضمير الأميركي تكتسب أهمية مضافة من حقيقة اختلاف الامبراطورية الأميركية عما سبقها من التاريخ، وبحيث لا يصح معها الاكتفاء بما هو ظاهر على المواقع، أو خبئ في الملفات، وإنما تقتضي مهمة التفتيش فحصا للأصول والجذور ينزل إلى باطن التربة، عندما انبثق أول نبت وتردد أول نفس مع التحفظ بأن عمليات التفتيش تنطوي بالضرورة على تجوال لا تسنده خريطة دقيقة، وإنما تلفته علامات وشواهد يحاول أن يتقصاها، ويعثر في بعض المحاولات على دليل ولا يعثر في بعضها الآخر على شيء!
وفي التحضير لأي مهمة تفتيش بهذا الاتساع، فقد يلزم الاتفاق بشكل عام على أن أي امبراطورية لا بد من أن تنشأ وتقوم وتستند إلى دولة وعليه فإن البحث في الخصوصيات الأولية للدولة الأميركية كشاف لفهم طبائع الامبراطورية الأميركية وتمييز شخصيتها ومقاصدها وسلوكها وممارساتها في السياسة (وهي التعبير اليومي عن حركة القوة)، ثم إن القصد من هذه العودة إلى البدايات لا يكون هدفه المحاكمة والإدانة، وإنما يكون مطلبه الفهم، لأن مهام التفتيش في العادة صعبة وحتى إذا كانت لدى المفتشين خيوط يظنونها كافية لتقود خُطاهم إلى ما يبحثون عنه، فإن التفتيش في أعماق الضمائر أكثر تعقيدا من التفتيش في الأمكنة وفي المواقع، خصوصا إذا كانت المحاولة في ضمير لامبراطورية كاسحة (مفرطة في قوتها)!
ثانيا: من الدولة إلى الامبراطورية
1
 وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة الأميركية كما عرفتها الدنيا نشأت مهجرا ومنفًى وملاذا لعينات مختلفة ومتناقضة من البشر:
كانت موجة الهجرة الأولى إلى أميركا جماعات من المكتشفين والمغامرين ذهبوا يبحثون بتشجيع ملوك أوروبا وأمرائها عن طريق إلى الشرق يتجنب سيطرة الممالك الإسلامية الحاكمة على طريق البحر الأبيض (ممالك مصر والشام) أو على طريق الحرير (ممالك الفرس والمغول) إلى قلب آسيا والذي حدث أن المكتشفين الأوائل والمغامرين وصلوا إلى الغرب بدلا من الشرق، ثم راح ملوك وأمراء أوروبا يسمعون الأعاجيب عن ثروات العالم الجديد: من أرض خصبة، ومياه وفيرة، وسهول خضراء، وجبال من معادن تخطف العيون أولها الذهب.
وحين تولى البابوات والكرادلة مراسم إقطاع العالم الجديد باسم معجزة الرب إلى ملوك أوربا وأمرائها كان جنود هؤلاء الملوك يسابقون الريح إلى العالم الأسطوري الجديد حتى لا يسبقهم غيرهم أو ينفرد بالثروة هؤلاء الذين اكتشفوا وغامروا وكانت تلك هي الهجرة الثانية.
وجاءت موجة الهجرة الثالثة حين احتاجت الموارد إلى قوة عمل، ووجد الملوك والأمراء الذين لا يريدون شراكة زائدة، أن حلهم الأمثل شحن نزلاء سجونهم إلى العالم الجديد، فهناك في انتظارهم <<أشغال شاقة مؤبدة>> ومفيدة في نفس الوقت، لأنها تنتج غنى متواصلا يتراكم في خزائن السادة، بدلا من أن تستهلك طعاما في كسر الأحجار وحمل الأثقال.
وهكذا أفرغت سجون إنكلترا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال (وغيرها) زحامها في سفن فردت قلوعها جارية عبر المحيط.
وكانت الموجة الرابعة طوائف من المضطهدين دينيا وسياسيا في أوروبا، وقد سمعوا عن أرض مفتوحة بلا نهاية وبلا حدود لا يحكم فيها سلطان المدعين بالعصمة الإلهية أو بالذات الملكية، وقرر هؤلاء المضطهدون أن يتبعوا النجوم الهادية إلى الشواطئ البعيدة، وظنهم أنهم عليها في أمان مع معتقداتهم وأفكارهم، يجربون إقامة فردوس حلموا به وفشلوا في تحقيقه حيث ولدوا والأمل أن العالم البعيد قد يكون بالنسبة لهم ولادة وحياة من جديد!
ثم توالت موجات الهجرة وتنوعت الأشكال والألوان من كل الأنواع، ولم يمض غير قرن أو قرنين حتى ظهر على مساحة القارة الأميركية مجتمع فريد، فهو خليط قلق ومتنافر متحفز ونشيط، تجمعه المجازفة، وأمله في درجة من الاستقرار أن تتولى ضرورات الحياة تعليم أهله أسلوبا ما من أساليب العيش المشترك في عالم ما زال مجهولا متراميا وراء الأفق.
ولم يكن عبور المحيط تلك الأيام (ما بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر) نزهة سهلة أو رحلة هينة، بل كانت ركوبا للصعب وموعدا مع المشقة لا يقدر عليه غير الأشداء من الناس أبدانا ونفوسا.
ولم يكن في خيال هؤلاء الأشداء أن ينشئوا وطنا تتساوى فيه حقوق الناس ومسؤولياتهم، وإنما كان مطلب كل واحد منهم أن يسبق أو يلحق، ويعوق غيره أو يعطله، وكذلك لأن الجميع متسابقون إلى وضع أيديهم على ما تطوله أطراف أصابعهم. وحين وجدوا أن أميركا لم تكن أرضا خالية من الناس، فقد أدركوا من أول لحظة أنه إذا كان لهم أن يتملكوا الدنيا الجديدة، فإن <<الآخر>> (وهو الهندي الأحمر) لا بد أن يختفى كما أن اختفاءه لا يتم إلا بالقضاء عليه تخليصا ماديا ومعنويا للأرض ومن عليها!
وهم بالطبع يريدون أن يجمعوا عنه معلومات كافية، لكنهم لا يريدون القُرْب منه نفسيا أو إنسانيا، لأن مثل ذلك القُرْب يضع عليهم قيدا أخلاقيا أو عاطفيا لا يحتاجون إليه.
أي أن السلاح ضروري كل وقت، والمعلومات كل لحظة لازمة، لأن العدو غريب عنهم بالكامل منتشر في الأرض حيث لا يعلمون خبير بالتضاريس متآلف معها!
.....................
.....................
ويلاحظ أن هذا السلوك تكرر في تاريخ الحركة الصهيونية حين فكر <<تيودور هرتزل>> في مشروع دولة يهودية في فلسطين تكون وطنا قوميا لليهود، ووقتها بعث باثنين من الحاخامات في رحلة استطلاع تؤكد له ولغيره أنها <<أرض بلا شعب لشعب بلا أرض>>، وكانت مفاجأة <<هرتزل>> حين تلقى من رسوليه إلى فلسطين تلغرافا شهيرا في تاريخ الحركة الصهيونية يقول:
<<العروس جميلة، ولكنها متزوجة فعلا>>.
وكان الحل الإسرائيلي مثل الحل الأميركي: قتل الزوج والاستيلاء على ممتلكاته واغتصاب العروس باحتلال الأرض!.
.......................
.......................
وكانت التجربة الأميركية سبَّاقة في هذا السلوك، وقد مارسته إلى النهاية وما زالت تمارسه إلى هذه اللحظة ضد أي عدو حقيقى أو متصور، بل مارسته على المستوى الفردي موجها إلى أشخاص بذواتهم وصفاتهم. وكان القانون الأميركي حتى سنة 1974 يعطي لرئيس الولايات المتحدة الأميركية سلطة إصدار أوامر قتل تنفذها وكالة المخابرات المركزية الأميركية على من يرى الرئيس أنهم أعداء للولايات المتحدة من زعماء العالم.
وحدث في أعقاب الضجة الكبرى التي صاحبت سقوط الرئيس الأميركي <<ريتشارد نيكسون>> وعزله، أن خلفه الرئيس <<جيرالد فورد>> أصدر أمرا رئاسيا يُحَرِّم ممارسة قتل الزعماء السياسيين لدول أجنبية باعتبار ذلك أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية، وظل هذا الأمر ساريا إلى حد ما! حتى أصدر الرئيس الأميركي الحالي <<جورج بوش>> (الابن) أمرا رئاسيا بالعودة إليه في حرب أميركا المقدسة الجارية الآن (ضد الإرهاب)!
.......................
.......................
2
وعلى سبيل المثال فإن الدولة الأميركية وبواقع النشأة والظهور لم تقم على قاعدة شعب بعينه، أو أمة بذاتها، أو عقيدة حلت في قارة من الأرض وربطت ناسها، بل كانت النشأة والظهور في إطار مغامرة تاريخية نادرة، وكذلك فإن الامبراطورية التي قامت عليها هذه الدولة اختلفت عن الامبراطورية البريطانية أو الامبراطورية الرومانية، (كلتاهُما قامت على شعب بعينه) كذلك فإنها اختلفت عن الامبراطورية النمساوية أو الامبراطورية الروسية، (كلتاهما قامت على أمة بذاتها) وأيضا فإنها ليست مثل الامبراطورية الإسلامية أو الامبراطورية البيزنطية، (كلتاهما قامت على عقيدة حلت وتسيدت).
.....................
.....................
وترتب على ذلك أن الامبراطورية الأميركية لم تستطع في أي وقت أن تستوعب فكرة الوطنية الموحدة، أو فكرة القومية الجامعة، أو فكرة الرابط الدينى الواسع، وبالتالي فإنها عند تعاملها مع أطراف تستند إلى مثل هذه الأسس وقفت أمام حاجز ثقافي منيع أدى بها إلى مشاكل بلغت حد العناد والعداء مع بلدان تمسكت بداعي الوطنية المستقلة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وحتى في أوروبا (الصين ومصر وكوبا وكذلك فرنسا على عهد <<ديغول>>).
ولأنه كان لا بد من وعاء جامع يضم السكان على أرض جديدة، فقد راج ادعاء بأن الوعاء الواحد هو الجسارة تشهد عليها معجزة الكشف، وسرعة السبق، وروح المغامرة وشدة القوة والبأس، وتغطية ذلك بأن العالم الجديد أرض الميعاد المتحققة فعلا مِنحة سماوية للأقوياء والقادرين، وليس لغيرهم من الذين قعدوا في العوالم القديمة وترددوا في ركوب الموج العاتي لبحر الظلمات وبطبائع البشر فقد نشأت فوق ذلك نزعة ادعاء بتميز أميركي، مسحة التميز عن بقية البشر، فهُم الأكبر والأقوى، وهم الأوفر غنى، ولهذا السبب يحسدهم الآخرون ويحقدون عليهم وذلك لا يهمهم لأن <<نعمة الرب>> وحدها كافأت جسارتهم وحرمت منها غيرهم!.
.......................
.......................
وفي تعويض مفعول الوطنية أو القومية فإن مشروع المغامرة الذي تمثل في هجرة الأقوياء الأشداء، أعطى الأفراد نوعا من مواطنة المصلحة والأمن بديلا عن مواطنة الأرض والبلد، وكانت مواطنة المصلحة والأمن ظاهرة إنسانية مستجدة بسيطة وشديدة البساطة لأنها لا تريد من عموم مواطنيها أن يشغلوا أنفسهم بما هو أكثر من الضروري لحياة تستغرق وقتهم وتستهلك جهدهم، وتبقى لهم في الشأن العام أحد خيارين من اثنين:
إما طمأنينة تترك كلا منهم لشاغله العادي (وحده).
وإما أنها قلق يدعوهم إلى التنبه لخطر لا بد من أن يخشوه (مجتمعين).
وبناءً عليه فإن مزاج المواطن الأميركي يعرف نفسه مع حالة الرخاء ويعرف المجموع في حالة التهديد.
وتلك هي رسالة الخطاب السياسي من كافة الاتجاهات. فهو إما عملية لتشجيع الطمأنينة الفردية وصرفها إلى شواغلها وإما عملية لإثارة المخاوف لتعبئة الجماعة وإثارتها، أي أنه باستمرار: بيع الحلم أو بيع الخوف، وفي الغالب فإن بيع الطمأنينة تجارة داخلية، وأما بيع الخوف فهو التجارة الخارجية.
.......................
.......................
وقد بلغ من عجز الامبراطورية الأميركية عن قبول فكرة القومية، أن رئيسا أميركيا على مستوى <<دوايت أيزنهاور>> أُتيح له أن يقود أكبر جيش متحالف في التاريخ لمعركة تحرير أوروبا، لم يستطع أن يتقبل حتى من أقرب الأصدقاء العرب إلى السياسة الأميركية فكرة وجود أمة عربية يحوطها الاتصال الجغرافي والتواصل التاريخي والعمق الثقافي المخزون في اللغة الواحدة، والتجربة المحكومة بمصدر شرعي وقانوني غالب.
3
وعلى سبيل المثال فإن الدولة الأميركية قاعدة الامبراطورية الأميركية قامت على مبدأ طارئ بالكامل لم تعرفه من قبل تجارب نشأة الدول، ففي حين كان مبدأ السابقين هو استمرار الجغرافيا وتدفق التاريخ، فإن التجربة الأميركية كان مبدأها الأول بالتصميم هروبا إلى جغرافيا جديدة وانقطاعا عن تاريخ سبق. والداعي أن المهاجرين الذين قصدوا إلى أميركا كانوا مطالبين (لدواع إنسانية وعملية) بقطع صلتهم بالأوطان التي وُلدوا فيها وتركوها وراء ظهورهم، والقبول بمخاطرة عبور المحيط وركوب أهواله (وقتها) ملهوفين على وعد يبشرهم بالثروة الموفورة والفرصة المفتوحة، لأن ذلك هو الأمل الذي ضحى الكل في سبيله بفراق الأهل والوطن، وكذلك كان المبدأ الذي فرض نفسه على الجميع نسيان الماضي والتخفف من حمولاته، مسلمين أنهم في حاجة إلى ثقافة وأخلاق وقانون من مصادر تناسب ظروفا مختلفة عن أي ظرف نشأت فيه دولة من قبل.
وهنا بدأت في الظهور مجموعة قيم مثيرة ومرنة في مواجهة أحوال عالمها الجديد من رغبة في استكشافه والنفاذ إلى عمقه، والقسوة في التعامل معه، من إدراك أنها لا تستطيع أن تعود إلى حيث كانت قبل أن تعبر المحيط.
وباختصار فإن التاريخ الجديد كان مطلوبا منه أن يكون صفحة بيضاء. وحينما بدأ التدوين فإن <<قتل الآخر>> كان فاتحة أول سطر، لأن القتل له وظيفة مزدوجة: ضمان الأمن (وذلك إنساني) وضمان المصلحة (وذلك حق من وجهة نظر أصحابه)!
وكان السطر الثاني في تجربة مجتمعات المهاجرين اختراع صيغة أخلاق تَدَّعي البراءة حتى تتخفف من عبء ما اضطرت إليه وتغطي عليه بذرائع وضرورات الاستقرار والتقدم وبإضافة من الصلوات تمزج المصلحة بأسطورة من نوع ما!
وهنا تكفلت طقوس من نوع <<عيد الشكر>> وفلسفته بغزل ونسج الغطاء الأخلاقي المطلوب، وتمكنت من صنع وتجهيز أعراف أخلاقية تحتاج اليها المغامرة الأميركية، والعبرة فيها <<أن الهندي الأحمر ليس مؤمنا بالله بحيث يستحق نعمة هذه القارة وخيرها العميم كما أن الحكمة الإلهية لم تخلق موارد الطبيعة بهذا السخاء الرباني لكى يهدرها المتخلفون، وتأسيسا عليه فإن الأحق بالموارد هم الأقدر على استغلالها. ومع الوصول بالمقدمات إلى نتائجها فإن اغتصاب الأرض يصبح واجبا على المؤمنين كما أن استغلالها خير الصلاة لخالقهم وخالقها!>>.
ثم جاء دور التشريع، وكان المدخل المفتوح أمامه قانون المصلحة، يقضي بأن <<ما هو نافع لأصحابه قانوني بالضرورة>>.
وكذلك أصبحت القوة كاتب النصوص، وبالتالي فإن الأمر الواقع الذي تفرضه هذه القوة: هو الحقيقة والحق في آن واحد، حتى وإن كان عُمر هذا الأمر الواقع سنة أو شهرا أو أقل!
.....................
.....................
وبهُدى هذه التجربة الثقافية عند البذور والجذور في نشأة وتطور الدولة الأميركية وكذلك الامبراطورية التي قامت عليها، فإنه يمكن فهم المنطق الذي تعتمده السياسة الأميركية حتى هذه اللحظة، بالذات في الشرق الأوسط.
وعلى هذا المنطق فإنه لم يجلس مُفاوض عربي أو محاور غربى إزاء نظير له أميركى وحاول أن يقدم ويشرح له قضية فلسطين إلا وسمع منه طلب أن يعفيه من الخلفيات التاريخية، فهي تفاصيل لم تعد تهم لأن <<الحاضر الراهن>> هو النقطة التي نعيشها ونتصرف منها، بصرف النظر عما سبقها وجرى في الزمن قبلها.
.......................
.......................
وسمعت بنفسي وأشرت إليه مرة من قبل طلب نسيان التاريخ من الدكتور <<هنري كيسنجر>> وهو أستاذ علوم سياسية ذائع الصيت وسياسي ممارس في نفس الوقت، وكان وقتها يشغل منصبين: وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي لرئيسها وبرغم هذه المؤهلات فإنه في أول لقاء بيننا في 7 نوفمبر 1973 (داخل جناحه في الدور الثاني عشر بفندق هيلتون النيل) أراد <<كيسنجر>> أن يضع <<بروتوكول>> حوارنا الذي استغرق ساعات، مركزا على طلبين:
أرجوك أن تحدثني عن مصر وحدها ولا تدخل بي إلى أمور تخص بلدانا عربية أخرى غيرها، فذلك الذي تسمونه بالقومية قضية لا أعرف وقائعها!
أرجوك أن تحدثني عما نستطيع عمله هذه اللحظة من دون عودة إلى ما كان قبل ذلك، ودعنى أذكرك بأني عندما وصلت إلى مطار القاهرة أمس قلت للصحافيين الذين كانوا ينتظروننى، بكلمات عربية أجهدت نفسي أياما لأحفظها أن: <<ما فات مات>>.
ومن المدهش أن ذات المنطق وإن بأسلوب أكثر رُقيا ورد في حوار جرى في أثينا مع عدد من أكبر المفكرين في الولايات المتحدة وبينهم <<كينيث جالبرايت>> الذي قال لي بعد نِقاش طال بعد منتصف الليل <<تذكر أننا نعود إلى التاريخ لكي نعرف عنه وليس لكى نتمسك به>>، وببساطة فإن المؤدى العملي لهذا المنطق هو التنازل مقدما ليس عن التاريخ فحسب، وإنما عن القانون أيضا!.
.......................
.......................
وعليه فإن أي مفاوض أو محاور عربى مع طرف أميركى لا يستطيع التأثير عليه أو إقناعه بحجج من نوع <<عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة>> أو <<بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم>>. وللإنصاف فإن عددا من المحاورين والمفاوضين الأميركيين يحسنون قراءة ما هو مكتوب في القرارات الدولية المعنية بهذه المطالب العربية، لكن عائقا من الثقافة المؤسسة لتجربة الدولة الأميركية يظهر أمامهم فاصلا: بين النص القانوني المكتوب وبين المقتضى السياسي والعملي لذلك النص.
.....................
.....................
4
وعلى سبيل المثال فإن المشروع الأميركي وبسبب اتساع المسافات، وتسابق الناس فُرادى وجماعات نحو عمق القارة في كل الاتجاهات لم يحدد للدولة مركزا وإن عرف لها في ما بعد عاصمة سياسية يذهب إليها ممثلو الأقاليم القريبة والبعيدة كي يباشروا مسؤوليات <<الضروري>> و<<المشترك>> بينهم دون أن تتحول واشنطن إلى سكن دائم، أو حاضنة مؤثرة، وترتب عليه أن مراكز النفوذ والتأثير بقيت في العمق وفي البعد، ولم تنتقل إلى المركز السياسي للدولة، وذلك أضاف إلى الفردية ورسخها على أي شعور اجتماعي (مع التسليم ببقاء تكتلات بشرية متجانسة اختارت أن تظل قريبة من بعضها لدفع الوحشة واستبقاء الألفة، ومن ذلك ما وقع حين تجاور مهاجرون من أصول فرنسية في ولاية لويزيانا، ومهاجرون من أصول أيرلندية في ولاية <<ماساسوزيتس>>، ومهاجرون من أصول اسكندنافية في ولايات الشمال حول <<مينوسوتا>>، ومهاجرون من حوض البحر الأبيض (يونانيون وطليان وأسبان) في الغرب يستعيدون شيئا من مظهر ومذاق حزام الزيتون المتوسطي يؤنسهم في ولاية كاليفورنيا على شاطئ المحيط الهادي).
وفي ما عدا هذا التجاور البشري هنا وهناك على مساحة القارة، فإن الفردية ظلت الطابع الرئيسي للمجتمع (ولم تكن هذه الفردية ضررا طول الوقت لأنها أكسبت أصحابها قدرا من التنوع واستقلالية الرأي وضوابط للتوازن والمراجعة)، وفي المجتمع الفردي فإن النجاح أو الفشل هو معيار الحكم على أي إنسان وعلى مكانته، وفي مجتمعات ناشئة ليست لها على الأرض الجديدة أسلاف أو أنساب فإن معيار النجاح تعلق بالثروة، وهنا فإن بديل الأمير الأوروبي أصبح المليونير الأميركي، مع وجود فارق بين إقطاع الأمير وثروة المليونير، فالإقطاع ثابت له مصدر معلوم، والثروة جارية ليس من حق أحد أن يسأل فيها عن مصدر أو مشروعية لأن النجاح في حد ذاته له قوة القانون، ومواد هذا القانون في الحالة الأميركية (وبالتحديد في مرحلة التراكم) تتمثل في حسابات وأرقام وليس في قيود وحدود!
وهنا لم يكن مستغربا أن تكون مقدمة الظهور الأميركي مع مطلع القرن العشرين، وبداية الخروج الأميركي إلى العالم، رجالا من طراز <<مورجان>> (وهو رأس أسرة اعتمدت ثروتها في الأصل على جد من كبار القراصنة خبأ كنزه في إحدى جزر البحر الكاريبي ثم ترك لأسرته خريطة تدل على موقعه، وعندما تمكن الورثة من فك الرموز أصبح الكنز في العصر الحديث أهم أصول واحد من أكبر البنوك الأميركية) ونفس الطراز من الرجال تكرر في <<جون روكفللر>> (فقد تحصل على غنى أسطوري من إبادة قبائل بأكملها في <<فنزويلا>> كي يفسح المجال لحقول بترول تأكد له وجودها وصمم على امتلاكها، واستحق أن يوصف بأنه أسال دما على سطح فنزويللا بأكثر مما استخرج من عمق آبارها نفطا) ونفس الطراز كذلك تكرر في <<فاندربيلت>> (الذي تسابق مع <<مورجان>> في مشاريع مد السكك الحديدية تربط أميركا الشمالية بقضبان من الصلب تشق طريقها صاعقة نافذة في الجبال مارقة في السهول مكتسحة لمواطن ما بقي من قبائل الهنود الحُمر، والجيوب المنسية من جماعات المهاجرين وكان الاعتماد في هذه المشاريع على جحافل وحشود من العبيد شبه عرايا ونصف جِياع!) أو من طراز <<دي بونت>> (وهو رجل صنع ثروته من تجارة البارود يبيعه أولا لأطراف حرب الاستقلال الأميركي مع وضد بريطانيا وفرنسا ثم يبيعه في ما بعد لولايات الشمال والجنوب، أي تلك المطالبة بالوحدة، وتلك الراغبة في الانفصال، وتكدست ثروة الرجل من تجارة البارود لكل الناس مع كل الناس وضد كل الناس).
ولعل القصة الشهيرة عن <<جون روكفللر>> الكبير تلخص فلسفة الرجال الثلاثة وغيرهم، فقد وضع <<روكفللر>> على مكتبه لوحة كُتبت عليها عبارة مأثورة عن مستعمر إسباني في القرن السابع عشر هو الكونت <<هيرناندو دي سوتو>> تحمل نص نداء موجها منه إلى السكان المحليين في كافة مستعمرات إسبانيا في أميركا اللاتينية يقول لهم:
<<عليكم أن تعرفوا من الآن فصاعدا أنكم رعايا لملك إسبانيا ولا بد من أن تعتنقوا الدين الكاثوليكي (!) ومن هذه اللحظة أنتم عمال لنا، وزوجاتكم وأولادكم عبيد عندنا، وإذا لم تمتثلوا وقع عليكم العذاب>>. وكان بين صنوف العذاب التي ابتكرها الكونت <<دي سوتو>> منشار لأشجار الخشب، أمر الكونت باستخدامه لنشر أجساد العمال المشاغبين أو الكسالى.
وكان <<روكفللر>> وأمثاله هم البناة الأول للقوة الامبراطورية الأميركية، (مع أنه لا بد من الاعتراف بأن نموذج هؤلاء البناة الكبار للقوة الأميركية أطلق لدى كل مهاجر أملا بلا حدود في الوعد الأميركي، وإحساسا بقدرة أي رجل على الانطلاق عاليا وبعيدا).
وكان رئيس الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين <<تيودور روزفلت>> هو الذي أطلق على هؤلاء البنائين الكبار وصف <<البارونات اللصوص>> (The Robber Barons)، وكان صادقا في وصفه، فهُم اثنان في واحد لص وقاطع طرق في الشباب وبنَّاء كبير عند ذروة الحياة وبارون مع نهاية العمر، تقي متدين وكأنه ينشد الغفران!
.....................
.....................
وفي شهادة لصالح هؤلاء البناة للقوة الأميركية (أو البارونات اللصوص في وصف <<روزفلت>>) أنهم في ما بعد اشتروا بالدولارات أجمل منجزات الثقافة الأوروبية رسما ونحتا وأثاثا، وكذلك فإنهم لم يصبحوا بارونات فحسب، وإنما تحولوا إلى أرستقراطية بدون أصول أقامت لنفسها قلاعا بدون أسوار على هيئة مؤسسات تحمل أسماءهم (روكفللر وراند وكارنيجي وغيرهم)، وهي مؤسسات تقوم أحيانا بأعمال طيبة تُماثل ما قام به أمراء الاستنارة في أوروبا، والرجاء أن يصبح الظاهر مستغنيا عن الباطن، كما أن الحاضر يتكفل بإسدال ستائره الذهبية على الماضى، باعتبار أن النجاح وهو هبة الله يحمل معه صك البراءة!.
.......................
.......................
والنجاح لا يضع قانونه فقط وإنما هو كذلك يختصر الإجراءات إلى طلبه. وفي كل القضايا التي تخص الولايات المتحدة فإن واشنطن لا تقيد النجاح بشرط القانون بما في ذلك القانون الدولي، والمنطق في هذه الحالة أيضا حاضر ملخصه <<أن قواعد القانون الدولي كما شاعت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وُضِعَتْ من دون مشاركة الولايات المتحدة وفي غيبتها (أي قبل أن تخرج الدولة الأميركية إلى الدنيا الواسعة من وراء عُزلة المحيطات) وعليه فإن تلك المبادئ والقواعد غير مُلزِمة إلا في حالة أن تعترف بها الولايات المتحدة تأسيسا على وجود مصلحة أميركية، على أنه وحتى مع الاعتراف العام يصبح تطبيق القانون انتقائيا.
.......................
.......................
وقد يصح الانتباه في هذه الملابسات إلى أنه مما يزكي إسرائيل لهذه الدرجة الهائلة من القبول في الولايات المتحدة الأميركية أنها تظهر أمام معظم الناس هناك باعتبارها مشروعا ناجحا حقق هدفه بصرف النظر عن الوسائل أعرافا وأخلاقا أو قانونا.
.......................
.......................
وبهذا المنطق يمكن فهم موقف الامبراطورية الأميركية من قضايا الشرعية الدولية، فالأمم المتحدة ناجحة إذا كانت في حوزتها وفاشلة إذا كانت شرعيتها مسؤولية مشتركة بين دول العالم، كما أن الإجراءات لا يصح لها أن تقع أسيرة تضارب تعدد في المستويات أو تعقيد الصياغات.
وبهذه العقلية العملية والواقعية اختزلت الولايات المتحدة سلطة المنظمة الدولية في مجلس الأمن وحده ثم اختزلت سلطة مجلس الأمن في أعضائه الخمسة الدائمين ثم اختزلت سلطة الخمسة الدائمين في نيابتها وحدها عن الجميع بواقع القوة <<المفرطة>>، وعليه مثلا وفعلا فإن <<ثقافتها القانونية>> حرضتها ولم تردها عن <<خطف>> التقرير الذي قدمه العراق إلى مجلس الأمن عما يملكه أو كان من أسلحة الدمار الشامل، وكانت عملية خطف التقرير العراقيي في ظروف طبيعية جريمة ابتزاز وسرقة بالإكراه تحت أي قانون. وفي وقائعها أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة أخذ معه ثلاثة من ضباط وكالة المخابرات المركزية الأميركية وتوجه إلى مكتب رئيس مجلس الأمن (لشهر نوفمبر 2002) وهو سفير <<كولومبيا>> ثم طلب منه (بناء على اتصال أجراه وزير الخارجية الأميركي <<كولين باول>> مع عاصمة بلاده) أن يسلمه هنا والآن أصل التقرير العراقي الموجه إلى مجلس الأمن. ولم يكن لدى رئيس المجلس خيار غير أن يسلم التقرير إلى المندوب الأميركي ومرافقيه لكي ينقلوه بأقصى سرعة إلى واشنطن، ولم يسمح صُنَّاع القرار الأميركي لبقية الأعضاء الخمسة الدائمين إلا بنسخة منه (مُنَقَّحَة)، وأما بقية أعضاء مجلس الأمن، فلم يحصل أحد منهم إلا على ملخص معلومات (مصنوع يدويا)!
والأمثلة غير ذلك كثيرة أشهرها رفض الولايات المتحدة لأية أحكام صادرة عن محكمة العدل الدولية في <<لاهاي>>، بما في ذلك الحكم بإدانتها في جريمة الحصار غير المشروع لموانئ <<نيكاراغوا>> أيام نظام الساندينستا، وفوق ذلك حقيقة أن معظم القضايا أمام محكمة العدل الدولية <<لاهاي>> مرفوعة ضد الولايات المتحدة الأميركية!.
.......................
.......................
يتصل بهذه الظاهرة في نشأة الدولة الأميركية وطبيعة الامبراطورية المستندة إليها، أن المجتمع الأميركي في حسابه للنجاح على أساس الأرباح والخسائر كان مستعدا للتكلفة المادية مترددا في ذات اللحظة إذا كانت التكلفة دما وذلك موقف يسهل فهمه، لأنه إذا كانت فكرة <<المصلحة>> هي الجامع المشترك فإن الدم لا تصبح له ضرورة، بل إنه يتعارض مع العقد الأساسي لشراكة المصلحة، بمعنى أن الشراكة تنظيم يدخل فيه كل طرف بحصة من رأس المال، لكن الدم يظل خارج الحسبة لأنه لا يحتمل الربح والخسارة.
.......................
.......................
وذلك يفسر لماذا جاءت الولايات المتحدة متأخرة وفي بعض الأحيان متأخرة جدا في كل الحروب الكبرى التي خاضتها، فقد شاركت في الحرب العالمية الأولى مع شتاء سنة 1917 (مع أن الحرب بدأت صيف سنة 1914)، أي أن الولايات المتحدة تأخرت عن بدء الحرب ثلاث سنوات ووصلت إلى ميادين القتال مع الهجوم الأخير وبعد أن سال الدم أنهارا لكي تكون في مقاعد المنتصرين وقت حساب الأرباح وتحديد نسب توزيعها!
ونفس الشيء تكرر في الحرب العالمية الثانية، فقد بدأت تلك الحرب في سبتمبر سنة 1939، وشاركت فيها الولايات المتحدة بعد أكثر من سنتين أي في ديسمبر 1941، وهي لم تدخل وتشارك إلا بعد أن تأكدت من أن معركة بريطانيا التي وقفت وحدها أمام العاصفة النازية منذ اليوم الأول كسرت شوكة الطيران الألماني (في سماء لندن سنة 1940) وأن مدرعات <<هتلر>> غرزت في وحول الشتاء الروسي (سنة 1941)، وضلت طريقها في بحور الثلج اللانهائي من <<وارسو>> إلى <<موسكو>>، وعندها اقتربت الولايات المتحدة وشاركت، مع ملاحظة أنها كانت <<طرفا>> في الحرب من أول يوم، لكنها من أول يوم فضلت أن يكون إسهامها بالقروض والمساعدات والإعارة والتأجير، حتى تستوفي حمامات الدم مطالبها.
وحتى الآن هذه اللحظة وعلى طول مسار الصعود الامبراطوري الأميركي، فإن الدم كان الرقم الأصعب في حسابات المشروع، لأن أصحابه قبلوا مخاطره طلبا لمكاسبه، ولم يطلبوها لكي يسقطوا قتلى على الطريق ويكون المكسب من نصيب آخرين!
وحدث في ميادين القتال على مسار الحرب العالمية الثانية ما هو بالفعل مستغرب، ولولا أن الوثائق الأميركية قاطعة في شأنه، لما كان في مقدور أحد أن يعتمد على حجيته. والحاصل أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت خطوتها الأولى في ميادين الدم والنار بحملة <<تورش>> (الشعلة) وهدفها احتلال شمال أفريقيا (المغرب العربى)، لكن النزول الأميركي على شواطئ المغرب تحت قيادة الجنرال <<أيزنهاور>> جاء عند تنفيذه شبيها بالسفر السياحى، لأن الجيوش <<المعادية>> التي تحمي المغرب كانت تابعة لحكومة الماريشال << بيتان في فيشي>>، وكان كبار الضباط الفرنسيين في المغرب (مثل الأميرال <<دارلان>> والجنرال <<جيرو>> وغيرهما) يتحينون الفرص للتحلل من الولاء لتلك الحكومة التي وقعت صك الاستسلام لألمانيا النازية، وكان هؤلاء الضباط الفرنسيون الكبار قد احتفظوا لأنفسهم بمسافة عن حكومة <<فيشي>> قابعين في الانتظار على الشاطئ الجنوبى الغربي من البحر الأبيض، آملين أن يوفر لهم البُعْد استقلالية تحرر خياراتهم إذا تغيرت موازين الحرب.
وعندما قامت الأساطيل الأميركية بعبور المحيط آخر سنة 1942 متجهة إلى شطآن المغرب، كانت الجيوش الفرنسية هناك مستعدة للاستقبال، وهكذا فُتحت الموانئ لاستقبال السفن من دون مقاومة، وقام عُمالها بإنزال الأسلحة والذخائر بحماسة، وكانت جماهير المرحبين محتشدة، وباقات الزهور جاهزة، بل إن سلطان المغرب <<محمد بن يوسف>> (محمد الخامس) جاء بنفسه إلى ميناء الدار البيضاء ليكون في انتظار وصول الجنرال <<أيزنهاور>> وتحيته.
على أن ما هو أغرب جاء مع المعركة الثانية للقوات الأميركية على مسار الحرب، وهي معركة النزول في صقلية. وكان محتملا في هذه المعركة أن تكون إنزالا حقيقيا (بكل مخاطر عمليات الإنزال من البحر إلى الشاطئ أمام تحصينات قوية ونيران معادية) لكن البيت الأبيض تحرك بكل الوسائل، وشاغل الرئيس فيه (وهو <<فرانكلين روزفلت>> وقتها): كيف يمكن تقليل خسائر الإنزال في عملية صقلية بأقل كلفة في الدم، لأن هذه الجزيرة مطلوب منها أن تتسع لنصف مليون جندي أميركى ثم تتحول إلى منصة قفز لهم على شبه الجزيرة الإيطالية المتدلية في البحر الأدرياتيكي.
وكان البيت الأبيض بنفسه هو الذي تولى رسم ورتب تنفيذ خطة تقليل خسائر الإنزال في صقلية وكان الرسم والترتيب على شكل مقايضة مباشرة وعملية (من دون روادع من أي نوع: ديني أخلاقي قانوني أو غيرها!)، شملت ترتيبات لا تتخفى ولا تتستر وسياقها على النحو التالي:
إن <<عصابات المافيا>> في نيويورك (ذلك الوقت) على اختلاف أسرها هم في الأصل مهاجرون من صقلية.
ولعصابات المافيا في هذه الجزيرة أقارب وأنصار واستثمارات كبيرة توفر أرزاقا وتعقد ولاءات، بل تشتري السلطة المحلية في الجزيرة.
ومعنى ذلك أن <<عصابات المافيا>> قادرة على تسهيل عمليات إنزال القوات الأميركية القادمة من المغرب إلى صقلية لكي تبدأ غزو إيطاليا (مقدمة لكسر قبضة ألمانيا وكسر رأسها أيضا!).
وبناء عليه فقد كلف الرئيس <<روزفلت>> أحد مساعديه (<<هاري هوبكنز>>) أن يعرض على زعماء مافيا نيويورك صفقة مقايضة قبلت بها عصابات المافيا، واتفقت عليها بأعصاب باردة وشروطها:
1 تحصل عصابات المافيا مقدما على 25 مليون دولار <<لوضع قطع من الحلوى في أشداق بعض المسؤولين في صقلية>> (كذلك سجلت مذكرة للرئيس عن الاتصالات)!
2 تكون للمافيا <<حقوق حماية>> بعد تحرير إيطاليا، وهذه الحماية يلزم أن تكون إيجابية، بمعنى أنها لا تقتصر على مجرد التغاضي عن نشاط هذه العصابات في أميركا وحدها، وإنما تضمن لها فوق ذلك وزيادة عليه مشاركة فاعلة ومؤثرة في الشأن الإيطالى.
3 تتشاور الجهات الأميركية المعنية مع زعماء عائلات المافيا في ترتيب <<علاقة عمل>> مع أجهزة الأمن الأميركية تكفل كذلك تغطية نشاط عصاباتها في الولايات المتحدة ذاتها، بما في ذلك أن يكف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن الوقيعة بين عائلاتها وتحريض بعضها على بعضها الآخر.
وبعد هذه الصفقة وليس قبلها وصلت ناقلات الجنود الأميركية إلى شواطئ صقلية، ونزل الجنرال <<باتون>> ومدرعاته من البحر إلى البر، وكان زعماء عائلات المافيا وأبناؤهم وزوجاتهم وأطفالهم ورجالهم وأعوانهم في الإدارة المحلية (بل حتى تلاميذ المدارس) يلوحون بالأعلام الأميركية، ويهللون لوصول كل قارب من قوارب الإنزال الناقلة للجنود والأسلحة والذخائر.
ومن المدهش أن ذلك الوضع الخاص للمافيا بناء على اتفاق النزول الأصلي في صقلية ظل ساريا حتى وقت قريب. والشاهد أن محاكمة السياسي الإيطالى <<جوليو أندريوتي>> والحكم عليه قبل أسابيع قليلة بالسجن لمدة 22 سنة بتهمة التغطية السياسية على عصابات الجريمة المنظمة جاء مظهرا من مظاهر نفاذ واستمرار ذلك الاتفاق بين حكومة الولايات المتحدة وبين عصابات المافيا سنة 1942، وتأكيدا لسريان مفعوله حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأكثر من ستين سنة (سنة 2002) مع ملاحظة أن <<أندريوتي>> تولى رئاسة الوزارة في إيطاليا ثماني مرات! (ومن الغريب أن <<أندريوتي>> حينما سمع الحكم عليه بالسجن لمدة اثنتين وعشرين سنة لم يغضب ولم يثر، وإنما ذَكَّر الصحافيين بعمره (85 سنة)، وكان تعليقه بعدها بسخرية: <<يظهر أن هؤلاء القضاة يتصورون أن عمري ممتد إلى الأبد!>>).
ومن الأغرب في القضايا المنظورة الآن والمتصلة بنزاهة الحكم في عهد رئيس وزراء إيطاليا الحالى <<برلوسكوني>> أن ظِل عصابات المافيا ما زال حتى هذه اللحظة يحوم حول قاعة المحاكمة يظهر ويختفي ثم يعود إلى الظهور!
.....................
.....................
وفي تجربة الامبراطورية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وفي مصر بالتحديد، تكررت عروض البيع والشراء أكثر من مرة:
في العصر الملكي في مصر (سنة 1950) رغبت الولايات المتحدة في حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكان أن عرضت على مصر مشروعا لشراء سيناء وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها، (وكان ذلك العرض على هامش مشروع <<كلاب>> وهو اسم السياسي الأميركي الذي كُلف به) ورفض الملك <<فاروق>>.
وفي تجربة العصر الجمهوري سنة 1955 حاولت الإمبراطورية الأميركية شراء صلح منفرد بين مصر وإسرائيل بواسطة بعثة قادها <<روبرت أندرسون>> وزير مالية <<أيزنهاور>>.
وكانت الصفقة خطة سرية عُرفت وقتها باسم الخطة <<ألفا>>، وبمقتضاها عرض <<أندرسون>> تَعَهُّدْ أميركا بالمساعدة في بناء السد العالي مقابل قبول مصر بصُلح منفرد مع إسرائيل، يكون تمهيدا لصلح عربي شامل بين العرب والدولة اليهودية، وكان ذلك بمقتضى خطة سرية أوسع هي الخطة <<أوميجا>>.
ورفض <<جمال عبد الناصر>>.
وحدث بعدها في العصر الجمهوري أيضا (سنة 1956) وبعد تأميم قناة السويس أن الولايات المتحدة فكرت في حل لقضية التأميم، وبعثت وفدا من رؤساء بعض شركات الملاحة الكبرى يحملون عقدا بمبلغ 2 بليون دولار نظير الحق في إدارة قناة السويس، ووصل الوفد إلى مصر فعلا وطلب أعضاؤه مقابلة رئيس الجمهورية الذي حولهم إلى نائبه وقتها السيد <<عبد اللطيف البغدادي>> وفوجئ <<البغدادي>> بالعرض مكتوبا ينتظر التوقيع، وأبدى دهشته، ورفض العرض حتى دون أن يعود في شأنه إلى <<جمال عبد الناصر>> (الذي أقره على ما تصرف به).
.....................
.....................
وفي وثائق مجلس الأمن القومي الأميركي سنة 1958 سلسلة محاضر عن اجتماعات هذا المجلس طوال شهر أغسطس من تلك السنة التي تمت فيها وحدة مصر وسوريا (فبراير 1958) وقامت فيها الثورة ضد النظام الملكي في العراق (يوليه 1958)، ويتضح من هذه المحاضر أن الرئيس <<أيزنهاور>> راح يطرح سؤالا واحدا على مجلس الأمن القومي، ثم يعود إليه كل جلسة، مستفسرا: <<هل ناصر (يقصد <<جمال عبد الناصر>>) رجل المستقبل في الشرق الأوسط؟>>.
ثم يضيف: <<إذا كان كذلك فلا بد أن نعقد صفقة معه>>.
لكن الصفقة كانت مستحيلة لأن <<جمال عبد الناصر>> كان لديه مشروع مختلف وكذلك وهو ظاهر في الوثائق فإن الرئيس <<أيزنهاور>> أعطى توجيها لرئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (آلان دالاس وقتها) باغتيال زعيمين: أحدهما هو <<جمال عبد الناصر>>، والثاني هو <<فيدل كاسترو>>، أولهما يهدد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، والثاني يعطي مثلاً سيئا لبلدان أميركا اللاتينية.
وفي جانب منها فإن الصفقة الأميركية كانت خيارا بين واحد من اثنين: <<يقبل الآخرون بما نعرضه أو نقتلهم عندما نقرر>>.
.....................
.....................
وفي تجربة أخيرة يذكرها الصحفي الأميركي الأشهر <<بوب وودوارد>> في كتابه الذي ظهر قبل أسابيع عن الصراع الخفي في الإدارة الأميركية بين معسكر نائب الرئيس <<ديك تشيني>> ومعسكر وزير الخارجية <<كولين باول>> واقعة تستحق الالتفات، لأنها تؤكد مرة أخرى منطق البيع والشراء في ممارسات الإمبراطورية الأميركية، وكذلك يكشف <<وودوارد>> أن وكالة المخابرات الأميركية قامت بتوزيع مبلغ سبعين مليون دولار على زعماء القبائل الأفغانية قبل بدء عمليات التدخل الأميركي في أفغانستان وقد حمل مندوبون عن هذه الوكالة أموالها في حقائب تمتلئ كل واحدة منها بثلاثة ملايين دولار نقدا، وتسلّقوا الجبال إلى مقار الزعماء القبليين وتعاهدوا وتعاقدوا ودفعوا، وبرغم الصفقة فقد دارت ساقية الدم الأفغاني لتوفير الدم الأميركي!
.......................
.......................
يتصل بسياسة توفير الدم الأميركي أن حروب الإمبراطورية <<المفرطة>> تبدأ دائما بتمهيد مروّع، بطيران عالي الكفاءة، مخيف في قوة نيرانه وفي العادة ضد عدو ضعيف ومكشوف، وهذا النوع من قوة النيران لا يكلف غير ثمن الوقود والذخيرة، فهو أرخص أنواع الحروب على المهاجم وأغلاها على المستهدف به. والمعنى أنه إذا كان الدم الأميركي هو السلعة النادرة التي تساوى الحرص عليها، فإن حياة الآخرين رجالا ونساءً وأطفالا لا تهم، وكذلك لا تهم مرافقهم ومنشآتهم الحيوية، ومدنهم الكبرى ومواقع الحياة عليها.
.......................
.......................
ومنطق صفقات البيع والشراء يعبر عن نفسه متناسبا مع السوق وفيه إبداء الغضب مبرر في بعض الأحيان، وفيه ادعاء الغضب دون تبرير ليكون جواب الآخرين عليه باتقاء شره، وانتظار أن يهرع الآخرون خفافا إلى استرضاء الآلهة المستاءة من نُكران الجميل!.
وفي مثل هذه الأحوال لا يكون أمام بقية الأطراف في العالم غير أحد مخرجين: إما الإذعان لما هو مطلوب منهم لنيل الرضا، حتى وإن اضطروا إلى تسخير قوتهم وثروتهم مياههم وبحارهم فكرهم وجهدهم بحيث تكون كلها في خدمة أي قرار أميركي بلا مراجعة أو مساءلة.
وإما التردد أو التلكؤ في الإذعان وعندها فإن الولايات المتحدة
03-25-2005, 11:46 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
يوسف الزيتوني غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 1
الانضمام: Nov 2002
مشاركة: #38
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
سيدي Gramsci

في اعتقادي السياسة الأمريكية الخارجية متأثرة كثيرا بقرار تاريخي مهم في جميع الأمور المتعلق بماهو خارج أمريكا. بمعنى أخر بما هو متعلق بتوسع أمريكا في قارة أمريكا الشمالية ومن ثم بالتوسع في المحيط الهادي وشرق أسيا وغيرها!

هذه الوثيقة أو القرار يعرف بــ manifest destiny

لمعرفة هذه الوثيقة التي صدرت في بدايات القرن التاسع عشر تقريبا 1840 يجب أن نعرف تأثيرها التاريخي السياسي عند الساسة والقادة والمفكرين الأمريكان عبر القرن التاسع عشر مرورا بالقرن العشرين وحتى الآن. الوثيقة كانت في البداية وباختصار شديد تهتم بالتوسع غربا وبالعلاقة مع المكسيك المستقل من التاج الاسباني. ولكن عند وصول الأمريكان او الدولة الحديثة الى السواحل الغربية ( سواحل المحيط الهادي) وتحجيم المكسيك كقوة منافسة يفترض أن الوثيقة انتهت! ولكنها لم تنتهي كمبدأ وطموح عند الساسة، بل هي موجودة حتى وقتنا الحاضر في قلوب الأمريكان المعنيين بالسياسة والاقتصاد الخارجي.

لمناقشة هذه الوثيقة نحتاج وقت طويل كي نفهمها ونحللها، بل نحتاج لوضع أطروحات أكاديمية كبيرة لمعرفة تفشي ثقافة الـــ manifest destiny

أنصح الملمين باللغة الانجليزية زيارة هذا الموقع الذي يهتم بالوثيقة المعنية.

[صورة: manifestdestiny.gif]

http://www.pbs.org/kera/usmexicanwar/dialo...estdestiny.html

تحياتي
03-26-2005, 04:43 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نزار عثمان غير متصل
Gramsci
*****

المشاركات: 1,664
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #39
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
عزيزي خالد (f)

تحياتي

لا زلت المس بمقاربتك لاميركا بعدا يشبهها ويقيسها على غيرها.. وهنا يكمن لب الاشكالية .. فالعالم الذي نعرف هو على ما تعلم قد بني بالاضافة الى المخزون التاريخي والحضاري وما الى هنالك .. على فهم خاص بالجهات .. فالتاريخ فيه هو التاريخ .. والقومية هي القومية .. والتأسيس او الجانب المؤسس هو هو .. والى اخره .. ولكن الحال مع اميركا له بعد مختلف .. فهي بعكس ذلك تماما .. اذ ما ذكرته من وصف لاميركا باعتبارها "علمانية ديموقراطية .. براغماتية* .. الى اخره" له توصيف خاص في الذات الاميركية .. ولا يمكن للفهم الاقصائي الذي تبدى من خلالها مقصيا كل ما سبق ان يتبنى هذه المفاهيم وفق ما هي الا صوريا لا جوهرا .. اي بمعنى اخر يتبناه بعد ان يفعل به وفق نظرته الخاصة لا على اعتبار ماهو هو .. والا لكان تبنيا للبدئية والاصل التي تتبرأ اميركا منها .. بهذا فاميركا ليست نظاما واحدا .. كما قد لا يصح اجمالا ان نصفها بانها وحدة .. بل هي نعدد لا متناه للجهات سالفة الذكر لسببين وربما لاكثر .. اولهما .. فقد البدء .. ومن ثم عداء البدء .. فخي دوما وسطا بين كل هذه الاشياء .. وسط بالطبع لا منفعل بل فاعل ومؤثر.. فهي بذاتها لا يوجد فيها ما يمكن ان نصفه بالتناقض .. ففيها انصهر التناقض وفق وجهة ذاتية مسطحة بسيطة ربما قضت فيها على الجهات للتشكل ككل كذات .. لا بمقابل ذاتا اخرى .. اذ لا ارى بالنسبة لاميركا انه يوجد اخر .. لا اخر لاميركا .. بل هي ذات مستوعبة لكل الجهات وصاهرة لها .. بمنطق من القيومية عليها .. بذا تجد ايها الصديق انه من الطبيعي جدا ان ترى بالارض كارض اقليم يحتاج الى اعادة ترتيب .. وهنا فانفكاك اميركا من الداخل باعتبار الافراد اة غير ذلك .. اظنه يشكل نوع من الخيال ... اذ انها جسم لا يقبل التناقض .. ولا يطرأ عليها التناقض ..


____
* لونتها بالاحمر لنوع من التفصيل الذي قد يأتي حولها ..



دمت بخير

03-26-2005, 02:54 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نزار عثمان غير متصل
Gramsci
*****

المشاركات: 1,664
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #40
اميركا برأيكم .. ما هي ؟؟
العزيز Arab Horizon (f)

تحياتي وشكري لك على ما تفضلت ..


كلام جد منطقي هذا الذي تفضلت به .. ومن ثم فتطرقك بالقول :"

بالطبع أنا لأشكك في الحريه الفرديه التي يتمتع بها الفرد الأمريكي و لكنها في الجوهر حريه مبرمجه تتناغم مع مصلحه السلطه و إذ واجهت أي تناقض أو تنافر في هذه العلاقه الثنائيه كان التسلط كاالمكارثيه وغيرها.....


يكاد اجمالا ان يلخص المقاربة ككل .. فلا وجود للفرد الا ظاهرا .. بينما الباطن ليس الا تجلي للقوة غير المتناهية .. التي هي اشبه بالتجسيد لكيان من كوكب اخر .. اقصى كل المفاهيم واعاد صياغتها وفق ما يراه هو ..

اما ما ذكرته من جانب الديبلوماسية .. والى اخره .. فهو على ما اظن يلعب دورا وقتيا لا اكثر ... طبعا باعتبار الظروف الموضوعية والذاتية وما تحتمه .. فاميركا البراغماتية باتت تجسيدا عمليه للحرب الممتدة البدوية ..


دمت بخير
03-26-2005, 03:04 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ماهي الدوله العربية الأصلح للعيش والأسوأ برأيكم؟؟ ليبراليه وبس 44 12,878 12-20-2008, 04:55 PM
آخر رد: تمارة
  من سينتصر اميركا ام ايران الحر 19 3,583 02-28-2007, 12:30 PM
آخر رد: حسان المعري
  اهم وادق تحليل سياسي لدور ايران في المنطقة وتواطؤها مع اميركا journalist 2 891 01-13-2007, 05:14 PM
آخر رد: journalist
  إيران أم اميركا ؟؟ فلسطيني كنعاني 32 5,503 09-09-2006, 02:00 AM
آخر رد: فلسطيني كنعاني
  هل يكره العرب و المسلمون اليهود و اميركا اكثر مما يحبون اولادهم؟ Logikal 10 1,783 08-20-2006, 03:33 AM
آخر رد: The Godfather

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS