صديقي "ضد الإلحاد":

أشكرك جزيل الشكر على كلامك الجميل وأتابع كل ما تكتب بتقدير وامتنان صادقين. عندما أرى المعرّف الذي تكتب به "ضد الإلحاد" أتبسم تبسمًا لأن الإلحاد كثيرًا ما راق لي من الناحية الذهنية وإن مال تكويني الشخصي دومًا نحو الإيمان. تريد أن تضحك معي؟ ذات مرة فكرت أن أعمل دراسة بحثية عن "الإلحاد" في الإسلام واتضح لي أن مصطلح الإلحاد بمفهومه الحديث أي atheism هو حديث العهد جدًا ودخيل جدًا على أدبيات تراثنا السامي الشرقي.. وعليه لم أجد مادة مناسبة أقدر أن أقدمها للناشر في عرض الكتاب. الموضوع لا يزال يعجبني وتعجبني فيه انطلاقة الفكر عامة. أكثر ما هو موجود في تراثنا الشرقي هو "الفكر الحر" لكن الإلحاد الحقيقي بمفهومه الغربي الحديث فلا وجود له بشكل صادق لا في الإسلام أو ما قبله أو في العصور اللاحقة. لكن الإلحاد الذي يتحدث عنه عبد الرحمن بدوي والذي يقابله مفهوم الهرطقة في المسيحية فهو يعني أفق حر واسع وانطلاقة غير عادية قد تؤدي بصاحبها للحرمان والاقتطاع من شركة الجماعة كما حدث مع صديقي "جورج بباوي" اللاهوتي القبطي الشهير.

اسمح لي بملاحظة شخصية صغيرة: أنت صاحب قدرات ممتازة من الناحية الذهنية الفكرية وأرجو أنها لا تتبدد في منتديات الحوار وأن تجود بما يتبقى من وقتك وتضع كل هذه الطاقة الجبارة في عملك البحثي الذي كلي شوق لسماع الكثير عنه مستقبلاً.

أتفهم تماما مشاعرك يا صديقي ولكن لتهدأ ثورتنا شوية.. الإسلام ليس في معركة مع أحد ولا أحد في معركة مع الإسلام. رأي فلان أو علان في الإسلام لن يؤثر فيه بشعرة بل كلها أراء وقد نقبلها وقد نرفضها. الإسلام معتقد متأصل في الوجدان و ما تأصل في الوجدان فيصعب حتى على الإلحاد العقلاني زحزحته. ...إلا في حالة التجرد والتجرد عامة صعب إنْ لم يكن مستحيل.

الزميل angler003: كلنا تجرفنا عاطفتنا وعاطفتنا في حميتها لا تمثل الدين بل تمثلنا نحن. إنه الأشرف عندي أن تكون للمرأة قضية يدافع عنها وبحماس وحمية من أن لا تكون عنده قضية بالمرة. الزميل وحيد عباس إنسان نبيل بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هو مؤمن ومتدين والعاطفة الدينية ليست بالقليلة بل هي تجمع شمل أمم أو تفرقهم. هذا في كل شعوب العالم وليس فقط عند المسلمين. رجاء لا تحكم على صديقي وأخي "وحيد عباس" من مجرد انفعالات دارت هنا وهناك.. أنا أيضا كنت أنفعل انفعالات حادة وكانوا يناقشون قرار فصل عضويتي من هذا الموقع في ذات يوم من الأيام وبلغني خبر ذلك واضطررت لمراجعة نفسي وسألت نفسي: أين الخطأ؟ ماذا أفعل وبحاجة لإعادة النظر فيه؟ الدين يا أخي العزيز ليس مجرد فكرة من الأفكار وهذه هي مشكلة الأصدقاء اللادينيين وهي أنهم ينسوا أنهم يوما كانوا تابعين لدين ما وينظرون للأمر من زاوية فيها يقبعون أحيانا في أبراجهم العاجية. الفكرة جزء من الاعتقاد الديني ولكنها ليست كل شيء بل هناك عواطف جياشة تثور وتحتد وتريد عدم الإساءة والتجريح وتلك كلها أمور نسبية فما قد لا يكون إساءة عندي هو عند غيري قمة الإساءة والعكس. تبقى الحقيقة الراسخة هي أن الحوار هو لنا بمثابة فرصة لننمو في التعرف إلى ذواتنا والتعرف إلى الآخر في الوجود . شكرًا.