{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #21
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
أنا محتج ومعارض .... ومزمع على التوقف عن كتابة هذه الرواية :mad:

صراحة إنني أطلب مكافئة من النادي ولأول مرة لي لقاء نقلي لهذه الرواية للفيلسوف اليوناني فيتاغورس ... وذلك بأن يرفع هذا الموضوع فور إنتهائه ..!!

وأنا بإنتظار الرد من الإدارة والزملاء الكرام أيضا ً ..

وشكرا ً (f)
08-02-2005, 06:42 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #22
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
[CENTER][صورة: fire-dragon.gif][/CENTER]
08-03-2005, 01:10 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Al gadeer غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,723
الانضمام: Jan 2004
مشاركة: #23
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
عزيزي

اتمنى ان لا تكون جاد في طلبك هذا، فمعنى ما تقوله انه اذا لم تستجب الإدارة فلن تتابع لنا الرواية

هل هذا يعني ان نقرأ ما كتبت ونكتفي :rose:

محزن
08-03-2005, 02:28 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #24
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
اقتباس:  Al gadeer   كتب/كتبت  
عزيزي

اتمنى ان لا تكون جاد في طلبك هذا، فمعنى ما تقوله انه اذا لم  تستجب الإدارة فلن تتابع لنا الرواية

هل هذا يعني ان نقرأ ما كتبت ونكتفي :rose:

محزن

أخ غدير طبعا ً أنا أمزح وخصوصا ً أنكم متابعين لهذا الرواية أنت والأميرة وبعض الزملاء ... ( ولكن ضربنا ضربة ولم ننجح :no: )

لذا

سأكتب الفصل الثامن الليلة بأذن الله وأقدمه لكم ..

تحياتي (f)
08-04-2005, 04:20 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #25
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
[CENTER]صدقوني أشعر أنني كالطائر في هذه الغرفة

[صورة: thsweetangel1.gif][/CENTER]

[CENTER]نكمل مع الفصل الثامن وهذا الفصل من أجمل ما قرأت في حياتي أنصحكم التعمق به لأنني سأناقشه فيما بعد ..

[صورة: booksmall.gif][/CENTER]

ــــــــــ

الفصل الثامن

المسارة لاهوت الأرقام

إن شخصية بيثاغور الفوق طبيعية كانت ومن دون أدنى أي شك مؤثرة في أتباعه، إذ كانوا مرتبطين بفلسفته وبطريقته الفضلى للحياة من خلال ما له من قدرة ساحرة وهو الذي إستنهض في كل واحد منهم طاقاته الشخصية التي جعلتهم متمكنين من إدراك الهدف الأساسي – التناغم مع الكون.
وكان ذلك بحد ذاته، قانوناً كونياً تمّ تنظيمه من قِبَل العقل الكوني – الموناد الكامنة فيه أسس الأسرار والنظام الخفي للأرقام المتجسد في أشكال وأحجام في عالمنا المادي.

في داخل " المدينة البيضاء "، كان " السامعون " قد ظلوا سامعين لأنهم قد إختاروا بأنفسهم أن يظلوا كذلك، أو لأنهم لم يكونوا أهلاً للدخول إلى الدائرة الداخلية مشكلين الغالبية في المجتمع البيثاغوري بدائرته الخارجية. وهم كانوا يعيشون مع عائلاتهم في المدينة ببيوتهم الخاصة التي يتركونها فقط في النهار لسماعهم خطب المعلم متلقين منه التعاليم بالأمثال المجازية. وفضلاً عن ذلك، فقد ظلوا محتفظين بأملاكهم الخاصة ذلك أن قانون المجتمع أجاز لهم الحق في ذلك، كما وأنه ولم يكن مفروضاً عليهم أن يكونوا نباتيين.
من جهة أخرى، كان بيثاغور يعتبر أن المحافظة على الأملاك هي مضرة " بالثيوريا " التي هي التأمل في الحقيقة الإلهية ".
ومن الحري ذكره، أن أؤلئك الذين إختاروا أو كانوا مؤهلين للدخول إلى الدائرة الداخلية في المجتمع البيثاغوري قليلون. فعاشوا حياتهم سوية بتخلٍ كاملٍ عن ما لهم من أملاك، وهم الذين أسماهم المعلم الماتيماتيكوي، وما ميّز حياتهم سوية هو مبدأ الشراكة مع بعضهم البعض في الحياة داخل المدينة ممتنعين عن تناولهم للحوم والأسماك.
- وخاطب بيثاغور أعضاء مجتمعه:" إسمعوا يا أيها الإخوة، من الواجب عليكم إظهار ولائكم لبعضكم البعض ولمعلمكم محافظين على السرية التامة وروح الشراكة ذات الأهمية القصوى في مجتمعنا".
* * *
في أحد الأيام من سنة 513 ق.م، تلقى بيثاغور رسالة من أحد تلاميذ خاله فيريسيد مفادها أن فيريسيد يحتضر، وهو يريد مشاهدته إذ أن زمناً طويلاً قد مر من دون يريا بعضهما. ففيريسيد في السابق كان قد أعطى بيثاغور كماً هائلاً من المعارف وهو معلمه الأول كونه حكيماً بكل ما للكلمة من معانٍ.
وقرر الفيلسوف مغادرة كروتونا ليمضي بعضاً من الوقت مع خاله في أيامه الأخيرة تاركاً مجتمعه بعهدة السيباستيكوي لما لهم من مهارة في إدارة شؤونه.
وهو عندما كان مبحراً في مياه البحر المتوسط قاصداً ديلوس Delos هبت عاصفة شديدة في الليل، وكانت السفينة معرضة بمن فيها من نساء وأطفال لمخاطر جمة. وراحت سرعة الرياح لتشتد، والبحر جن جنونه ضارباً السفينة بأمواجه بقوة. عندها وقف بيثاغور بعزم ثابت ورفع يده نحو السماء، ووجه الأخرى صوب البحر، وقال آمراً وكأنه يربط السماء بالأرض:" كما في السماء كذلك على الأرض، إيليم شلام ليكوم، ميلكي يم ميلكي روح شلام".
وخرجت تلك الكلمات من فمه بقوة ساحرة، وما هي إلا هنيهة، حتى توقفت العاصفة. فنظر إليه الجميع وكأنه إلهٌ قد نجاهم.
إن بيثاغور بإستخدامه لقواه الذاتية المنبثقة من ما له من علوم بالأسرار الباطنية للطبيعة وتواصل مع الألوهة إستطاع تهدئة المياه والتحكم بالرياح العاتية، فعاد كل شيء إلى طبيعته، وتابعت السفينة إبحارها.
وصل بيثاغور إلى جزيرة ديلوس ( سيروس ) في البحر الإيجي حيث كان خاله فيريسيد مقيماً، ومنتظراً تلك اللحظة الحاسمة التي هي " الموت ".
الموت الذي ما هو إلا عبورٌ إلى بُعُد آخر لوجود أكثر سمواً.
هذا ما كان فيريسيد مؤمناً به.
وعند لقاءهما سوية، إنتعشت ذاكرتهما. وجلس بيثاغور على السرير بمحاذاة خاله منحنياً نحوه ولاثماً بشفتيه جبينه. وعلى الرغم من تخطي بيثاغور لخاله في التعمق بمعرفة الحكمة ، فهو ظل معتبراً إياه معلمه مقدماً له فائق الإحترام. إذ أن قانونه المفضل هو في " إحترام التلاميذ لمعلميهم".
- وسأله فيريسيد بصوت متهدج وخافت:" كيف حالك"؟
- أجابه:" أنا بخير يا خالي العزيز".
- فيريسيد:" لقد سمعت عن مجتمعك والأسرار المحيطة به، وإني آمل بأن لا تكون هناك ثمة مشاكل في محافظتك على نظامه".
- بيثاغور:" حتى الآن كل شيء على خير ما يرام، فقد قسمته إلى قسمين، أول داخلي، وثانٍ خارجيّ. وبهذه الطريقة أستطيع ضبطي لنظامه".
وكان هنا ك صمت لبعض من اللحظات.
- فيريسيد تكلم:" لقد طلبتك إلي في الحقيقة لسببين، أولهما أن اعرف منك عن مجتمعك الذي يبدوا أنه على خير ما يرام وأنا لذلك في غاية السعادة، ولكنني أطلب منك أن تكون حذراً من الغيورين والحاسدين. أما ثانيهما هو أنه وقبل موت والدتك طلبت مني أن أسديها خدمة بإبلاغك أن تفكر بنفسك قليلاً بأن يكون لديك زوجة وعائلة، وإن رغبتها تلك ليست بالرغبة الكبيرة والمستحيلة يا بيثاغور".
ولم يعلق بيثاغور على كلام خاله الأخير هذا، لكنه أومأ برأسه لإدراكه بأن رغبة أمه وأمنيتها سوف تتحقق بمشيئة الواحد الذي خطط ورتب له ولتيانو بأن يكونا متحدان سوية مع بعضهما للأبد.
- وقال بيثاغور:" لقد جئت إلى هنا يا خالي لشيء واحد فقط، وهو أن أبقى بقربك وأقوم بخدمتك. أما بالنسبة لموضوع زواجي وتأسيسي عائلة، فسوف نتكلم سوية فيه أثناء بقائي هنا بجنبك".
وكانت الأيام تمر، وبيثاغور يقوم بخدمة خاله بحب وإهتمام كبير. وكثيراً ما تخاطبا سوية طوال تلك الفترة، حتى جاء اليوم الذي فيه فقد فيريسيد أحاسيسه المادية ملامساً الخلود بروحه.
لآحقاً، وأثناء طقس الجنازة، تمّ دفن جثمان فيريسيد بالقرب من معبد كنعاني – فينيقي على تلك الجزيرة.
وكتبوا الآتي على ضريحه:" هنا يرقد من كان مزداناً بالتواضع والفضيلة.
كل الحكمة كانت متجلاة فيه.
وحتى بعد موته، ظلت روحه في الحياة سعيدة".
وبعد مضي شهر من الزمان، غادر بيثاغور الجزيرة عائداً إلى إيطاليا.
* * *

في كروتونا وفي معبد سرداب الحوريات كان بيثاغور والسيباستيكوي منتظرين وصول التلاميذ الجدد الذي سيصبحون من تلاميذ المعلم الخاصين الماتيماتيكوي.
إنه بالفعل نهارٌ سعيد لأؤلئك الذين إختاروا الدخول للملاذ السري الخاص بالمعلم، وهو أيضاً في المقابل كان في غاية السعادة لأنه سيكشف لهم أسرار الحياة مستقبلاً إياهم بإحترام وكرم شديدين.
إن المسارة الحقيقية بالنسبة لهؤلاء التلاميذ ستبدأ، وسوف يحصلون على المعرفة الخفية التي ستعطى لهم من الفم إلى الأذن، وبات التلاميذ الآن في الدرجة الثانية وهي درجة التطهر.
إن أساس العقيدة الباطنية يكمن بكل نقاوة في علوم الأرقام السرية، ويلحق بها التطوّر الكوني للحقائق المتجسدة، وأيضاً الملاذ الأخير للعقل البشري. ليصبح الإنسان بكل ذلك أقرب إلى الإله منه للبشر في إتحاد سامٍ مع العقل الكوني.
إنها العلوم المتعلقة بالأسرار " الباطنية الحقيقية ".
إن علم الأرقام مع الأحرف الأبجدية أل 22 والرسوم الهندسية، كانت معروفة بشكل جيّد عند المساريين في التقليد المقدس للحضارة الكنعانية – الفينيقية، والحضارات الأخرى من مصرية وبابلية وزردشتية وهندية، تلك الحضارات التي منها أخذ بيثاغور التقليد المقدس مطوّراً إياه.
وكانت كل تلك العلوم دوماً مخفية عن الإنسان الجاهل، ولذلك كان إعطائها يتم في سرية تامة نظراً لإحتواءها مفاتيح العالم الباطني. فالمبادئ الأساسية في اللاهوت البيثاغوري الذي يبتدء بالعلم الماتيماتيكي المقدس الذي هو عالم الأرقام والذي قام بيثاغور ببلورته وتنقيته ليحله محل الكلمة المقدسة في التقليد الكنعاني – المصري لدى " الأخوية البيضاء ".
وفي أسفل سرداب المعبد كانت الحوريات التسع التي هي آلهة التناغم محيطة ببيثاغور حيث كانت الثلاث الأعلى رتبة من بينهنّ مترأسة علوم تكوّن الكون الشاملة لعلم الفلك، وعلم التنجيم، وعلم النبؤة، وعلم الحياة والموت، وعلم أرواح العالم الآخر وتقمصاتها. وفضلاً عن كل هذا، كانت منهنّ تلاثٌ أخريات في الموقع الوسط مترأسة العلوم الإنسانية من الطب، إلى الأسرار الباطنية، وعلم النفس. أما الثلاث الأخيرات فكان العالم المادي بعناصره وأشكال حياته تحت إشرافهنّ.
وكانت هيستيا – إيزيس Hestia – Isis الإلاهة الكاملة المتشحة بالأسرار واقفة في الوسط وهي حاملة بيدها اليسرى مشعلاً، أما يدها الأخرى فكانت موّجهة صوب السماء لحماية الأساس الكامن للألوهة المنتشر في كل الأمكنة رامزة بذلك للحكمة الإلهية.
ووقف بيثاغور أمامها بردائه الأبيض وهو رابطٌ خصره بحزامٍ أرجواني، ويعلوا كتفيه حلة أرجوانية عاكسة بذلك صورته الإلهية، وراح مشرعاً بالتعاليم:
- " أيها الإخوة، أطلب منكم أن تكرموا الكلمات التي سوف ألقيها على مسامعكم بنفس هادئة، وأنتم الآن تدخلون إلى الدائرة الداخلية، فمن الواجب عليكم أن تنقوا أجسادكم بسيطرتكم على رغبات العالم المادي وعلى وجه الخصوص الرغبة الجنسية التي من المفروض عليكم التخلي عنها حاضراً. ودعوني الآن أقدم لكم أربعة قوانين هي جد مهمة في العلوم الباطنية:
1- إن الرياضيات تكمن في المستوى الأكثر عمقاً في الحقيقة، ولذلك فقد أسميتكم الماتيماتيكوي. فالرياضيات هي علم نظري يساعدكم في بحثكم عن عالم الأرقام بالتأمل في الحقيقة الإلهية لتقودكم في تفكيركم بغية الجعل من تحليلاتكم العقلية بمنتهى الوضوح في تتابع وتسلسل أفكاركم. فالرياضيات هي أفضل شيء للتطهير العقلي برفعها إياكم إلى ملاذ الحقيقة، حيث هناك يفترض بكم الإقامة لبناء العالم.
2- إن الفلسفة هي الأخرى جيدة جداً للنفس هذا لكوّنها تمثل أعلى أشكال التطهير لكم أنتم الفلاسفة المستقبليين.
3- يوجد هناك البعض من الرموز التي من الواجب عليكم دراستها لإحتوائها المعاني الصوفية لكي تحفز فيكم أللاواعي بجعلها إياه واعياً على نفسه مستنهضة حالة المعرفة الوجدانية فيكم.
4- إن القوى الإلهية هي كامنة في عقلكم الذاتي، وبمقدورها الإرتفاع للإتحاد مع النار الوسطية للكون التي هي الروح الإلهية الموناد".
وبذلك حدد بيثاغور الأسس الأولية للتعرف على الحكمة.
وبدأت رحلة التلاميذ الجدد في عالم الحقيقة محلقين ما وراء الزمان والمكان، داخلين ومتحدين مع الهيروس لوغوس Hieroslogos الذي هو الخطاب المقدس للمعلم الكاشف الحقيقة المطلقة للأرقام.
- وتابع المعلم تعاليمه:" إن الأرقام ليست كمية تجريدية، بل هي فضيلة حقيقية متحركة للواحد المطلق الذي هو ينبوع التناغم الكوني والتركيبة التناغمية للعقل الأكثر حكمة. فالأرقام هي قوة إلهية عاملة مع الكون الكبير كما الصغير أيضاً هذا لكوّنها القوة المحركة للكون، والحاكمة على كل الأشكال والأفكار، إنها الآلهة.
وأمام هذا كله أقول لكم: لا تتكلموا عن الله من دون أن تشعلوا نوراً، هذا لأن الله بذاته النور الحقيقي الواجب عليكم قبوله بروح حرة. وأعلموا الآن، أن أل [ 1 ] هو ليس برقم، بل خالق الأرقام. إنه التناغم الأصلي أللامتحوّل، وأللامخلوق، وأللامصنوع، وأللامُشَكل كونه بحد ذاته النار الوسطية الدوارة المنتشرة في كل الأشياء وفي كل دائرة من دوائر الوجود. وعلاوة على ذلك، فهو بطبيعته لا مذكراً، ولا مؤنثاً، بل هو الموناد أي " الموناس " الروح الذكية المتحركة من تلقاء نفسها من دون أن تتجزأ أو تتجسد، فهي فريدة وأبدية ولا متحوّلة.
إن أل [ 1 ] هو العقل الكوني أي " النوس " الشامل الكون لإستخراجه إياه من العدم عن طريق الموسيقى والتناغم بجعله إياه محكوماً بنظام المبدأ الإلهي. إنه الله أو الخير منبع الحياة الأساس المُخَبَئ في قلب الأشياء المتحركة والمتغيرة من خلال المقياس التناغمي للذكاء.
إن أل [ 1 ] أيضاً، هو النقطة المُوَحِدَة الحاوية على أللانهاية والخالق المطلق الذي أسميه الأب ورمزه النار قوة الحياة والأساس الكامن لكل شيء.
لذلك، فإني أكرس الرقم [ 1 ] للشمس، لإيل – أبوبلو".
- وشرح بيثاغور بدقة فائقة طبيعة المبدأ الأول خاتماً القول:" إن الهدف من المسارة هو في التقرّب منه".
- وسأله بفضول بارميسيوس Parmiseus من ميتابونتيوم Metapontium :" لقد دعوتنا لنصبح مثلك يا أيها المعلم، وإننا ندرك ونفهم بأن ذلك هو ممكن الحدوث سيما وأنت معلمنا. ولكن كيف بإستطاعتنا الدنو من الواحد الآب"؟
- أجابه:" هل من أحد سبق له أن رآى معلم الزمان والمكان؟ طبعاً لا. لذلك إسمعوا جيداً، إنه فقط عن طريق الإتحاد معه يمكنكم الشعور بأساسه الكامن، فهو الروح الخفية أللامرئية، وينبوع الذكاء الموجود في قلب الكون الكبير مثلما هو أيضاً في قلب الكون الصغير الذي هو أنتم.
وإعلموا، بأن روحكم هي كالمياه الهائجة التي من الواجب عليكم تهدئتها لأنها في غاية الإضطراب بسبب العالم المادي. فقوموا بتنقيتها لتصبح طاهرةً، وعندها يصبح بإمكانكم إدراك الوحدة عن طريق تناغمكم مع الواحد. وبهذا، تستنهضون الآب في عقلكم الواعي لتتمكنوا بعد ذلك من المشاركة في قواه داخلين إلى حد ما بالكمال. وعندها، تستطيعون السيطرة على الأشياء بقواكم الفكرية وإرادتكم لتصبحون بذلك حائزين على قوة الفعل مثله".
وهكذا، أنهى بيثاغور تعاليمه الأولى بخطابه المقدس في سرية تامة.
* * *

كان البعض من تلامذة الماتيماتيكوي يواصلون تمارينهم العقلية عن طريق تأملهم بالأشكال والأرقام داخلين بذلك إلى أعماق الأساس الكامن للحقيقة المتجسدة. في حين أن التلاميذ الجدد كانوا يتأملون بطبيعة " الواحد ".
لاحقاً، وفي وقت الغداء تجمّع كل أعضاء المجتمع البيثاغوري بدائرتيه الداخلية والخارجية في " قاعة الإجتماعات " ليأكلوا سوية كعائلة واحدة.
ومن بعد الغداء، راح كل الأعضاء في الدائرة الداخلية يعملون على تنقبة عقولهم بدراستهم الرياضيات الخفية التي أعلنها لهم معلمهم.
وفي الليل، لدى ظهور النجوم وكأنها نقاط بيضاء في السماء الداكنة تمدد الماتيماتيكوي في أسرتهم للنوم في القاعة الجامعة إياهم في الوقت الذي كان فيه بيثاغور يعزف على قيثارته التي إنساب صدى صوت نغماتها في كل أرجاء تلك القاعة، حيث كانوا وفي البعض من الأحيان ينشدون الأغاني الروحية لتساعدهم على النوم بهدؤ في حال كان النهار الذي أمضوه متعباً ومقلقاً.
وراحت موسيقى بيثاغور الحاملة الإيقاعات الصوفية تدخل إلى أعماقهم مُنَقيَةً عقولهم، ومكوّنةً عندهم البصيرة بإستنهاضها فيهم قواهم النفسية الكامنة الجاعلة من أحلامهم أحلاماً رائعة وجميلة وذات صفات نبوية. وكانت أجسامهم الأثرية تحلق بخفة فوق أجسامهم المادية في بُعُدٍ آخَرٍ مختلف حيث تتردد طاقاتهم الأثيرية بسرعة كتلك التي للنور، وبخفة هي أخف مما للريشة من وزن متنفلة خلف المكان والزمان من خلال أعمق المستويات على الخيط الرفيع الرابط الكون الصغير بالآخر الكبير.
- وعند ذاك، تكلم بيثاغور:" إن النوم والأحلام والإنخطاف الروحي هي المفاتيح التي بها يفتح باب العالم الماورائي حيث يكون بإمكانكم عندها تلقي معرفة النفس والنبؤة".
وأستسلموا لنومٍ عميقٍ.
- وفي صبيحة اليوم التالي، تكلم بيثاغور مخاطباً الماتيماتيكوي الذين رافقتهم في الليلة السابقة أنغام موسيقاه الشجية والهادئة:" إن الموسيقى هي القوة الأساسية الرابطة الإنسان بكون الآلهة. فأسمعوا يا أيها الإخوة، إن هدفكم الآن كما كان من قبل هدفي هو في الإستماع لموسيقى الآلهة التي هي الأرقام، وأعلموا أنه بالإمكان رؤية الآلهة فقط بواسطة أنفسكم التي نقيتموها عن طريق التناغم الذي هو أجمل الأشياء حيث أصبح بإمكانكم إطلاق أنفسكم وتحريرها بما للموسيقى من قوة".
ومن ناحية أخرى، كان بيثاغور يستخدم الموسيقى بغية القيام بالشفاءات العلاجية، إذ كانت لديه الإيقاعات العاملة كترياق للمشاكل النفسية بإستخدامه إياها لعلاج الكآبة والغضب. هذا فضلاً عن إيقاعات أخرى متعددة لشفاء الكثير من الأمراض النفسية والعاطفية والعصبية. فكانت تلك الإيقاعات والنغمات التي وضعها المساري محتوية على قوة الأسرار الباطنية الشافية الإضطرابات الروحية والجسدية بتحقيقها الإتزان النفسي، وتهذيبها الحواس وتهدئتها المزاج.
* * *

- واقفاً أمام تمثال هيستيا – إيزيس محاطاً بالحوريات التسع، تابع حبيب الحكمة إعلانه لاهوت الأرقام:
" قام الواحد اي الموناد بفعلٍ على الدياد Dyad لخلق الأرقام، وهكذا فالدياد ليس رقماً بل نقتطين وهي إرتباك للوحدة، أو مجرد خط. وعندما أراد الواحد أن يتجسّد بات إثنان = الدياد، بأساس لا مجزّئ ولكن بمادة مجزّأة، فإحتوى على المبدأ الفاعل الذكوري أي الطاقة من ناحية، والمبدأ الساكن الأنثوي أي المادة من ناحية أخرى. إذن، فالرقم [ 2 ] هو إتحاد إرادة " الذكر الأبدي " مع إيمان " الأنثى الأبدية وهما الإلهين الأساسيين الذان خلقا العالم المرئي. والرقم [ 2 ] هو مكرس للقمر ثاني الكواكب المضيئة على الأرض.
إن تلك الآلهة كانت ممثلة في الحضارة الكنعانية – الفينيقية بأدونيس ( بعل ) وعشتروت، وبأوزيريس وإيزيس عند المصريين، وبال وعشتار لدى البابليين، وبالسماء والجحيم عند الفرس، وشيفا وشكتي لدى الهنود.
وبعدها قامت الدياد بخلق العالم المادي وهو الترياد Tryad. فالترياد موجود في كل مكان وهو الرقم الأول لأن الرقمين [ 1 ] و [ 2 ] ليسا بأرقام.
وهو النفس التي أقارنها بالمثلث المعطية الحياة للكون من خلال ذراتها الثلاث: النار، والماء، والهواء.
وكما أن العالم الصغير أي الإنسان مؤلف من أبعاد ثلاثة وهي:
1- الجسم. ( القوة ).
2- الروح. ( الجمال ).
3- العقل. ( الحكمة ).
في الواحد.
كذلك هو الكون الكبير مؤلفٌ من ثلاث دوائر في الوجود وهي:
1- العالم الطبيعي.
2- العالم البشري.
3- العالم الإلهي.
فالترياد هو رقم كامل وهو رمز الحقيقة المجسدة بالعقل، والفضيلة بالروح، والنقاوة في الجسم. ولذلك، فأنا أكرسه لكوكب المستري.
والترياد [ 3 ] كان معروفاً لدى الكنعانيين – الفينيقيين بعنات – أدونيس – إيل.
وعند المصريين بإيزيس – هوريس – أوزيريس.
وعند الهنود بساراسفاتي – فيشنو – براهما.
وبما أن الترياد يشكل العناصر الأساسية للحياة في الكون وخلقه وتطوره مروراً بكل المستويات لأشكال الحياة من المعادن، إلى النبات، والحيوان، فالإنسان، فهو أيضاً علاوة على ذلك عالم الآلم المادي.
وأقولها لكم ثانية، إن هدفكم كما كان ماضياً هدفي يا أيها الإخوة، هو في أن تعيدوا أنفسكم إلى حالتكم الأصلية التي كانت في الوحدة الأساسية مع الموناد. لذلك، من الواجب عليكم إيقاف العناصر المادية والغرائزية الشريرة.
فنحن كبشر، فقدنا الرؤيا بالحقيقة المطلقة المتجلاة بالواحد عندما دخلنا في الترياد. لذلك، فنحن عالقون بين العالم الطبيعي الحيواني الذي يشدنا بقوة إلى الأرض، وعالم الألوهة الذي يحاول جذبنا إليه كلنا بقوة.
وهكذا، فالإنسان هو تطوّر ذكي للحيوان، والإله هو بدوره تطوّرٌ ذكيٌ للإنسان. إذاً، إن صيرورتنا كي نصبح آلهة هي في فرارنا من من الأعمال الشريرة للدياد الثنائي وتحقيقنا الإتحاد بين أبعادنا الثلاث في الموناد الشحصي الذي أخيراً يأتي للإتحاد بالموناد الكبير".
وأستراح الماتيماتيكوي لبعض من الوقت، متأملين بالمعاني الخفية لخطاب المعلم المقدس.
فهؤلاء البيثاغوريين إستخدموا الترياد في طقوسهم المتعلقة بالأسرار الباطنية بغية تقديس نفوسهم وتطهيرها.
* * *

إن كل مساري في العالم القديم إختبر مسارة مختلفة، لكن كلها في النهاية كانت حاملة معانٍ ومفاهيم مشابهة للحمكة الحقيقية.
وإن اؤلئك الصوفيين إكتشفو من خلال المسارة العناصر الأساسية التي هي ركيزة كل العلوم. وفهموا القانون الحاكم للأشكال المختلفة في الحياة وطريقة تطوّرها، هذا فضلاً عن دخولهم " الدوائر الداخلية " بعيداً عن العالم المدنس والجاهل، مدركين الأساس الكامن لكل الأديان الذي هو الحقيقة السامية أي الحكمة الإلهية.
وفي أسفل تلك التلة القائمة عليها المدينة البيضاء، وتحت أشعة نور القمر المكتمل على رمال الشاطئ الظاهرة عليها أثار خطوات كل من المعلم وتلميذته تيانو السائران جنباً لجنب، متحدثين عن الحياة وأسرارها.
- وقال لهم المعلم:" ليس بصدفة الآن أن نكون مع بعضنا سوية، بل هو إحتمال ثابت لا متغير للإرادة الإلهية، ذلك أن وجودنا هنا هو ضرورة حتمية في العالم وفقاً لنظام الأرقام".
وبدأت تيانوا تستوعب شيئاً فشيئاً معارفه.
ووصلا إلى معبد ساريس – عشتروت حيث كان بإنتظارهما الباقون من تلاميذ الماتيماتيكوي من أجل تلقي الدروس الليلية. ولما كانت جدران ساحة المعبد عرضة لصدمات أمواج البحر الإيطالي، أعلن بيثاغور:" إن التيتراد أو التيراكتيس Tetraktys الأربعة ترمز إلى الخالق الكوني أللوغوس الذي هو المثال القيّم للكون المكمّل لعملية الخلق بدأً من الواحد [ 1 ] ( نقطة النار )،
فالإتنان [ 2 ] ( خط المياه )،
فالثلاث [ 3 ] ( مساحة الهواء )،
فالأربع [ 4 ] ( الأرض الصلبة ).
وعليه، أقول لكم: إن التتراكتيس هو حقيقة الديكاد المقدس الحقيقي، هذا لأن المبادئ الأساسية للكون موجودة في الأرقام الأربعة الأولى التي جمعها [ 1 + 2 + 3 + 4 = 10 ] الرقم الأفضل. وأنا قمت بتنظيمها على شكل مثلث حيث الرقم [ 1 ] موقعه على رأسه، لتأتي من بعده الأرقام [ 2 ، 3 ، 4 ] بالتدرج على هذا النحو:


● ●
● ● ●
● ● ● ●

فالرقم [ 4 ] هو إحدى المفاتيح الأكثر أهمية في الطبيعة، إذ توجد الكثير من الظواهر الطبيعية المتجلاة في مجموعات مشكلة من [ 4 ]، كالمستويات الأربع للوجود التي هي:
1- الكينونة.
2- الحياة.
3- المشاعر.
4- الإدراك.
وإن أهم تلك المجموعات هي الطبيعة بحد ذاتها المتجلاة بالعناصر الأربعة:
1- النار.
2- الهواء.
3- المياه.
4- الأرض.
إن الرقم [ 4 ] هو المربع الكامل، مربع المسارة والتناسق الرامز للعدالة الأخلاقية بين الفاعل والمفعول به بإتجاه أفقي، والقوانين الإلهية الظاهرة في الوعي والحركة بإتجاه عامودي.
إن كل الترددات في المستويات المادية كما الروحية هي محفورةٌ في المربع الكامل حيث أن إسم الله ( إيل أي آبا – Abba ) اللوغوس حل مكانه الرقم [ 4 ] المقدس الذي أكرسه للشمس".
وأنهى المعلم الكبير كلامه لتلاميذه.
وتحت أنوار نجوم السماء البعيدة، وظلال مملكة العلي أللامتناهية: العقل الكوني الموناد. كان الماتيماتيكوي يدلون بقسمهم الكبير:
" أقسم بإسمه الذي نُقِلَ لعقولنا،
أل [ 4 ] المقدس التتراكتيس السامي والنقي،
جذور وينبوع الطبيعة المتحركة أبداً،
نموذج الآلهة".
وإن قسم الماتيماتيكوي ذاك، تردد صداه في كل تلك النواحي مع أمواج المحيط وأثير الفضاء. ذلك أن قسمهم هو الأكثر سمواً لربطه إياهم مع الوجود محدداً ديانتهم وإيمانهم.
وأنسل نسيم عليل إلى ذاك المكان، وكان هناك في الليل سكون عظيم.
* * *

من خلف التلة ظهرت الشمس شاقة الفجر بنشرها أشعتها على المدينة البيضاء.
- وتابع بيثاغور تعاليمه المتعلقة بلاهوت الأرقام:
" إن الرقم [ 5 ] بينتاد Pentad هو مهم جداً كوّنه نصف أل [ 10 ]، ولذلك فهو رقم وسطي ودائري. إنه عودة كل الأشياء، وعودة النفس إلى ذاتها حيث الطهارة والمعرفة هما الفاعل الأساسي لدائرة البينتاغون Pentagon التي تدور بتناغم متحكمة بحركات الكون.
أقول لكم، إنه رمز للأشكال الخمسة الذرية والتي هي:
1- الهرم.
2- المكعب.
3- الأوكتاهيدرون.
4- الإيكوساهيدرون.
5- الدوديكاهيدرون.
وإن تلك الأشكال تمثل العناصر الخمسة للحياة وفقاً للتسلسل الآتي:
1- النار.
2- الأرض.
3- الهواء.
4- المياه.
5- الأثير.
إسمعوا، ما من شيء طاهر ونقي من بين الأشياء الموجودة. غير أن الأرض تشترك بالنار، والنار بالهواء، والهواء بالمياه، والمياه بالأثير. فالآن، بتنا على معرفة بوجود خمس دوائر محلقة بإنتظام في الفضاء، كما وأنه توجد خمس مناطق دائرية على الأرض.
وفي أحيان كثيرة كنت قد أطلقت على الرقم [ 5 ] الزواج، هذا لإحتوائه على الرقم [ 3 ] الذي هو مذكر مفرد محدود ومحدد، وعلى الرقم [ 2 ] الذي هو أنثويّ مثنى غير محدود ولا محدد. وهكذا فَ [ 2 + 3 = 5 ]، وهو رمز النجمة الخماسية بنتكرام Pentagram المعلقة على صدوركم والتي تعني بلغتنا السرية " القيامة من الموت ". إذ أن كل جانبٍ من هذه النجمة هو على تقاطع مع الجنب الآخر بشكل نسبي بين الكبير والصغير. وعليه، فأنا أكرسها والرقم
[ 5 ] إلى هرمس – أخنوخ، وإلى عطارد.
والنجمة هي كما الرقم رمزٌ للإنسان الكوني. الكون الصغير في الكون الكبير، والإنسان المفكر والواعي. ولذلك، فهي وعندما ترسم على البينتاغون تشكل علامة للتناسق والتناغم والصحة والعلامة السرية لأخويتنا".
وبهذا، شرح بيثاغور ما للرقم [ 5 ] من معانٍ.
لاحقاً، وبعد أن كشف المعلم عن ما للنجمة الخماسية من معانٍ سرية، قام بإصطحابهم إلى مدخل المعبد في الأعلى حيث بإرادته، وبما له من قوى بالأسرار الباطنية قام بإستدعائه نسراً كان محلقاً فوقهم في أعالي السماء، وللحال نزل النسر مسرعاً وكأنه رسول من الآلهة، وراح بيثاغور يداعبه هامساً بأذنيه ومن ثم أطلقه حُراً.
تجدر الإشارة، إلآ أن البيثاغوريون كانوا يستخدمون الرقم [ 5 ] والدائرة من أجل طرد الأرواح الشريرة.
من جديد وفي داخل السرداب، شرع المعلم بتفسيره الرقم [ 6 ]، وقال:
" إن الرقم [ 6 ] هو الرقم الأول الكامل، وهو رقم دائري أيضاً. وأنا أطلق عليه إسم الزواج، هذا لأنه جامع ما بين المذكر ( 1 ) الممثّل بهذا المثلث ▼ كرمز له. وبين المؤنث الممثّل بهذا المثلث ▲، لتتشكل بذلك النجمة السداسية على هذا النحو: ▲▼. وبالتساوي مع ذلك، فإن الروح المثلثة ▼ النازلة من السماء تتداخل بالمادة المثلثة الأبعاد ▲ المتلقفة لها من الأرض.
وفضلاً عن كل ذلك، فالرقم [ 6 ] مقدس للآلهة: عشتروت – أفروديت – فينيس Venus كوكب الزهرة، نجمة الصبح والليل التي لها من الأسبوع اليوم السادس الذي هو الجمعة يوماً مقدساً.
والرقم [ 6 ] أيضاً مهم جداً لأنه ممثلٌ المستويات الستة للحياة الطبيعية المنطلقة من الأسفل وهي:
1- البذرة.
2- الحياة النباتية.
3- الحياة الحيوانية.
4- الحياة البشرية.
5- الحياة الملائكية، حيث الملائكة فيها يشكلون حلقة الوصل بين البشر والآلهة.
6- الحياة الإلهية".
وبعد كل ذلك، أضاف المعلم:" إن مكعب رقم [ 6 ] أي [ 6 × 6 × 6 ] ( 2 ) يساوي الرقم [ 216 ] الذي هو رقمٌ صوفيّ كثير الأهمية لأنه مبدأ الولادة للروح، إذ أنه يكرر نفسه بسبب ما له من شكل دائري في عملية تكرارية أبدية للأحداث نفسها، أو للمادة التي هي ليست أزلية في الكون. ففي كل [ 216 ] عام تتقمص الروح في جسم جديد، إنها دائرة التقمص لكل إنسان فانٍ".
وبهذا، انهى بيثاغور تعاليمه لذاك اليوم بعزفه نغمة مقدسة على قيثارته وهو ينشد من ملحمة " الإلياذة " أنشودة تتحدّث عن موت أحد الأشخاص وأسمه أوفيربوس Euphorbus الذي كان هو نفسه بيثاغور في حياة سابقة. أما هدفه من إنشاده لتلك الأنشودة كان من أجل أن يشرح لتلاميذه عقيدة التقمص. وعندما سأله ميلياس Myllias من كروتونا وهو واحد من الماتيماتيكوي كانت لديه شكوكه في تلك العقيدة ومدى صحتها، رمقه بيثاغور بنظرة وقال له:
" لقد كنت يا أيها العزيز ميلياس في حياتك السابقة الملك الفريدجي ميداس Midas "!
ومن ثم، راح المعلم يحدث تلاميذه عن تذكره لأربعة حيوات سابقة كان قد عاشها إنطلاقاً من إيتالايدس Aithalides ( إبن هرمس )، فأوفيربوس، وهيرموتيموس، وبيرهوس.
وعلاوة على ذلك، فقد قام بتذكير البعض من تلاميذه بحيواتهم السابقة بجعله إياهم يتذكرونها، وذلك بعد أن علمهم التقنيات السرية " للأنامنيسيس Anamnesis ".
* * *

كان بيثاغور وتيانو يسيران على الشاطئ في إحدى الليالي متأملان بطبيعة الرقم [ 6 ]. وكان الزواج بالنسبة لهما إتحاداً كاملاً في الحياة الطبيعية المتجسدة.
- وبعدها، عاد بيثاغور إلى متابعة تعاليمه في ساحة معبد ساريس عشتروت:
" إن الرقم [ 7 ] هو رقم الكمال في الحياة ومحركها، وهو جامعٌ فيما بين العناصر الثلاثة في الروح، والعناصر الأربعة في الجسد مظهراً العلاقة بين الإنسان والموناد الإلهي، ممثلاً العقل الإلهي النشيط.
إن الرقم [ 7 ] هو السبتاد Septad المتصل بالأجرام السماوية السبع التي منها تتشكل موسيقى الدوائر ممثلة الأيام السبعة في الأسبوع على هذا النحو:
- القمر ليوم الإثنين.
- المريخ للثلاثاء.
- عطارد للأربعاء.
- المشتري للخميس.
- الزهرة للجمعة.
- زحل للسبت.
- الشمس للأحد.
أقول لكم، إن الكون الكبير المتجسد مكوّنٌ من [ 7 ]، وهكذا أيضاً الكون الصغير أي الإنسان المنظم بسبع مستويات ممثلة التطور بدأً من الأسفل على هذا الشكل:
1- الجسم المادي.
2- الجسم الكوكبي.
3- الجسم الأثيري.
4- العقل، وهو مستوى الإتزان.
5- الروح البشرية.
6- الروح الحيوية.
7- الروح الإلهية.
إن رمز الرقم [ 7 ] هو في المعبد ذو الأعمدة السبعة الذي يعني المساريّ ، إنها الحكمة التي أكرسها للمشتري".
وكان هناك صمت لبرهة من الوقت.
وأضاف:" إن الرقم [ 8 ] هو المكعب الأول الأساسي، الأوكتاد Octad الذي هو بحد ذاته التناغم.فتكعيبنا للرقم
[ 2 ] = [ 8 ]. وأيضاً، [ 2 + 2 + 2 + 2 = 8 ]. وأنا أسميه " هرمونيا Harmonia " تيمناً بإسم إمرأة قدموس أحد الكبيريم في كنعان – فينيقيا.
كما وأن الرقم [ 8 ] هو رمز للصداقة، والحب، والطب، والصحة. ولذلك، فقد ربطته بأشمون إله الطب عند الكنعانيين – الفينيقيين، وهو مكرّسٌ لعنصر الهواء فضلاً عن كل ما تقدم.
وأقول لكم، إن الرقم [ 8 ] هو مؤلَف من الأشكال الفاعلة المثلثة، والأشكال المفعول بها المخمسة للوعي".
وبهذا، أنهى بيثاغور خطابه الليلي التعليمي.
وعم صمت كبير المكان.
وفي داخل السرداب في اليوم التالي، تابع المعلم:
" إن الرقم [ 9 ] هو رقم العدالة، وهو الرقم المقدس لأمنا الأرض.
وإن [ 3 × 3 = 9 ]، ولهذا، بات رقماً مقدساً لأنه مكوّنٌ من الأشكال التسع للطاقة الإلهية التي هي:
- سماوية [ 3 ] = الأب – الأم – الإبن.
- بشرية [ 3 ] = العقل- المادة – الروح.
- طبيعية [ 3 ] = النار- الماء – الهواء.
وأقول لكم، لقد حاولت مرات ثلاث ولتسعة أيام في كل محاولة، وبعد [ 27 ] مرحلة أكملت عملية التطهير الذاتية بالغاً الكمال الروحي العالي.
أما الآن، فالرقم [ 10 ] هو الرقم الأكثر كمالاً على الإطلاق، هذا لأنه في حال أدركناه نعود من جديد إلى الواحد [1].
وهكذا، فعملية التكوين تكرر نفسها إلى الأبد. لذلك فقد كرسته للعالم وللشمس، وإن ليس من باب الصدفة أن تكون قوة الرقم [ 10 ] كاملة لأنها تشكل " دائرة الضرورة " الحتمية في الوجود المخطط لها أساساً من الإرادة الإلهية.
وعلاوة على كل ذلك، فالرقم [ 10 ] يمثل المبادئ الإلهية المتطورة والمجتمعة دوماً في وحدة دائمة التجدد: اليونيتاس Unitas.
وهو الجامع للحقيقة المطلقة، فالأرقام [ 1 + 2 + 3 + 4 = 10 ] ليشكلون بذلك مع بعضهم الديكاد المقدس. وهي
( أي تلك الأرقام ) آلهة ماسكة الكون بضبطها إياه".
وختم المعلم تعاليمه للاهوت الأرقام بقوله:" إن الأرقام ليست من إبتكار الفكر البشري، بل هي حالة وجودية صوفية كوّنت نفسها، وهي كامنة في خارج العقل البشري، وفي خارج أي شكل من أشكال الحياة المختلفة والمنوعة. فالأرقام تخفي في طياتها أسراراً عميقة، وعلى سبيل المثال لا للحصر فالرقم [ 1 ] هو الذي خلق الأرقام ليس من باب الصدفة، بل تحقيقاً للمنطق الإلهي، حيث باتت الأرقام من أساسها أي الموناد تكتسب حقيقة الأشياء.
وإذا رغبتم بإدراك ما للأرقام من خصائص، عليكم التأمل في معانيها ورموزها لتصبحون بذلك قادرين على التواصل معها كوّنها آلهة بحد ذاتها. وإن فَهم ذلك وإدراكه هو بالأمر الصعب عليكم، لكن متى فهمتموه فستصبحون بذواتكم ما أنتم عليه حقيقة، أي آلهة".

ـــــــ

يتبع (f)
08-07-2005, 03:52 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #26
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
هل ما زال أحد يقرأ هذه الرواية [صورة: 4_12_61.gif]

بكل الأحوال هذا الفصل التاسع منها وهو الفصل ما قبل النهائي ..!!

أعددته في فترة التوقيف :saint:

وسأكملها إلى النهاية بأذن الله ...




الفصل التاسع


المسارة
علم التكوين ولاهوت النفس


في منتصف شتاء سنة 512 ق.م، كان هناك رجل يدعى تيليس Telys وهو طاغية بدأ بثورة في سيباريس الجارة الشمالية لكروتونا، وراحت الأمور تأخذ منعطفاً سلبياً ذلك أن البعض من أعضاء حكومة تلك البلدة لاذوا بالفرار إلى كروتونا طالبين من فعاليتها منحهم حق اللجؤ السياسي. وإزاء لذلك، فما كان على الفعاليات الكروتونية إلا أن إستجابت مطلبهم مانحة إياهم الحماية اللازمة حيث سمح لهم بالإقامة في إحدى المعابد.
وفي تلك الأيام، كان هناك البعض من الإخوة البيثاغوريين في سيباريس، من أجل دراسة ذهنية شبيبتها، وعند سيطرة تيليس على المدينة راح يقوم ببسط نفوذه بطريقة تعسفية لأنه بشخصه طاغية وديكتاتوري. فتبعته الغالبية من سكان سيباريس كحاكم، ومنهم من فعل ذلك بدافع الإعجاب به، وبعضهم الآخر خوفاً منه. أما الوزراء الديبلوماسيين التابعين لهذا الحكم الجديد، فقد قاموا بأعمال شنيعة ومنها خطفهم الإخوة البيثاغوريين الذين كانوا في المدينة، فوضعوا قسماً منهم في السجون وقتلوا البعض الآخر منهم. ومن ثم قاموا بإرسال البعض من الموفدين مع السفير الكروتوني في سيباريس إلى كروتونا بغية الطلب من سلطاتها تسليمهم اللاجئين السياسيين ، وهنا قرر بيثاغور التدخل لإقناع القوى الحاكمة لكروتونا بعدم تلبية مطالب اؤلئك المجرمين. وتوالت المفاوضات بين المدينتين حتى جاء وقت أدرك فيه تيليس بأن الكروتونيين لن يلبوا له مطلبه، لهذا السبب قام بإرتكاب مجزرة بقتله السفير الكروتوني والموفدين المفاوضين والبيثاغوريين السجناء لديه. وبعد تصرفه الإجرامي هذا، إنقطعت العلاقات بين المدينتين الجارتين، في حين أن اللاجئين السياسيين ظلوا في كروتونا تحت كنف حماية سلطاتها، وسادت أجواء التيقظ في المدينتين.
* * *

لم يكن لاهوت الأرقام هذا العلم الصوفي سوى مدخل إلى حقيقة أكثر سمواً برفعه روح التلميذ عالياً في عالم ذو أشكال مرئية وبفتحه عيناه إلى النار الذكية، الموناد الإلهي الخالق تلك الأشياء والأشكال والمغيّرها.
وفي داخل معبد الحوريات في السرداب، تابع بيثاغور بسرية تامة أعطاء المسارة لدائرة الماتيماتيكوي في الدرجة الثالثة التي هي درجة الكمال حيث فيها تقسم التعاليم إلى شقين يحويان علوم التكوين وعلوم النفس. هذه العلوم الباطنية الكامنة في قلب الأسرار، أسرار الحياة.
- وبدأ بيثاغور بتعاليمه:" إنه ليس بالهواء الذي أتنفسه، وليس أيضاً بالمياه التي أشربها، ألوم نفسي على كشفي لكم الأسرار يا أيها الإخوة. فكرّموها بقلب هادئ.
ففي وسط الكون توجد النار، والشمس ليست سوى إنعكاس لها. والنار هي العقل الكوني الواعي الموناد، ومن الشمس إنبعثت الكواكب التي راحت تدور من حولها لتشكل بذلك كوناً صغيراً ( النظام الشمسي ). وإن أول تلك الكواكب الدوارة من حول الشمس هو كوكبُ مضاد للأرض غير مرئياً، إنه الأرض الروحية. ومن ثم تأتي بعده الأرض- فالقمر- وأخيراً الشمس التي هي نقطة الوسط بين تلك الكواكب المعطية الحياة والمولدة النار والطاقة بمعيار نسبي. ومن بعد الشمس يأتي كوكب الزهرة- فعطارد- المريخ- المشتري- زحل- وأخيراً منطقة الأبراج.
وأعلموا بأنه توجد نار خارجية تحيط بهذا الكون الصغير ( النظام الشمسي ) الممتد خلفه الفراغ أللانهائي الذي من خلاله يتنفس الكون الهواء أللامتناهي المالئ الفراغ أللانهائي.
وأعلموا بأنه توجد أعداد لامتناهية من الأكوان الصغيرة ( الأنظمة الشمسية ) الخاضعة لنظام الأرقام تماماً كما هي الحال عندنا. ولكل نظام منها دوره الخاص في هذا الكوزموس الدائم الإتساع. أما إستخدامي لكلمة كوزموس فكان لأجل أن أشير إلى كون فائق التنظيم والتناغم. وبعد خلقه، إستمر الكوزموس في الوجود تبعاً لخطة إلهية، والبعض من الكواكب المتواجدة في أكوانها الصغيرة توجد عليها حياة مادية جسدية كالأرض التي هي دائرة التوالد. في الحقيقة إن الكون كله مملؤٌ ذكاءً وأرواح وحياة، فعلى الأرض حيث دائرة المرئي تحصل كل عمليات تقمص الأرواح التي تترك الأجساد بالموت. أما في الدوائر الأخرى في القمر والشمس، تتواجد المخلوقات الروحانية الأكثر سمواً لعدم إلتصاقها بالمادة".
وبهذا ختم المعلم درسه الأول في معرفة الكوزموس.
وعلى طول الشاطئ ليلاً، كان الماتيماتيكوي من النساء والرجال يتمشون على الرمال الناعمة في وقت كانت فيه السماء صافية ومبرزة ما فيها من أجرام وكأنها تحف فنية معلقة بطريقة غريبة في الفراغ الشاسع مبهرة البشر الناظرين إليها والمتأملين بها من على الأرض. وكان بيثاغور بلباسه الأبيض وردائه الأرجواني يتقدمهم بإتجاه معبد ساريس – عشتروت ، فخاطبهم قائلاً:
" تطلعوا في السماء، إن كل شيء يتحرك في الكوزموس إذ لا شيء فيه جامدٌ وعديم الحركة. فالأرض فيه كروية ولديها دورتين الأولى حول محورها، أما الثانية فحول الشمس التي هي كرة النار المرئية. والأرض كما سبق لي أن أشرت سابقاً، هي مقسمة إلى خمس مناطق وهي:
1- المنطقة الباردة الشمالية.
2- المنطقة الباردة الجنوبية.
3- منطقة الصيف.
4- منطقة الشتاء.
5- المنطقة الإستوائية.
إن كل الكواكب تتحرك دوارة على خط دائري حول الشمس بإتجاه غربي – شرقي بسرعة ثابتة متتابعة.
في الحقيقة أقول لكم بأن كل الكواكب من حول الأرض تقوم بإحداث أصوات محددة وهي تتحرك نسبة إلى مدى سرعة دورانها. وإن تلك الأصوات تزداد علواً كلما إبتعدت تلك الكواكب عن الأرض. فالمسافة بين الأرض والقمر هي نغمة واحدة، ومن القمر إلى عطارد نصف نغمة، ومن عطارد إلى الزهرة نغمة واحدة، ومن الزهرة إلى الشمس نغمة ونصف نغمة، ومن الشمس للمريخ نغمة واحدة، ومن المشتري إلى زحل نصف نغمة، ومن زحل إلى منطقة الأرباج نغمة واحدة. ومن تلك النغمات المختلفة البالغ عددها السبع تشكل إتحاد الأصوات الذي هو لحن كامل سباعي في الطبيعة. إنه التناغم " وموسيقى الدوائر " التي لا يمكننا سماعها لأننا دوماً نسمعها. وإذا أردتم الآن الإستماع إليها، يجب عليكم أولاً أن تسمعوا صوت نبضات قلوبكم، ومن ثم صوت الأرض الدوارة حيث بإمكانكم القيام بذلك إذا تأملتم وأحدثتم بداخلكم فراغاً كاملاً يسمح لكم بدوزنة نفوسكم حتى يضع كل واحد منكم نفسه على إتصال بموسيقى الأرقام العائدة للأجرام السماوية".
وأنهى كلامه بالقول:" من الأرض تذهبون للقمر، أنظروا إليه، فالقسم الظاهر لنا منه الآن يكبر ويصغر تبعاً لزواياه المواجهة للأرض، وتبعاً لنصفه الاخر المواجه للشمس. وفي أحيان معينة يحدث الكسوف القمري، وذلك لدى وقوف الأرض أو غيرها من الكواكب بينه وبين الشمس".
وكان القمر منيراً ذاك القسم من الأرض في الوقت الذي فيه المد راح يداعب شاطئ كروتونا على أنغام ترددات صوت الأمواج الآتية من وسط المحيط إلى الشاطئ.
وكان الصمت يحدث سلاماً في قلوب كل الماتيماتيكوي.
هل بإمكانهم الإستماع لنبضات قلوبهم؟
هل بإمكانهم الإستماع لصراخ أمهم الأرض؟
هل بإمكانهم سماع صوت " موسيقى الدوائر "؟
وبتنهد إختفت الملكة الليلية من برجها السماوي وتحوّل الليل لنهار سامحاً للملك بأن يشرق عالياً وللأحياء بأن ترى.
وفي وسط " المدينة البيضاء " كان بيثاغور في منزله يعزف نغماً صوفياً مسموعاً في كل مكان، وأتته إمرأة مريضة فكلمها وهو لا يزال عازفاً على القيثارة:" يا أيتها السيدة العزيزة أنت تظنين بأنك مريضة، إذ قال لك البعض من الناس أنك كذلك. لكن أنا أقول لك لا تخافي، فالحاصل معك هو خلل في نظامك المؤلف من ترددات، وما النغمات التي أعزفها الآن على قيثارتي إلّلا ترددات أيضاً، وعليه فبالتالي ما سيحصل في هذه الأثناء أن الترددات الصوفية التي أقوم بإرسالها عبر قيثارتي ستقوم بمخاطبة تردداتك لتعيد لها نظامها".
وما هي إلّلا بضع دقائق حتى خرجت المرأة من منزله سليمة ومعافاة من مرضها وباتت على تناغم مع ذاتها.
وفي البعض من الأحيان كان المعلم يقول لإخوته بأنه ما أتى فقط من اجل التعليم، بل من أجل الشفاء أيضاً.
في الأسفل وفي داخل السرداب . . . تابع المعلم تعاليمه:" إن الكون ليس كالنهر متتابعاً ومستقيماً في الجريان، بل إنه دائري ودوار في الوقت عينه كالبيضة والطبيعة في حد ذاتها. فقط من خلال الأفكار النقية يمكنكم إستخلاص ما للطبيعة من قوانين.
إن كل شيء في الوجود يكرر نفسه، وإن تكرار الأشياء في الكوزموس يحدث لأن النجوم والكواكب تدور في مدارات من حول الشمس التي هي ليست إلّلا عاكس بلوري للنار الوسطى أي الموناد وأؤكد لكم يا أيها الإخوة الأعزاء بأن الرياضيات ستظهر لكم كوناً نقياً ممكن إدراكه في عقلكم حيث الأرقام والأشكال متصلة بشكل كامل مع ما للوجود من نظام طبيعي.
إن الدائرة هي شكل كامل، لأن كل النقاط المتواجدة على مدارها هي على نفس المسافة من وسطها. وهكذا، فإن أرضنا كاملة كما كل الأجرام السماوية.
أما إذا أخذنا مثلثاً قائم الزوايا وقمنا بجمع زواياه القصيرة، وكل واحدة منها مضروبة بإثنان نجد أنها معادلة للزاوية الأطوّل المضروبة بإثنان ليصبح لدينا بذلك: a2 + b2 = c2.
أما الآن فأقول بأنه توجد أعداد لامتناهية من الأشكال المنتظمة والمتعددة الزوايا والأضلاع في هذا الكون الفسيح. وهنا أود التشديد على إثنان من أصل خمسة أشكال جامدة كنت قد حدثتكم عنها في السابق، فالمكعب مثلاً لديه ست زوايا وهو يرمز للأرض، فإذا قمنا بفتح زواياه سوف نحصل على صليب مؤلف من سبع مربعات وهو رمز المساري، أما شكله فهو على النحو التالي:









( صورة الصليب ذو السبع مربعات )

وكما كنت قد قلت سابقاً، فإن الأرض هي دائرة التوالد حيث الأرواح دوماً تنزل إليها بالولادة لتغادرها لاحقاً بالموت تبعاً لحركة دائرية ونظام حتمي. ولكي يصبح المرء مسارياً عليه الخروج من تلك الحركة وذاك النظام. وفوق المكعب أي الأرض أضع السماء أي الدوديكاهيدرون المؤلف من إثنى عشر بينتاغون ( شكل ذو خمسة زوايا ) مشركاً إياه بطريقة صوفية مع أثير الكون الذي هو العنصر الخامس بشكله الأساسي والأكثر نقاوة في الكون.
إن الأثير مرن وبإمكانه المرور من خلال كل الأشياء المرئية حيث بواسطته يستطيع العقل الكوني أن يقوم ببسط سلطانه على العالم. فالأثير هو الوسيط الكبير بين المرئي وأللامرئي، وبين الروح والمادة. وحقاً أقول لكم، أنه ليس من اللازم على من هم خارج الدائرة الداخلية معرفة الدوديكاهيدرون وما بداخله من أسرار".
إن اؤلئك البيثاغوريين كانوا يفهمون جيداً بأن الأسرار العميقة للطبيعة كما للحياة التي علمهم إياها معلمهم من الواجب عليهم إحترامها والحفاظ عليها مستورة عن العالم الدنس. وإن عدم بوحهم لتلك الأسرار والعقائد المقدسة كانوا يرمزون له بعبارة " ثور على اللسان " ( والتي تعني بأن لسانهم مثقل وليس بإمكانه إفشاء تلك الأسرار).
- وتابع بيثاغور التعليم:" يوجد في الكون سلسلة من الأشياء والأمور التي هي على طرف النقيض مع بعضها البعض في قلب الوجود، وبما أن الرقم [ 10 ] هو رقم كامل كما سبق لنا أن رأينا سوية، فإن ذلك يجعلهم على تناسب مع بعضهم البعض بالتناغم الكوني الوجودي تماماً مثلما هي الحال في الوسيقى.




متمم غير متمم
محدود غير محدود
مفرد مثنى
واحد جماعي
يمين يسار
ذكر مؤنث
جامد متحرك
مستقيم معوج
نور ظلام
خير شر
مربع مستطيل

إن كل تلك الأمور التي هي على طرف النقيض والتي إن إجتمعت مع بعضها تنتج بذلك عنصراً مادياً ثالثاً يدمج فيما بينها، ذلك أن كل شيء في الطبيعة هو قائم على الإزدواجية. إذ ليس بإمكان أحدها أن يكون كاملاً بمنأى عن الثاني المناقض له حيث أنهما بإتحادهما مع بعضهما يشكلان إتزاناً كاملاً في حالة الثبات بإتحاد طبيعي في الطبيعة مع التأكيد على أن هذا الإتحاد ليس إتحاداً فوق طبيعي بالمعنى الروحاني مع الموناد الكبير الواحد".
وبهذا أنهى بيثاغور تعاليمه السرية بدقة من الهيروس لوغوس – خطابه المقدس.
أما من الناحية الأخرى، كان الأكوزماتيكوي أي السامعين يتلقون تعاليمهم من المعلم بواسطة الأمثال ذات الرموز المجازية. وكان عددهم آنذاك ما يقارب الألف مستمع، أما الماتيماتيكوي فكان عددهم حينها مائتان تلميذاً. وإن اؤلئك الذين قادتهم حكمة بيثاغور شكلوا المجتمع الكامل الذي هو " الهوماكويون Homakoeion " أي المكان المشترك حيث يجتمعون في للإستماع لتعاليم معلمهم وآرائه.
إن الليل والنهار يشكلان معاً حالة من الإتزان الكامل في إنارة الفضاء والأرض، غير ان ذلك الإتزان ليس بأبدياً.
أما تعاليم المعلم فكانت مقسمة إلى قسمين، الأول منها كان يعطيه في الليل، أما الثاني ففي النهار.
وفي إحدى الليالي الممتعة في الربيع في ساحة المعبد سأل أوبسيموس من ريجيوم وهو واحد من تلاميذ الماتيماتيكوي المعلم:" لأية غاية سأكلف نفسي عناء البحث عن أسرار النجوم والكواكب والكون، ما دام الموت دائم المثول أمام عيناي"؟
- فأجابه المعلم:" بالحقيقة أقول لك، أن الكوزموس أي العالم المادي مع كل ما فيه من نجوم وكواكب هو ليس حقيقياً، بل هو طيف وهمي في الوجود، وهو شكل متحرك أبدي التغيير للنفس الكونية مايا التي قامت بتوزيع المادة في الفضاء أللامتناهي، ومن ثم حوّلته إلى أثير كوني".
وتركت كلماته صدى عميقاً.
- وبعد ذلك، وجّه بيثاغور إلى تلميذه سؤالاً:" هل نسيت قسمك يا أخي"؟
وللحال، إنتاب أوبسيموس الشعور بالخجل وظل صامتاً.
- ومن ثم، أضاف بيثاغور:" لا تخافوا الموت، لأنه وَهمٌ أو حالةٌ دائمة التغيّر في الوجود".
وهز كل الماتيماتيكوي برؤوسهم موافقين معلمهم القول.
- وسأله بفضول ألكميون Alcmaeon من كروتونا:" أه، يا أيها المعلم، ففي إحدى المرات بدى لي وكأنني قد تخاطبت مع أبي الذي مات منذ ردح طويل من الزمن. فماذا يعني ذلك حسب رأيك"؟
- أجابه:" إن ذلك يعني فقط بأنك فعلاً خاطبته، إنها الحقيقة".
وكان هناك صمت.
- وتابع بيثاغور تعاليمه:" يا إخوتي، إن الكون ليس إلّلا إنعكاساً غير كاملٍ لمملكة الآلهة. فالكون هو صورة ناقصة عن النماذج الإلهية التي هي الأرقام والحقيقة الكاملة المعطية إيانا الومضات من خلال الرياضيات. فالحقيقة المطلقة إذن ليست مادية بل روحية، وهي مكوّنةٌ من عالم الأفكار الموجودة في الأرقام، ولذلك باتت تلك الأفكار مقدسة، وأكثر سمواً من الأشكال المتجسدة.
إن كل كون صغير ( نظام شمسي ) في الكون، هو حاملٌ لعنصر جزئي من النفس الكونية التي تطورت في شمسها الوسطية خلال الملايين من السنين بواسطة قوة محركة، ومقياس خاص بالعقل الإلهي. إذ تتواجد هناك قوى إلهية، اي أرواح متجلاة بالنجوم والكواكب وهي آتية من نظام فائق الدقة من الله الأب الموناد الكبير. وإن تلك الأرواح الآلهة الغير مرئية والأزلية، هي التي تقوم بإدارة تكوين عالمنا الذي كوّنوه هم بواسطة العناصر الخمسة التي هي:
1- الأرض الحالة الجامدة.
2- المياه الحالة السائلة.
3- الهواء الحالة الغازية.
4- النار الحالة المعبرة عن الطاقة.
5- الأثير الحالة الشفافة وأللاذرية للمادة.
إن كل الكواكب إنبعثت من الشمس وهي تحت إدارة قوى الجذب والدوران، فكل واحد منها هو معبّر عن العقل الكوني، وحاوٍ على الطاقة الما قبل نفسية المختلفة ما بين كوكب وآخر، ولها دورها الخاص بها لتطوّر الكون.
والحق أقول لكم، إن كوكبنا الأرض قد مرّ بعدة مراحل خلال تطوّر الحياة الحيوانية عليه ليس فقط بواسطة قانون الطبيعة، بل أيضاً بواسطة قانون التوالد الإلهي الأبدي. فالوقت إذن هو دائرة ( روح ) العالم. ولدى ظهور اي نوع جديد من الكائنات على وجه الأرض، فإن تلك الكائنات بالحقيقة تمثّل عرقاً معيناً من الأرواح ذو عقول فائقة كانت قد تجسدت سابقاً بأوقات معينة في ذرية من الكائنات القديمة وذلك من أجل رفعها خطوة واحدة لجعلها على صيرورتها. ويندرج كل ذلك في السياق التطوري ذو الذكاء المتدرّج من الحيوان للإنسان، ومن الإنسان بإتجاه الله".
وبهذا ختم بيثاغور خطابه المقدس.
* * *

. . . وكسرت الشمس ضباب الصباح عابرة بنورها إلى المدينة حيث كان هناك موكب من المؤمنين باللباس الأبيض سائراً عبر الممر الضيق حول التلة قاصداً المعبد، إنفاذاً لقانون المجتمع. وكسلسلة من اللؤلؤ كان واحدهم مرتبطاً بالآخر مبرهنين عن ما لهم من مشاعر تجاه الوجود، ودخلوا المعبد من الناحية اليمنى له هذا لأن تلك الناحية فيه كانت تعتبر سامية وخيّرة وإلهية.
أما في المعبد الآخر، معبد ساريس – عشتروت، كانت النساء البيثاغوريات صديقات تيانو يقمنّ بطقوسهن المقدسة بتقديمهنّ الحلوى والزهور. وبعد ذلك، خرجن من الناحية الشمالية الرامزة إلى الإنحطاط والشر والمادية. وبعدها تجمعنّ في ساحة المعبد ورحنّ يتكلمنّ عن الحياة وما تأتي به من خيرات وشرور. وكانت تيانو هذه الفتاة الإيطالية الجميلة بشعرها الأسود الطويل اللامع تحت أشعة الشمس قد أصبحت عضوة في جماعة الماتيماتيكوي، وتلميذة في الدائرة الداخلية، وهي ذات الشكل المتناسق والروح النقية والوجه الأسمر، وعيناها اللامعتان الناظرتان إلى مكان بعيد، إنه البحر، منجذبة إلى داخل جوهر الحياة وهي تتأمل في داخل نفسها، محلقة بعقلها إلى المستويات الأكثر سمواً وعمقاً في الوعي، داخلةً إلى مملكة الأرقام – الآلهة، ومستمعة إلى موسيقى الدوائر، متذوقة ثمرة شجرة الحياة، وملامسة النور الإلهي. ورأت عيناها بيثاغور مُشتَمّةً رائحة الحب الفواحة.
- وسألتها بإحترام إحدى صديقاتها:" هيا، يا تيانو. أين أنتِ".
فلم تجبها لإستغراقها في التأمل العميق، ولإدراكها بأن الزواج هو حقيقة لا مفر منها حيث من الواجب عليها إتخاذ القرار الحاسم بشأنه في أقرب وقت.
- ثم قالت لها صديقة أخرى ممازحة إياها:" تبدين يا تيانو وكأنك غارقة بحب عميق".
تيانو، لم يكن بإستطاعتها إخفاء حقيقة مشاعرها عن صديقاتها، فهزت برأسها مبتسمة لهن، وبادرنها الإبتسام.
- عندها، تحدثت برقة محدثة بكلامها صدى ٍ في قلب الوجود:" إن الحب هو كالنفس المثقلة والمرهقة من عناء الإنتظار".
وفي غضون ذلك داخل الكهف، كان بيثاغور متأملاً تحت نور الشمس الخافت المنساب إلى كهفه من خلال فتحة صغيرة، وكوّنه إبنٌ وإله فقد سمع تناغم الدوائر وأكل من شجرة المعرفة، فلامس الخلود. ورأت عيناه تيانو، فأدرك ما للحب من رغبات مشعة في عيناها.
ولا حظ بيثاغور بأن النظام الإلهي للأرقام ربما يكون هو الذي خطط لإتحادهما سوية بالزواج بما أنهما صورتان ناقصتان منبثقتان عن الواحد! وأمام ذلك، كان عليه إتخاذ القرار. . .
وراح بيثاغور الذي تمّ رفعه كمساري خارج دائرة الوجود الحتمي يضعف. فيا للأسف. . .
* * *

إن العالم كما تحدده العلوم الباطنية تحكمه الحركات المتضادة، ولكنها متوازية ومتصلة ببعضها البعض.
إن آلية الإزدواجية وهي التطوّر المادي والروحي تعمل على كل المستويات في الحياة.
وإن تجسد الله الموناد الكبير في المادة بواسطة الطاقة النارية التي تغذيها تعتَبَر بأنها " التطوّر المادي " للكون والحياة المتوالدة فيه. ومن ناحية أخرى، " فالتطوّر الروحي " هو عملية متكاملة لتطوّر الوعي عند الموناد الشخصي ومحاولاته المتتابعة في التحرر من " دائرة الولادة والموت " التي هي " دائرة الوجود الحتمي " حيث بذلك تتحقق العودة إلى الموناد الكبير – النار الوسطية التي بعثته.
وبعد أن علّم بيثاغور بسرية لاهوت الكوزموس تابع تعاليمه للماتيماتيكوي بتقديمه لهم العلم النفسي المقدس.
- من أنا؟
- ما أنا؟
- ماذا أفعل هنا؟
- أين سأذهب؟
هذه هي الأسئلة الكامنة بما للإنسان من فضول داخلي عميق.
إنه اللغز الأكبر في الحياة في معضلة أبدية بالنسبة للنفس التي ترى ذاتها غارقة في إزدواجية الظلام ( شر )، والنور ( خير ).
وفي أسفل سرداب بروزرباين في معبد ساريس - عشتروت دعى بيثاغور تلاميذه المقربين إليه للدخول عبر البوابة الضيقة المؤدية إلى العالم أللامرئي بعد أن قاموا بتنقية أجسادهم بإمتناعهم عن تناول اللحوم والأسماك، والبعد عن الرغبات الجنسية وإمتلاك الثروات، مدربين أجسادهم لتكون صورة متناسقة للطبيعة، هذا فضلاً عن تنقيتهم لعقولهم من خلال معرفتهم العقلية للحكمة والموسيقى والرياضيات الباطنية أي الأرقام المقدسة.
- ودعاهم المعلم بما له من سلطان للدخول في علاقة مباشرة مع النفس بقوله لهم:" إعرف نفسك، وسوف تعرف أسرار الكون والآلهة".
وبكلامه هذا، أدركوا وآمنوا بأن الحقيقة، السر المطلق للوجود هو كامن في داخلهم.
- وقال لهم مؤكداً:" أيها الإخوة الأعزاء ليكن معلوماً لديكم أنه في عمق وأعلى شيء في داخلكم ينبض قدس الأقداس".
فآمنوا بأن كل ما هو خارجي هو صورة ناقصة عن النور الإلهي المشع في داخلهم.
- وعاد بيثاغور من جديد ليعلّم:" إن كل نفس إنسانية هي جزءٌ من النفس العظمى التي للعالم، وأقصد الموناد الكبير . حيث كل نفس مرّت بكل ممالك الطبيعة مبتدئة كقوة عمياء بالجماد ( التراب )، مروراً بالنبات حيث كانت تقوم بحركة معتمدة فيها على ذاتها، وصولاً للحيوان حيث ترددت في الأحاسيس عن طريق التصرفات الغرائزية، فإنتهاءً بالإنسان لتتجه صوب الموناد الواعي. وإن كل المستويات التي تأخذها أشكال الحياة تمكّن الروح والنفس من التطوّر المتدرّج بنسبية من خلال سلسلة من التقمصات، وكلما إرتقت الكائنات الحية صعوداً في المستويات، كلما طوّر الموناد قدراته النائمة إنطلاقاً من العماء فإنتهاءً بالذكاء.
فالنفس في كيلا مستويات الجماد والنبات تكون على ترابط مع عنصرا المياه والأرض، أما في حياتها الحيوانية فهي تنتقل بعد الموت إلى الهواء حيث تكون منجذبة بقوة لما للحياة الأرضية من قوة جاذبة، فتعود لتأخذ جسداً جديداً لتصبح بشرية إذ تصبح مرتبطة بعنصر النار الذي إليه تعود بعد الموت".
- وسأله:" بفضول دينوكراتس من تورنتوم:" كيف تطوّرت النفس الحيوانية إلى نفس بشرية"؟
- أجابه:" إن هذا التحول ما كان ليحصل لو لم تكن هناك في دوائر أخرى من الوجود أنفسٌ بشرية ذات تكوين جيّد كانت قد طوّرت في النفس الحيوانية أساها الروحي بفرضها ألوهيتها في جوهرها".
- وسأله تلميذٌ آخر وهو هيبوستينس من كروتونا:" كيف ذلك يا معلم؟ هل نحن أتينا من الفضاء الخارجي؟ فأنا لا أفهم".
- أجابه:" إن نفسنا البشرية على وجه التأكيد ليست آتية من الأرض، وعليه فبالتالي، إن النفس التي كوّنت بشريتنا كانت قد وُجِدَت منذ زمن بعيد في دوائر أخرى حيث كانت المادة ذات كثافة ضعيفة، لذلك كانت أجسادهم نصف مادية ونصف روحية، أما قدراتهم الروحية فكانت كبيرة، وذكائهم شبه بدائيّ. ودخلوا في تقمصات عدة حدثت ببطء من دائرة لأخرى في هذا الكون العظيم، وراحت تتغيّر كلما إزدادت كثافة الدائرة حتى بات للبشرية أجسامها الكاملة الأمر الذي أدى بها إلى فقدانها لأحاسيها الروحية، إنه سقوط اإنسان القديم من جنة عدن إلى الأرض التي هي المستوى الأخير في النزول المادي .
وإن هذا الإنسان الذي سقط، قد تمّ تشكيله جسدياً من خلال إرتباطه بالأنسجة المادية للشكل الحيواني والعناصر المتصلة به. أما من ناحية أخرى، فإن نفس ذاك الإنسان القديم قامت بتلقيح الأساس الروحي للنفس الحيوانية بما لديها من ألوهة، وعليه، بتنا أبناء الأرض والسماوات في آن واحد نحن الذين كنا أساساً من العرق السماوي، وليكن ذلك عندكم معروفاً. وهكذا، وفي دائرة التوالد بات الإنسان في صراع دائم مع العالم المادي مطوّراً عقله أي ذكاءه من خلال سلسلة من التقمصات من أجل إستعادته لروحيته وألوهيته ليصبح عند ذاك إبن الله.

وكانت الحياة في " المدينة البيضاء " محكومة بسلوك يوميّ قائم على المساواة والعدالة والحرية، وراح عدد أعضاء المجتمع البيثاغوري يزداد عددهم دوماً يوماً بعد يوم لإيمانهم بالصداقة والمحبة والسلام.
وهبط الليل والنجوم مالئة السماء مرصفة الطريق أمام القمر ليظهر في قبتها مشعاً بنوره الخجول على طرقات ومعابد وبيوت تلك المدينة.
وفي ساحة معبد الحوريات، حيث قام بيثاغور سابقاً بإستدعاء " النسر البيض " لينزل إليه أرضاً من الأجواء، كان المعلم على أهبة الإستعداد وفي أتمّ جهوزية لمتابعته قصة " النفس الإلهية " وصعودها إلى الأعلى بإتجاه السماوات"
" إن النفس هي وحدة أي رقم، ومحركة ذاتها ومنقسمة إلى ثلاث عناصر:
1- ألنوس أي العقل، ( الذكاء ).
2- ألفرين – المشاعر، ( الغريزة ).
3- ألتوموس – العمل، ( الإدراك ).
أما المبدأ الحيوي فهو قائم بذاته في القلب، وهو مع العمل والإدراك على شراكة مع الحيوانات ذات العناصر المشابهة لعناصرنا في تشكيلها، مشاركة إيانا الحياة. وحده العقل هو النفس الأساسية للإنسان، وهو أبدي مع الله. فالنفس هي الأساس الأثيري للجسد الفاني المالك بذاته الروح الأبدية التي هي الجسم الروحاني للروح التي كوّنتها بما لديها من قوة فعالة. وهكذا، فالنفس بعملها على المستوى الحسي تعمل كآداة محركة للجسد، ذلك أنه وبدون النفس يبقى الجسد بلا حراك. لذلك، فقد أسميتها المركبة الخفية الذاتية لقيامها برفع الروح من الأرض بعد الموت إلى المملكة السماوية المتجسدة فيها السعادة الإلهية.
أما العمل والإدراك، أي الجزء الثالث من النفس فيعود إلى الأرض، ويلغى المبدأ الحيوي الذي هو الجزء الثاني منها.
والنفس لدى تركها الجسد، تصبح في حالة من الإرتباك والضياع عن ذاتها، غير عالمة ما إذا كانت ميتة أم حية، وتكون أيضاً في نشوة روحية تستمر فيها وهي تقوم بالدوران الروحي في حركة تناغمية مع الموسيقى الكونية الأثيرية لتصبح بذلك " موسيقى الدوائر " مسموعة عندها بوضوح تام، إذ لا يوجد هناك من حواجز، والأرض باتت خلفها. هناك، في تلك الحالة الجديدة من الوجود، تبدأ بإدراك الحالة التي آلت إليها هي بأنها حالة إلهية. وهكذا، تشرع بالتأمل في الآلهة والأرقام المقدسة لتلتقي معهم أخيراً وهي مغمورة بالحب والسلام والتنوّر".
- وسأله آخرٌ من تلامذة الماتيماتيكوي وهو ليوقريطوس من قرطاجة بإهتمام شديد:" إذن، كيف تتم محاكمة النفس يا أيها المعلم"؟
- رد عليه:" أقول لكم يا إخوتي الأعزاء، أنه وعندما تقف النفس ماثلة أمام الآلهة في الأثير تتمّ إزانتها على ميزان الحياة. فإذا وجدت أعمالها بارة بفعلها ما هو حسن في الحياة من محبة وسلام، فإنه عند ذاك لا يكون من الضروري لها العودة إلى الأرض لتتجسد في جسم جديد، فتنضم إلى الآلهة. أما في حال كانت أعمالها ليست ببارة، فإنها تنزل إلى الأرض التي هي دائرة التوالد لتأخذ جسماً جديداً كعقاب لها، وطريق أمامها لتتطهّر من خلال عملية الولادة فالموت. ولكن لا يمكنها التحرر من هذه المعادلة إلا عندما يحين لها الوقت ساعة بلوغها التطهير الكامل من كل الأعمال الشريرة والسيئة، وعندما تتمكن من السيطرة على ما للمادة من أوهام، عائشة الفضائل الخيّرة والحسنة. ولدى إتمامها لكل ذلك، تكون قد قامت بتطوير كل ما لها من قدرات روحية، مدركة بذلك البداية والنهاية. وكونها بذلك قد أصبحت نقية ومقدسة، فهي ترتفع لتدخل في الحالة الإلهية للنفس الكونية – مايا منصهرة مع نور تلك النفس، لتصبح بذلك موحدة مع الموناد العظيم أي العقل الإلهي".
وكان كل أعضاء الدائرة الداخلية مأخوذين بنشوة روحية، مسحورين بكلمات معلمهم بيثاغور.
- وعندها، سأله ليون من ميتابونتيوم:" يا أيها المعلم، عندما تصبح النفس متحدة بالواحد، فهل تفقد شخصيتها"؟
- ونظر إليه معلمه بإحترام كبير، ومن ثم نظر للآخرين، وكانت عيناه تلمعان بارقة وجسده مشع نوراً، وقال:
" بالحقيقة أقول لكم، إن التطوّر الأرقى للإنسان هو ليس بالإنصهار في لاوعي العقل الكوني، بل في المشاركة في الوعي المطلق بفعل خَلقي. فالنفس تصبح روحاً نقية وقوة فاعلة غير فاقدة لشخصيتها، بل على العكس من ذلك، فهي تتممها عندما تنضم بذاتها إلى الله. وإن تلك الحالة من الرقي التي يبلغها الإنسان هي حالة الإنسان الكوني على المستوى النصف إلهي المتغذي من النور الذكي للموناد الكبير. وبهذا، فالمعرفة تصبح إرادة، والمحبة خلقاً، والكينونة تشع بالحقيقة والجمال لصيرورتها إلهاً".
وأنهى المعلم المسارة للدرجة الثالثة بخطابه المقدس.
وعم صمت عظيم ذاك المكان.
لقد أعلنت الحقيقة، وكان الشعور بالإعجاب كما التعجب غامراً التلاميذ جميعاً لإدراكهم بأن نهاية الإنسان هي في أن يصبح كالله إلهاً كما هو حال وقدر كل ذرة أخرى من ذرات هذا الكون.
وكانت النجوم تتلألأ بقوة مقلدة القمر.
وكان بيثاغور على الأرض اليونانية السباق في إستخدامه لعبارة" أقول لكم الحقيقة ".
وهكذا تشكل الرابط القوي بين السماء والأرض، والآلهة والإنسان منصهرين جميعاً في مجتمع من الصداقة والعدالة والحكمة.
لقد كان ذلك نظاماً مُجَسِداً " للمدينة الكونية ".
إن المجتمع البيثاغوري كان إتماماً للإختبار البشري الأول الرابط بين ما هو باطني وما هو ظاهري، وبين ما هو عام في القدسية وما هو خاص فيها.
أما البيثاغوريون فكانوا سائرين على الطريق الوسطى، ليقفوا كمعلمهم وسط الدائرة وهم مغمورين بخصوصيتهم متجهين صوب المدار الذي هو الكونية الشاملة لكل شيء. فعاشوا حياتهم كمفكرين متأملين وفلاسفة وعلماء وعلمانيين في رابط حقيقي من الصداقة الحقيقية بتحقيقهم وحدتهم الذاتية مع الحكمة في تعاملاتهم المشتركة فيما بينهم.
* * *

لقد حدد موعد النهار السعيد، وكانت أشعة الشمس مكللة " المدينة البيضاء " حيث كان كل أعضاء المجتمع البيثاغوري منتظرين بفارغ الصبر بداية الإحتفال. وظهر موكب من النسوة بلباسهنّ الأبيض وهنّ مغادرات معبد ساريس – عشتروت على الشاطئ ماشياً صعوداً بصمت عبر معبر ضيق ملتف حول التلة.
أما في ساحة معبد إيل – أبوبلو كان بيثاغور مع أصدقائه وإخوته منتظرين بحماس كبير. ولدى ظهور النسوة الآتيات من إحدى أطراف المدينة شرع كل الواقفين على الطرقات يحيّون وصول العروس بفرح كبير مقدمين لها الزهور لدى مرورها أمامهم. وعند دنوها من معبد إيل – أبولو تحلق البعض من البيثاغوريين مشكلين دائرة وراحوا يرقصون رقصة الدوريان المقدسة مرحبين بها للدخول بواحدة من الدوائر داخل الدائرة الكبرى للضرورة الحتمية وهي دائرة الزواج.
وكانت تيانو جميلة كالملاك، وعلى صدرها النجمة الخماسية ظاهرة وهي سائرة على وقع إيقاع نغمات القيثارة.
بيثاغور الآن في عمر يناهز أواخر الخمسينيات ولحيته بيضاء كالثلج، وهو مرتدٍ معطفه الأرجواني. فدنى منها آخذاً إياها بيديها الناعمتين ليدخلا سوية إلى معبد النور.
وتوقفت الموسيقى، وتوقف الرقص.
وقام ثمانية من البيثاغوريين من الدائرة الداخلية بتلاوة البعض من التراتيل المقدسة لإيل – أبولو وهم مرافقون للعروسان من الباب ولغاية المذبح. أما في الخارج، فكان الجميع منتظراً بشغف وصمت.
هناك في الداخل، وقف بيثاغور وعروسه أمام المذبح وأيديهما متشابكتان، وقام بيثاغور بتلاوة الكلمات المقدسة – الإسم المخفي، مستدعياً روح الواحد لتحل عليهما. ومن ثم إلتفتا إلى بعضهما ويداهما ما زالتا متشابكتان. فتخيلا بان الحقيقة الأبدية تتجسد الآن بإتحادهما.
بيثاغور، وكنتيجة لزواجه من تيانو ( 1 ) حقق ذروة إدراكه للحياة المادية المتجسدة. فبزواجهما تمّ إتحادهما ككائنان بعد أن إعتقدا بأن حبهما برر لهما هذا الزواج. . .
وبعد ذلك أدرك بيثاغور أنه وفي صميم نفسه قد إستسلم للمرأة. . .
لقد سقط!
وفي تلك الليلة خارجاً، كان المجتمع البيثاغوري يحتفل بالمناسبة حتى ساعات الفجر الأولى. . .

-----------

يتبع [صورة: crossrc.gif]
09-02-2005, 04:01 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Al gadeer غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,723
الانضمام: Jan 2004
مشاركة: #27
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
وهل نتركك يا زميل؟

تابع اخي
09-02-2005, 02:53 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نار غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 16
الانضمام: Aug 2004
مشاركة: #28
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
شكراً جزيلاً لمتابعتك ...
ونحن بانتظار المزيد...
09-02-2005, 04:19 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #29
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
الأخ العزيز والفاضل غدير .. اشتقنا يا رجل (f)

وسأنهي هذه الرواية غدا ً بكوني أعد الأن الفصل العاشر والنهائي منها لنشره في الغد ..

نار (f) أشكرك لحسن المتابعة ...

سررت بكم ... ودمتم بأمان الله

[صورة: groupray.gif]
09-02-2005, 07:21 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #30
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
الفصل العاشر والأخير

شهيد الحكمة

. . . وفي تلك الأيام كان لا يزال اللاجئون السياسيي من سيباريس محميين في كروتونا، فطلب الطاغية تيليس ووزراءه من السلطات الكروتونية للمرة الأخيرة أن يسلموه إياهم. أما وفي المقابل وتحت تأثير بيثاغور قاومت القيادة الكروتونية الضغوط السياسية والتهديد العسكري من جارتهم القوية رافضين بشكل قاطع تسليم أي لاجئ سياسي ، سيما وأن تيليس كان قد قتل البعض من الإخوة البيثاغوريين الذين كانوا في رحلة سلام إلى سيباريس.
ومع مرور الأيام، إرتفعت وتيرة التوتر بين المدينتين وصار الجيران إعداءً، حتى بلغت الأمور لدى قيادة سيباريس حد إعلان الحرب على كروتونا التي لم يكن أهلها مؤهلين كفاية لخوض الحرب بالرغم من حالة اليقظة التي كانوا فيها منذ سنتان تقريباً، إذ لم يكن جيشهم منظماً ومدرياً بما فيه الكفاية على عكس ما كانت عليه حالة جيش السيبارسيين. أما بيثاغور من جهته فكان واعياً لهذا الإختلال في ميزان القوى، وإزاءً منه لذلك، فكر بما عليه فعله، فالحرب هي على طرف النقيض مع ما له من مبادئ، ذلك أنها بنظره قائداً مشرعاً لإرتكاب المجازر. وبات بيثاغور الرجل المساري من الدرجة الأولى أمام واقع جديد لم يكن قد خطر له أن يحسب له سابقاً، ورأى أنه من الواجب مواجهته لأن الدفاع عن النفس حسب رأيه هو بالأمر المبرر. وأمام هذا كله، طلب من ميلو وهو مقاتل قديم أصبح بيثاغورياً فيما بعد القيام بتنظيم وتدريب الجيش كونه مصارعاً مشهوراً ورجل سلام في آن معاً، فلم يرفض ما طلبه منه المعلم ذلك أن قدر المدينة قد بات الآن بين يديه. وللحال شرع بتفيذ مهمته المقدسة مدركاً بأنه ثمة هناك اناس أبرياء من الواجب حمايتهم من عواقب الهجوم المحتمل وقوعه في أية لحظة من اللحظات. وكان النجاح حليفه في مهمته، إذ تمكن من بناء جيش من المقاتلين مؤلف من المئات من الرجال الذين باتوا على أهبة الإستعداد وأتم الجهوزية للدفاع عن مدينتهم وبيوتهم وزوجاتهم وأولادهم. وعلى الرغم من حتمية الموت في الحروب، فقد عمد ميلو إلى تذكير رجاله بأن الموت ليس إلا مدخلاً لعالم أكثر سمواً بقوله لهم بنغمة حماسية وشجاعة:
" يا شعب كروتونا العظيم، إسمعوا. إن اؤلئك الذين سيشتشهدون من أجل قضيتنا السامية سيدخلون التاريخ من بوابته الكبيرة أبطالاً ومُخَلّصين ورجالاً ذوو ميّزات فضلى وعظيمة وكبيرة. فهل يوجد شيء بإعتقادكم أعظم وأنبل من أن يقوم الإنسان بتخليص حياة البشر من الطغاة"؟
وبدت السماء متشحة بغيوم كالحة السواد، وهي تزحف فوق سماء كروتونا. وحلّت اللحظة الشريرة في أول يوم من أيام الشتاء في سنة 510 ق.م. وبدأ الهجوم الصاعق الذي إهتزت له حدود تلك المدينة المسالمة وراحت الأرض ترتجّ حيث الغبار ملأت الأجواء. وقاوم الكروتنيون لساعات وأيام طوال. . . حتى تمكنوا في النهاية من دحر المهاجمين الذين ولوا هاربين. وعند ذاك، قام ميلو قائد جيش كروتونا بشن هجوم كاسح ومضاد بسرعة فائقة على سيباريس الأمر الذي أربك قادتها بسبب ما كانوا قد إعتقدوا به بأن جيشهم قد دخل كروتونا وحسم الأمر فيها لصالحه، غير أن الوقائع كانت مخالفة تماماً، فجيش كروتونا بات الآن في داخل سيباريس ملحقاً الهزيمة النكراء بجيشها، وإستسلمت المدينة المدمرة لميلو ولجيشه الباسل. وكان مقاتلوا كروتونا يسمعون بكاء النساء وصراخ الأطفال، فهبّوا مسرعين لنجدتهم. . .
ولاحقاً، باتت سيباريس مقاطعة تابعة لكروتونا.
* * *

أتى الربيع والزهور تفتحت في الحقول، وملئت الروائح الذكية بشذى عطرها أجواء كروتونا وهواءها الذي كان يستنشقه الكروتونيون بسرور.

في " المدينة البيضاء "، وفي داخل الكهف كان البعض من تلامذة الماتيماتيكوي منتظرين وصول معلمهم ليرفعهم مرة اخرى إلى المستوى الأخير والأسمى في الدرجة الرابعة التي هي العماد.
ومنذ زمن بعيد، في الكهف نفسه، سكنت البشرية وترقّت من الجنس الحيواني لتأخذ شكلها الإنساني وهي خائفة من المجهول، أما اليوم فبات القدر المحتوم هو الذي يصنع التاريخ. والإنسان البيثاغوري الذي واجه المجهول، وجد نفسه الآن منحنياً أمام الألوهة.
- وتكلم العالم بالأسرار الباطنية مخاطباً كل فرد منهم على حدة بالتتابع:
" أيها الأخ العزيز، عليك الآن أن تقف في ظلمات هذا الكهف وأنت ضاماً رجليك على بعضهما كي تشكل بوقوفك خطاً عامودياً، ومن ثم افتح يديك إلى الخارج لتشكل خطاً أفقياً. أقول لك، أنت الآن أربعة، أنت صليب وقد تمّ صلبك عليه، فهذا الصلب، هو لمستواك الأدنى، أي للعناصر الأربعة التي كونتك في خطة الوجود، فأنت الآن ميت. وأقول لك، إبتعد عن الظلمة وتوجه إلى المكان المضيء هناك، قف وأفتح قدماك وأبعدهما عن بعضهما ومن ثم إرفع ذراعاك للخارج وأبقى كما انت ". . .
ومن خلال فتحة في صخور ذاك الكهف، إنسل شعاع أبولو ضارباً بأشعة نوره رأس ذاك الماتيماتيكوي الذي بات مغموراً بالنور.
- وتابع بيثاغور:" لقد أصبحت الآن خمسة – البينتاد Pentad متردداً في كل أنحاء الكون من خلال الدوديكاهيدرون. وصرت بذلك حامياً للعدالة تماماً كالملح الذي يحفظ الطعام من الفساد. وأعلم أن عنصراً جديداً وهو الأثير أي السماء قد دخل فيك حيث أنك بذلك قد قمت من الموت مركاً مستوياتك العليا، لذلك، فسأعمدك بإسم النار الوسطية أي الموناد الكبير. فأنت الآن أصبحت مالكاً الحقيقة، فأنظر إليها وهي المشعة في أعماق كيانك لتجعل منها عملية في حياتك. وفي أي وقت تشاء فيه إستخدام قواك في الحياة، فاستخدمها بحذر وتيقظ فيما تقوم به بالإرادة الخيّرة. ولا تستعمل مطلقاً قواك هذه عندما تكون غاضباً، والكراهية مسيطرة عليك، والشر محيطٌ بك، هذا لكوّنها تردد عليك عدة مرات مدمرة إياك. ولهذا أقول لك، يجب عليك دوماً أن تكون محافظاً على الإتزان الكامل في وجودك وحامياً إدراك الحقيقة في عقلك، والفضيلة في روحك، والطهارة في جسدك، وتحسس دوماً بالكون الكبير في الكون الصغير، اي في مملكتك الداخلية، وتحسسه أيضاً في قلب الحياة نفسها لتدرك وتشعر بأن العقل الكوني الذي هو الله هو متجلٍ في كل الوجود، كما ولا تنسى مطلقاً القوانين الثلاثة الأكثر أهمية في الحياة وهي التالية:
1- إن التطوّر هو قانون الحياة.
2- إن الأرقام هي قانون الكون.
3- إن الوحدة هي قانون الله.
وبالحقيقة دعني أختم معك، إن الحقيقة الأبدية هي كامنة في العلاء فوق أي إتحاد بين المتناقضات كالزواج بين الرجل والمرأة. فالحقيقة الأبدية إذن هي في الموناد الكبير الذي هو الواحد، وإن فعل الإتحاد معه لا يمكن تحقيقه إلا إذا قام الإنسان بإستعمال قواه العقلية لتجنب الأعمال المنحرفة الناجمة عن الثنائية".
وبهذا، ختم المعلم كلامه الدقيق مؤكداً بأنه عندما خضع هو شخصياً لعمل الإزدواجية الذي كان دوماً ينظر إليه كشر لم يدع الأمر يؤثر مطلقاً على تعاليمه.
وبذلك، وبخطابه المقدس أنهى المسارة الكاملة في أسرار الكون والآلهة.

. . . قدم بيثاغور مفاتيح مدينته للبضع من تلامذته الماتيماتيكوي الذين باتوا مثله معلمين عليهم واجب التعليم وإعطاء المسارة لتلامذة المستقبل في المعرفة الباطنية وعلوم الأسرار.
في ذاك الكهف ومن خلف الستار كان بيثاغور محاطاً بالمعلمين الجدد معطياً خطابه الأخير للأكوزماتيكوي
( السامعين ) الذين كانوا مجتمعين في الحديقة الخضراء قائلاً لهم:" إسمعوا، سأقدم لكم الآن آخر ثلاث وصايا عليكم عدم نسيانها أبداً:
1- حافظوا على الأشياء التي لا يجوز لأحد أخذها منكم.
2- لديكم في مملكتم الداخلية ما هو شبيه بالعقل الكوني، وهكذا فأجعلوا من أجسادكم معابد لله.
3- إذا قررتم يوماً أن تكرموا وتبجلوا الله عليكم إذن أن تعرفوه وتلقدوه.
أما الآن، فسأترككم بين أيادي إخوتكم الأعزاء مشيراً بيده إلى المعلمين الجدد، خاتماً بلباقة تعاليمه، ومودعاً إياهم.
* * *

لقد قرر بيثاغور التنحي عن ما له من مسؤوليات بصفته مرشداً وقيّماً على المجتمع البيثاغوري، بغية أن يكرس وقته وطاقته لزوجته تيانو وأولاده في المستقبل.
وفي منزله في وسط المدينة، كان إيقاعاً آخر مختلف من الحياة ينبض، إذ كانت عائلة بيثاغور تكبر. وكانت إبنته دامو ( ميّا ) تبكي بين ذراعيّ أمها الحبيبة. وكان بيثاغور مراقباً إياها بنظرة حنان إذ كان سعيداً بخلقه وزوجته حياة جديدة مشاركين الله في عملية الخلق.
- وسأل تيانو:" ما هو أكثر كرماً من الخلق في الحياة"؟
فنظرت إليه بعيناها الحنونتان وإبتسمت، إذ لم يكن بنظرها هناك من شيء أكثر ألوهية من ذلك. ومن ثم نظرت إلى طفلتها التي تبسمت وكأنها تبدي موافقتها على ما كان قد فكر به أبواها. ولكن لم يكن ذلك سوى حلم وخيال إنبثق من عقله اللاواعي معزياً ومؤكداً، أو ربما خادعاً إياه في الإعتقاد بأن ما فعله هو تقليد لعمل الله. وفجأة، أدرك عندما إستفاق في ظلمة تلك الليلة بأن فعله هذا لم يكن تقليداً لعمل الواحد، بل كان هو وزوجته يحققون فقط عمل الدياد – الثنائية، أي الآلهة الأساسية التي خلقت الكون والعالم.
* * *

ومرّت الأشهر، والمجتمع البيثاغوري الذي بات تحت قيادة المعلمين يعيش بسلام حيث ظلت المدينة محتفظة ببريقها ووجودها الغامض، ولم يحدث أي شيء ذو طابع سلبي لأن مفاتيح " المدينة البيضاء " كانت في الأيادي الأمينة لأفضل الفلاسفة، حيث روح المشاركة هي الركيزة الأساسية القائم عليها المجتمع وذلك بين كامل اعضائه في كل شيء بإكتفاء ذاتي. أما وفي البعض من الأحيان، كان البيثاغوريون يعتمدون على الصدقات التي كان يقدمها لهم شعب كروتونا، وذلك بعد أن إنتصروا في الحرب التي قادها ميلو فأصبحوا بذلك دولة غنية وقوية.
ونجح الفلاسفة في المحافظة على ما أورثهم إياه معلمهم بتحقيقهم التقليد الكامل للموسيقى الكونية التي ظلت في المدينة كما كانت سابقاً عندما كان بيثاغور لا يزال على رأس المجتمع.
وتسآل الفلاسفة فيما بينهم:" لماذا لا يمكننا تحقيق ما هو قائم في مدينتنا بمدن أخرى في إيطاليا من أجل خلق حالة من الوحدة بين العقول والقلوب – أل هومونويا"؟
وكان بيثاغور مثالهم الأعلى، وهو الذي سبق له أن قال لهم مراراً بأن أسمى حالة قد يصل إليها الإنسان هي تلك التي يصلها الفيلسوف، هذا لأن الفلاسفة هم الأكثر اهلية من سواهم لقيادة حياة المجتمعات.
وكما كان قد إتفق الفلاسفة الذين هم الماتيماتيكوي المعلمين فيما بينهم ومعلمهم على عدم البوح بالأسرار العميقة للعالم الخارجي، هكذا كان. وذلك عملاً بالقوانين المقدسة الخاصة بكل مساري في العالم القديم.
إن السرية التامة كانت التدبير الأفضل في مثل هكذا مجتمعات سرية ومسارية للبقاء بعيداً عن تطفلات الآخرين. إذ أن بيثاغور كان دوماً يذكرهم مشدداً عليهم على ضرورة المحافظة على الأسرار بقوله لهم:" لا تعطوا قلب الأسرار للجهلة والمدنسين، فإنهم يحطموه ويقسموه لتفترسه أخيراً وحوش الأوهام".
وكانوا في المقابل يؤكدون له محافظتهم على الأسرار وصونهم إياها بعدم البوح بها مطلقاً مقسمين على ذلك بإسم معلمهم الذي قدّم لهم التيتراكتيس المقدس والطاهر ينبوع الطبيعة الدائمة التجدد التي هي صورة الآلهة ومثالها.
وحدث في يوم من الأيام عندما كان أحد المعلمين الماتيماتيكوي وهو هيباسوس Hippasos من ميتابونتيوم يعلّم " السامعين " عن ما للحياة من أخلاقيات كونه إختير ليكون مسؤولاً عن التعاليم الأخلاقية مثلما إختير البعض الاخر من المعلمين لتولي مسؤولية العلوم الطبيعية، وآخرين عن المشاكل الإجتماعية في الوقت الذي بلغ فيه عدد تلامذة الأكوزماتيكوي ما ناهز أل 1500 تلميذ، في إزاء الفلاسفة الذين ناهزو أل 400، ذلك أن تزايد الأعداد في كلتا الدائرتين كان نتيجة حتمية لكل ما قام به بيثاغور من تصورات وأنظمة لطريقة الحياة التي إنجذبوا إليها لجمالها وحسنها.
ولم يكن هيباسوس ذاك ليجلس في الغالب خلف الستارة للتعليم، بل كام يجتمع مع طلاب العلم في أماكن متعددة كالقاعة والحديقة، أو في مكان هادئ حول المدينة.
- وقال:" . . . وبهذا، فإنه من المستحسن على الإنسان السيء والفاسد أن يموت بدلاً من أن يعيش".
- وسأله واحد من التلاميذ النبهاء:" إذا مات الإنسان السيء الخلق والفاسد الطباع، فما هو مصيره بعد ذلك؟ هل يصعد إلى السماء، أم ينحدر إلى جهنم"؟
- ووقف هيباسوس للحظات جامداً ومتتردداً لبرهة من الوقت، مدركاً بأنه ليس بإستطاعته تجاهل هذا السؤال المحرج، وهو المعلم الواجب عليه إتمام مهمته على خير ما يرام وأكمل وجه. فأجابه بصوت متهدج:" إنه ينحدر. . . إلى. . . جهنم".
ولم يكن بإستطاعة هذا المعلم قول غير ذلك ولا أن يشرح لهم العقيدة السرية للتقمص بسبب عدم جهوزيتهم الفكرية لتقبلها.
- وسأله آخرٌ:" ما هي جهنم"؟
- هيباسوس:" إنها مكان الأوجاع حيث كل الأشقياء هم فيها أحياء بألم كقصاص لهم على ما قاموا به من شرور في حياتهم".
- " أين تقع جهنم تلك يا أيها المعلم"؟
- " إسمعو، إن الأرض هي كجهنم بطريقة ما، إذ يوجد الكثير من الآلام هنا عليها، هذا فضلاً عن أللاعدالة. فالفرد، يعيش هنا كنتيجة لعمل سؤ كان قد قام به كقصاص له، أتلاحظون"؟!
قال كلمته الأخيرة تلك بشيء من الإرتياح، إذ لم يكن بإستطاعته قول الحقيقة لهم كما هي بالواقع. بل كان يلمح لها تلميحاً، وتسآل في قرارة نفسه:
" هل بمقدورهم أن يفهموها؟
هل بإستطاعتهم أن يروها؟
- وسأله أحدهم:" ما هي الجنة إذن يا ايها المعلم"؟
- هيباسوس في قرارة نفسه:" لقد طفح الكيل".
ورأى انه من الأفضل له إيقاف الحوار لأنه ليس بإستطاعته محادثتهم عن الجنة وتحديده لهم ماهيتها، وفكر من جديد وقال:" إن الجنة هي مكان المحبة والسلام، وستصعدونها إذا كنتم فاعلين الخير في حياتكم".
وسأله واحد من الأكوزماتيكوي بشغف:" نحن نحب الجنة، فهل بإمكانك أن ترينا إياها"؟
وساد السكون التام في ذاك المكان. فهل سيعلنها لهم؟
وأجاب قائلاً:" إن الجنة هي أثير الوجود، وهي العنصر الخامس الطواف في كل مكان ما وراء عناصر الطبيعة الأربعة، وهو ليس ذرياً بل روحانياً، إنه الدوديكاهيدرون".
وباتت هذه المجموعة من السامعين في حالة من الإرتباك الظاهر بفعل ما قاله هيباسوس.
ماذا قال؟
لم يفهموا ما أباحه لهم، فأرادوا منه مزيداً من الشروح. غير أن هيباسوس ذهب بعيداً لإدراكه جسامة ما فعله بكشفه لهم الخصائص المتعلقة بالدوديكاهيدرون، هذا السر الأكثر نقاوة وقدسية حيث بات عليه تحمل التبعيات المترتبة على ذلك.
وفي الصباح الباكر بعد شروق الشمس، طلب المعلمون في الدائرة الداخلية من هيباسوس المثول أمامهم وأمام بيثاغور المعلم الأكبر في معبد أبولو. وعندما دخله هيباسوس ذاك، وجدهم مصطفين على جانبي المذبح منتظرين وصول المعلم، فسار هيباسوس فيما بينهم إلى وسط المعبد حيث وقف، إذ كان مدركاً لما سيتخذ بحقه من إجراءات جراء حنثه بالقَسَم. وما هي إلا هنيهة حتى ظهر بيثاغور بكل ما له من عظمة، فوقف أمام المذبح ليكون القاضي، في حين أن المعلمين الاخرين سيكونون هم الشهود.
- وتكلم المعلم الكبر بنغمة تنمّ عن الغضب والهدؤ في آن:" لقد كان لي الشرف الكبير كما لإخوتك ولك أيضاً، وأنت الذي أصبحت معلماً أعطيت له المهمة الأكثر كرامة بتعليم السامعين".
- هيباسوس:" هذا ما كنت أقوم به يا أيها المعلم".
- بيثاغور:" أنا لا أشك بذلك مطلقاً ولا حتى إخوتك يا هيباسوس، فتعليم الأخلاق هو بالشيء الفهم وهو مهمتك. ولكن البوح بالأسرار"؟
وصاح بيثاغور:" لقد أقسمت، ألست متذكراً".
وكان هيباسوس مرتعشاً، وظل صامتاً مومئاً برأسه.
- ورمقه المعلم بنظرة ثاقبة مخاطباً إياه بحذر:" لقد قمت بكسر أعظم القوانين في مجتمعنا ببوحك بأكثر الأسرار قدسية في تعاليمنا. أليس ذلك صحيحياً يا هيباسوس"؟
- ورد هيباسوس بصوت خافت وعيناه مغمضتان:" . . . نعم يا أيها المعلم". قالها بخجل كبير.
- وقال المعلم:" ماذا علينا أن نفعل بهيباسوس الذي خان مجتمعنا بمخالفته لنظامه"؟
- وبصوت واحد صرخ الجميع:" الطرد . . .
- فأخذ بيثاغور نفساً عميقاً وتنهد معلناً:" بإسم الموناد الكبير إيل – أبولو، وبإسم مدينتنا السماوية، أنا حبيب الحكمة إبن هرمس – أخنوخ أطردك إلى الأبد خارج مجتمعنا".
وفي الوقت الذي فيه كان هيباسوس مبتعداً إلى خارج المعبد، فخارج المدينة، قام المعلمون بتحويل وجوههم بعيداً عنه.
لاحقاً، خلال النهار، تمّ الإعلان عن موت هيباسوس بصورة رمزية أمام كل الإخوة في المجتمع بدائرتاه الداخلية والخارجية. وللغاية، فقد أقاموا نصباً تذكارياً له كتبوا تحته الآتي باللون الأخضر:" هيباسوس، أخ لنا لسبع سنوات، ومعلماً بيثاغورياً منذ حوالي السنتين من الزمان، قام بخرق قوانين مجتمعنا ببوحه بأسراره، لقد مات".
* * *

دخلت نفسٌ جديدة إلى أحشاء تيانو، وكان بيثاغور لذلك في غاية السعادة. . . ورزق المعلم بطفل أسماه طيلوغس Telauges. ولاحظ بيثاغور بأن إبنته دامو تشبه كثيراً أمها، أما إبنه طيلوغس فهو شبيه به.
- فقال:" أنه أمرٌ عادل في إتزان كامل لعملنا كشركاء في عملية الخلق، هذا لأنه قد رزقنا بأولاد على صورتنا"!
ورمقته زوجته تيانو بنظرة إعجاب، ومن ثم راحت تتأمل في أولادها. وهزت برأسها موافقة زوجها القول.
* * *

ومرّت الساعات والأيام والأشهر والسنين كحلم في حياة المجتمع البيثاغوري، وكان الدوديكاهيدرون على المكعب أي السماء على الأرض متوّجة المدينة البيضاء.
وفي حوالي سنة 502 ق.م. ظهر رجلٌ يدعى كيلون وهو من الأغنياء والمشهورين في كروتونا لديه الرغبة بالإنتماء إلى المجتمع البيثاغوري بإعتماده للطريقة المتبعة فيه للحياة التي جذبت الكثيرين إليها. وعندما دخل كيلون إلى المدينة كان مغموراً بكل ما هو محيط بها، ومن ثم إقتاده التلاميذ إلى الملعب الرياضي حيث شاهد الألعاب التي كانت جارية فيه. وبعد ذلك طلب إليه الإنضمام إلى إحدى مجموعات التلاميذ البيثاغوريين ليشترك وإياهم في الحوارات القائمة فيما بينهم. . . وبعد مرور عدة أشهر شرع في الخضوع إلى سلسلة من الإختبارات بإشراف المعلمين، وكان النجاح حليفه في كلها نظراً لكونه محاوراً جيداً لغاية الآن. ولكنه كان إلى حد ما مزعجاً، إذ كانت لديه شخصية القائد ، ولكن أي نوع من القادة؟ - لم يكن ذلك واضحاً.
وكان على كيلون المرور بإختبارات أخرى أيضاً علاوة على تلك التي مرّ بها والتي على ضؤ نتائجها يحدد إذا ما كان سيقبل به أم لا. وللغاية أرسلوه إلى كهف مجاور للمدينة ليمضي فيه الليل بمفرده محذرّينه من الوحوش والأشباح التي من الممكن أن تظهر له فيه. لكن كيلون لم يصدق ذلك لمعرفته طبيعة المنطقة بشكل جيد ولكن في النهارات فقط وليس في الليالي. وراحت الشكوك تراود مخيلته مصوّرة له أنه ربما من المحتمل فعلاً أن تكون الوحوش موجودة، وأمام ذلك رأى أنه من المفروض عليه أن يكون قوياً كفاية كي لا يفشل وهو بطبعه الإنسان المتعجرف والعنيد في الوقت نفسه، مصمماً على خوضه تلك التجربة حتى نهايتها. . .
وبعد كل هذا، كان لا يزال أمامه إختبارٌ أخير عليه المرور به، وللغاية فقد أخذه المعلمون إلى داخل صومعة، ومن ثم أعطاه أحدهم رمزاً بيثاغورياً عليه كشف معناه.
كيلون في الصومعة وحده، وليس بحوزته من طعام سوى البعض من الخبز، ومن الشراب غير القليل من الماء. وراح يحاول جاهداً بفك أسرار الرمز، والوقت يمر مسرعاً. . .
لاحقاً، أخذه المعلم إلى القاعة التي كان فيها يجتمع التلاميذ والمعلمين، وراحوا يستفذونه بالتهكم عليه كجزء أساسي من الإختبار النفسي والأخلاقي. عندها إنتابه الشعور بأنه مهان، ولم يعد بمقدوره التحكم بإنفعالاته، فرد عليهم بقسوة كبيرة مكيلاً لهم الشتائم وعلى المدرسة والمجتمع والمعلمين وبيثاغور. عندها، أخبره المعلم الذي كان قد أوكل إليه أمر الإهتمام به عندما جاء إلى المدرسة بأنه كان تحت سيطرة أنانيته، وعليه فهو بالتالي ليس مرغوباً به بينهم مشيراً إليه بيده إلى طريق الخروج. وللحال، غادر كيلون المدينة غاضباً وحانقاً إذ أن كل ما كان لديه من أموال وصيت ذائع لم يمكناه من أن يصبح بيثاغورياً ذلك أنه لم يكن مالكاً لأكثر الأشياء أهمية في الحياة التي من شانها أن تجعله أهلاً ليكون فرداً في المجتمع البيثاغوري الفاضل الذي كان معروفاً وفريداً في كل أرجاء المتوسط. هذا فضلاً عن أن كيلون لم يظهر أية صفة من صفات الصداقة والإحترام، وهو لم يكن أبداً من الباحثين عن الحكمة، بل كان دوماً باحثاً عن المظاهر.
وبعد كل ذلك قام أعضاء المجتمع البيثاغوري بإقامة نصب تذكاري في المدرسة ليكون رمزاً لهم في طردهم كيلون من بينهم الذي أعتبر الموضوع فيما بعد موضوعاً شخصياً مقرراً الإنتقام لفشله، ولكن كيف؟ وراح عقله الشرير يصوّر له كيفية تحقيق إنتقامه، وطريقة إحكام الخطة اللازمة لذلك. وللحال شرع بإحاكة مؤامرة ضد بيثاغور ومجتمعه.
وبعد إنقضاء عدة شهور في حوالي سنة 501 ق.م. أسس كيلون نادياً أرستقراطياً في كروتونا، وبات الأغنياء أعضاءً فيه، وأصدقاءً لذاك الطاغية، ومن بينهم نينون Ninon الذي بات بالنسبة لكيلون يده اليمنى. وتحولت كل قوى المال التي توحدت في النادي إلى قوى مملؤة بالكراهية ومشحونة بالغضب، وصارت عقولهم المنحرفة رابضة كالكلاب المسعورة وهي تعوي بشراسة منتظرة اللحظة المناسبة لتنقض فيها على " البيثاغوريين المسالمين ".
وفي إحدى الإجتماعات التي ترأسها كيلون في كروتونا، دعى إليه عدداً كبيراً من الناس بغية تحضيره لثورته ضد
" المدينة البيضاء ".
- وصرخ بصوت جهور من على منصته أمام جمهور كبير بادئاً بالكلام:" إنه لتجديف. . . يا أهل كروتونا. فمن هو هذا الرجل الذي أطلق على نفسه لقب المعلم، وحبيب الحكمة ، وحتى ابن الإله أبولو؟ في حين أن البعض منكم يحضع لأوامره وكأنه هو بالفعل كما إدّعى".
- ورد عليه أحدهم بإيمان:" لقد شاهدناه يقوم بالمعجزات".
- كيلون:" المعجزات. . . !؟ إذا كان فعلاً قد قام بها، فإنها لم تكن على الإطلاق بقوة أبولو النور العظيم. فهو ودائرته الداخلية يجتمعون دوماً في سرداب كالشياطين في الأرض بعيداً عن النور بالقرب من الشاطئ كخفافيش الليل. فإذا كانت معجزاته فعلاً حقيقية كما يزعم البعض منكم، فإعلموا أنها ما تمّت إلا بقوة الظلام".
وراح البعض من الناس يصرخون بحنق شديد وغضب كبير ضد بيثاغور ودائرته، في حين أن البعض الآخر منهم وهم الأكثرية من بينهم شعروا بالإنزعاج من كلمات كيلون مدركين ما في قلبه من غيرة قاتلة بدت واضحة لهم من خلال نبراته.
- ورد عليه واحد من الجموع وقال:" إن المعلم أقام معبداً لأبولو في مدينته، وتناهى لمسمعاي أنه من المتعبدين له معتبراً إياه أباه.فكيف يكون هذا المعلم إبناً للظلام، وهو العائش حياته كإبن للنور؟ فأنظر إليهم يا كيلون، إنهم على تناغم كامل مع الطبيعة وهم يحيون بصداقة كاملة مع بعضهم في أخوية حقيقية بالمحبة والسلام. فهل رأيت ثيابهم؟ إنهم دوماً يلبسون الأبيض، وهذا ما هم عليه حقيقة في نقاوتهم البيضاء".
وكان هناك صمت لبعض من الوقت.
وأمام كل ذلك وجد كيلون أن عليه التفكير بسرعة.
- فقال بغضب شديد:" نعم، إنها الحقيقة. لقد شيّد معبداً لإيل- أبولو " . . . فهمهم، ومن ثم تابع الكلام:" يا لها من خدعة ذكية، ولكن كل أعماله كان يقوم بها في السرداب . أما ثيابهم فكلها بيضاء، أجل هذا صحيح. لكنها في ظاهرها تعكس صورة جيدة وملائكية، ولكنها في الحقيقة ليست سوى ستاراً لما في داخلهم من ظلمات".
هنا، وجد البعض من الناس في كيلون قائداً ذكياً، فوافقوه على أقواله. في حين أن الآخرين الذين كانوا متعاطفين مع البيثاغوريين أظهروا إحتجاجاتهم على كل ما قاله كيلون فيهم من سؤ.
- وقال واحد من الجموع:" أنت مخطئ يا كيلون، إنك تشوّه الحقائق وتضلل الناس الموجودين هنا. وأمام كل هذا، نرى انه علينا أن نذكرك قبل مغادرتنا لهذا المكان بأن بيثاغور وزوجته تيانو قد تزوجا في معبد أبولو. فماذا يعني ذلك بنظركم يا أهل كروتونا المجتمعين الآن هنا كلكم"؟.
ولم يكن بإستطاعة كيلون التنكر لتلك الحقائق، ولم يعد قادراً على معرفة ما يجب عليه قوله. أما الجموع كلها، فكانت مترقبة لتسمع منه المزيد، غير أنه ظل صامتاً. وفي الحال غادر الكثيرون من الناس الإجتماع.
وعلى أثر ذلك عقد اللوبي الأرستقراطي الذي أسسه كيلون وأصدقائه الأغنياء إجتماعاً سرياً في إحدى قاعات نادينهم في مدينو كروتونا، وراحوا يحللون ما حدث في المناظرة، مدركين بأنه ليس من السهل عليهم تشويه صورة بيثاغور الدينية في مكان عام، إذ إرتأوا أنه من الأفضل لهم والأسهل عليهم القيام بذلك في مكان سري بعيداً عن الناس في مرحلة أولى. وبهذان فقد نجح هذا اللوبي في شراء ضمائر البعض من الناس الفقراء في كروتونا، واعدينهم بالأموال وتأمين الوظائف لهم.
وفي إحدى إجتماعاتهم السرية التي عقدوها، تمكن كيلون من تأليب البعض من الناس ضد البيثاغوريين بقوله لهم بأن بيثاغور كان يقوم بجذب الشبيبة له إلى طريقة حياته لإلهائهم عن عبادة " آلهة اليونان " . – وقال لهم:" إن بيثاغور دجال وشيطان متنكر، وسيقوم بسرقة كل ما تمتلكونه ولكل ما لأجله تحيون".
فصدقوه.
لاحقاً، جرت عدة مناظرات عامة بتتابع، ولم يكن بإستطاعة كيلون أن يجذب إليه كل الذين كانت لديه الرغبة في جذبهم لناحيته. فقد القليلون كانوا يهللون لكلاماته.
- وفي قاعة اللوبي توجه كيلون بالحديث إلى معاونيه بقوله لهم:" هناك البعض من الناس الذين يزداد عددهم بتصديقهم كلامي كلما أعتليت المنصة العامة للكلام يوماً بعد يوم. أليس ذلك صحيحاً"؟
فهزوا برؤوسهم موافقينه الكلام.
- ومن ثم أضاف:" في المرة المقبلة وعند توجهي من الناس بالكلام في المكان العام حيث أقف دوماً على منصتي، فلن أذكر، ولن أهاجم الصورة الإلهية لبيثاغور. وأنا أعدكم بأنني سأتكلم عن شيء آخر يكون أكثر منطقية، وعند ذاك، ومن جديد سوف نتمكن من تحديد الأشخاص الموالين لنا، وأنا أضمن لكم بأن أعدادهم سوف تتزايد . وإذا لم نوّفق في ذلك، فسنعاود من جديد إجتماعاتنا بسرية تامة مثلما كنتم قد إقترحتم علينا في السابق".
وبعد أن تباحثوا ملياً في هذا الأمر فيما بينهم، وافق اللوبي على تلك الخطة. وللحال قاموا بتحديد موعد جديد بغية القيام بمناظرة عامة قاموا بدعوة الكثيرين إليها من الناس.
على أي حال، فإذا ما تمكن كيلون في إقناعه الجموع، فسيظل واثقاً بأنه سوف يزيدهم شكوكاً بما لبيثاغور من آراء، وفي مجتمعه أيضاً.
- وفي خلال شهر، وفي قاعة الإجتماعات تجمع عدد كبير من الناس حول ذاك الطاغية الواقف على منصته وعيناه محدقتان بالجموع المحتشدة، وقال:" يا أهل كروتونا، ما زلت على إعتقادي في أن بيثاغور هو أخطر بكثير مما يظنه بعضكم، فهو ديكتاتوري ذو قوى باطنية! ولكننا لا نريد الكلام عن ذلك الآن، وهو يعتبر نفسه من عرق إلهي، وأنتم يا أيها الناس لستم سوى قطيع من الأغنام بنظره ومساقون بأمرته"!
- وأجابته إمرأة من بين الجموع بقلق:" كيف ذلك"؟
- قال": بالحقيقة. . . أنتم يا أيها الناس ليس لديكم أي رأي في إدارة أمور مدينتكم، ذلك أن السلطات العليا فيها هي التي تقوم بسن القوانين التي يستشرون بيثاغور بشأنها وبشأن كل أمورهم الأخرى التي لديهم الرغبة في إنجازها بأوقاتها المناسبة لها. فإذا حدد لهم بيثاغور الوقت والكيفية لذلك، عمدوا إلى العمل بموجب ما يمليه عليهم من نصائح وإرشادات، وفي حال كان نصحه لهم بأن لا يعملوا بما هم مصممين على فعله، فإنهم يتراجعون. فماذا يعني كل هذا بنظركم؟ إنه وبكل بساطة يعني أن ذاك الرجل قد بات هو الملك الفعلي الإلهي على كروتونا".
وراح البعض من الناس يصرخون بكراهية شديدة بدت واضحة من خلال نظراتهم الحاقدة، مكيلين الشتائم على ذاك المدعي بالألوهية وعلى مدينته.
- وقال واحد من الأشخاص الرفيعي الشأن، وهو سياسي كروتونيّ:" إن بيثاغور يرى دوماً الأمور على صواب، وهو بما لديه من حكمة وبفضل مساعدته لنا تمكنا من ربح الحرب التي وقعت بيننا وبين سيباريس التي جعلنا منها في النهاية مقاطعة تابعة لنا".
وساد الهدؤ لبعض من اللحظات، إذ كان هناك البعض من الناس الذين وافقوا على هذا الكلام مومئين برؤوسهم.
أما كيلون، فقد كان مدركاً ذلك تمام الإدراك، هذه هي الحقيقة بالفعل، ولم يكن على إستعداد لخسارة مناظرة أخرى في مكان عام أمام الجموع. لذلك، فقد قرر الإنقلاب على السلطات أيضاً.
- وراح يصرخ بغضب شديد تردد صداه كدوي صوت الرعود القاصفة:" إنها الحقيقة بأن كروتونا قد ربحت الحرب، ولكن ماذا قُدِمَ لاؤلئك الناس الذين قاتلوا معرّضين حياتهم للمخاطر، ولاؤلئك الذين ماتوا في سبيل تحقيق هذا الإنتصار؟ لا شيء البتة"!
وراح الجميع ينظر إليه، بعد أن مكّنته كلماته الأخيرة تلك من لفت إنتباههم. وأمام هذا، رأى أنه من الواجب عليه أن يقوم بتسديد ضربته بسرعة بعد أن نجح اخيراً في إصابة الوتر الحساس.
- وأضاف قائلاً بصوت عالٍ:" إن كل الأراضي والأملاك وكل شيء إستولى عليه جيشنا في تلك الحرب، تم تقاسمه بين الطبقة السياسية الحاكمة والبيثاغوريين على السواء! إنهم يعبدون بعضهم البعضن ناظرين إلينا جميعاً كبهائم".
- وعند ذاك تدخل أحد المقربين من البيثاغوريين وقال:" يا للهول. . . يا لها من كذبة". وكان هذا الشخص آتياً من الخلف متقدماً إلى الأمام بضع خطوات محاولاً قول المزيد، لكن أحد أتباع كيلون قام بمنعه عنوة بضربه على رأسه.
- وتكلم كيلون بما له من سلطة:" يا أيها الشعب المسكين! كيف سمحتم لهؤلاء أن يقوموا بخداعكم طوال كل هذه الفترة من الزمن؟ وكيف لا يزال البعض منكم مصدقاً إياهم؟ إفتحوا عيونكم وأنظروا، إنها مؤامرة ضدكم قام بيثاغور وأتباعه بحبك خيوطها".
وبعد هذا الكلام باتت الجموع اكثر حدية. فراحوا يصرخون كمصاصي الدماء الباحثين بتعطش عن الدم، وعلا صراخهم الذي تردد صداه في كل النواحي:" الموت لبيثاغور . . . الموت لمجتمعه".
وللحال، قام البعض من أصدقاء البيثاغوريين والبعض من أتباعه بمغادرة الإجتماع بسرية، ذلك انه لم يكن بإستطاعتهم أمام هذا الواقع فعل أي شيء سوى النجاة بأنفسهم.
- وأضاف كيلون:" إستفيقوا يا ايها الناس من سباتكم، وتغلبوا على تلك اللعنة التي حلت عليكم. وسيروا معي، وأنا أعاهدكم بأنكم ستحصلون على كل ما لكم من حقوق، وستستردون كل ما فقدتموه من أموال. فثقوا بي".
- وهتفت الجموع بحماس كبير، وعلا التصفيق:" كيلون. . . كيلون . . . كيلون. . ."!
- وأشار بيديه بهدف تهدئتهم، لإدراكه بأن ما سيقوله الآن سيلهب حماسهم:" دعونا نحكم عليهم غيابياً، مثلما حكموا هم علينا بالطريقة نفسها. ولنقم سوية كلنا مع بعضنا بإضطهاد ذاك الذي أفسد عقول شبيبتنا بسلبه نفوسهم من آلهة اليونان".
- وأضاف منهياً كلامه:" أضربوا. . . أضربو بقوة".
- وعادوا من جديد للصراخ واللعاب يسيل من أفواههم كالكلاب المسعورة الجاهزة للهجوم، وقالوا:" الموت لبيثاغور ولمجتمعه. . . الموت ل. . .".
لقد نجح كيلون واللوبي خاصته، إذ كان الكثيرون جاهزين للقيام بمهاجمة البيثاغوريين منتظرين منه إعطاءهم الأوامر لذلك. وإبتسم كيلون وأصدقاءه الأغنياء، ومن ثم ضحكوا بقلوبهم الماكرة.
لقد أقسموا على القيام بهجوم على " المدينة البيضاء ". وللحال، شرعوا بإعداد خطة محكمة لغايتهم تلك، بعد أن قرروا إبادة جميع البيثاغوريين.
وإحمرت عينا كيلون وهي تلمع غضباً.
إنه متعطش لسفك الدماء.
* * *

صعد البعض من أصدقاء البيثاغوريين إلى المدينة البيضاء، وأعلموا بيثاغور بمؤامرة كيلون المدعومة من اللوبي الأرستقراطي الرامية غلى ضربه والفتك بمجتمعه. وكان المعلم مدركاً بأن ذاك النهار سيأتي، إذ أن فيريسيد خاله كان قد حذره سابقاً من الأشخاص الغيورين، سيما وأن فيريسيد كان أكثر من كونه رجلاً حكيماً، فهو وعلاوة على ذلك نبي بإمكانه إستشراف المستقبل! وللحال، جمع بيثاغور كل إخوانه وأخواته التابعين " لمجتمعه الأبيض " . وكان عددهم آنذاك في الدائرة الخارجية حوالي أل 2000 شخص، وفي الدائرة الداخلية بما يقارب ال 600 شخص.
وفي ساحة معبد إيل – ابولو ظهر بيثاغور بكل عظمته بردائه الأبيض ووشاحه الأرجواني على كتفيه وهو محاط أولاً بالماتيماتيكوي، وثانياً بالأكوزماتيكوي.
- وقال بحزن:" إسمعوا لما سأقوله لكم، لقد دنت الساعة وانتهى الإنتظار".
ولكن الجموع أخذها الشوق لتعرف منه ما هو قصده بكلامه هذا الغريب. أما هو فقد لاحظ القلق البادي عليهم من خلال أعينهم.
- وراح يشرح لهم:" إن الشر قادم إلى مدينتنا لا محالة بكراهية كبيرة، وبرغبة جامحة للإنتقام. ونحن في المقابل لا يمكننا فعل اي شيء حياله، لذلك، فإن كل فرد منكم له الحرية في أن يذهب إلى مكان آمن إلى حيث يشاء خارج هذه المدينة. وليس من أحد منكم ملزم بالبقاء هنا، إذهبوا إلى المدن المجاورة. وأنا أشدد على الأكوزماتيكوي فعل ذلك فوراً من اجل عائلاتهم. ولكي تتمكنوا من التعرّف على بعضكم البعض خارج مدينتنا هذه، فسأقوم بتعليمكم طريقة سرية خاصة تستعملونها عندما يريد أحدكم مصافحة الآخر منكم للتعارف".
وراح اعضاء الدائرة الخارجية يتمرنون على تلك الطريقة الجديدة والسرية التي علمهم إياها معلمهم.
- وسألته بحزن إحدى النسوة التي سبق له أن شفاها من مرضها:" ماذا ستفعل يا ايها المعلم"؟
- أجابها بتأثر بالغ، وثقة كبيرة:" آه يا أيتها السيدة العفيفة، وهل تظنين بأنني سأتخلى عنكم الآن وعن هذه المدينة، وعن كل ما كان فائحاً فيها من محبة وسلام طوال تلك السنين؟ هذا هو ما أنا حييت لأجله وفي سبيله ساموت".
- وقال واحد من الأكوزماتيكوي:" إذن، فنحن سنبقى معك هنا يا أيها المعلم الحبيب".
- وصرخ آخرٌ:" سنموت معك".
وساد سكون عظيم محدثاً ثغرة في السماء بفتحه بابها، وتردد صداه في كل انحاء الأرض.
-ومن ثم قال لهم بيثاغور:" لا، . . . لا . . . يا أيها الإخوة والأخوات. يجب أن يظل الجميع منكم على قيد الحياة، هذا لأن الأساس الكامن للصداقة والخلقيات والأمانة هو في داخل كل واحد وواحدة منكم، وعلى هذا يجب أن يستمر للأجيال التي ستاتي بعدكم".
- ومن ثم انهى كلامه:" لقد حذرتكم من المخاطر، وها أنا الآن منهكٌ جداً، فأرجوكم غادروا في الحال بسلام لأنني أريد التأمل في معبد الواحد".
* * *

في إحدى أيام الخريف الباكرة، كان بيثاغور يتمشى في الحديقة على مقربة من الكهف، وكانت الأوراق الصفراء متناثرة على الأرض حيث الرياح القوية بعثرتها بعيداً عن الأشجار.
أما في " المدينة البيضاء "، فالبعض من العائلات البيثاغورية المنتمية للدائرة الخارجية كانت على أهبة الإستعداد لمغدارة المدينة في حال وقوع أي هجوم عليها، وقليلون جداً هم الذين قرروا البقاء فيها. وقام الماتيماتيكوي بالتدابير نفسها مصممين على فعل الشيء نفسه، في وقت كانت لا تزال فيه الحياة في المجتمع البيثاغوري طبيعية جداً إذ كان السلام لا يزال مخيّماً عليه، ولم يكن أعضاءه مذعورين بل حذيرين.
وفي سنة 500 ق.م. غرقت الشمس المشعة في أعماق المحيط وهي أشبه ما تكون بالبرتقالة الحمراء. وتلبدت السماء بالغيوم الكالحة السواد البادية وكأنها ظلال الموت المحلق فوق المدينة.
وإحتجب القمر خلف تلك الغيوم المنذرة بالشؤم. . .
وفي غضون ذلك، كان هناك ما يقارب الألف شخص متقدمين صعوداً بإتجاه التلة التي عليها المدينة البيضاء قائمة وهم حاملين بأيديهم المشاعل والعصي، محدثين جلبة قوية هي أشبه ما تكون بالصوت الذي تحدثه أجنحة المخلوقات الليلية. وراح الكثيرون من العائلات البيثاغورية يخلون المدينة بسلوكهم الطريقان السريّان الذان ما كان أحد غيرهم على علم بهما، وكانت الطريق الأولى عن يمين المدينة، اما الثانية فمن على يسارها.
وطلب المعلم من أحد المساريين وهو أريستايوس Aristaeus من كروتونا أن يأخذ تيانو وولديه إلى آية مدينة أخرى تكون آمنة، وأن يقوم بحمايتهم بتقديمه لهم الملاذ الآمن وكأنهم من خاصته.
وفي الوقت عينه كان الغوغائيون قد وصلوا إلى أمام باب المدخل الكبير للمدينة، فقاموا بتحطيم تمثال هرمس – أخنوخ، ومن ثم راحوا يحاولون فتح الباب بدفعه صوب الداخل حيث كان الإخوة البيثاغوريين خلفه محولين منعهم من ذلك. ولكن، كم من الوقت سيستطيعون الصمود بعد أمام اؤلئك الغوغائيين الذين أضرموا النار فيه أخيراً؟
أما وفي غضون ذلك أيضاً، كان المعلم مجتمعاً مع البعض من المساريين الذين أطلق عليهم في البعض من الأحيان لقب " أشجار الحديقة "، وكان ذلك في أسفل سرداب معبد الحوريات حيث قام بتلقينهم " الكلمة السرية ".
- وقال لهم بصوت هادئ:" أنا سأرسلكم إلى كل انحاء العالم لتكملوا تنمية بذرة الحكمة التي زرعتها في داخل كل فرد منكم حيث من الواجب عليكم دوماً تغذيتها بالمياه، والنور، والحياة، والمحبة.
فإذهبوا يا إخوتي، ويا أخواتي. . . إذهبوا".

غادر الجميع وهم في مهمة مقدسة.
ودخل اؤلئك الغوغائيون الإرهابيون إلى المدينة بغضب شديد مهاجمين " البيثاغوريين الصامتين والمسالمين " منهالين عليهم بالضرب على رؤوسهم وبطونهم ومختلف أنحاء أجسادهم بوحشية ما بعدها وحشية. وإصطبغت أرديتهم البيضاء بدمائهم الحمراء الذكية، وراحوا يتساقطون على الأرض كتلك الأوراق الصفراء التي اسقطها الخريف مبعثراً إياها على الأرض بعيداً عن تلك الشجار. وشرع اؤلئك المجرمون بإضرامهم النار في البيوت، أما اطفال العائلات التي آثرت البقاء في المدينة كانوا يصرخون بشدة، في الوقت الذي كانت فيه النسوة تنتحبنّ على موت ازواجهنّ وأبناءهنّ وأشقاءهنّ الذين كانت أجسادهم ممدة على الأرض في جزء منها، في حين أن الجزء الآخر كانت تحتضنه بلهفة أم، أو زوجة، او شقيقة.
ودخل أخيراً كيلون، هذا لأنه لم تكن لديه الجرأة الكافية ليكون على رأس اؤلئك الغوغائيين. ورأت عيناه كل ما فعله أتباعه الحاقدون، وملئه الشعور بالإنتصار. لكنه شعر أيضاً بإحساس غريب من الخوف وراح قلبه يخفق بسرعة، فوّلَ هارباً.
وأضرموا اللهيب في معبد إيل – أبولو، ومن ثم وصلوا إلى معبد الحوريات حيث كان المعلم والبعض من أفراد الماتيماتيكوي في السرداب، فسمعوا صوت جلبة قوية في الخارج، فهبوا مسرعين إلى قاعة المعبد الذي كان مشتعلاً. وحاول التلاميذ جاهدين بإخماد النيران، لكنهم وصلوا متاخرين، فباتوا فريسة لألسنة لهيبها الحارق الذي وصل أيضاً إلى بيثاغور الذي صاح بهدؤ:" أنا هو الواقف على عرش الحكمة، إبناً للإنسان، أترك الأرض عائداً إلى نفسي قبل أن أحلق صوب الواحد العظيم".
وتحلل جسده بفعل النيران، ورفعت " نفسه – المركبة الخفيفة الذكية" روحه صعوداً وهي تحلق عالياً إلى أب الحياة لتقيم في قلب النار الوسطية ( 1 ).
وباتت" المدينة البيضاء " كتلة من الركام والحطام والرماد. وماتت الأعشاب والورود، وهاجرت الطيور وهي تنتحب على تلك المدينة هاجرةً الغناء.


















ملحق

وبعد تلك الأحداث وإنقضاء عدة سنوات عليها، كان البيثاغوريون منتشرون في كل أنحاء ماغنا – غريسيا Magna – Graecia وخصوصاً في ترانتوم، وميتابونتيوم، وريجيوم، وصقلية. وهم أينما كانوا وحيثما حلوا، كانت تواجههم الإضطهادات. وكانوا يتعرفون على بعضهم البعض من خلال الإشارات السرية والكلمات الرمزية التي علمهم إياها معلمهم.
لاحقاً، عاد البعض منهم إلى كروتونا إذ كان مسموحاً لهم العودة إليها بشرط واحد وهو عدم التعاطي بالأمور السياسية. وعلى التلة التي كانت عليها المدينة البيضاء عاودوا الإجتماع من جديد تحت قيادة المساري أريستايوس المتضلع جيداً بالتعاليم البيثاغورية خلفاً لبيثاغور.
أما تيانو من جهتها فكانت تتولى مهمة قيادة النساء، وإبنتها دامو التي إحتفظت بالكتابات السرية لأبيها تولّت مهمة قيادة الفتيات الشابات، وهي لاحقاً تزوجت من مينو Meno الكروتوني، وكان لها المركز الأول المتقدم عند المذبح.
أما تيلوغس إبن بيثاغور فقد بات معلماً، فشرع بتعليم أمبيدوكلس Empedokles العقيدة البيثاغورية.
ومن دون أدنى أي شك، إنتشر المجتمع البيثاغوري بعد موت مؤسسه الفيلسوف. وتم تقسيمه إلى عدة مجموعات، منها ما هو علمي، ومنها ما هو روحي وديني، وأخيراً سياسي.
وفي حوالي سنة 460 ق.م، تعرض المجتمع البيثاغوري لمضايقات قوية بهدف إيقاف نشاطه، فأحرقت البيوت التي كانت تقام فيها الإجتماعات. أما " منزل ميلو " في كروتونا فكان فيه ما يقارب أل 60 بيثاغورياً مجتمعين سراً، فتعرضوا لهجوم وحشي وإرهابي حيث قتل العديد من الإخوة البيثاغوريين. أما الذين نجوا من الهجوم فقد لاذوا بالفرار إلى طيبة في اليونان وأماكن أخرى حول المتوسط.
إن كل تلك الأعمال الوحشية والإضطهادات لم تقوى على تدمير إرادة البيثاغوريين، فأستمر وجود الأخوية رغماً من شدة أهوال الإضطهادات التي عانتها لسنين عديدة.
ومن أشهر اؤلئك البيثاغوريين الذين كانوا معروفين آنذاك: - أركيتاس Archytas. – فيلولاووس Philolaos وكلاهما من تورنتوم.
وفي حوالي القرن الثالث ق.م، لم يعد ذاك المجتمع موجوداً.
لاحقاً، تمكن البيثاغوريين من إستعادة قوتهم في بدايات الأمبراطورية الرومانية في حوالي القرن الأول ب.م، حيث حاولوا المحافظة على مكانتهم داخل تلك الأمبراطورية. وعندما باتت المسيحية الديانة الرسمية للأمبراطورية في القرن الرابع ميلادي، أصبح البيثاغوريون من الأقليات الغير مرغوب بوجودها.
في الحقيقة، إن الأخوية البيثاغورية تركت أثراً ملموساً في الكثيرين من الناس خلال عقود طويلة، ومنهم من أصبح لاحقاً من الفلاسفة المشهورين أمثال:
- أفلاطون ودائرته الصغرى.
- نيقوماكوس من جيرازا.
- موديراتوس.
- نومينيوس من أفاميا.
- كرونيوس.
- ترسيلوس.
- بورفير من صور.
- يمبليخوس من عنجر.
- إمونيوس ساكاس ومجموعته.
وغيرهم كثيرون.

إن الأسينيين الذي ظهروا على جبل الكرمل، وعلى مقربة من البحر الميت. كانوا يعيشون حياتهم بطريقة مشابهة للطريقة البيثاغورية بمشاركتهم مع بعضهم في كل الأشياء، وإقامتهم الصلوات في وقت شروق الشمس، وممارستهم الصمت، وبإرتدائهم اللباس المصنوع من الكتان البيض، وفي حفظهم الأسرار، ومنهم أعلن يسوع المسيح مسيحاً.

وكان للبيثاغوريين تأثيرهم في مجموعات أخرى حول المتوسط، مثل الشفائيين Therapeuts الذين ظهروا في الصحراء المصرية التي عاشوا فيها كالنساك في مجموعة منعزلة. ومن الغرابة أن الطائفة الدرزية وهي إحدى الطوائف الإسلامية في لبنان تعتبر سرياً بأن بيثاغور هو واحدٌ من حكماءها السبعة!
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الماسونيين على ما يبدو قاموا بإقتباس عدة طرق وأفكار من البيثاغوريين، ولا سيما في درجاتهم العليا التي لبيثاغور فيها المكانة المرموقة عندهم.
وتابع عالم المتوسط أخذه التعاليم البيثاغورية لغاية القرن السادس الميلادي، حيث فيه باتت محظورة من جديد، لتعود لاحقاً بالظهور في النظام الإيزوتيركي.

إن فضل بيثاغور على البشرية كبيرٌ جداً، وعلى هذا فهي مدينة له لعلمه الواسع والشامل في الحقول العلمية، وهو السباق في الرياضيات بنظام الإيكزوتيريك ( نظرية بيثاغور. . . )، ونظام الإيزوتيريك، بالإضافة إلى علم الفلك
( نظرية الكواكب التي تدور حول الشمس، أي النظام الشمسي. . . )، والموسيقى ( إبتكار الآلة الأحادية الوتر )، وتنظيم المدينة الكاملة ( البنية الإجتماعية. . . )، وفي الفلسفة بوضعه الطريقة التي تجعل منا مثله " أحباءً للحكمة ".


لقد جعلنا بيثاغور مدركين هدفنا في الحياة، محدداً لنا نهايتنا في أن نصبح أخيراً كالله!
وإن عقيدة وفلسفة المعلم ما زالت حية لغاية يومنا هذا. . .
وسوف لن تموت أبداً.






























يوجد هناك رجال وآلهة وكائنات كبيثاغور.
( البيثاغوريون )
























الحواشي

الفصل الأول:
1- قيل بأن منيساركوس والد بيثاغور هو تاجر من ساموس التي هي جزيرة في البحر الإيجي حيث كانت آنذاك مركزاً مهماً للتجارة الفينيقية. وإسم ساموس ربما كان مشتقاً من الكلمة الكنعانية – الفينيقية " شاموش " ( أي الشماش : الشمس). بالإضافة إلى ذلك وفي السياق نفسه، فإن الحضارة الإيجية التي هي أساس الحضارة اليونانية كانت في الأصل منبثقة من الحضارة الكنعانية – الفنيقية بحسب ما قاله العديد من المؤرخين.
وإزاء لكل ذلك، نجد بأن جذور منيساركوس في الأصل هي كنعانية – فينيقية.
أما نحن فنظن بأن منيساركوس ولد في صور بالإستناد إلى ما قاله نيانتس Neanthes المصدر الموثوق والقديم الذي أكد ولادة منيساركوس في صور، وبهذا فهو ليس من تيرانيا Thyrhenia كما ظن البعض في محاولة منهم لتشويه الحقيقة.

2- إن الميراكس هو كناية عن حلزونة ( صَدَفة ) بحرية كانت موجودة فقط على الشواطئ الكنعانية – الفينيقية.

3- قيل بأن إسم بريطانيا مشتق من كلمة " بروتاني Prutani "، وإن هذا الإسم أعطي لحضارة الكالتس Celts من قِبَل الرومان. أما نحن فنعتقد بأن الفينيقين هم الذين أعطوا إسم " بر التنك " لبريطانيا التي كانت بالنسبة لهم خزاناً سرياً يستخرجون من مناجمه التنك. وإ
09-07-2005, 03:20 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  برنامج حمية السبيل-لوريل ميلين. السلوك السوي - كتاب يلبي رغبة الساعين إلى حياة أفضل ali alik 0 969 01-25-2012, 06:27 AM
آخر رد: ali alik
  رواية عالم صوفي/ عرض للدكتور محمد الرميحي بسام الخوري 1 2,584 06-15-2011, 08:50 AM
آخر رد: بسام الخوري
  رواية اسمها سورية - 40 كاتب ومؤلف في 1585 صفحة ، ملف واحد بحجم 25 ميجا مع الفهرسة ali alik 10 4,843 04-09-2011, 11:21 PM
آخر رد: kafafes
  رواية فنسنت فان جوخ - رائعة ايرفنج ستون في 772 صفحة .. لأول مرة ali alik 2 4,209 12-25-2010, 02:04 PM
آخر رد: kafafes
  مغامرة الكائن الحي _ جويل دو روزناي - و رواية يوم في حياة ايفان - الكسندر سولجينيتسين ali alik 1 1,877 10-26-2010, 04:48 AM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS