... عن الحرب الجديدة - القديمة ضد «المحكمة الخاصة للبنان»
الاربعاء, 28 يوليو 2010
محمد مشموشي *
لا يدلل «حزب الله»، كما يتبدى من اطلالات أمينه العام السيد حسن نصرالله المتعددة، الا أنه مهجوس بـ «المحكمة الدولية للبنان» وبالقرار الظني الذي ينتظر أن يصدره المدعي العام فيها حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الحزب، تحت وطأة هاجسه هذا، يبدو كمن يحاول أن يأخذ في طريقه ليس «السلام الأهلي» الهش في لبنان فحسب، بل حالة اللاسلام واللاحرب الأكثر هشاشة في المنطقة كلها.
وعملياً، فما بين خطاب نصرالله التصعيدي يوم 16 تموز (يوليو) الحالي، ومؤتمره الصحافي الهادئ يوم 22 منه، وإطلالته الثالثة «التسووية» يوم 26 منه (3 مواقف في 10 أيام فقط)، لم يفعل الحزب الا أنه هدد بضرب المحكمة باعتبارها «مشروعاً إسرائيلياً»، ودعا الى «مراجعة» ذاتية من قوى 14 آذار ومن الرئيس سعد الحريري باعتباره «ولي الدم» كما قال، وصولاً في المرحلة الأخيرة الى اقتراح «خريطة طريق» زادت حجم الالتباسات في الموقف بدلاً من أن تزيلها. وفي المرات الثلاث، لم يخل السيناريو الموضوع من عقدة «الغموض» الدرامية و «الوعد بالمفاجأة» في الحلقة التالية عبر القول إن في الجعبة أسراراً أخرى سيتحدث عنها عندما يحين الوقت.
لكن حكاية «حزب الله» مع المحكمة الدولية ليست جديدة في أي حال. بدأها، مع حلفائه، من خلال اعتكاف الوزراء بعد اغتيال النائب جبران تويني (كانون الأول/ديسمبر 2005) تحت ستار عدم الحاجة الى استعجال ضم ملف الاغتيال الجديد هذا الى ملف التحقيق الدولي، ثم استقالتهم من الحكومة بعد عام تقريباً (تشرين الثاني/ نوفمبر 2006) بدعوى الرغبة بإجراء دراسة معمقة لاتفاق انشاء المحكمة مع الأمم المتحدة. وفي المرتين، ارتفعت عالياً أصوات الوزراء والنواب والقوى السياسية التي تقف خلفهم وهي تحاول التبرؤ من وجود علاقة ما بين الاعتكاف والاستقالة من جهة وقيام المحكمة ومعرفة الحقيقة في اغتيال الحريري أو في ما تلاه من أغتيالات ومحاولات اغتيال من جهة ثانية.
ولم تقف الحكاية، على تعدد عقدها وفصولها، عند هذا الحد. فتحت عناوين أخرى، من بينها حملة التخوين الواسعة بعد العدوان الاسرائيلي عام 2006، نظم الاعتصام المديد في ساحة رياض الصلح، ومعه اقفال مجلس النواب وحصار السرايا الحكومية وتفريغ منصب الرئاسة بمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وصولاً الى اجتياح بيروت في 7 أيار (مايو) 2008. وفيها كلها، إشارات بالغة الوضوح والدلالة الى أي مدى يمكن أن يصل الحزب (مرة أخرى، بمساعدة حلفائه) في سياق هروبه من المحكمة الدولية: الانقلاب على واقع لبنان وصيغته ووحدته وميثاقه الوطني، ووضعه في كل مرة على شفا حرب أهلية ومذهبية لا يعرف أحد الى أين تنتهي.
«المحكمة مشروع اسرائيلي»، هذا ما قاله السيد حسن في خطابه الأول. أما القرارالظني الذي يتوقع أن يضعه المدعي العام فـ «معد سلفاً»، شأنه شأن الحكم النهائي الذي تصدره المحكمة في وقت لاحق. كذلك هو حال الذين طالبوا بقيامها وأيدوها ودافعوا عنها – «البيئة الحاضنة» للعملاء كما سماها – إن على مستوى الحكم أو الرأي العام في لبنان، أو على مستوى العالم العربي والدولي، فهؤلاء جميعاً في صلب «المشروع الاسرائيلي» هذا، أو أقله أدوات بين يديه وفي خدمته!.
هل يبقى من مجال للكلام بعد، أو للانصات الى أي كلام آخر، حول المحكمة أولاً وحول حاضر لبنان ومستقبله ووحدته الوطنية ثانيا؟.
في المؤتمر الصحافي، ثم في الاطلالة الثالثة للسيد حسن، مسعى لعدم اقفال الباب. لكن ذلك حطم في الواقع، أو كاد، أبواباً أخرى عمل اللبنانيون دائماً على ابقائها مشرعة في ما بينهم لعلاقتها المباشرة بسلمهم الأهلي وعيشهم المشترك ووحدتهم في مواجهة أعداء لبنان.
فلا المحكمة مجرد «خرقة» بين أيديهم، كما يتصور «حزب الله»، يمكنهم حياكتها أو تمزيقها متى شاؤوا، ولا القرار الظني دمية يتلهون بها (أو تتلهى بها اسرائيل من جهة و «لعبة الأمم» من جهة أخرى، كما يقول البعض)، ولا حتى في اتهام أفراد من «حزب الله» بالمشاركة في الجريمة – اذا تمت فرضية الاتهام هذه – ما يبرر التهويل بحرب أهلية أو مذهبية لا يعرف أحد كيف تبدأ وكيف تنتهي.
لماذا إذاً هذه «الحرب» المسبقة ضد المحكمة، ولم تبدأ عملها بعد، وضد القرار الظني، ولم يصدر بدوره كذلك؟
ليس مبالغة اعتبار أن الذين صمتوا (أو «وافقوا» حياء) على قيام المحكمة في السابق، قد فعلوا ذلك بأمل أن يزرعوا في طريقها ما يمكنهم من ألغام، بحيث تصل في نهاية المطاف الى ما يرغبون لها من موت بطيء. وقد وجدوا في «شهود الزور» ما اعتبروه ضالتهم في وقت من الأوقات، حتى إذا فشلوا لجأوا أخيراً الى حجة «عملاء اسرائيل الذين زوروا داتا الاتصالات الهاتفية» ظناً منهم أن القرار الظني يعتمد في جانب منه على «شهود الزور» وفي جانب آخر على «داتا الاتصالات» ولا شيء غير ذلك.
وفي هذا السياق، كان معبّراً قول السيد حسن بعد اطلاق الضباط الأربعة العام الماضي، إنه سيضع المحكمة «قيد الاختبار»، فيتعامل معها إذا وجد أنها «عادلة» (من يحكم على عدالتها؟) ويرفضها ويرفض قراراتها كلها إذا لم تكن كذلك.
لم يكن الأمر مألوفاً، ولا حتى مقبولاً بأي معيار قانوني أو سياسي، في ذلك الوقت. مع ذلك لم يتوقف عنده كثيرون، خصوصاً أن أحداً لم يكن يظن أن أفراداً من الحزب قد استدعوا بعد الى التحقيق، أو يمكن أن يستدعوا في المستقبل، لا بصفة شهود ولا بأي صفة أخرى.
الآن، يبدو أن ما كان غير مألوف يومها قد تجاوزه الزمن. فلم تعد المسألة أن تثبت المحكمة أنها «عادلة»، أو أن يكون القرار الظني مقترناً بأدلة واثباتات، بل بات الاثنان معاً محكومين بقرار السيد حسن النهائي: الأولى «مشروع اسرائيلي» موجه ضد الحزب، والثاني «موضوع سلفاً» من أجل اتهام الحزب بالجريمة.
أكثر من ذلك، لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى اعتبار كل من يؤيد المحكمة، أو لا يبادر الى ادانتها والدعوة الى الغائها، جزءاً لا يتجزأ من هذا المشروع وشريكاً فاعلاً فيه. والمطلوب من هؤلاء، يقول السيد حسن، أن يعيدوا النظر في المرحلة السابقة كلها... ثم أن يتصرفوا بعد الآن في ضوء اعادة النظر هذه.
لكن السؤال الفعلي هو: في أي مرحلة يقف «حزب الله» الآن؟
غالب الظن أنها مرحلة الضغط، لبنانياً وعربياً ودولياً، لتفريغ المحكمة من محتواها وربما لالغائها بصورة كاملة، تبريراً لموقفه السابق منها من جهة، ودفاعاً عن سمعة الحزب ليس في الفترة المقبلة فقط وانما في الفترة الماضية أيضاً من جهة أخرى.
و «مرحلة» الحزب هذه خطرة فعلاً، بل وبالغة الخطر، لأنها تضعه وتضع البلاد أمام خيارين أحلاهما مر: كشف الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري، وسلسلة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تلته وسبقته، أو المحافظة على حد معقول من السلم الأهلي في البلاد.
ويبدو أنه في هذا السياق أيضاً، جاء الاعتداء على قوات «اليونيفيل» في الجنوب وما رافقه من ايحاءات بأن هذه القوات كانت وتبقى «رهائن» بين أيدي الأهالي هناك، كما جاء «البناء» الكرتوني على تصريح لرئيس الأركان الاسرائيلي غابي اشكنازي تحدث فيه عما وصفه باستحقاقات أيلول (سبتمبر) المقبل في لبنان، كما جاءت الحملة المفاجئة على فرنسا وسياساتها في المنطقة والاتفاق الأمني بينها وبين لبنان... مع أن لا جديد في سياسات فرنسا تجاه لبنان أو اسرائيل أو حتى تجاه إيران.
... وما يزيد في خطورة المرحلة أنها محكومة عاجلاً أو آجلاً، وأياً كان السيناريو الموضوع لها، الى طريق مسدود.
* كاتب وصحافي لبناني
صفير: الأمور لا تدعو الى القلق
الى ذلك، أكد البطريرك الماروني نصرالله صفير أن الأمور في لبنان «لا تدعو الى القلق وأن ما يجري أمور تعودنا عليها».

