اليقين لا يكون إلا في جهة واحدة
والجهة الأخرى تكون وهماً
ومع ذلك يسميها الآخر يقيناً !
ولكن بعضهم كان على يقين التوحيد ثم انتقل به الحال إلى ما يسميه اليقين بفكرة اللادينية !
ومن المؤكد أن الانتقال من يقين إلى يقين آخر من الصعوبة بمكان
لأن بين اليقينين هوة واسعة يملؤها الشك والحيرة
وحتى يقطعها الفكر يحتاج إلى عشرات السنين إن لم نقل القرون والأجيال وتعاقب الثقافات التي تهدم عرا هذا اليقين عروة عروة ، وتبني لبنات الشك لبنة لبنة حتى تصل لدرجة اليقين بخطأ اليقين والإيمان بيقين فكرة الشك
فإذن قد يمكن الانتقال من يقين يخالطه الشك والحيرة إلى يقين آخر يضاده
ونحن إذن نتجوز حين نسمي الحالة الأولى يقينا !
لأن مداخل الشك فيها قد تكون في غاية الدقة والغموض بحيث تجعل حاملها يكذبها في كثير من الأحيان
ولكنها تتربص به لتنقض على ما توهمه يقينا في أقرب فرصة سانحة من الحيرة أو الاضطراب أو الفراغ الفكري أو التأزم النفسي أو الاجتماعي
وهنا يكون حامل الفكرة قد انتقل من الشك إلى اليقين ، بمعنى أنه لم يصل إلى اليقين في مرحلته الأولى ..
وهذه حال كثير من الملحدين الذين تخلو عن فكرة الدين واتجهوا لفكرة الإلحاد
فنجدهم في مرحلة الدين يعتقدون شكاً ويكتبون يقينا !
بمعنى أن حظ اليقين في حالتهم هو ما يكتبونه فقط ولكنهم يبطنون الشك
وبالتالي لا يوجد اعتقاد جازم يحمي أفكارهم التي سطروها بل تراهم يعودون عليها بالإبطال كما فعل القصيمي .
والحقيقة أن أبحاثهم هنا وهناك إنما تزيدهم شكا وحيرة ، وتحيط بها ظروف تلك الشخصية الإلحادية من الجوانب الأجتماعية والنفسية والتي تستحق الدراسة والتأمل ..
شخصية الملحد لا تمسك بها !
فهو ظاهرة صراخ يقول كل شيء ، ولكنه لا يقول شيئاً!
ويتوهم أنه يخاطب الجميع ولكنه في الواقع لا يخاطب أحدا حتى نفسه قد أعياها منطقه وخطابه فلم تعد تستمع إليه !
إنه يمثل وجه الفكرة وقفاها !
ثائر ومتلائم !
متسامح وغير متسامح !
منطقي ولكنه متناقض في الوقت ذاته !
متمرد على كل شيء ولكنه مسالم لأخطاء فكرته الإلحادية ..
لقد دفع مهر الإلحاد بشتم الدين وتسفيه الآلهة !!
ثم هو يقول أنا على يقين ولكنني أشك في يقيني !!!!!!!!!!!!!

الملحد في الحقيقة إنسان متألم ، يكتب ألمه ليستريح
الظروف صنعت منه شخصية علمية معقدة تؤمن بالتناقض وتكفر به في ساعة واحدة
وتأمل معي أحدهم وهو يحكي معاناته مع والده المتدين :

(( كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب ، لقد وجدت والدي متدينا متعصبا بلا حدود ، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة ، لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين ، وحاول أن يبدو كذلك ، ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة ))

وقد تجد في كتابات بعض الملحدين تعبيرا عن حالة خاصة يعيشها مع من حوله
فتجد لمسة الحزن في كتاباته وكأن حزن العالم قد سكن في صدره وفكره وسال به قلمه
وتجده في بعض الأحيان فظ العبارة متجهم الفكرة ينابذ حتى من سالمه
ثم إن اقتربت منه جيدا تجده سليم الصدر مسالما محبا صاحب إيثار !!

كأني ببعض الملحدين لا يكره الدين بقدر كرهه الشخصية التي تمثل الدين في أرض الواقع
وتأمل معي قول أحد الملحدين وهو في مرض الموت لأحد الممرضات :
(( يا ابنتي ! يجب أن نطهر قلوبنا من الحقد والحسد ؛ لأن الله فوقنا يرانا !!))

الملحد يحمل نبوغاً فكريا وعلميا وتوقدا في الذكاء !
والبلاء كل البلاء أن تجتمع روح التمرد مع الذكاء المفرط والعلمية المتبحرة والضغوط النفسية والاجتماعية وعندها لا تسأل ماذا ستنتج هذه العوامل مجتمعة !!

فكرة الإلحاد لا تحمل يقينا في ذاتها بقدر ما تحمل ثورة على من حولها ممن ادعوا حمل اليقين
فهي تشتغل بتفنيد أدلة اليقين مع أنها لم ولن تبني دليل يقين واحد
إنها فكرة تهدم ولا تبني ..!!!

وقد حان الوقت ليعترف أربابها بأنهم ظاهرة صوتية
وبوق لا يسمعه أحد
تجارتهم الشك
ورأس مالهم العقل الذي لا يلد إلا شكا وحيرة ..