أول باشتان، عزيزي استشهادي، من زمان وأنا بدي أسألك... ما الذي تريده تحديدا؟ اعتبره سؤال من أخ لأخوه وأجبني على العام أو الخاص كما تريد..
نأتي إلى الإسلام السياسي..
من باب كله عند العرب صابون، وكل مدعبل جوز وكل أبيض شحم، وكل ما يلمع فهو ذهب، وبعد الحمدلله والصلاة والسلام على المصفى وآله الطاهرين، نقول
الإسلام السياسي طيف واسع جدا كاتساع الطيف الكهرمغنطيسي، يتفقون في عبارة واحدة وهي تفعيل قضية الإيمان بالخالق المدبر في الحياة العامة وجعلها قاعدة لبناء المجتمع والدولة والأفراد، ويختلفون في كيفية هذا التفعيل وطريقته وأساليبه..
من غير المسلم به أن كافة الحركات الإسلامية المشتغلة بالسياسة استخدمت أو دعت إلى استخدام العنف طريقة لتحقيق أهدافها، هناك العديد ممن اعتبر العنف غير مجد، بل ممنوع للوصول إلى الأهداف المطلوبة، واكتفى بالعمل السياسي بين الناس ومعهم.
حين النظر إلى الحركات السياسية التي اعتمدت العنف وسيلة وأسلوبا لفرض ما يريدون في الحياة العامة والمعترك السياسي، ننظر من هو المقابل هناك الذين يريدون فرض أمرهم عليه، هل هم يصارعون الأمة وإرادتها أم يصارعون غيرهم ممن اعتمد العنف أيضا وسيلة للوصول لكن مع اعتماد غير الإسلام أصلا وأساسا له؟
حقيقة فالأمة غائبة أو مغيبة، وهي لا تحكم ولا تشارك في اتخاذ القرار، ومن يصارعهم هؤلاء الإسلاميون لقلب الطاولة عليهم ليسوا ممثلين عن الأمة، هم ليسوا إلا نظراؤهم في الإستبداد من المعسكر الآخر، يختلفان في كل شيء إلا الإستبداد، ويتفقان في الوحشية ونفي المخالف واعتباره مهدور الدم والمال والعرض والكرامة وكل ما يمكن هدره.
رأى الزملاء الكرام وحشية الإسلاميين حين رأوا التفجيرات والخطف وهدر دماء العاملين مع الدولة وما شابه من الجرائم التي رأوها، وأنا أراها جرائم أيضا، لكنهم لم يروا السجون الرهيبة التي عجت بهؤلاء الإسلاميين وعوائلهم قبل تفجر العنف الإسلامي في الرد على عبدالناصر ومن شابهه من المستبدين، لم ير أحد منهم أن الأرواح كانت تزهق، والأعراض تنتهك، والحرمات تستباح، والأموال تصادر، والبنين والبنات يخفون وينتهكون، والنساء تهان ويفتعل بها الفواحش، والأعضاء تقطع، والتعذيب القادم من أعماق محاكم التفتييش ينبش عنه ويبعث حيا على يد جلاوزة المستبد...
لذا كان الزملاء واعين أن صاحب رد الفعل ابن منتاكة، وأنه كان ينبغي له أن لا يثور برد غير إنساني على فعل قيم به معه ابتداء لم يكن إنسانيا بحال، أما المستبد الأول، الذي ركب دبابته واقتحم بها إلى كرسي الحكم وتشبث به لا يروم، فهو ابن امرأة فاضلة تقية ورعة حين تذكر لا يفطن المرء في ذهنه إلا إلى صاحبات الفضل الذاهبات في التاريخ.
طبعا، كل السبب الذي حدا بزملائي الكرام أن يتخذوا هذا النهج من النقد أن الخصم يحمل أيدولوجية مغايرة منافسة معادية لما يحملون، يريد لها أن ترى النور وتقام في الحياة، ولو أن الخصم الذي رأوه كان على خلاف الإسلام لثائرت ثائرتهم مطالبين بالحرية والحقوق السياسية، وعدم تجريم من ثار بعد ظلمه وارتكب جريمة، لأنه معذور بظلمه الأول.. ووضع اللوم على المستبد الذي بشرور استبداده صار ما صار..
لو أن الزملاء طلبوا أن يرجع الأمر إلى الناس، وتتنافس كافة الطوائف السياسية بحرية في نيل رضى الناس لما يريدون من مشاريع، مدة عشر سنين مثلا... هو حلم لن يتحقق وأعلم ذلك فالغلبة للقوة هنا، حينئذ قد ننظر وينظرون، وكما يرفض المجتمع الأمريكي الليبرالي الدعوة إلى الشيوعية اللينينية الماركسية البلشفية، حق للمجتمعات المشرقية إن أرادت أن ترفض اللليبراليون وما شابههم من أطياف مستغربة ترى المجد في غير أمتها، والخير في غير بلدها..
لا يستقيم فرضي أعلاه، لأن الأمم المقهورة لا تعطى ما تريد حتى تثور وتأخذه قسرا وتحمل من تريد عليه وإليه، وحتى تستطيع ذلك هذه الأمم لا بد من أمر عظيم ليس الآن آنه، ولا المكان مكانه، وقد يقيض الله لنا فنجلس ونتذكر هذا في غير حين..