كيف تحولت ( عائشة / لارا )علي يدي عبد الوهاب البياتي إلي أسطورة


ميلاد عائشة وموتها
في الطقوس والشعائر السحرية المنقوشة
بالمسمارية علي ألواح نينوي

1-
أحبني آشور بانيبالْ
مدينةً بنى لحبي وبنى من حولها الأسوارْ
ساق إليها الشمسَ بالأغلالْ
والنارَ والعبيدَ والأسرى ونهرَ الجنةِ الفراتْ
أحبني وكان نصفُ قلبه مأسورْ
في قاع بئر العالمِ المسحورْ
ونصفه الآخرُ في آشورْ
تأكله النسورْ
عاصفةً كان وفأساً في يد القدرْ
تهوي على جماجم الملوك والقلاع والمدنْ
أحبني لكنني أواه لم أكنْ
أحبه فماتت الأشجارْ
وجفَّ نهرُ الجنة الفراتْ
واختفت المدينةْ
والنارُ والشعائرُ السحريةْ
وحلَّ في مكانها ديكٌ من الحجرْ
يصيح عندما يعود فارس الحديد من مملكة الموت
علي ظهر جواد الريح والمطر
يبحث عن وجهي وعن ضفائري في مدن السحر
وفي طلاسم الكهان في معابد الغسق
منتظرا ولادتي في قاع بئر العالم المسحور
غزالة تعدو وراء عربات النفي في آشور

2 –
يبيعني النخاس في سوق الرقيق
وأنا مريضة بالحب
أحلم بالقرنفل الأحمر في حدائق الفرات
وهو يغطي جسدي المسكون بالموت والحياة
وصرخات طائر مفترس يموت في الأعماق
منتحرا وغارسا منقاره في جسد الأشياء

3 -
أحبني الساحرُ والشاعرُ والمحاربْ
قدّم قرباناً… بنى مسلّةْ
دوّن في متونها رُقاهْ
وحركاتِ الريحِ والكواكبْ
ونفحاتِ الطيبْ
دوّن أسماءَ زهورِ وطني البعيدْ
بكى على قبري ورشَّ دمَ طفلٍ يافعٍ ذبيحْ
قبّلني وكنتُ في ذراعه عاريةً أصيحْ
وكان ضوءُ القمرِ الأحمرِ في آشورْ
يصبغُ وجهي ويدي ويغمرُ الضريحْ
فدبّت الحُمرةُ في خدي ودبَّ الدمُّ في العروق
بكلمات سحره الأسود
أحيا جسد الطبيعة الميت والجذور
وفجر السحاب والبروق
فأرعدت وأبرقت ومطرت سماء ليل العالم : الزهور
وسرحت شعري يد الريح وحام حول نهدي جائعا عصفور
وحط فوق جسدي المصعوق
يبحث في حديقة الرؤيا عن الياقوت
والنار والينبوع
قال ,
وكنت أطرد العصفور
عني وعن ضفائري : أيتها السروة
يا عشتار
والربة الأم وطقس الصحو والأمطار
يامن ولدت من دم الأرض
ومن بكاء " تموز "
علي الفرات
لنهرب الليلة عبر الجبال
في زي راعيين
لكنه لم يكمل الحديث , فالجنود
داسوه بالأقدام
واقتلعوا عينيه
وكان في انتظارهم آشور بانيبال
في قاعة المرايا
ممتشطا لحيته وغارقا في النور

4 -
جارية أباع في الأسواق
في مدن الشرق التي يجتاحها الإعصار
أنتظر المخاض

5 -
لعربات النفي في آشور
لملك العالم , للشمس وللسنابل الخضراء
للطائر المقدس المحبوس
في العالم السفلي قاع هذا الجبل المسحور
للنار والطقوس
لجسد الأرض الذي يبعث تحت قبلات الصيف , للفرات
أحمل آثار سياط السبي
في مملكة الرب
وفي مملكة الإنسان
أبحثُ عن " تموزَ " في قصائد الشعرِ وفي الألواحْ
أضفرُ إكليلاً من القرنفلِ الأحمرِ
في تشرّدي ,
لرأسهِ المقطوعْ.
أنام في محارة مع الحصي والنور
والسمك الفضي والأعشاب
في قاع نهر كوكب مهجور
أكتب في الألواح
نبوءة تحل لغز الجوهر القاهر للموت والهيولي
أعانق المخيف والجميلا
أري علي الشاطئ
نسرا جاثما فوق غزال
وأري آشور بانيبال
يطعن في حربته شمس الغروب , وأري
الأسري في مشانق الإعدام
معلقين في ظل الغسق المخيف
وكاهنا يرتل الصلاة :
رب الجنود
أرميا النبي - قال
هكذا سأدع القواد
والأمراء يثملون وينامون إلي الأبد
رب الجنود , هكذا , يقول
فما الذي كنت لموتي وأنا سبية أقول ؟
وما الذي خبأه القدر ؟
في هذه الليلة تحت قدم الوحش
الذي يربض في بوابة المجهول .

( من ديوان قصائد حب علي بوابات العالم السبع )

فيما بعد سوف ندرس علاقة كل تلك القصائد بالقصيدة الأولي لكي نتعرف علي عالم البياتي الرائع

كوكو