[SIZE=5]
مريم الحكايامنشورات دار الآداب ط1 2002
426 صفحة من القطع المتوسط
كتاب بين فاصلتين... ستبدأ الكتاب بفاصلة و صديقها الكاتب المسرحي الذي سيقص نفس حكايا كتابها مسرحية سيبدأ بالواو، الواو التي تعطف ، أوا ليست الواو فاصلة مقلوبة؟؟؟ فاصلة انقلبت رأسا على عقب، بدلت دائرة راسها بتدويرة قاعدتها؟؟ دارت حول نفسها، وبدل ان تفصل بين جملتين عطفتهما على بعض؟؟؟
كثيرا حين لا أرغب شخصيا بوضع الفواصل و التنقيط ، ألجأ الى واو العطف ، أستبدل الفاصلة بعطف فأوصل الشهقة بزفيها دون سكون، أليست الفاصلة سكون ، = ْ تسّكنُ النَفسَ اللاهث بالكتابة ؟؟؟
هكذا كتاب علوية صبح .. جملة بين فاصلتين .. في 13 فاصلة/فصل تجعلك تأخذ نفسا، بين حكايا مريم، بطلة الرواية و صديقتها الكاتبة علوية صبح ، مؤلفة الرواية.
نسمع مريم تحدثنا عن لقائها الأخير مع علوية صبح مؤلفة الرواية
اقتباس:يومها قالت لي:
_فاصلة ستكون أول ما أفتتح به السطر الأول، تفصل بين شبه جملتين، و ما سأكتبه ليس سوى فاصلة بين ماقبل الكتاب و مابعده.
الفاصلة لأن ما أكتبه ليس الا شبه جملة نكمل بها ذكرياتنا التي سبقتنا، و الفاصلة لأننا كنا نشبه الفاصلة، بين ماقبل و مالا بعد .
لم أفهم كثيرا ما قالته، كعادتي معها. لكني أعرف أن زهيرا كان سيبدأ مسرحيته بالفاصلة المقلوبة لتصير حرف واو
كم كنت أتمنى ان أرى هاتين الفاصلتين في اسلوب الكتابة/الشكل/المبنى ليتم في أعماق قرائتي الربط بين الفكرة/الموضوع/المعنى و الأسلوب الشكل .. علوية صبح في مريم الحكايا كتبت عن أسلوبها و لم تكتب به .
علوية في الرواية لا نسمع صوتها ولا نعرف قصتها ككاتبة الا على لسان مريم الشخصية الروائية :
[QUOTE]ظلت علوية لأسابيع تنهض في الليل من عز نومها ، فتجد نفسها تبكي ماء ً ووحلاَ يبللان الوسادة. دموعها لا تستأذن خدها لتهبط عليه و على الأوراق البيض الفارغة كلما اقتربت منها وجلست خلف مكتبها لتحاول ان تكتب الرواية من جديد.
طلبت منه ان تعيد كتابة الرواية، و لكنها قالت لي : جاولت و لم استطع، الإنسان ل يولد مرتين، وكذلك الحكايات . فالحكايات حين تحكى مرة أخرى تصبح حكاية أخرى
فشلت الكاتبة بكتابة روايتها ففضلت ان تجعل بطلتها تقوم مقامها في سرد الحكايات . هنا يتم الفصل الجذري بين الأنا الاواعية و الآخر الواعي، يحدث الشرخ النفسي، فينفصم الشكل عن المضمون، مما يناسب انفصام شخصيات الرواية بما فيهم الكاتبة.. إنها الحرب اللبنانية التي شرخت عرى الحياة.. فصَمَتْها و كأن الكل واحد والواحد هذا يعيش الفصام فيتعدد دون ان يتكرر و هو يتكرر بتعدد فصاماته ...
رواية عن الحرب بامتياز.. الحرب اللبنانية التي تقيأت أيضا فيما تقيأت العشرات من الأعمال الفنية بين رواية و كتابة و سينما و مسرح و فنون الى أن اختلط الغث بالسمين دون رحمة ..
رواية يبرز صوتها ناعما دافئاً دفءَ الحكاية الرَوي ليعكس ظلال متفاوتة السواد لعالم ويوميات الحرب اللبنانية .
[QUOTE]راحت و اختفت مثلما اختفى بطلها في الرواية ، و تؤأمها زهير ، و تركت مصائرنا ضائعة في روايتها . لم أعد أعثر حتى على إسمها على صفحات الجرائد و المجلات حتى بيتها القدريم الذي اعرفه ، في أول شارع الحمراء لم أجد اسمها على بابه بل البناية التي كانت تسكنها وجدتها مستوية مع الأرض
في الحكايا ينعدم الزمن تتداخل ذكريات الولد مع حكايا أمه عن جدته عن عمها عن أخيه... ليمتد في الرواية الى أيام الاستعمار الفرنسي الذي كان جنوده يعاقبون فلاحي الجنوب حين يحرثون على البقرة بدل الثور الذي يحتفظون به للفحولة.
[QUOTE]
_: يا مجرمين هذه البقرة تعطيكم الحليب و اذا حرثتوا عليه ينقطع درها ....
..................
.....................
ولكن بال أمي لم يرتح بعد انتقالها الى بيروت.
انتقلت من حياة الفلاحة الى العمل في المنازل و المستشفيات. بعد ان اصبح أبي بلا عمل . طرد من سكة الحديد، و لم يستطع أن يعمل مياوما بالعتالة بسب عرجه و كتفه المعطوبة منذ ان وقع عن الجمل ...
هذا الجمل الذي سنسمع عن وقوع الاب عنه في عدة حكايات. كلٌ يحكي وجهة نظره الام ، الأب.
هو نفس الجمل الذي يجعل أم مريم تتقيء اثناء ركوبها عليه، تلك العادة التي مارستها في كل وسائل النقل فيما بعد، كما ترويها مريم.
مريم تروي قصص التهجير التي تَعيها. التهجير المستمر من الجنوب الى بيروت و من بيروت الى بيروت الى بيروت ... و كأن الحرب حالة من البداوة التي تسعى الى الحضر .. و في كل هجرة منزل جديد و جيران جدد و الكثير من الحكايا، عن الأهل، عن الأقارب، عن الجيران حيث الآخر يصبح شكلا من هضم الانا لذاته من خلال ذكرى الآخر. هل تكون مريم عصارة لذوات الآخر الحقيقي الذي يخشى دائما صورته في الرواية التي ستكتبها علوية صديقة؟. مريم التي تنصت الى حكايا مريم و حكايا من حولها من جيران و اصدقاء ..
هاهي مريم تخبرنا، في آخر الكتاب ، كما في أوله، بأنها قررت الهجرة الى كندا هربا من نهاية ما ..
تقول في الصفحة ما قبل الأخيرة:
[QUOTE]
وددت لو أطمئن عليها و أودعها قبل سفري: أكثر مما أردت الإطمئنان إلى نهايتي التي اخترتها خارج كتابها الذي يئست....
لعبة جميلة يتبادل خلالها الكاتب و شخصية الرواي أدوارهما في عملية الروي و الوصف و التأريخ...
حيث تبدأ أولى كلمات الرواية بصوت مريم :
[QUOTE]
المسألة انتهت بالنسبة الي
فأنا يئست من الجواب ، و عجزت عن السؤال ، بل عن العثور عليها.
الفيزا أخيرا بين يديّ ، و لم يبق امامي سوى أيام معدودة ، فالوقت الباقي لا يسمح لي أن أجهز نفسي و أقوم بالزيارات التقليدية لأودع أهلي و أقاربي و جيراني و أودع ابتسام و ياسمين و علوية و ما استطعت من شخصيات روايتها.
أودع علوية ؟؟؟
.......
.....
لن أسألها ثانية: أين أصبح كتابك يا علوية؟
بالتأكيد لن أسألها..
كنت كلما شاهدتها بين فترة وأخرى في السنوات الأخيرة وسألتها أين أصبحت قصتنا ، أحس و كان لساني امتد كسيخ من نار ليلدغ جرحا طريا مفتوحا فيها، فتشيح بنظريها عني ، ..........
..............
............................
.
أذهب الى المكتبات كلما سمعت بأن رواية جديدة صدرت أتفحص بعيني عناوين الروايات و أسماء المولفين فلا اعثر لا على اسمها و لا على حكايتنا ....
انا لم أعد أحتاج لقراءة قصة حياتي في كتابها لأن قصتي هنا انتهت ، ..........
هكذا تبدأ مريم حكاياها على مدى 426 صفحة من القطع المتوسط مليئة و مكتظة بالحياة اللبنانية و الحرب و الحب و الجنس و الفقر و التهجير و الانس و الجان و الحيوانات و الزيجات و الولادات و الأسى الذي لا ينتسى و الكثير الكثير من الموت.
:wr: